تجارب جينية خطيرة لإطالة عمر الإنسان بمدينة من نوع خاص

14 دقيقة
هل يمكن الوثوق بمنتجات شركة تكنولوجيا حيوية تستضيفها مدينة عملات مشفرة؟
مصدر الصورة: نيكولاس أورتيغا

تم وضع الإعلان التالي على منصة النشر ميرور (Mirror) التي تعمل بتقنيات الويب 3، وذلك في شهر مارس/ آذار من العام الماضي، وقد تضمن عرضاً جذاباً، وإن كان غامضاً بعض الشيء: "يمكنك الحصول على رموز غير قابلة للاستبدال (NFTs) للمرحلة الأولى من تجربة سريرية لبلاسميد الفوليستاتين في مدينة بروسبيرا للتوظيف والتنمية الاقتصادية في الهندوراس".

تم نشر الإعلان من قبل شركة التكنولوجيا الحيوية الناشئة مينيسيركل (Minicircle)، والتي كانت تعمل على تجميع المشاركين لتجربة سريرية لعلاج جيني. ولكن هذا الإعلان تضمن بضع تفاصيل غريبة. فقد طلب من المشاركين، الذين سيقومون بدور أقرب إلى فئران التجارب، شراء رمز غير قابل للاستبدال للمشاركة. كما وعد المشاركين بتلقي أتعابهم بالعملات المشفرة بعد انتهاء الدراسة. ومع أن الإعلان يشير إلى الموقع الجغرافي للتجربة، فمن المحتمل أن المشاركين لم يفهموا على الفور طبيعة المكان، وهو بشكل أساسي مدينة تجريبية للعملات المشفرة، تحمل اسم مدينة بروسبيرا في الهندوراس.

شركات تنتج أدوية بتكاليف باهظة

وتمثل عملية التجميع غير التقليدية هذه تطوراً مثيراً للاهتمام في مجال العلاج الجيني، وهو مجال فائق التطور، على الرغم من أنه تعرض إلى عقود متواصلة من الانطلاقات الزائفة والإخفاقات. وعلى الرغم من أن العلاجات الجينية الحائزة موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية ما زالت نادرة، فإنها باهظة الثمن للغاية، ويعود هذا جزئياً إلى التكاليف العالية والتعقيدات الكبيرة في عملية صنعها.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، ظهرت العديد من العلاجات الجينية التي تم إطلاقها حديثاً، والتي حازت تباعاً لقب الدواء الأعلى ثمناً في العالم، ويعود هذا اللقب حالياً إلى علاج مرض الناعور من الصنف B، هيمجينيكس، والذي تم إطلاقه في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2022 بثمن 3.5 مليون دولار.

اقرأ أيضاً: ما هي تقنية إعادة البرمجة الوراثية وهل يمكن استخدامها لإطالة عمر البشر؟

يتم إنتاج هذه العلاجات من قبل الشركات أمثال نوفارتيس (Novartis) وسي إس إل بيرينغ (CSL Behring)، وهي شركات أدوية عملاقة راكمت كميات ضخمة من بيانات التجارب السريرية على مدى عدة سنوات، وتتبع إجراءات صارمة في إجراء الاختبارات تحت إشراف دقيق من إدارة الغذاء والدواء الأميركية.

غير أن مينيسيركل قررت أن تتبع طريقاً مختلفاً. تهدف هذه الشركة الناشئة، والتي تم تسجيلها في ديلاوير، إلى دمج عناصر من مسار اختبارات الأدوية التقليدية مع أساليب "محترفي القرصنة الحيوية"، وهم مغامرون طبيون يفتخرون بإجراء التجارب على أنفسهم، ولطالما أطلقوا الوعود بتحقيق العلاج الجيني الذي يمكن للمرء تطبيقه بنفسه.

ولكن الاختلافات الغريبة لا تقف عند هذا الحد. فسيتم إجراء تجارب مينيسيركل في بروسبيرا، وهي "فردوس ليبرالي" واعد ظهر نتيجة تشريع مثير للجدل ويسمح للشركات العالمية بأن تشغل مساحات محدودة من هندوراس لتأسيس دويلات صغيرة خاصة بها. إنها تجربة ثورية من حيث سماحها لشركة خاصة بأن تقوم بدور الدولة.

وعلى الرغم من إيلاء الكثير من الاهتمام لاستخدام هذه المدينة المستقلة للبيتكوين كعملة رسمية، فإن الشراكة مع مينيسيركل تمثل مرحلة مفصلية مهمة نحو تحقيق هدف آخر، وهو التحول إلى نقطة جذب للابتكار الطبي، ومركز مستقبلي للسياحة الطبية.

