ما طريقة هباء ملح الحديد الجوي وهل تخفّف آثار التغيّر المناخي؟

18 دقيقة
ما طريقة هباء ملح الحديد الجوي وهل يمكن أن تفيد في التخفيف من آثار التغيّر المناخي؟
تمثيل فني لعملية إطلاق جسيمات ملح الحديد التجارية فوق المحيط.

تخطط شركة ناشئة مقرها مدينة بالو آلتو في ولاية كاليفورنيا الأميركية للبدء بإطلاق كميات قليلة من الجسيمات الغنية بالحديد في مجرى عادم إحدى سفن الشحن التي تعبر المحيط المفتوح في غضون الأشهر الـ 18 القادمة.

تأمل هذه الشركة، والتي تحمل اسم بلو دوت تشينج (Blue Dot Change)، في أن تستطيع تحديد ما إذا كانت هذه الجسيمات قادرة على تسريع عملية تفكيك غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة البليغة التأثير في الغلاف الجوي. يقول المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة بلو دوت تشينج التي تتألف من 4 أشخاص فقط، ديفيد هنكل-والاس (David Henkel-Wallace)، إنه إذا نجحت شركته في مساعيها، فهي تأمل في البدء بإطلاق الجسيمات على المستوى التجاري بعد سنة من إجراء التجربة الأولى السابقة الذكر.

تعتبر هذه الشركة واحدة من المشاريع التجارية القليلة التي تخطط لاختبار فعالية إطلاق هذه الجسيمات والجسيمات الشبيهة في تخفيف آثار التغير المناخي، وذلك من خلال محاكاة ظاهرة طبيعية يعتقد بعض العلماء أنها أطالت العصور الجليدية في الماضي. وجد موقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو أن شركتين أخريين على الأقل اقترحتا أيضاً إجراء تجارب في الهواء الطلق لتقييم فاعلية هذا النهج.

ازداد عدد الأبحاث الأكاديمية التي تستكشف مفهوم إطلاق الجسيمات في الغلاف الجوي مؤخراً، مدفوعة بازدياد المخاوف المتعلقة بالمناخ وارتفاع نسب انبعاثات غاز الميثان الذي يوقع تأثيراً احترارياً على الأرض أكبر من أثر غاز ثنائي أوكسيد الكربون على مدى 20 عاماً بنحو 85 ضعفاً. لكن معظم العلماء الذين يعملون في هذا المجال يؤكدون أن فكرة استخدام الحديد لا تزال تخمينية، وتقتصر على التجارب المخبرية وعمليات النمذجة الحاسوبية الأولية. ما زالت الآثار الأخرى المحتملة لإطلاق الجسيمات مجهولة، وقد يكون بعضها خطيراً، ويحاجج بعض العلماء بأن اتخاذ إجراءات التدخل الهادفة للربح في هذا المجال المعقّد وغير المفهوم بعمق هو تهوّر قد يؤدي إلى نتائج عكسية في هذه المرحلة.

اقرأ أيضاً: كيف نجح العالم في منع حدوث احترار أسوأ بكثير في هذا القرن

يقول أستاذ علوم نظام الأرض في جامعة ستانفورد، روب جاكسون (Rob Jackson)، دون الإشارة إلى خطط أي شركة محددة: "أي مشروع تجاري يشير المسؤولون فيه إلى أننا نستطيع حالياً إجراء هذه التدخلات في هذا المجال هو سابق لأوانه ومن المحتمل أن يكون مضَللاً، ليس لدينا ما يكفي من المعلومات عن آثار هذه التدخلات، وليس لدينا ما يكفي من المعلومات حول النتائج غير المتوقعة أو غير المتنبأ بها. كما أننا لسنا متأكدين من تقبّل المجتمعات لهذه التدخلات ونظرة الجمهور لها".

مخطط لجزيء ملح الحديد
تأمل عدة شركات ناشئة في أن يتمكن إطلاق الجسيمات الصغيرة من مركب كلوريد الحديد الثلاثي (FeCl3) من تسريع عملية تفكك الميثان في الغلاف الجوي.

تنص الفكرة الأساسية التي تعتمد عليها الطريقة التي تحمل اسم "آلية هباء ملح الحديد الجوي" على أنه إذا تم إطلاق الجسيمات الغنية بالحديد التي تحتوي على الكلوريد في الهواء، فستتعرض إلى أشعة الشمس التي تتفاعل معها فتشكّل جذور الكلور، وهي جزيئات عديمة الشحنة تحتوي على إلكترون حر يمكن أن يرتبط بالجزيئات الأخرى، وتُحفّز هذه الجذور بدورها التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى تحويل غاز الميثان إلى غاز ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

لكن من المحتمل أيضاً أن تنتج الجسيمات التي تم إطلاقها بعض الغازات الخطيرة، أو تعزز نمو العوالق النباتية، أو تزيد من سطوع السحب البحرية الذي يؤدي إلى الخلط بين هذه الممارسات ومجال الهندسة الجيولوجية الشمسية المثير للجدل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التفاعلات الكيميائية معقّدة لدرجة أنه ليس من الواضح بالنسبة لبعض العلماء ما إذا سيتسبب إطلاق هذه الجسيمات في ازدياد تركيز الميثان أو انخفاضه.

