مايكروسوفت تُطلق شريحة مايورانا 1: ثورة في عالم الحوسبة الكمومية

4 دقيقة
مايكروسوفت تُطلق شريحة مايورانا 1: ثورة في عالم الحوسبة الكمومية
حقوق الصورة: شركة مايكروسوفت

لطالما كانت الحوسبة الكمومية موضوعاً مثيراً للجدل والنقاش منذ عقود، نظراً لقدرتها الهائلة على معالجة البيانات بسرعة تفوق الحواسيب التقليدية بكثير. فبفضل مبادئ في فيزياء الكم، مثل التراكب والتشابك الكمومي، تستطيع الحواسيب الكمومية إجراء عمليات حسابية معقدة في ثوانٍ، هذه العمليات تحتاج الحواسيب التقليدية إلى سنوات لإجرائها.

لكن رغم هذا الوعد المذهل، تظل الأخطاء الكمومية العائق الأكبر أمام تطوير حواسيب كمومية عملية. نظراً لأن وحدات المعلومات الكمومية، التي تُعرف باسم الكيوبتات (Qubits)، حساسة للغاية للتغيرات البيئية مثل الحرارة أو الضغط أو المجال المغناطيسي، فإنها تفقد حالتها بسرعة، ما يؤدي إلى أخطاء حسابية تجعل الحوسبة الكمومية غير موثوقة للاستخدام العملي على نطاق واسع. وهنا يأتي التحدي الأكبر: كيفية تطوير حواسيب كمومية مستقرة يمكنها تصحيح هذه الأخطاء تلقائياً دون التأثير في الأداء.

يبدو أن مايكروسوفت قد خطت خطوة إلى الأمام في هذا الاتجاه، حيث أعلنت تطوير شريحة جديدة مصممة خصيصاً لتعزيز استقرار الحواسيب الكمومية. وفقاً للشركة، تعتمد هذه الشريحة على تقنية متقدمة تهدف إلى تقليل الأخطاء الكمومية، وتمهّد الطريق نحو بناء حواسيب كمومية موثوقة وقابلة للاستخدام. هذا التطور قد يمثّل نقطة تحول حقيقية في سباق الحوسبة الكمومية. فهل نقترب أخيراً من عصر الحوسبة الكمومية التي ستغيّر كل شيء؟

اقرأ أيضاً: ما هي الحوسبة الكمومية؟ وكيف تعمل وما الفائدة منها؟

تحديات تطوير حواسيب كمومية مستقرة

رغم الاستثمارات الهائلة والأبحاث في مجال الحوسبة الكمومية، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تعوق تطوير حواسيب كمومية مستقرة وموثوقة. من أبرز هذه التحديات التخلص من الأخطاء الكمومية، حيث إن الكيوبتات، التي تمثّل الوحدة الأساسية للمعالجة، شديدة الحساسية لأي تغيرات بيئية. هذا يجعل مدة تماسكها قصيرة للغاية، أي أن المعلومات الكمومية المخزنة فيها تتلاشى بسرعة قبل أن يتمكن النظام من معالجتها بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات هندسية تتعلق ببناء هذه الحواسيب وإدارتها، إذا إنها تحتاج إلى العمل في درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق وفي منطقة مفرغة من الهواء لتجنب تأثير الحرارة والضغط الجوي في عمل الكيوبتات، هذه التحديات تجعل بناء الحواسيب الكمومية مكلفاً ومعقداً للغاية.

اقرأ أيضاً: كيف تتعلم الحوسبة الكمومية؟ دورات متاحة للجميع عبر الإنترنت

شريحة مايورانا 1 (Majorana 1)

في 19 فبراير 2025، أعلنت مايكروسوفت شريحة "مايورانا 1" (Majorana 1)، وهي معالج كمومي يشكّل نقلة نوعية نحو تطوير الحوسبة الكمومية. بدأ العمل على تطوير هذه الشريحة منذ نحو 20 عاماً، حيث ركّزت مايكروسوفت على استخدام جسيمات مايورانا أو فيرميونات مايورانا (Majorana fermions)، وهي جسيمات تنبأ بها عالم الفيزياء الإيطالي إيتوري مايورانا في ثلاثينيات القرن العشرين، وهي جسيمات أساسية مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات وغيرها تكون مركبة غزلها في الاتجاه-z تساوي 1/2 مضروبة بثابت بلانك أو أحد مضاعفات تلك النسبة، وتخضع لتوزيع فيرمي-ديراك الإحصائي.

طوّرت مايكروسوفت الشريحة لتكون قادرة على إنشاء كيوبتات طوبولوجية (Topological Qubits) واحتوائها. وهي عبارة عن كيوبتات معزولة في بيئة مقاومة للضوضاء، أي أنها تتمتّع بالحماية من الأخطاء الناجمة عن الظروف الخارجية، ما يجعلها أكثر استقراراً وأقل عرضة للأخطاء مقارنة بالكيوبتات التقليدية.