اقرأ أيضاً: كيف تؤدي الاختبارات الجينية الحديثة إلى قلب حياة البعض رأساً على عقب؟

وفي ظل هذه الظروف الغريبة، تسعى مينيسيركل إلى أن تقود اندفاعة القرصنة الطبية نحو الانتشار العام، أو على الأقل، الاقتراب من تحقيقه، وذلك بدراسة العلاجات الجينية التي تستهدف بعض الأمراض المعروفة، مثل الاضطرابات العضلية، والإيدز، وانخفاض التستوستيرون، والسمنة الزائدة، والقيام بكل هذا بدعم كبار الشخصيات في المجال التكنولوجي وتحت إشراف اللوائح "الداعمة للابتكار" المصوغة خصيصاً لهذا الغرض.

وتهدف في نهاية المطاف، إلى توسيع نطاق إمكانية الحصول على العلاجات الجينية، مع التأكيد على اكتشاف مزيج الحموض النووية بالتركيبة الصحيحة لإطالة العمر.

قال مؤسس مينيسيركل ورئيسها التنفيذي ماكيافيلي (اختصاراً: ماك) ديفيس في مدونة فايندينغ فاوندرز الصوتية في يونيو/ حزيران من عام 2020: "يتركز نظام شركات الأدوية الكبيرة بالكامل حول صنع أدوية باهظة الثمن لأمراض نادرة للغاية لا يعاني منها سوى قلة من الناس. أرغب بصنع أدوية معقولة الثمن لأمراض يعاني منها الجميع".

القرصنة الحيوية

وواصل حديثه قائلاً: "أعتقد أن القدرات الكامنة لتكنولوجيا مينيسيركل يمكن أن تحدث تحولاً ثورياً، وتكون مفيدة للبشرية"، مشيراً إلى التقنية الأساسية للشركة في إيصال العلاج الجيني إلى الخلايا البشرية. "لقد اكتشفنا بعضاً من مفاتيح الحياة الطويلة للغاية، ويبقى علينا أن نختار إجراء الاختبارات عليها دون أن تعيقنا المخاوف والقوانين". (لم تستجب مينيسيركل لطلبنا بالتعليق أو الإجابة عن قائمة من الأسئلة المحددة، أما اقتباسات ديفيس التي تظهر في هذه المقال فهي مأخوذة كلها من المدونة الصوتية).

اقرأ أيضاً: شركات ناشئة تطور تقنيات تساعد كبار السن على العيش بسعادة وصحة

وإذا لم تتحقق طموحات ديفيس الكبيرة، فقد يؤدي عمل مينيسيركل على الأقل إلى فتح جبهة جديدة في العلاجات الجينية الموجهة إلى المستخدمين، وذلك على غرار السوق المزدهرة لعلاجات الخلايا الجذعية غير المرخصة، والتي يمكن أن تكون خطيرة في بعض الأحيان.

من ناحية أخرى، فإن معظم العلماء الذين تحدثت معهم لا يشعرون بحماس زائد إزاء عمل مينيسيركل، وعبّروا عن شكوكهم في طرقها وأهدافها، على حين يشعر الخبراء في مجال الأخلاقيات الطبية بالقلق حول كيفية إجراء التجارب، وما يمكن أن يعني هذا بالنسبة لصناعة السياحة الطبية النامية، والتي تفتقر إلى النزاهة في بعض الأحيان.

يقول هؤلاء الخبراء أيضاً إن أسلوب التساهل في الإجراءات والقوانين للمناطق الاقتصادية الخاصة، مثل بروسبيرا، يمكن أن يقرع ناقوس الخطر (على الرغم من أن هذه المدينة المستقلة تدافع بقوة عن قوانينها).

اقرأ أيضاً: كيف ستنعكس رقمنة خدمة الوصفات الطبية على المرضى ومقدمي الرعاية الصحية؟

يقول المدير التنفيذي لبرنامج الأخلاقيات البيولوجية في جامعة كاليفورنيا في إرفين، لي تيرنر: "تتلخص مخاوفنا إزاء هذه الفضاءات في احتمال عدم تخصيص موارد كافية للحرص على إجراء الأبحاث الطبية بصورة سليمة وصحيحة. فمن المحتمل أن ثمة عيادات ومستشفيات لا تخضع لأي إشراف من حيث مزاعم التسويق التي تطلقها، أو الممارسات الطبية التي تعتمدها".