تقول عالمة الغلاف الجوي في جامعة كورنيل والخبيرة في مجال هباء الحديد الجوي(أي الجسيمات العالقة في الغلاف الجوي والتي تحتوي على الحديد)، ناتالي ماهوولد (Natalie Mahowald): "ليس لدينا أدنى فكرة عما قد يحدث في الغلاف الجوي عند إطلاق هذه الجسيمات".

اقرأ أيضاً: وفقاً لتقرير الأمم المتحدة: إزالة الكربون لم تعد ترفاً بل ضرورة ملحة

99.9%

قام المهندس ورائد الأعمال، بيتر فيكاوسكي (Peter Fiekowsky)، الذي شارك في تأسيس مؤسسة استصلاح المناخ (Foundation for Climate Restoration)، بترويج آلية هباء ملح الحديد الجوي على نحو متهور وخادع، ودعا الشركات للمضي قدماً في العمل في هذا المجال. موّل فيكاوسكي الأبحاث الأكاديمية، وعمل مستشاراً للعديد من الشركات الناشئة، وهو أحد مالكي الأسهم في إحداها، كما أسّس عدداً من المؤسسات ذات الصلة بنفسه.

يقول فيكاوسكي إن الاكتفاء بتحقيق الهدف المناخي الذي حددته لجنة المناخ التابعة لمنظمة الأمم المتحدة من خلال خفض الانبعاثات بشكل أساسي لا يمنح البشرية "فرصة جيدة للبقاء". (يتمثل هذا الهدف في منع ارتفاع درجة الحرارة العالمية أكثر من درجتين مئويتين كحد أقصى عن مستوياتها في فترة ما قبل الثورة الصناعية، لأنه يوقع آثاراً خطيرة على البشر والنظم البيئية وله تبعات مناخية غير قابلة للعكس. مع ذلك، لا تشير الأبحاث الحالية إلى أن هذه المستوى من الاحتباس الحراري يعرّض البشر لخطر الانقراض).

بدلاً من الالتزام بهذه الأهداف، يقول فيكاوسكي إن علينا السعي بجد لإعادة المناخ إلى الحالة التي كان عليها قبل الثورة الصناعية من خلال اتخاذ إجراءات تدخل حازمة أكثر، مثل استخدام الحديد لتفكيك غاز الميثان،

ويضيف: "التعامل مع مشكلة الميثان مهمة فقط عندما نسعى لتحقيق [الهدف] المتمثل في استصلاح المناخ وضمان أن يبقى أولادنا على قيد الحياة".

اقرأ أيضاً: هل ستتمكن الجهات المسؤولة عن قطاع الوقود الأحفوري من تنظيف انبعاثاته؟

لدى فيكاوسكي بعض الشكوك حول آلية هباء ملح الحديد الجوي وعواقب استخدام هذه الجسيمات. ولكنه يؤكد أن هذا النهج آمن وفعال ومنخفض التكلفة ولا مفر منه، ويقول إن خفض تركيز غاز الميثان بنسبة 50% بهذه الطريقة سيكلّف مليار دولار فقط، ويقدّر أن احتمال نجاح هذه النهج يساوي 99.9%.

قال في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو: "ما يبرر موقفي هو أني أعتقد أن المشاريع لا تفشل إلا إذا توقفنا عن العمل عليها، ونحن لن نتوقف عن العمل حتى ننجح، ولا رجعة في ذلك. انتصرنا في الحرب العالمية الثانية باتباع هذه العقلية، ولهذا أقدّر أن احتمال نجاح هذه الآلية هو 99.9%، إذ تمثّل نسبة الفشل التي تساوي 0.1% وقوع حرب نووية تتسبب في انقراض البشر قبل أن نتمكن من تحقيق أهدافنا".

يقول أستاذ القانون البيئي في جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلوس، تيد بارسون (Ted Parson)، إنه نتيجة لهذه التصريحات اكتسب فيكاوسكي سمعة كشخص شغوف بمعالجة مشكلة المناخ، ولكنه يتحدّث "بثقة مبالغ فيها وتعالٍ" عن فعالية بعض الحلول وضرورة تطبيقها بسرعة.

يقول بارسون: "برأيي، تسرّع فيكاوسكي في افتراض أن العلماء والباحثين يتعاملون مع هذه المشكلة بحذر زائد ويترددون في تطبيق الحلول، وهو يريد أن يمضي قدماً ويحل المشكلة بنفسه. وأخشى من أنه لا يوجد لدينا ما يكفي من المعلومات عن هذا الإجراء لنثق بأنه حل فعّال وآمن".

"مرحلة الخطر"

على الرغم من مخاوف جاكسون والعلماء الآخرين العميقة بشأن الجهود المبذولة لترويج مفهوم الإجراء المناخي تجارياً في هذه المرحلة، فإنهم يؤيدون إجراء الأبحاث الأولية بحذر لاكتشاف الفوائد المحتملة لتفكيك غاز الميثان في الغلاف الجوي باستخدام هباء ملح الحديد الجوي أو الطرق الأخرى.

