تطبيقات تتبع فيروس كورونا تبقى فعالة حتى لو استخدمها أقل من 60% من السكان

4 دقائق
مصدر الصورة: ماركوس وينكلر عبر أنسبلاش

مع وجود العشرات من تطبيقات التتبع الرقمي للاحتكاك التي تم إطلاقها بالفعل في جميع أنحاء العالم، والعديد غيرها في طريقها إلى الإطلاق، كم عدد الأشخاص الذين ينبغي أن يستخدموها حتى ينجح النظام في تحقيق غايته؟ الجواب: رقمٌ واحد ظهر مراراً وتكراراً، وهو 60%.

هذه هي النسبة المئوية من السكان التي تقول العديد من سلطات الصحة العامة إنها تسعى للوصول إليها في محاولة لحماية مجتمعاتها من كوفيد-19، وذلك وفقاً لما وثّقته إم آي تي تكنولوجي ريفيو في قاعدة بيانات تطبيقات تتبع كوفيد-19، وتستند هذه النسبة إلى دراسة من جامعة أوكسفورد نُشرت في أبريل. إلا أن عدم تحقيق أي دولة لمثل هذه المستويات من المشاركة قد دفع الكثيرين إلى انتقاد تقنيات "إبلاغ المستخدمين بالتعرض للعدوى" باعتبارها عديمة النفع في الأساس.

لكن الباحثين الذين أصدروا الدراسة الأصلية يقولون إن عملهم قد أُسيء فهمه بشكل كبير، وإنه في الواقع يمكن لمستويات أقل بكثير من نسبة اعتماد التطبيق أن تحمل أهمية حيوية في مواجهة كوفيد-19.

حيث تقول أندريا ستيوارت، المتحدثة باسم فريق أوكسفورد: "كان هناك الكثير من التقارير الخاطئة حول الفعالية ونسبة المشاركة التي تقول إن التطبيق لا يعمل كما ينبغي إلا عند نسبة مشاركة تبلغ 60%، وهذا ليس صحيحاً". وتضيف ستيوارت إنه في الواقع "تبدأ فعالية التطبيق في حماية الأشخاص" عند "مستويات مشاركة أدنى بكثير".

فقد وجدت نماذج أوكسفورد أن "التطبيق له تأثير عند جميع مستويات المشاركة" كما هو موضّح في الرسم البياني أدناه، الذي يوضح أن كل مستوى من الاعتماد يُساهم في إبطاء تفشي الوباء إلى حد ما.

ما مصدر سوء الفهم؟

من المحبذ أن يتم استخدام التطبيقات الرقمية لتتبع الاحتكاك وإشعارات التعرض على أوسع نطاق، وذلك بالنظر إلى الطريقة التي تعمل بها هذه التطبيقات، حيث تقوم على إبلاغ المستخدمين إذا كان هاتفهم قريباً من هاتف شخص تم لاحقاً تشخيص إصابته بكوفيد-19. وبالتالي، كلما ازداد عدد مستخدمي التطبيق، ازداد احتمال مساعدته للأشخاص المعرضين للخطر على حجر أنفسهم ذاتياً قبل أن ينقلوا العدوى إلى الآخرين.

لكن الكثير من الجدل حول تطبيقات تتبع الاحتكاك يركز على حقيقة أن الوصول إلى نسبة مشاركة 60% يبدو هدفاً صعب التحقيق، وربما مستحيلاً، وعلى وجه الخصوص إذا ما أخذنا في الاعتبار احتمال عدم رغبة أو عدم قدرة العديد من الأشخاص (بما في ذلك المستخدمين الصغار جداً والمستخدمين الأكبر سناً وأولئك الذين لديهم هواتف قديمة) على تنزيل واستخدام البرامج المطلوبة.

وقد سلطت العديد من التقارير والتحليلات الإعلامية الضوءَ على جملة واحدة من التقرير تنص على ما يلي: "تُظهر نماذجنا أنه يمكننا إيقاف الوباء إذا قام حوالي 60% من السكان باستخدام التطبيق".

لكن هذه التقارير حذفت بصورة منتظمة النصف الثاني من الجملة: "حتى مع عدد أدنى من مستخدمي التطبيق، تظل تقديراتنا تشير إلى تخفيض في عدد حالات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا".

في الحقيقة، يأخذ نموذج أوكسفورد في حسبانه العديد من العوامل التي أثارت مخاوف المنتقدين؛ إذ تقول الورقة البحثية إنه إذا قام 80% من جميع مستخدمي الهواتف الذكية بتنزيل التطبيق- وهو رقم يَستبعد المجموعات الأقل احتمالاً لامتلاك هاتف ذكي ويعادل 56% من إجمالي السكان- فستكون هذه النسبة كافية حتى يتمكن التطبيق وحده من كبح الوباء، ومن دون الحاجة إلى أي شكل آخر من أشكال التدخل.