وعلى الرغم من أن هذه النطاقات قد تكون موطناً لعمل طبي صحيح ومبني على الأدلة، فإنها قد تؤدي أيضاً إلى تحفيز "ممارسات طبية أكثر إساءة"، كما يضيف تيرنر: "بحيث تستغل غياب القوانين وضعف الإشراف".

ويختم قائلاً: "تتلخص المشكلة في احتمال تعرض المرضى إلى خطر كبير".

سأقوم بشيء أراهن أنك كنت تعتقد أنه مستحيل

ليست هذه المرة الأولى التي حاول فيها محترفو القرصنة الحيوية إحداث زعزعة في مجال العلاج الجيني. فقد حاولت إحدى المجموعات صنع نسخة مقلدة من غلايبيرا، وهو علاج جيني بقيمة مليون دولار لأحد الأمراض الوراثية، وهو عمل قامت إم آي تي تكنولوجي ريفيو بتغطيته في 2019. وعلى حين لم تؤدِ هذه الجهود إلى أي نتيجة على ما يبدو، فإن مينيسيركل تعمل بالروح الشعبية نفسها، ولكن بقدرات مالية أكبر.

إن صلات مينيسيركل بحركة القرصنة الحيوية عميقة. فقبل تأسيس الشركة في 2019، كان ديفيس يعمل في شركة أسيندانس بايوميديكال (Ascendance Biomedical)، والتي كان يديرها آرون ترايويك، وهو القرصان الحيوي الذي اشتهر بأنه حقن نفسه بعلاج غير مجرب لمرض القوباء.

(من الجدير بالذكر أن وفاته غير مرتبطة بالقرصنة الحيوية، فقد توفي بسبب حادث غرق في خزان لعزل الحواس). وقد تمكن شخص آخر من ذوي الصلة بأسيندانس بايوميديكال، تريستان روبرتس، من تحقيق ضجة إعلامية منذ بضع سنوات بحقن نفسه بعلاج غير مجرب للإيدز، وهو علاج يقال إن ديفيس ساعد على تركيبه.

وفي المدونة الصوتية، تحدث ديفيس بحماس عن "التعديل الجيني في المنزل" منادياً بما أطلق عليه تسمية "فن التشكيك الابتكاري في الافتراضات الأساسية الموجودة لدى الناس حول حدود البيولوجيا باستخدام التجارب، والتفكير بالطريقة التالية: سأقوم بشيء أراهن أنك كنت تعتقد أنه مستحيل".

"لقد اكتشفنا بعضاً من مفاتيح الحياة الطويلة للغاية، "ويبقى علينا أن نختار إجراء الاختبارات عليها دون أن تعيقنا المخاوف والقوانين".

جاذبية استثمارية

ومن المؤكد أن افتتاح مينيسيركل أولى عياداتها للعلاج الجيني في بروسبيرا لم يحدث بالصدفة، فهي تعتبر بصورة رسمية منطقة للتوظيف والتنمية الاقتصادية (اختصاراً: ZEDE) في هندوراس. تمثل بروسبيرا مساحة معزولة تعج بالنشاط على جزيرة رواتان الاستوائية، وقد جذبت استثمارات من كل من بيتر ثيل ومارك أندريسن، كما تديرها مجموعة دولية من الليبراليين (على الرغم من أنهم يرفضون هذا التصنيف، ويزعمون بدلاً من ذلك بأنهم يناصرون التجسيد غير الأيديولوجي للحرية والازدهار).

اجتذبت المدينة المستقلة تغطية إعلامية دولية كبيرة على مدى السنوات الماضية، بما في ذلك مقال كتبته لإم آي تي تكنولوجي ريفيو، وذلك بسبب الطريقة التي تقدم بها نفسها للمستثمرين، بما في ذلك مقاربة العمل بسرعة مع ارتكاب الأخطاء إزاء صناعات تخضع عادة لقوانين صارمة. وهذا يعني أنها تطبق قوانينها الخاصة المصوغة لتعزيز التجارب المالية، والابتكار الطبي أيضاً منذ فترة قريبة.