لطالما حصل غاز ثنائي أوكسيد الكربون على الاهتمام الأكبر عندما يتعلق الأمر بمسائل المناخ، لأنه يؤدي دوراً أكبر بكثير في الاحتباس الحراري من الغازات الأخرى كالميثان. مع ذلك، جذبت مشكلة انبعاثات غاز الميثان الاهتمام مع تزايدها الكبير على مدى العقد الأخير والناجم عن المصادر الصناعية والحيوانية، مثل الغازات التي تطلقها المواشي وإزالة الغابات والأنظمة الطبيعية مثل الأراضي الرطبة. في الوقت نفسه، لا تقوم البلدان حول العالم بخفض انبعاثات الكربون بالدرجة اللازمة لتحقيق الأهداف المناخية سابقة الذكر، على الرغم من أن العالم يشهد المزيد من حرائق الغابات وموجات الحر والفيضانات الأعنف.

اقرأ أيضاً: مصنع وقود يعتمد على المخلفات الزراعية لمواجهة التغير المناخي

نظراً لأن غاز الميثان يتمتّع بتأثير مناخي شديد ويبقى في الغلاف الجوي لفترة قصيرة (يبقى لسنوات، مقارنة بغاز ثنائي أوكسيد الكربون الذي يبقى لقرون من الزمن)، يعتبر خفض انبعاثات غاز الميثان أو إزالته من الغلاف الجوي من الآليات القليلة التي يمكن تطبيقها لتخفيف الاحتباس الحراري على المدى القريب بفعالية. توصلت دراسة نُشرت عام 2021 إلى أن الانخفاض في تركيز غاز الميثان بنسبة 40% بحلول عام 2050 يمكن أن يؤدي إلى خفض درجة الحرارة العالمية بمقدار 0.4 درجة مئوية.

قالت المؤسِّسة الشريكة للمؤسسة غير الربحية، سبارك كلايمت سولوشنز (Spark Climate Solutions)، التي يقع مقرها في مدينة سان فرانسيسكو، إريكا راينهارت (Erika Reinhardt)، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو: "تزداد درجة حرارة الكوكب على نحو يوقع العديد من التبعات على البشر ويعرّض نظام الأرض البيئي للخطر. وهذا ما يجعلنا في خطر، وسيفيدنا أي انخفاض في درجة الحرارة حتى ولو كان ضئيلاً".

تدعم مؤسسة سبارك كلايمت سولوشنز الأبحاث الأولية في الحلول التي يحتمل أن تشكّل استجابة مناخية حاسمة، مثل تفكيك غاز الميثان أو إزالته من المناطق التي يوجد فيها بتركيز مرتفع، كمكبات النفايات ومزارع منتجات الحليب، بالإضافة إلى الغلاف الجوي. وكانت قد موّلت مشروعاً بحثياً تعاونياً يجمع الباحثون فيه عينات مختلفة من الغلاف الجوي ويجرون عمليات النمذجة الحاسوبية والأبحاث المخبرية بهدف دراسة فرضية هباء ملح الحديد الجوي. تضم هذه المؤسسة علماء من جامعة كوبنهاغن وجامعة أوترخت والمجلس الوطني الإسباني للأبحاث وجامعة كورنيل، بالإضافة إلى ناتالي ماهوولد.

اقرأ أيضاً: ما السر وراء حصول الشركات التي تحاول امتصاص ثنائي أكسيد الكربون فجأة على تمويلات كبيرة؟

أكدت راينهارت كغيرها من العلماء أن الأبحاث التي أجريت حتى الآن ما زالت في مراحل مبكرة للغاية ولا يمكن تنفيذ المشاريع التجارية بناءً عليها.

تقول راينهارت: "هذا المجال حديث جداً، ولا تزال لدينا أسئلة كثيرة من دون إجابات، ولكن هذه الأسئلة في غاية الأهمية لأننا نسعى للتحفيف من خطر التغيّر المناخي".

"فرضية الحديد"

تعود الفكرة التي تنص على إمكانية أن يؤدي الحديد دوراً مهماً في التأثير في المناخ إلى عقود من الزمن.

قال عالم المحيطات، جون مارتن (John Martin) في محاضرة ألقاها عام 1988: "أعطني حديداً بمقدار يملأ نصف شاحنة، وسأُدخل العالم في عصر جليدي جديد".

تنص "فرضية الحديد" التي وضعها مارتن ونُشرت في ورقة بحثية بارزة عام 1990 على أنه مع انخفاض درجة حرارة كوكب الأرض في العصور الجليدية، حملت الرياح العاتية الغبار من القارات الجافة إلى أعماق المحيطات. يشكّل الحديد نسبة 3.5% من الغبار، ومع وصول هذا المعدن إلى البحار، من المحتمل أنه عزز نمو العوالق النباتيّة وانتشارها. امتصّت هذه العوالق غاز ثنائي أوكسيد الكربون وخزّنته في المحيطات، ما تسبب في انخفاض درجة حرارة الكوكب أكثر.

كانت هذه الفرضية مثيرة للجدل للغاية عند نشرها، ولكن دعمتها الأدلة العلمية المتنوعة خلال العقود التالية، والتي وسّعت مجموعة الأبحاث المتنامية في هذا المجال.

جبال جليدية في القطب الشمالي في البحر بجانب غرينلاند.
الجبال الجليدية وقطع الجليد البحري تطفو قبالة ساحل غرينلاند. غيتي إميدجيز

قام العديد من المجموعات البحثية والمشاريع التجارية باستكشاف ما إذا كان بالإمكان استخدام "تخصيب المحيط بالحديد"، أي إضافة جزيئات الحديد إلى المياه مباشرة لإزالة ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي والتخفيف من الاحتباس الحراري.

