إليك سؤال يتعلق بالحياة والموت: هل تساعد التطبيقات التي تُخطر الأشخاص باحتمالية تعرضهم لفيروس كورونا في إنقاذ الأرواح، أم أنها مضيعة للوقت والمال؟
تشير دراسة جديدة أجرتها جامعة أكسفورد وشركة جوجل إلى أن تطبيقات تتبع الاحتكاك تُقلل من نسب الإصابة بالعدوى واللجوء إلى المستشفيات وأعداد الوفيات عند أي مستوى تُستخدم فيه تقريباً، ما يوضح أن التكنولوجيا يمكن أن تلعب دوراً مُكملاً للدور الذي تلعبه تدابير مكافحة العدوى الأخرى، مثل التباعد الاجتماعي والتتبع اليدوي للاحتكاك.
ويقول روب هينش، المؤلف المشارك في الدراسة والباحث في قسم نوفيلد الطبي بجامعة أكسفورد، إن "الرسالة الرئيسية التي تحملها الدراسة هي أن عملية التتبع الرقمي للاحتكاك تُشكل جزءاً من حزمة التدخل"، مضيفاً: "حتى في حالة تدني نسبة الإقبال عليها، يُمكن لهذه التطبيقات أن تقدم مساهمات كبيرة. ومن المهم النظر إليها باعتبارها ركيزة أساسية في حزمة تدخل أكبر".
بات استخدام تقنيات التتبع الرقمي للاحتكاك والإشعار بالتعرض أكثر سهولة، بعدما أعلنت شركتي آبل وجوجل مؤخراً أن بوسع الوكالات الصحية استخدام نظام التحذير من التعرض لفيروس كورونا على الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد وعلى هواتف أيفون دون الحاجة إلى إنشاء تطبيقات مُخصَّصة. ولا يحتاج مستخدمو هواتف أيفون سوى إلى النقر على الشاشة فقط للمشاركة في هذه الجهود، بينما يقوم نظام أندرويد بإنشاء التطبيقات تلقائياً، وهو تحول يهدف إلى رفع نسب الاستخدام، وهدف يقول باحثو جامعة أكسفورد إنه يمكن أن يؤثر بشكل ملموس على معدلات الإصابة بفيروس كورونا. ومن الجدير بالذكر أن دراسة جامعة أكسفورد لم تخضع بعد لمراجعة الأقران.
وقد صمم الباحثون نماذج لثلاث مقاطعات في ولاية واشنطن؛ وذلك بعدما تسلحوا بالبيانات التي تم جمعها على مدار شهور حول الوباء الجديد، بالإضافة إلى تحسن فهم نظام الإشعار بالتعرض الذي صممته شركتا جوجل وآبل. وأجرى الباحثون عمليات محاكاة لتقدير تأثير "أدوات الإشعار الرقمي بالتعرض" عند استخدام أي نسبة تتراوح بين 15% و75% من السكان لها، وتعني هذه النسبة الأخيرة أن جميع مستخدمي الهواتف الذكية استخدموا النظام على نحو فعال.
وأظهرت النماذج أنه إذا استخدم 75% من الأشخاص أحد التطبيقات، فقد يساعد ذلك على تقليل أعداد الوفيات بنسبة تصل إلى 78%، وتراجع معدلات الإصابة بالعدوى بنسبة 81%. ولكن حتى إذا انخفض معدل الاستخدام إلى 15% فقط، فقد يعني ذلك تقليل أعداد الوفيات بنسبة 11.8% وتراجع معدلات الإصابة بالعدوى بنسبة 15%، الأمر الذي يعني إنقاذ آلاف الأرواح على مدى 300 يوم، وهي الفترة التي تدرسها النماذج.
ويأمل مؤلفو الدراسة أن تضفي هذه النماذج المزيد من الوضوح على دور التقنية في مكافحة هذا الوباء. وعلى الرغم من أن الأشهر العشرة التي انقضت -منذ ظهور كوفيد-19 لأول مرة- شهدت اقتراح العشرات من الحلول التقنية لمحاربة هذا المرض، إلا أنه كانت ثمة صعوبات كبيرة في فهم الكيفية التي يمكن أن تنجح بها أي من هذه النُهج الجديدة، أو ما إذا كان يُمكنها أن تنجح من الأساس.
وقد تعرضت الدراسات السابقة التي تناولت التتبع الرقمي للاحتكاك للتشويه على نطاق واسع؛ حيث تسببت إساءة فهم دراسة سابقة أجرتها جامعة أكسفورد في أبريل 2020 إلى دفع الكثيرين نحو الاعتقاد بأن وصول معدل استخدام تطبيقات تتبع الاحتكاك الرقمية إلى 60% هو شرط مطلوب قبل أن يكون لها أي تأثير. ونظراً لعدم وصول أي دولة لهذا المعدل، فقد افترض الكثيرون أن جميع التطبيقات عديمة النفع.
والواقع أن الدراسة التي نُشرت في شهر أبريل الماضي خلصت إلى العكس تماماً؛ وهو أنه حتى مستويات الاستخدام الصغيرة يمكنها أن تنقذ الأرواح عندما تقترن بتدابير أخرى للوقاية والاحتواء، مثل التباعد الاجتماعي، وإجراء الاختبارات بشكل سريع وفعال، وتنفيذ عمليات الإغلاق، وتلقي العلاج الطبي. كما توصل بحث حديث أجرته جامعة كوليدج لندن إلى استنتاجات مماثلة؛ وهي أن الأدوات الرقمية تكون فعالة عندما تُكمل تدابير مكافحة العدوى الأخرى.
وتعتبر دول مثل أيرلندا وألمانيا أن أدوات التتبع الرقمي للاحتكاك التي تستخدمها ناجحة. وعلى الرغم من أن كلا البلدين لم يصل على الأرجح إلى نسبة استخدام تبلغ 60%، إلا أنهما يقيسان النجاح من خلال سلاسل العدوى التي تم كسرها والأرواح التي أُنقذت.
ويقول كريستوف فريزر من قسم الصحة بجامعة أكسفورد: "يسرنا حقاً أن نرى أنه بإمكان تطبيقات تتبع الاحتكاك في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية تقليل عدد حالات الإصابة بالعدوى واللجوء إلى المستشفيات وأعداد الوفيات بشكل ملموس، وذلك عند مختلف مستويات استخدام السكان للتطبيقات".
وبحثت الدراسة الجديدة أيضاً تأثير التتبع اليدوي للاحتكاك، وخلصت -مثل الدراسات السابقة- إلى أن الإستراتيجية الأكثر فعالية هي الجمع بين عمليات التدخل؛ إذ تعمل تقنيات التتبع الرقمية واليدوية للاحتكاك معاً بشكل أفضل عندما تُكملان عملية التباعد الاجتماعي، وهو ما قد يسفر عن تقليل عدد مرات فرض الحجر الصحي وإتاحة الفرصة لإعادة فتح المجتمعات بأمان وبشكل أسرع.