اقرأ أيضاً: كيف تساهم شركات التكنولوجيا في تشكيل مستقبل الرعاية الصحية؟

ويبدو أن هذه الفلسفة تحقق أصداء إيجابية مع محترفي القرصنة الحيوية، إضافة إلى عمالقة التكنولوجيا. فثيل، والذي قام بضخ الملايين في أبحاث إطالة العمر، وقال إن احتمال حقن نفسه بدماء أشخاص صغار السن أمر "مثير للاهتمام إلى درجة كبيرة"، استثمر أيضاً في مينيسيركل بصورة مباشرة، ويبدو أن الشركة جمعت 150,000 دولار على الأقل في 2021 من ثيل ونافال رافيكانت، وهو أحد مؤسسي شركة أنجل ليست (AngelList)، ومستثمر بارز في التكنولوجيا والعملات المشفرة. (لم يستجب ثيل ورافيكانت لطلباتنا لهما بإدلاء تعليق) أيضاً، أكد الرئيس التنفيذي لأوبن أيه آي (OpenAI)، سام ألتمان، في تصريح لإم آي تي تكنولوجي ريفيو أنه ضخ 250,000 دولار في الشركة الناشئة.

وهناك عالم بارز واحد على الأقل يرى إيجابية محتملة في تنامي فضاءات القرصنة الحيوية. فقد قال لي أستاذ الجينات في مدرسة هارفارد الطبية، والذي كان يقدم الاستشارات في أعمال القرصنة الحيوية، جورج تشيرتش، إنه يرحب بتطور القرصنة الحيوية من التجارب الذاتية إلى التجارب السريرية مكتملة الأركان. وعلى الرغم من أنه غير ملم بتفاصيل عمل مينيسيركل على وجه التحديد، فإنه يقول إن الفكرة العامة "يمكن أن تؤدي إلى ثورة في تخفيض التكاليف، شريطة عدم وقوع أي حوادث خطيرة".

وهذا شرط حساس بطبيعة الحال.

هل ستستطيع مينيسيركل أن تنجح حيث فشل الآخرون مراراً وتكراراً؟

على الرغم من أن موقع الويب التابع لمينيسيركل لا يشارك الكثير من المعلومات حول أهداف تجاربها السريرية، وتفاصيل تصاميم هذه التجارب، فإن بعض إعلاناتها وتصريحاتها أثارت الدهشة دون شك، خصوصاً الشعار الرنان الذي طرحته الشركة، والذي يشير إلى "علاج جيني عكوس".

وبناء على المواد الإعلامية المعلنة للشركة، استنتج خبراء الجينات والأخلاقيات الحيوية الذين تحدثت معهم أن بعض التجارب المعلنة، على ما يبدو، تستند (جزئياً على الأقل) على أدلة علمية موجودة من قبل. ولكن بعض نواحي العمل ما زالت غير تقليدية، وتحمل سمات بيئة العملات المشفرة المهووسة بإطالة الأعمار. ومن هذه النواحي، على سبيل المثال، استخدام الرموز غير القابلة للاستبدال، على الرغم من أن بعض الباحثين الطبيين اقترحوا إمكانية استخدام الرموز غير القابلة للاستبدال لتتبع موافقة المريض على إجراء التجارب الطبية.ولم تستجب مينيسيركل لأسئلتنا حول الدور الحقيقي للرموز غير القابلة للاستبدال في هذه الحالة.

"إذا أردت صنع دواء مكافئ لينبوع الشباب، فلا أعتقد أنه فوليستاتين".

ويبدو أن العمل قد بدأ على إجراء تجربة واحدة على الأقل للعلاج الجيني بالفوليستاتين، مع عدد غير محدد من المشاركين، وفقاً لمواد إعلامية من بروسبيرا. وفي المواد المختلفة التي تنشرها على الإنترنت، تشير مينيسيركل إلى نطاق واسع من الأهداف السريرية لهذا العلاج، وعلى الرغم من أن بعض العناصر تبدو مرتكزة على أبحاث علمية موثقة، فإن البعض الآخر أبعد بكثير عن الطابع التقليدي.

يُعرف الفوليستاتين بأنه بروتين سكري يرمّزه جين FST. وبالنسبة لمينيسيركل، فإن ميزته الأكثر إثارة للاهتمام هي قدرته على إبطال مفعول الميوستاتين، وهو بروتين يثبط نمو العضلات. ويعني إيقاف الميوستاتين أن خلايا العضلات ستتمكن من التضاعف والتوسع دون القيود البيولوجية المعتادة. ولهذا، فإن الحيوانات المصابة بتحولات في هذا الجين –مثل الكلب السلوقي المصاب بالتضخم العضلي، والذي يتميز بمظهر مخيف- تتميز بعضلات منتفخة بشكل يذكر بالرسوم المتحركة. ومن الناحية النظرية، فإن العلاج الجيني بالفوليستاتين يؤمّن طريقاً سريعاً نحو هذا النمو العضلي.