وفقاً لدراسة عينات الجليد الجوفية، انخفضت نسب الميثان خلال العصور الجليدية التي مرت بها الأرض. وتنص إحدى الفرضيات على أنه من المحتمل أن يكون الغبار الذي تحدّث عنه مارتن قد أدّى دوراً مهماً في أثناء تفاعل الحديد مع الهواء المفعم بالملح فوق المحيطات، ما أدّى إلى تشكل جسيمات الحديد الغنية بالكلوريد.

اقرأ أيضاً: ما هي أفضل حلول التكنولوجيا لتحقيق الحياد الكربوني بالسرعة اللازمة؟

بيّن العديد من الدراسات المخبرية أن ضوء الشمس، أو على الأقل الضوء الاصطناعي، يحفّز التفاعلات الكيميائية التي تنتج الكلور من هذا النوع من الجسيمات. يفكك الكلور نسبة تتراوح بين 3% و4% من الميثان الموجود في الغلاف الجوي، ويحوّل هذا الغاز إلى ثنائي أوكسيد الكربون. ولأن ثنائي أوكسيد الكربون يعتبر أقل تأثيراً بكثير من غاز الميثان في المناخ، يؤدي تفكك الميثان بفعل الكلور إلى التخفيف من ارتفاع درجة الحرارة بشكل عام.

في دراسة نُشرت عام 2017، بالإضافة إلى العديد من الدراسات الأخرى، أشار الباحثان المستقلان، فرانز ديتريش أوستيه (Franz Dietrich Oeste) ورونو دي ريشتر (Renaud de Richter)، والباحثون الآخرون إلى إمكانية محاكاة هذه العملية الطبيعية على اعتبارها وسيلة "لهندسة المناخ". لم يتوقف الباحثون عند ذلك، بل قالوا إن جسيمات الحديد قد تسبب العديد من التأثيرات التبريدية الأخرى، مثل تخصيب المحيطات الذي وصفه مارتن. يمكن لهذه الجسيمات أيضاً أن تتسبب في تشكل المزيد من الغيوم التي تتمتع بقدرة أكبر على عكس ضوء الشمس، وذلك لأنها تمثّل نوى تتكاثف عليها جزيئات بخار الماء. تعكس هذه الغيوم الأكثر سطوعاً كمية أكبر من أشعة الشمس تجاه الفضاء، ما قد يسهم في تبريد الكوكب نظرياً.

بشكل عام، قد تؤدي مضاعفة النسب السنوية لانبعاثات الحديد الطبيعي في طبقة التروبوسفير إلى "الوقاية من الاحتباس الحراري أو حتى عكسه"، وفقاً لما جاء في الورقة سابقة الذكر.

يقول أوستيه: "أقول دائماً إن علينا تطبيق الآليات الطبيعية، وهذه عملية طبيعية".

الترويج التجاري "لاستصلاح المناخ"

على الرغم من المخاوف بشان هذا النهج وجهل العلماء بالكثير من الحقائق عنه، ألهمت الدراسات سابقة الذكر بعض رياديي الأعمال.

شارك فيكاوسكي من قبل في تأسيس شركة ناشئة تحمل اسم ميثان أوكسيديشن كورب (Methane Oxidation Corp)، التي خططت لاستخدام جسيمات الحديد لخفض تركيز غاز الميثان إلى النسب التي سادت قبل الثورة الصناعية، وذلك وفقاً لأحد طلبات الحصول على التمويل المدرجة في موقع شركة المدفوعات عبر الإنترنت، سترايب (Stripe)، في ربيع عام 2021. توقّفت هذه الشركة الناشئة عن العمل، ولكن انتقل العديد من أعضاء فريقها إلى شركة بلو دوت تشينج.

وفقاً لهنكل-والاس، تعمل شركة بلو دوت تشينج بتمويل ذاتي حتى اللحظة، وهي تسعى حالياً لجمع المال لتمويل الأبحاث وتطوير المعدات المتطلبة لإطلاق الجسيمات. يقول هنكل-والاس إنه خلال التجارب الميدانية المخطط إجراؤها، يأمل فريق هذه الشركة في إطلاق بضعة غرامات من كلوريد الحديد الثلاثي ثم قياس نسب الميثان داخل أعمدة الجسيمات وخارجها (وهي مناطق أسطوانية الشكل في الهواء) باستخدام الطرق البصرية المعروفة.

اقرأ أيضاً: كيف تتصدى المباني الذكية لتحديات التغير المناخي والاستدامة؟

يأمل هنكل-والاس في أن تتمكن شركته من إزالة 100 مليون طن من الميثان سنوياً بحلول نهاية عام 2027، وهي كمية يقول هنكل-والاس إن إزالتها ستتطلب نحو 3 آلاف سفينة مجهزة بآلات قادرة على إطلاق بضع غرامات من الجسيمات كل ثانية.

رفض هنكل-والاس التحدث بالتفصيل عن نموذج عمل الشركة، لكنه قال إنها تسعى لجني الإيرادات من الشركات الراغبة في دفع المال مقابل طرق "استصلاح المناخ".