وعلى الرغم من أن انخفاض معدلات الاستخدام يعني أن هذه التطبيقات لن تتمكن وحدها من التغلب على المرض، لكنه معنى مختلف تماماً عن القول إن تدني معدل الاستخدام سيُفقد التطبيقات فعاليتها. وبدلاً من ذلك، يقول الباحثون إنه إذا قام عدد أقل من الأشخاص بتنزيل التطبيق فستكون هناك حاجة إلى تدابير الوقاية والاحتواء الأخرى. وتشمل هذه التدابير: الابتعاد الاجتماعي، والاختبار على نطاق واسع، والتتبع اليدوي للاحتكاك، والعلاج الطبي، وإغلاق المناطق. وبالفعل يتم استخدام العديد من هذه العمليات في جميع أرجاء العالم.

تم إجراء هذا البحث بقيادة البروفيسور كريستوف فريزر، الرئيس المشارك في برنامج تتبع الاحتكاك في قسم الطب بجامعة أوكسفورد، ومستشار علمي مستقل لحكومة المملكة المتحدة بشأن جهود تتبع الاحتكاك. ويقول فريزر إن الرقم 60% قد اجتذب كل التغطية الإعلامية، ويضيف: "هذا يوضح مدى صعوبة التحكم في السرد الإعلامي".

ما هو مستوى الاعتماد المطلوب؟

من المهم تصحيح افتراض الحاجة إلى مستوى 60% من الاعتماد؛ لأن طريقة استقبال الجمهور للتطبيقات يمكن أن تؤثر على كيفية استجابة الدول لهذا الوباء وللأوبئة الأخرى في المستقبل. والاعتقاد السائد بأن أي مشاركة أقل من تلك العتبة ستؤدي إلى الفشل يمكن أن يمثل خطأ فادحاً.

فبعض البلدان وصلت إلى مستويات كبيرة من الاعتماد؛ حيث حققت أيسلندا نسبة استخدام تبلغ حوالي 40%، في حين جعلت بلدان أخرى مثل قطر وتركيا تنزيل تطبيقاتها إلزامياً.

وعلى الرغم من معرفة الباحثين بأن المستويات الأقل من الاعتماد تبقى مفيدة، إلا أنهم ليسوا متأكدين تماماً مما ستعنيه المستويات المختلفة من الاعتماد. ومع ذلك، فإن كل إبلاغ ناجح يمثل احتمال إنقاذ حياة شخص ما.

ويقول فريزر إن فريقه قد افترض أن المستويات الأقل من الاستخدام قد يكون لها فوائد صغيرة جداً، ولكن في الواقع، تُظهر المحاكاة أن الفوائد أعلى بكثير مما اعتقدوا.

ويضيف: "كنا نتوقع أن فعالية استخدام التطبيق ستكون محدودة عند مستويات اعتماد منخفضة؛ فإذا كان لديك 10% من الأشخاص يستخدمون التطبيق، فإن فرصة اكتشاف حدوث احتكاك بين شخصين هي 10% من 10%، أي 1% وهي نسبة صغيرة جداً. لكن ما وجدناه في المحاكاة كان مختلفاً عما اعتقدناه، ونحن نعمل على فهم السبب وراء الفوائد الناجمة عن تراكم نسبة الاستخدام".

كما يدعو فريزر إلى مراقبة عمل التطبيق ومراجعته بشكل مستمر حتى يحقق الغاية المرجوة منه. 

ويتوقع أنه حتى لو لم يتمكن التتبع الرقمي للاحتكاك من كبح كوفيد-19 بمفرده، فإنه سيكون جزءاً من إستراتيجية مكافحة تفشي الأمراض في المستقبل. إنّ الدروس التي نتعلمها الآن ستؤتي ثمارها إذا ما استغرقت السيطرة على كوفيد-19 عدة سنوات، وإذا ظهرت أوبئة أخرى في السنوات القادمة.

يقول فريزر: "نعلم أن الصحة العامة ترتبط بشكل مباشر مع بناء الثقة، إذن كيف نتمكن من بناء وسط يعرف الناس فيه أنه تتم مشاركة البيانات من أجل المنفعة العامة؟ يخشى الناس من إساءة استخدام البيانات، وهو ما شهدناه في الفضاء الرقمي؛ فكيف نضع حداً لسوء الاستخدام مع تشجيع الاستخدام الإيجابي للبيانات في نفس الوقت؟ من الواضح أهمية هذا الموضوع؛ فالقدرة على أداء أعمال مفيدة للصالح العام تتعزز عند مشاركة المعلومات، لكننا في حاجة إلى أُطر عمل لتحقيق ذلك".