اقرأ أيضاً: كيف ستحل الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد معضلة التبرع بالأعضاء؟

وقد حاول الباحثون استثمار هذه الطريقة لعلاج الأمراض العصبية-العضلية التي تؤدي إلى ضعف العضلات أو توقف تطورها، مثل التصلب الجانبي الضموري وسوء التغذية العضلي. ولكنهم لم يحققوا نجاحاً يستحق الذكر. يقول المفتش الأساسي في مركز العلاج الجيني في مستشفى نيشنوايد للأطفال في أوهايو، سكوت هاربر: "حتى الآن، لم يثبت نجاح أي طريقة في التجارب السريرية البشرية بنفس درجة نجاحها على النماذج الحيوانية". وعلى الرغم من هذا، فإن استمرار مينيسيركل في هذا العمل ليس خارجاً عن المألوف إلى حد بعيد.

احتيال الترويج لعلاجات تطال الأصحاء أيضاً

أما الناحية التي يبتعد فيها العمل عن نطاق العمل العلمي المثبت بالأبحاث، ويدخل نطاق العلاجات البديلة القائمة على الاحتيال، فهي أن الشركة الناشئة تسعى إلى استخدام العلاج الجيني بالفوليستاتين لتحسين العضلات، والصحة العامة، للمشاركين الأصحاء أيضاً. وفي إعلان مينيسيركل عن التجارب على منصة ميرور، تقدم هذا العلاج على أنه إكسير لتجديد الشباب وتضخيم العضلات، وهو شيء لا يرتكز على الكثير من الأدلة العلمية المثبتة.

"يؤدي العلاج الجيني بالفوليستاتين إلى زيادة الكتلة العضلية لدى الحيوانات. كما أنه يضاعف من كثافة العظام، ويخفف من دهون الجسم إلى النصف، ويحسن عمل النظام القلبي الوعائي بسرعة، ما يطول أعمار الحيوانات، ويحسن مستواها الصحي العام"، كما يزعم ديفيس. وفي الواقع، فإن هذه التجارب البشرية المرتجلة التي يجريها مع زملائه على الفوليستاتين هي السبب الذي دفعهم إلى تأسيس مينيسيركل. ويقول: "لقد رأينا تأثيرات مثيرة للاهتمام إلى درجة كبيرة".

اقرأ أيضاً: هل يمكن تطوير أدوية خاصة تستهدف الساعات البيولوجية لدى البشر وتحسن صحتهم؟

ولكن هاربر يقول إنه لم يسمع بأي شيء حول ادعاءات مينيسيركل المبالغ بها حول قدرة علاج الفوليستاتين الجيني على التخفيف من الالتهابات المزمنة ودهون الجسم، وتعزيز ترميم الحمض النووي، وتعزيز عملية استعادة الشباب. أما خبير العلاج الجيني وأستاذ البيولوجيا الميكروية والأنظمة الفيزيولوجية في كلية الطب بجامعة ماساتشوستس، روبرت كوتين، فهو يؤيد بدوره شكوك هاربر. "إذا أردت صنع دواء مكافئ لينبوع الشباب، فلا أعتقد أنه فوليستاتين".

وينتقد الخبراء أيضاً تكنولوجيا مينيسركل التي تحمل اسم الشركة ذاته. تتألف هذه المقاربة من طريقة غير فيروسية لإيصال العلاج باستخدام بنية جينية دائرية –أي دائرة صغيرة، أو "minicircle"، وهو مصدر اسم الشركة- ونقله إلى الخلايا المستهدفة.

ولكن الدراسات البشرية باستخدام تقنية الدائرة الصغيرة فشلت حتى الآن في إيصال الحمض النووي إلى نواة الخلية بشكل فعّال وآمن وعلاجي من الناحية السريرية، كما يقول أحد مبتكري الطريقة، مارك كاي، وهو أستاذ مختص بعلم الجينات في جامعة ستانفورد (على الرغم من أنه يشير إلى أن هذه الطريقة حققت بعض النجاح في اللقاحات). ووفقاً لما رآه كاي على موقع الويب لشركة مينيسيركل، فإنه لا يعتقد بوجود أي سبب يتيح للشركة تحقيق النجاح حيث فشل الآخرون. ويتساءل: "ما العناصر المبتكرة في أي من تكنولوجياتها؟ وما الذي يجعلها مختلفة؟".