أُنشأت شركتان أخريان على الأقل تهدفان للربح في هذا المجال.

خذ مثلاً الشركة السويسرية أيه إم آر أيه جي (AMR AG)، التي تجري حالياً أبحاثاً مخبرية وتأمل في جمع 2-3 ملايين دولار بهدف إجراء التجارب الميدانية، وهي تخطط لإطلاق بضع كيلوغرامات من جسيمات كلوريد الحديد الثلاثي النانوية من إحدى منصات استخراج النفط ومعالجته الخارجة عن الخدمة، ثم مراقبة تأثير ذلك في نسب الميثان وتكرار التجربة عدة مرات لتأكيد النتائج. إذا ثبت أن الطريقة آمنة وفعّالة، ستبدأ الشركة بإجراء عمليات الإطلاق واسعة النطاق من خلال بناء أبراج يصل ارتفاعها إلى 400 متر ومجهزة بآلات يمكنها إطلاق أطنان من الجسيمات في الساعة.

اقرأ أيضاً: مهندسون يعملون على سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتحويله لشكل مفيد من الكربون

يقول المؤسس والرئيس التنفيذي في الشركة، أوزوالد بيترسون (Oswald Petersen)، إن التجارب الميدانية بهذا الحجم ليست لها مخاطر بيئية، ويشير إلى أن تشغيل محرك شاحنة واحدة لفترة وجيزة سيتسبب في القدر نفسه من التلوث تقريباً، على الرغم من أن هذا التلوث من نوع آخر.

الشركة الأخرى هي مشروع تجاري أسترالي يحمل اسم آيون سولت أيروسول (Iron Salt Aerosol)، والتي اقترح المسؤولون فيها منذ عدة سنوات إجراء تجارب ميدانية في مضيق باس، وهو مضيق يفصل بين جزيرة تاسمانيا وأستراليا. مع ذلك، ووفقاً لما قاله أحد مؤسسي هذه الشركة، روبرت توليب (Robert Tulip)، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو، قرر المسؤولون إلغاء هذا المشروع "نظراً للمخاوف من صعوبة ربط أي تغيير ملحوظ في التركيب الكيميائي للغلاف الجوي بوجود [هباء ملح الحديد الجوي]، ولأن أطر الحوكمة السياسية الحالية ليست مجهّزة لدعم هذا النوع من نشاطات الهندسة الجيولوجية".

يعمل أوستيه ودي ريشتر، أو عملا فيما سبق، مستشارين لهاتين الشركتين، يقول أوستيه إنه قدّم استشارات فنية غير مدفوعة لإحدى الشركتين، ولكنه يتوقّع أنها ستسعى إلى ترخيص التكنولوجيا إذا قررت تطبيقها، وقال إنه يشترك في ملكية إحدى براءات الاختراع المتعلقة بآلية هباء ملح الحديد الجوي.

يؤكد دي ريشتر، الذي يقول أيضاً إنه لم يتلقَ المال مقابل خدماته، أنه يعتقد أن الخيار الأفضل هو التعامل مع هذه التكنولوجيا بحذر،

ويقول واصفاً هاتين الشركتين: "يحاول المسؤولون المضي قدماً قبل التأكد من أمان النشاطات علمياً، ولذلك أحاول أن أدفعهم للتمهلّ ما زلنا بحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث وعمليات النمذجة الحاسوبية، ولا نعلم بعد ما إذا كان بالإمكان تطبيق هذه الآليات في الأماكن المفتوحة".

اقرأ أيضاً: الضجة المثارة حول إزالة الكربون باتت مصدراً خطيراً للإلهاء

يعبّر بارسون (من جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلوس) عن ذلك صراحةً بقوله: "تذهلني سرعة الانتقال من ملاحظة أن هذا المجال البحثي مثير للحماس إلى إجراء التجارب الميدانية والتيقن من أنها مضمونة النتائج والسعي لإنشاء نموذج لتحصيل الربح منها".

أداة اضطرارية

أشار الباحثون إلى العديد من المخاطر أو المضاعفات المحتملة والمتنوعة لإطلاق هباء الحديد الجوي على نطاق واسع.

تشير ماهوولد (من جامعة كورنيل) إلى أن المواد الجسيمية الغنية بالحديد تشكّل مخاطر مباشرة على صحة الإنسان، كما أن الجسيمات المعتمة يمكن أن تتسبب في رفع درجة الحرارة، ما يناقض الهدف الأساسي من إطلاقها.

وجدت بعض الدراسات أنه إذا تسببت هذه الجسيمات في تخصيب المحيطات، فقد يؤدي ذلك إلى تعديل الأنظمة البيئية الحساسة والشديدة الترابط بطرق يصعب التنبؤ بها. وإذا تسببت بزيادة سطوع السحب، فقد يؤدي ذلك على الأرجح إلى ممارسة المزيد من التدقيق على هذه الإجراءات نظراً لحساسية مسألة الهندسة الجيولوجية والنهج التي تهدف لخفض درجة حرارة الأرض من خلال زيادة نسبة ضوء الشمس المنعكس.

يعتبر الكلور أيضاً مضراً بالبشر والحيوانات الأخرى عندما يكون تركيزه مرتفعاً. كما أنه نشط كيميائياً للغاية، ما يعني أنه يتفكك بسرعة ويرتبط بالعديد من العناصر الأخرى غير الميثان.