تتكون الشريحة التي تشكّل البيئة المقاومة للضوضاء من نوع جديد من المواد، وهي تجمع بين زرنيخيد الإنديوم (شبه موصل) والألومنيوم (موصل فائق). وعند تبريدها إلى ما يقرب من الصفر المطلق وضبطها باستخدام المجالات المغناطيسية. وبحسب الشركة، نجحت الشريحة في احتواء 8 كيوبتات طوبولوجية، في حين أن الهدف النهائي هو تطوير حاسوب كمومي قادر على احتواء مليون كيوبت طوبولوجي.

اقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين الحوسبة الكلاسيكية والكمومية؟

تطبيقات واستخدامات في العديد من المجالات

يمكن أن تساعدنا الحواسيب الكمومية التي تحتوي على مليون كيوبت على إجراء حسابات بطريقة دقيقة جداً، وتساعد على فهم كيف تعمل الطبيعة، من التفاعلات الكيميائية إلى الحيوية في أجسامنا، وبالتالي يمكنها حل مشكلات معقدة في عدة مجالات مثل الكيمياء وعلوم المواد والطب مثل:

  • حل مشكلة تآكل المواد أو تشققها، إذا استطعنا فهم كيف يحدث هذا بدقة، فقد نتمكن من إنتاج مواد تشفي نفسها تلقائياً، مثل الجسور التي تصلح شقوقها أو الطائرات التي يتم إصلاح أجزاء منها بشكلٍ ذاتي أو حتى الجروح التي تعالج نفسها بنفسها.
  • فهم كيفية عمل التفاعلات الكيميائية في أجسام الكائنات الحية، هذا يساعد على تحقيق اختراقات تساعد على زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية والقضاء على الجوع، وفي علاج الأمراض الخطيرة.
  • إيجاد طرق لتفكيك البلاستيك الملوث وتحويله إلى مواد مفيدة أو حتى إيجاد بدائل غير ضارة.

باختصار، ستمكننا الحواسيب الكمومية من تصميم الأشياء بشكلٍ دقيق من البداية، مثل الأدوية أو المواد الجديدة، دون الحاجة إلى التجربة والخطأ. ومع توفر الذكاء الاصطناعي، يمكننا ببساطة وصف ما نريد صنعه، والحصول عليه بسرعة ودقة.

علماء الفيزياء متشككون

على الرغم من التفاؤل الذي أبدته مايكروسوفت بشأن شريحتها الجديدة، أبدى بعض العلماء من خارج الشركة بشكوكهم في النتائج التي تحدثت عنها مايكروسوفت. يقول هؤلاء إنهم لا يستطيعون التعليق على النتائج حالياً لأن الورقة البحثية التي تحتوي على التفاصيل الدقيقة لم تنشر بعد.

ومع ذلك، هناك بعض الآراء المتفائلة التي تشيد بالتقدم الذي تحقق حتى الآن. على سبيل المثال، عبّر ترافيس هامبل، وهو مدير مركز علوم الكم في مختبر أوك ريدج الوطني بولاية تينيسي الأميركية، عن تفاؤله قائلاً: "أجد الأمر مشجعاً للغاية، ولكن لا يزال من المبكر جداً أن نزعم أنهم قد خلقوا كيوبتات طوبولوجية. لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به".

في الجهة المقابلة، عبّر الفيزيائي هنري ليج من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا عن شكوكه. ليج يرى أن الأدلة المنشورة حتى الآن لا تدعم ما تقوله مايكروسوفت. وقال: "التفاؤل موجود بالتأكيد، لكن العلم ليس موجوداً بعد".

في حين يرى داس سارما، وهو عالم فيزياء شهير، أن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به. وبعد مراجعة النتائج الأولية، قال: "لقد استوفوا العديد من الشروط اللازمة، ولكن لا يزال هناك بعض النقاط التي يجب التحقق منها. التقدم كان مثيراً للإعجاب، لكننا بحاجة إلى المزيد من الدراسة".

اقرأ أيضاً: ما ملامح المرحلة المقبلة في مجال الحوسبة الكمومية؟

رداً على هذه الشكوك، قال تشيتان ناياك، وهو العالم الذي يقود جهود مايكروسوفت لبناء جهاز كمبيوتر كمومي يعتمد على الكيوبتات الطوبولوجية: "نحن نُعيد اختراع العجلة حقاً"، وقد شبّه جهود فريقه بالأيام الأولى لأشباه الموصلات، عندما كان هناك الكثير مما يجب حله بشأن سلوك الإلكترونات والمواد، وكان لا يزال يتعين اختراع الترانزستورات والدوائر المتكاملة. لهذا السبب، استغرق تطوير الشريحة نحو 20 عاماً من الأبحاث، وقال: "إنه أطول برنامج بحث وتطوير مستمر في تاريخ شركة مايكروسوفت".

المحتوى محمي