اقرأ أيضاً: اختبار جيني للعاب يهدف إلى تمكين الأزواج من معرفة خطر توريثهم للأمراض الشائعة

تختلف مقاربة مينيسيركل عن التركيز الأساسي لحقل العلاج الجيني بشكل عام من حيث استخدام تكنولوجيا الشعاع الفيروسي، حيث يقوم فيروس معطل بإيصال المواد الجينية الجديدة إلى الخلايا المستهدفة. ولكن كوتين يشير إلى أن المقاربات التي لا تعتمد على الشعاع الفيروسي، مثل المقاربة المستخدمة لدى مينيسيركل، قابلة للإنتاج بشكل أكثر بساطة وأقل تكلفة بكثير، مع احتمال أقل لتحريض آثار جانبية سلبية، مثل الصدمات القاتلة للنظام المناعي. أما ادعاء الشركة بإمكانية عكس مفعول العلاج، فيبدو أنه يعتمد على فكرة إمكانية استخدام الدوائر الصغيرة أكثر من مرة، خلافاً للفيروسات، كما يقول. (بطبيعة الحال، لا يوجد حتى الآن ما يثبت أن علاجات مينيسيركل ستعمل على الإطلاق، سواء بشكل عكوس أو غير عكوس)

وبغض النظر عن التجارب السريرية، يبدو أن الهدف الأساسي لمينيسيركل هو العلاجات التي يمكن تسويقها للمستهلكين. وعلى حين تقدم الكثير من الشركات علاجات مريبة بالخلايا الجذعية بصورة مباشرة إلى المستهلكين، فإن تيرنر من جامعة كاليفورنيا في إرفين يشير إلى أن هذا المجال جديد نسبياً بالنسبة للعلاجات الجينية.

حول الفوليستاتين للتعديل الجيني في المنزل

يشرف غلين تيري - وهو مؤسس الاتحاد العالمي للطب التجديدي (اختصاراً "غارم" (GARM)، وهي عيادة متخصصة بالطب التجديدي وعلاجات الخلايا الجذعية في رواتان- على التجارب الأولى لعلاج الفوليستاتين الجيني لمينيسيركل. وعلى الرغم من أن تيري وافق في البداية على إجراء حوار حول التجارب السريرية، فقد قيل لي لاحقاً إنه سيغيب عن المكتب لمدة تتراوح من 4 إلى 6 أسابيع. (وعندما عدت بعد ستة أسابيع، لم أستطع الحصول على المقابلة على أي حال).

يقول تيرنر، والذي صادف العيادة خلال عمله في دراسة المشكلات الأخلاقية المتعلقة بعلاجات الخلايا الجذعية والطب التجديدي: "تمثل "غارم" شكلاً نموذجياً للشركات التي تقوم بتسويق علاجات الخلايا الجذعية غير المرخصة وغير المثبتة". "فعند دراسة إعلاناتها، والمزاعم التي تطلقها حول علاجات الخلايا الجذعية، ستجد ببساطة أنها غير مبنية على أدلة".

وقد كتب ناطق باسم غارم في رسالة بالبريد الإلكتروني أنه "رأي لا يستند إلى معلومات صحيحة، ويبدو أنه لا يعتمد على أي أدلة"، وأضاف: "إن مجرد الإشارة إلى تورط طبيب مختص من مستوى الدكتور تيري في أي وضع مريب أخلاقياً أمر سخيف ومسيء".

"إنهم يعملون بطريقة منافية للمنطق"

تعتقد مدينة بروسبيرا أن مقاربتها القانونية الفريدة ستساعد على تأسيس نظام بيئي مزدهر للإبداع الطبي.

وقد قدمت نفسها على أنها وجهة واعدة للسياحة الطبية، بقيادة مينيسيركل. وتقول المدينة إنها استقت الإلهام من عدة مناطق اقتصادية خاصة، مثل منطقة السياحة الطبية التجريبية الدولية بواو ليشينغ في الصين، حيث تشجع الدولة الصينية على تنمية السياحة الطبية الدولية، وذلك عبر عدة وسائل، مثل القوانين الداعمة للسوق.

ووفقاً للمواد المنشورة على موقع الويب لمينيسيركل، فإن سبب إجراء التجارب في بروسبيرا هو انخفاض التكاليف هناك مقارنة بالولايات المتحدة. ولكن مينيسيركل تقول إنها ما إن تحصل على البيانات الأولية من بروسبيرا، فإنها تخطط لإجراء الجولة التالية من التجارب في الولايات المتحدة.