مخطط يوضّح عملية تفكك غاز الميثان
تنص فرضية هباء ملح الحديد الجوي على أنه عندما يشع ضوء الشمس على جزيئات كلوريد الحديد الثلاثي، سيتسبب ذلك في تشكّل جذور الكلور من كلوريد الحديد الثلاثي التي تفكك الميثان في الهواء.

يقول جاكسون (من جامعة ستانفورد): "هناك العديد من المركبات المشبعة بالكلور التي تضر بالغلاف الجوي، قبل أن نطلق جذور الكلور بكميات كبيرة في الهواء، يجب علينا أن نجري الكثير من الأبحاث لنحدد المواد التي يمكن أن تتفاعل معها بخلاف الميثان".

تقول ماهوولد إن الكلور يمكن أن يتسبب في تبدد الأوزون في الجزء الأدنى من الغلاف الجوي، ما قد يؤدي إلى تشكّل جذور الهيدروكسيل التي تفكك الكمية الأكبر من الميثان الموجود في الغلاف الجوي بشكل طبيعي، كما أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كان إطلاق جسيمات ملح الحديد سيؤدي إلى تفكيك كمية أكبر أو أصغر من الميثان مقارنة بالتي تتفكك نتيجة لهذه العملية الطبيعية.

قال العديد من الباحثين إن التفاعلات الكيميائية الناتجة عن إطلاق هذه الجسيمات لن تؤثر بدرجة كبيرة على الأرجح في طبقة الأوزون الواقية في طبقات الجو العليا (الستراتوسفير)، ولكن يجب التحقيق في هذه الاحتمالية بحذر أيضاً.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن نتوصل إلى إزالة الكربون بتكاليف معقولة؟

من المحتمل أيضاً ألا تطفو هذه الجسيمات في الهواء لفترة طويلة لتحدث أثراً كبيراً في تركيز غاز الميثان، كما أنه من المحتمل أن يعمل هذا النهج فقط في بعض الظروف الخاصة، أي في أوقات وأماكن محددة.

يعتبر تركيز الميثان في الغلاف الجوي منخفضاً؛ إذ يبلغ نحو 1.9 أجزاء لكل مليون جزء فقط، بينما يبلغ تركيز غاز ثنائي أوكسيد الكربون 416 جزءاً لكل مليون جزء. ثمة تقنيات قد تتيح للباحثين تحديد تأثير جسيمات الحديد على غاز الميثان في الغلاف الجوي على مقاييس صغيرة، ولكن قد يكون من الصعب قياس تأثير إطلاق هذه الجسيمات على نطاق واسع النطاق على نحو موثوق.

يقول أستاذ كيمياء الغلاف الجوي في جامعة كوبنهاغن، ماثيو جونسون (Matthew Johnson)، الذي يشارك في الجهود البحثية التي تدعمها مؤسسة سبارك كلايمت سولوشنز، إنه حتى أعمدة الجسيمات التي يبلغ حجمها عشرات الكيلومترات المكعّبة "قد تظهر بحجم بكسل واحد في خرائط الأقمار الاصطناعية"، ويضيف: "ستكون رؤية الإشارات صعبة للغاية، فضلاً عن قياسها بدقة".

يمكن أن يشكل ذلك بدوره عقبة أمام التحقق من كمية الميثان التي قد تتم إزالتها نتيجة لإطلاق جسيمات ملح الحديد، وهي العملية الأهم في التحقق من موثوقية أرصدة إزالة الميثان المشابهة للأرصدة المستخدمة في أسواق إزالة ثنائي أوكسيد الكربون.

يمثّل إجراء التجارب التي من شأنها أن تغيّر تركيب الغلاف الجوي من خلال النماذج الربحية التي تموّلها المشاريع التجارية مصدر خطر بحد ذاته؛ إذ إن الضغط المالي قد يؤدي إلى ادعاء أن هذه التجارب فعّالة حتى لو لم تكن كذلك، والحطّ من أهمية الآثار السلبية.

اقرأ أيضاً: موجات الحر الأخيرة توضح لنا أهمية إصلاح أنظمتنا الكهربائية

قالت راينهارت في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو: "لا تدعم الأبحاث العلمية الترويج التجاري لهذه الممارسات، ليس من الواضح ما إن كان الترويج التجاري سيمثّل الطريق الملائم لتطبيق هذه الممارسات في أي وقت في المستقبل".

قالت راينهارت أيضاً إن آلية ملح الحديد قد تمثّل "أداة طوارئ" ملائمة في نهاية المطاف إذا، كما يُخشى، تسبب الاحتباس الحراري المستمر في آثار مناخية خطيرة تؤدي إلى زيادات كبيرة في انبعاثات الميثان نتيجة لذوبان الأراضي الدائمة التجمد وجفاف الأراضي الرطبة أو المصادر الأخرى.

"تدقيق صارم"

يدعي فيكاوسكي أن المخاطر المرتبطة بطريقة ملح الحديد مبالغ فيها مقارنة بخطر الازدياد الهائل لانبعاثات غاز الميثان في المستقبل، والذي يمكن أن يتسبب في ارتفاعات كبيرة في معدل الاحتباس الحراري.

