ما هو الفرق بين الحوسبة الكلاسيكية والكمومية؟

5 دقائق
ما هو الفرق بين الحوسبة الكلاسيكية والكمومية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Golden Sikorka

في أوائل شهر يناير من عام 2019، كشفت شركة آي بي إم النقاب عن أول حاسوب كمومي تجاري يسمى كيو سيستم (QSystem)، وهو ما كان بمثابة إشارة لبدء السباق الرسمي نحو تحسين تكنولوجيا الحوسبة الكمومية، حيث يتم الآن تخصيص ملايين الدولارات لتطوير حواسيب كمومية يمكن لها حل أكثر المشكلات تعقيداً، والتي تعجز الحواسيب الكلاسيكية عن حلها.

ما هو الفرق بين الحوسبة الكمومية والحوسبة الكلاسيكية؟

ستتمكن الحوسبة الكمومية قريباً من معالجة أنواع معينة من المشكلات، خاصة تلك التي تنطوي على عدد هائل من المتغيرات والنتائج المحتملة، مثل محاكاة التفاعلات الدوائية، أو تحسين الخدمات اللوجستية لسلسلة التوريد، بشكل أسرع بكثير من الحوسبة الكلاسيكية الموجودة اليوم. وتتضمن بعض الاختلافات الرئيسية بين الحوسبة الكمومية والحوسبة الكلاسيكية ما يلي:

  • معالجة البيانات

طريقة عمل أجهزة الحواسيب الكلاسيكية هي أنها تعالج وتخزّن المعلومات المكونة من أرقام ثنائية تسمى بت (Bit)، حيث تحتوي هذه البتات على قيمتين محتملتين فقط هما: واحد أو صفر (1,0) هذه الأرقام هي التي تنشئ رمزاً ثنائياً، يحتاج الحاسوب الكلاسيكي إلى قراءته من أجل تنفيذ مهمة محددة.

بينما تستخدم أجهزة الحاسوب الكمومية شيئاً يسمى بتات الكم (quantum bits)، أو ما يُعرف اختصاراً باسم كيوبت (qubits)، والذي يمكن أن يكون واحداً أو صفراً أو يمكن أن يكون كلاهما في نفس الوقت، هذا يعني أنه لا يتعين على الحاسوب الكمومي الانتظار حتى تنتهي إحدى العمليات قبل أن يبدأ عملية أخرى، بل يمكنه القيام بها في نفس الوقت.

للتوضيح أكثر، تخيل أن لديك الكثير من الأبواب التي تم قفلها جميعاً، وتحتاج إلى معرفة أي منها كان مفتوحاً، في هذه الحالة سيستمر الحاسوب الكلاسيكي في تجربة كل باب، واحداً تلو الآخر، حتى يعثر على الباب الذي تم فتحه، وقد يستغرق الأمر دقيقة أو خمس دقائق، وقد يستغرق مليون سنة، اعتماداً على عدد الأبواب الموجودة، لكن الحاسوب الكمي يمكنه تجربة كل الأبواب مرة واحدة، وهذا ما يجعل قوة المعالجة لديه أسرع بكثير من الحاسوب الكلاسيكي.

اقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين الحاسوب العادي والحاسوب الكمي؟

  • لغات البرمجة

على عكس الحوسبة الكلاسيكية، لا توجد حالياً لغات برمجة للحوسبة الكمومية في حد ذاتها، حيث يعمل الباحثون على تطوير خوارزميات (نماذج رياضية تعمل بها أجهزة الحاسوب الكلاسيكية أيضاً) يمكنها تقديم حلول ملموسة للمشكلات التي يتم تقديمها، حيث إن الحاسوب الكمي يعمل بشكل مختلف تماماً، وليس مناسباً لأداء المهام اليومية، حيث إن الحواسيب الكمومية لا تحتوي على ذاكرة أو معالج، بدلاً من ذلك لديها فقط مجموعة من الكيوبتات التي تُستخدم لكتابة المعلومات لحل مشكلات محددة للغاية لا تستطيع الحوسبة الكلاسيكية التعامل معها.