تقول باتريشيا زيتلر، وهي أستاذ مساعد مختص بالقانون في جامعة أوهايو الحكومية، ومختصة بسياسات الغذاء والدواء، إنه ليس من النادر أن تقوم الشركات بإجراء تجارب سريرية خارج البلاد، على الرغم من أنها تشير إلى أن هذه الممارسة أثارت الكثير من الجدل بسبب النقص المحتمل في الشفافية والإشراف.

"إذا كان لديهم أي علاج يوحي بأنه قد يكون فعالاً، فلن يواجهوا أي صعوبة في جمع الأموال".

ولكن كاي من جامعة ستانفورد يرفض منطق مينيسيركل. ويقول: "إنهم يعملون بطريقة منافية للمنطق. إذا كان لديهم أي علاج يوحي بأنه قد يكون فعالاً، فلن يواجهوا أي صعوبة في جمع الأموال".

تشير زيتلر إلى أنه إذا كانت الشركة الناشئة ترغب في إجراء التجارب اللاحقة في الولايات المتحدة بالفعل، فإنها ستجد نفسها مرغمة على تلبية جميع شروط ومتطلبات إدارة الغذاء والدواء من حيث كيفية إجراء التجارب الأولية. وهو ما سيتضمن تحقيق التوقعات إزاء شفافية البيانات والالتزام بمعايير حماية المشاركين البشر –مثل الموافقات المبنية على معلومات واضحة، والتوازن بين المخاطر والفوائد المحتملة للبحث، وضمان عدم استدراج أي شخص إلى المشاركة- إضافة إلى تأكيد تصميم التجارب السريرية لإنتاج أدلة مفيدة حول السلامة والفعالية.

بيئة صديقة للشركات!

أما بروسبيرا، فقد دافعت عن قوانينها الصحية. ففي موضوع نقاش على تويتر (Twitter) في يوليو/ تموز من عام 2022 لتوضيح شراكتها مع مينيسيركل، قالت إنهما "قررتا تفادي القوانين المحددة والصارمة، واللجوء بدلاً منها إلى التنظيم الذاتي المُراقَب عن كثب، مع حدود واضحة للمسؤولية، وإثباتات للقدرة المالية على التعويض".

وفي موضوع النقاش نفسه، أشارت بروسبيرا إلى أن قوانينها تتيح لمزودي الخدمات الطبية اختيار اتباع القوانين الطبية المعتمدة في دولة تنتمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أو اقتراح قوانينها الخاصة "التي تثبت ضمانها للأمان والفعالية بصورة تضاهي القوانين الأخرى المعترف بها مسبقاً وبشكل متبادل"، أو العمل في إطار مبادئ المسؤولية القانونية الشائعة. وقدمت المدينة المستقلة هذه المرونة، والتي تتضمن إمكانية قيام الشركات باقتراح قوانينها الخاصة بها، كعامل جذب فريد للمستثمرين.

اقرأ أيضاً: تقدم واعد في تقنية كريسبر يمهد الطريق لتطوير علاجات فردية مخصصة

وعند توجيه سؤال محدد حول القانون الذي سيتم إجراء تجارب مينيسيركل في إطاره، قدم ناطق باسم بروسبيرا إجابة لم تتضمن الكثير من المعلومات: "يتضمن نظام بروسبيرا القانوني لصناعة الرعاية الصحية مجموعة من القواعد والضمانات التي لا تؤثر على الابتكار، بما فيها التصريح الواضح حول المخاطر، والمسؤولية القانونية لتقديم خدمات ومنتجات صحية آمنة وفعالة، وتخضع جميعها لعمليات تدقيق دورية لضمان مطابقتها للقواعد المرعية، مع مسؤولية مالية مدعومة بتغطية تأمينية إلزامية".

وختم قائلاً: "لقد وفرنا جميع الأسباب التي تدعو إلى توقع وصول الخدمات والمنتجات الصحية في بروسبيرا إلى مستوى الأمان نفسه في أي دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بل وأعلى من ذلك المستوى".

وعندما سألت ما إذا كانت تجارب مينيسيركل يمكن أن تؤدي إلى مستقبل يتلقى فيه ضيوف السياحة الطبية علاجات جينية في المدينة المستقلة، اكتفى الناطق باسم المدينة بالإجابة التالية: "نظراً لحقوق الخصوصية للسكان الرقميين، ليس لدينا الحرية في الإجابة عن الأسئلة المحددة التي قمت بتوجيهها إلينا". ومن الجدير بالذكر أن المواطَنَة الرقمية (والتي كانت إستونيا السباقة في إطلاقها) تتيح للشركات التسجيل رقمياً في بروسبيرا دون الحضور هناك بصورة فعلية، ما يتيح الوصول إلى هذه "البيئة الصديقة للشركات" من أي مكان في العالم من الناحية النظرية.