ويقول: "يزول الهباء الجوي من الغلاف الجوي خلال فترة تتراوح بين يومين وأسبوعين. لذلك، فخطر حدوث الأضرار الملحوظة منخفض، ولكن الخطورة الناجمة عن عدم استخدام [هباء ملح الحديد الجوي] أو الأشكال الأخرى من الهباء الجوي المؤكسد للميثان كبيرة".

يقول أوستيه إنه يتوقع أن يتم إثبات صحة فرضية ملح الحديد في المستقبل، ويتوقع أن تساعد "التجارب المخبرية والميدانية البسيطة" العلماء على التوصل إلى أجوبة عن التساؤلات المتعلقة بتبدد الأوزون والآثار الجانبية المحتملة الأخرى.

يضيف أوستيه قائلاً: "[تتعرض] معظم الفرضيات الجديدة للتدقيق الصارم".

دافع هنكل-والاس أيضاً عن خطط شركة بلو دوت تشينج، بحجة أن التجارب الميدانية هي الطريقة التي يجب اتباعها لاكتشاف ما نجهله، وقال إن نماذج العمل الهادفة للربح تساعدنا على جعل المشاريع التي نقوم بها "مكتفية ذاتياً". ولكنه أكد أن شركة بلو دوت تشينج لا تزال بعيدة عن تحقيق الهدف المتمثل في الترويج التجاري للنهج الذي تخطط لاتباعه، وأنها لن تتمكن من فعل ذلك إذا عجزت عن التأكد من أن آلية إطلاق جسيمات ملح الحديد تزيل الميثان من الغلاف الجوي بالفعل.

يصر هنكل-والاس على أن شركته ستتوقف ببساطة عن إطلاق الجسيمات إذا اتضح وجود آثار غير مرغوب فيها لأنها تعمل انطلاقاً من قلق عميق على المناخ،

ويقول: "أنا إنسان وأعيش على هذا الكوكب أيضاً، ولا أريد أن أعرض نفسي للخطر، يجب أن تكون نزاهة هذا العمل واضحة".

قوانين البحر

ثمة اتفاقيات دولية تنظّم الأنشطة التي تجرى في المحيطات المفتوحة والتي يمكن أن تكون لها آثار ضارة بالبيئة البحرية، يقول الخبراء القانونيون إن هذه الاتفاقيات قد لا تشمل الشركات الناشئة التي تجري عمليات إطلاق ملح الحديد الضيقة النطاق على الرغم من أهمية تفاصيلها. مع ذلك، يعتقد البعض أن النشاطات في هذا المجال ستؤدي إلى ردود فعل دولية في جميع الأحوال.

بعد إجراء المقترحات التجارية السابقة لاستخدام الحديد في تخصيب المحيطات، سعت بعض الدول إلى حصر هذه النشاطات في الأبحاث العلمية الضيقة النطاق، من خلال العديد من البيانات والاتفاقيات التي أُبرمت بين أطراف إحدى معاهدات الأمم المتحدة ومعاهدتين تتعلقان برمي النفايات في البحر.

يقول الخبير في السياسة البيئية الدولية ومؤلف كتاب "حوكمة الهندسة الجيولوجية الشمسية: إدارة التغير المناخي في عصر الأنثروبوسين" (The Governance of Solar Geoengineering: Managing Climate Change in the Anthropocene)، جيسي رينولدز (Jesse Reynolds)، إن هذه الاتفاقيات ليست ملزمة قانونياً، ولكن "يمكننا القول إن الهندسة الجيولوجية البحرية التجارية تتعارض مع فحوى التصريحات المتفق عليها في المنابر الدولية".

يقول هنكل-والاس إن شركة بلو دوت تشينج ستحدد السلطات التنظيمية ذات الصلة التي ستتعاون معها في أي تجربة ستجريها، وأنها ستقدّم أكثر من المطلوب منها قبل المضي قدماً في أي مشروع.

يضيف هنكل-والاس قائلاً إن الشركة تواصلت مع الجهات الرقابية والمحامين للحصول على إرشادات، وإن عليها إعداد تقرير عن الآثار البيئية "وفقاً للمعايير التي قد تطالب بها جهات مثل [وكالة حماية البيئة] لو كان لديها صلاحية في هذا المجال".

قال هنكل-والاس في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "على مدار العام السابق أو نحو ذلك، وضعنا خططنا على افتراض أننا سنجد طريقة لنخضع لإشراف الوكالات البيئية الأميركية أو حتى الأوروبية".

وقال أيضاً إن الشركة تعتزم عرض أي تجارب ميدانية مقترحة أو عمليات إطلاق الأجهزة على مجلس السلامة والحوكمة لاستصلاح المناخ الذي "يقوم بمراجعة المقترحات والموافقة عليها والإشراف على المشاريع التي من شأنها أن تساعد على خفض مستويات ثنائي أوكسيد الكربون والميثان العالمية.

اقرأ أيضاً: علماء ومصورون يتعاونون على إظهار سرعة تفاقم التغير المناخي

لكن يشكك المراقبون الذين يتابعون هذا الموضوع في استقلالية هذا المجلس الاستشاري؛ إذ إن فيكاوسكي أسسه ويرأسه، كما أنه يضم مدير خدمة العملاء في شركة بلو دوت تشينج. بالإضافة إلى ذلك، عمل بعض المسؤولين التنفيذيين في هذا المجلس في مؤسسة فيكاوسكي لاستصلاح المناخ، أو لا يزالون يعملون فيها حتى الآن.