  • الشكل وطريقة العمل

عندما كشفت شركة آي بي إم عن جهاز الحاسوب الكمومي الخاص بها، تفاجأ الكثيرون بالشكل الذي يبدو عليه، حيث لم تكن هناك شاشات أو لوحات مفاتيح أو معالجات، وهي العناصر التي توجد في الحواسيب الكلاسيكية عادةً، حيث تظهر في العرض التقديمي آلة على شكل جرس مغطاة بأسلاك نحاسية، ثم بعلبة زجاجية واقية.

وهذا يعود إلى أن تصميم الحواسيب الكمومية من الناحية الفنية معقد للغاية، لأنه بمجرد أن يؤثر عامل خارجي أو يتفاعل مع أحد مكونات النظام الكمي، فإن الكيوبتات تسجله وتنهار حالة التراكب، بعكس الحاسوب الكلاسيكي الذي إذا وجد أن هناك تداخلاً مع النظام، فيمكن له أن يصحح نفسه تلقائياً ويستمر بالعمل بشكل طبيعي. لذا فإن الأشخاص الذين يعملون مع أجهزة الحوسبة الكمومية والباحثين يمكنهم التفاعل معها فقط من خلال استخدام أجهزة الحاسوب التقليدية والسحابة.

حيث تجبر العوامل الخارجية النظام على تعريف نفسه على أنه 1 أو 0، ما يؤدي إلى فقده تماسكه الكمومي، ومن ثم لتجنب هذا النوع من الاضطرابات الخارجية يتم عزل النظام تماماً، ويجب أن تكون الذرات هادئة جداً، ولا تتضمن أي شيء يجعلها تتصادم أو تتفاعل مع البيئة المحيطة، وهذا النوع من الحالة الساكنة يتطلب حفظها عند درجات حرارة تصل إلى 273 درجة مئوية، مع عدم وجود أي ضغط جوي، ومعزول عن المجال المغناطيسي للأرض.

وهذا يفسر سبب عدم احتواء أجهزة الحاسوب الكمومية على الكثير من الكيوبتات حتى الآن، حيث كلما زاد عدد الكيوبتات الموجودة لديها، كان من الصعب بقاؤها في حالة تراكب لفترة طويلة من الوقت نظراً لخطر التداخل الكهربائي من الخارج الذي يزداد أضعافاً مضاعفة مع زيادة عدد الكيوبتات.

  • القدرة على التنبؤ

حالياً يمكن للحوسبة الكلاسيكية أن تنجز ما يطلب منها بشكل جيد بما يكفي إذا تم تزويدها بالبرنامج المناسب، لكن عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بالأشياء، فهي غالباً ليست بتلك الكفاءة، حيث هناك العديد من المتغيرات والعديد من الأشياء التي تتغير بسرعة كبيرة جداً بحيث يتعذر على أي جهاز حاسوب كلاسيكي مواكبة ذلك.

وبسبب هذه القيود، هناك بعض العمليات الحسابية التي قد لا يتمكن الحاسوب العادي من حلها أبداً، أو قد يستغرق حرفياً مليار سنة لحلها، بعكس الحوسبة الكمومية التي تعتبر سريعة جداً وبشكل غير محدود تقريباً، بحيث يمكنها الاستجابة لتغير المعلومات بسرعة وفحص عدد غير محدود من النتائج والتبديلات في وقت واحد.

ونتيجة لذلك، يمكن للحوسبة الكمومية أن تحدث تغييراً جذرياً في التحليلات التنبؤية، نظراً إلى أن الحاسوب الكمومي يمكنه إجراء التحليلات والتنبؤات بسرعات فائقة، خاصة في القطاعات التي توجد فيها الملايين إن لم تكن المليارات من المتغيرات التي تتغير باستمرار.