الصراع المتواصل حول مستقبل بروسبيرا

قبل أن تحقق مينيسيركل خططها بعيدة المدى بشأن إحداث ثورة في العلاج الجيني، يجب أن تتغلب على مشكلة أكثر إلحاحاً: فبروسبيرا تخوض في الوقت الحالي صراعاً مع حكومة هندوراس حول وجودها بذاته.

فقد حازت تصنيفها الحالي كمنطقة للتوظيف والتنمية الاقتصادية بفضل قانون تم إقراره في 2013 بفضل الرئيس السابق، خوان أورلاندو هرنانديز (والذي يواجه حالياً تهمة الاتجار بالمخدرات في الولايات المتحدة). أما الإدارة الجديدة برئاسة زيومارا كاسترو فقد صوتت في أبريل/ نيسان من عام 2022 على إلغاء قانون مناطق التوظيف والتنمية الاقتصادية، واعتبرته مخالفاً للدستور. ويجب أن تتم الموافقة على القرار الجديد في الفترة التشريعية الحالية، والتي بدأت في يناير/ كانون الثاني، قبل أن يصبح قانوناً.

وفي هذه الأثناء، قدمت بروسبيرا شكوى ضد الحكومة بسبب ما تزعم أنها انتهاكات لاتفاقات قانونية تقول إنها تضمن حماية هذا التصنيف على المدى الطويل، وقدرت الأضرار المحتملة بقيمة تصل إلى 10.78 مليار دولار.

اقرأ أيضاً: امرأة تخضع لتجربة غرسة دماغية ترسل نبضات كهربائية عندما تشعر بالاكتئاب

وقد رفضت بروسبيرا الإجابة عن سؤال حول تأثير المشاكل القانونية الحالية على التجارب السريرية، ولكن أحد مسؤولي حكومة هندوراس على الأقل عبر عن معارضته لها. وفي يوليو/ تموز، غرد خوسيه كارلوس كاردونا إيرازو - من مكتب التنمية الاجتماعية في الحكومة- بالإسبانية قائلاً: "إنها أحد الأسباب التي رغبوا لأجلها بتأسيس المناطق التوظيف والتنمية الاقتصادية في هذه البلاد: لإجراء التجارب وفعل أي شيء لا يمكن فعله في البلدان المتطورة".

يقول القنصل الفخري البريطاني السابق وأحد سكان رواتان منذ فترة طويلة، ماثيو هاربر: "إنهم يواصلون العمل وكأن شيئاً لم يحدث. وبالنسبة للسكان المحليين في رواتان، فإن مواصلة العمل بهذه الطريقة تنم عن عجرفة شديدة".

وبالفعل، فإن فانيسا كارديناس، وهي من سكان القرية المجاورة كروفيش روك، وهي قرية تربطها علاقة مريرة مع بروسبيرا، قالت لي إنها لم تسمع أي شيء عن التجارب السريرية، على الرغم من معرفتها بأن بروسبيرا كانت تبني عيادة طبية. ولكنها لم تتفاجأ، كما قالت: "ليس لدينا، نحن السكان المحليون، معلومات مؤكدة، لأنهم يخبروننا بشيء ما هنا، ويقولون شيئاً آخر على المستوى الدولي وعلى منصات التواصل الاجتماعي". (يزعم أحد ممثلي بروسبيرا أنها "أكثر شفافية من أي مؤسسة حكومية في هندوراس" وأن "الأعمال التي تقوم بها مينيسيركل لن تؤثر على أي شخص غير موافق عليها من سكان الجزيرة").

اقرأ أيضاً: كيف تسهم التكنولوجيا في تطوير الطب والرعاية الصحية؟

ومن ناحيتهما، يقول كوتين وكاي إنهما يشعران بالقلق من مبادرة الناس الذين يعانون من الأمراض التي تتم دراستها إلى المشاركة في التجارب السريرية، وذلك بدافع من اليأس، على الرغم من أنها ليست راسخة علمياً.

يقول كاي: "لقد كان بعض مرضاي يأتون إليّ لأنهم سمعوا بعلاج ما في بلد آخر، وكانوا ينفقون كامل مدخراتهم للحصول على العلاج، ولكن هذا كله زائف".

المحتوى محمي