اقرأ أيضاً: دليلك الشامل: ما هو الحاسوب الكمومي؟

كيف يمكن للحوسبة الكمومية أن تغيّر العالم؟

بدأت العديد من شركات التكنولوجيا والحكومات في جميع أنحاء العالم بالاستثمار في مجال الحوسبة الكمومية، حيث من المتوقع أن تُحدث هذه التكنولوجيا ثورة في العالم من خلال معالجة المشكلات التي لا تستطيع الحوسبة الكلاسيكية اليوم حلها. ومع احتدام السباق لبناء أول حاسوب كمومي وظيفي تجارياً، إليك عدداً قليلاً من الطرق التي من المتوقع أن تغيّر بها الحوسبة الكمومية عالمنا في المستقبل القريب.

أمان شبكة الإنترنت

عندما يتم استخدام الحوسبة الكمومية على نطاق واسع، ستكون هناك عواقب وخيمة على أمن شبكة الإنترنت، حيث ستصبح طرق تشفير البيانات الحالية قديمة، ما يترك أجهزة الحوسبة الكلاسيكية مكشوفة ومعرّضة لخطر الاختراق، ولكن إذا تم إحراز تقدم كبير في تطوير تقنيات التشفير الكمي، مثل توزيع المفاتيح الكمومية (Quantum key distribution)، وهي تقنية اتصال فائقة الأمان تستخدم مفتاحاً لفك تشفير رسالة، ومن ثم إذا تم اعتراض الاتصال فلن يتمكن أحد من قراءته بسبب الميزات غير العادية لفيزياء الكم.

الذكاء الاصطناعي

تتكيف الحوسبة الكمومية جيداً مع معالجة المعلومات، وهي مطلوبة لتعزيز نماذج التعلم الآلي، حيث يمكن لأجهزة الحاسوب الكمومية تقييم كميات هائلة من البيانات من أجل إعطاء روبوتات الذكاء الاصطناعي التغذية الراجعة التي تحتاجها لتحسين الأداء، إضافة إلى تفسير البيانات بشكل أكثر فاعلية من الحوسبة الكلاسيكية، ما يؤدي إلى أن تتعلم روبوتات الذكاء الاصطناعي بشكل أسرع من خلال التجربة وتصحيح الذات.

تطوير الأدوية

نظراً إلى أن أجهزة الحاسوب الكمومية يمكنها فحص العديد من الجزيئات والبروتينات والمواد الكيميائية في نفس الوقت، فإنها تسمح للعلماء بتحديد الاحتمالات العلاجية الواعدة بسرعة أكبر، حيث ستسمح الحوسبة الكمومية بتسلسل الحمض النووي للشخص ومعالجته بشكل أسرع بكثير من التكنولوجيات الحالية، ما يسمح بحدوث اختراقات هائلة في هذا المجال.

اقرأ أيضاً: ما هي أهم استخدامات وتطبيقات الحواسيب الكمومية؟

تحسين حركة المرور وسلاسل التوريد

ستكون أجهزة الحاسوب الكمومية قادرة على تحديد المسارات المثالية في نفس الوقت بسرعة، ما يسمح بجدولة أكثر فاعلية ويقلل من الازدحام المروري، بالإضافة إلى ذلك تعد الحوسبة الكمومية مفيدة أيضاً في تحسين سلاسل التوريد، وعمليات الأسطول، ومراقبة الحركة الجوية وعمليات التسليم.

تحسين توقعات الطقس

نظراً إلى أن أجهزة الحاسوب الكمومية يمكنها فحص جميع البيانات في وقت واحد، ستكون لدى علماء الأرصاد الجوية فكرة أفضل بكثير عن الظروف الجوية السيئة، ما يسمح لهم بتحذير الناس ويؤدي في النهاية إلى التقليل من آثار تغيّر المناخ، مثل الفيضانات.

ختاماً، من المتوقع أن تجلب الحوسبة الكمومية ظواهر جديدة إلى عالمنا ستغيّر تقريباً كل شيء نعرفه، ونعتقد أننا نعرفه عن الحوسبة، حيث يمكن لطريقة الحساب الجديدة التي تقوم بها الحوسبة الكمومية حل المشكلات التي لا يستطيع أي حاسوب كلاسيكي آخر القيام بها.