يقول مدير السياسات في مؤسسة كاربون بلان (Carbon Plan)، داني كالينوورد (Danny Cullenward)، الذي درس المشكلات المتعلقة بسياسات المناخ القائمة على السوق وأسواق الكربون: "لا أعتقد أن أي شخص يمكنه تقديم حجة ذات مصداقية على أن هذا المجلس مستقل".

وفقاً لكالينوورد، يشبه هذا المجلس المبادرات الربحية الأولى التي هدفت لإعداد ظروف رقابية مواتية لنمو أسواق تعويضات الكربون، ويقول: "إذا تمثّل هدفك في بيع منتج ما، فيجب أن تروج له على أنه عالي الجودة ومفيد وعديم الخطورة".

"على وشك الانهيار"

يقول هنكل-والاس إن المجلس يمثّل "محاولة" لإنشاء سلطة تنظيمية مستقلة للإشراف على مثل هذه التدخلات المناخية، ما يجعله أشبه بمجالس المراجعة المؤسسية التي تقيّم الأبحاث الطبية الحيوية المتعلقة بالبشر. لكنه يتشارك في هذه المخاوف مع الآخرين ويقر بأنه "لا يزال من المبكر معرفة ما إذا سيكون هذا المجلس شرعياً".

يقول فيكاوسكي إن هدف هذا المجلس هو "ضمان أن نستصلح المناخ لنمكّن الأجيال القادمة من الازدهار، وتزويد الجمهور بمعلومات دقيقة ومهمة ومفيدة. وللنجاح في ذلك يجب أن تكون المشاريع آمنة وفعّالة وقانونية وأخلاقية".

أوضح فيكاوسكي وجهة نظره بشأن التجارب الميدانية، وزعم أن المخاطر قليلة، مشيراً إلى النتائج الإيجابية التي وصلت إليها إحدى دراسات التأثيرات البيئية التي موّلتها مؤسسة ميثان أكشن غير الربحية (Methane Action) التي شارك في تأسيسها، يقول:

"لم يتمكن أحد من إثبات وجود آثار سلبية لهذه الممارسات".

القبول المجتمعي

يقول جونسون (من جامعة كوبنهاغن) إنه يمكن للباحثين تعلّم المزيد عن فوائد هذا النهج ومخاطره دون إطلاق جسيمات الحديد إلى الغلاف الجوي من خلال التجارب الميدانية، وإنه بإمكان الباحثين أخذ العينات ودراسة الحديد الموجود بالفعل بكميات كبيرة في الهواء، مثل الحديد الذي تصدره المصادر الطبيعية كالصحاري والأنشطة البشرية مثل الشحن والصناعات الثقيلة والزراعة.

وقال في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "إن فهم هذه الأنظمة القائمة بالفعل ضمن الغلاف الجوي هو أفضل طريقة للتقدم في أبحاث [هباء ملح الحديد الجوي]".

في الواقع، بدأ العلماء بالفعل إجراء هذه الأبحاث؛ في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بدأت طواقم السفن التجارية التي تعبر المحيط الأطلسي بإجراء تجربة ستستمر عاماً من الزمن يتم فيها جمع عينات من هواء المحيط باستخدام قوارير زجاجية محمولة متصلة بمضخات تعمل على امتصاصه، ثم توصل هذه الطواقم الصناديق المملوءة بالقوارير إلى الموانئ عندما ترسو السفن، وتشق العينات طريقها إلى المخابر في هولندا لتحليلها كجزء من تعاون بحثي.

تشارك شركة أكيشا إمباكت إنوفيشن (Acacia Impact Innovation) الاستشارية في جهود جمع العينات الهوائية، ويقول مديرها التنفيذي، مارتن فان هيربن (Maarten van Herpen)، إن العلماء يأملون أن تساعدهم دراسة عينات الهواء في المختبر على فهم الأساسيات الكيميائية للغلاف الجوي واكتشاف ما إذا كان بالإمكان تطبيق فرضية ملح الحديد خارج المختبر وتقييم تأثير هذه الجسيمات في الغلاف الجوي.

يخشى العلماء من أن إجراء التجارب الكبيرة بسرعة في مثل هذا المجال المعقد والحساس قد يؤدي إلى ردود فعل شديدة ضد الفكرة الأساسية التي تعتمد عليها هذه التجارب، ما يزيد صعوبة إجراء الأبحاث الدقيقة على الأداة التي قد تساعد في التقليل من المخاطر المناخية. وبالفعل، يعتقد البعض أن محاولات الترويج التجاري السابقة لأوانها للتخصيب بالحديد والهندسة الجيولوجية الشمسية قد ولّدت ردود الفعل هذه بالفعل.

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تتعهد بخفض انبعاثاتها الكربونية إلى النصف بحلول عام 2030

يؤكد جاكسون أن هذه الممارسات ستمثّل تدخلات متطرفة تحدث تغييراً جذرياً في طبيعة المناطق التي يشترك البشر فيها، وهذا يتطلب إجراء أبحاث شاملة والحصول على تأييد واسع.

ويقول: "لإحداث أثر واضح، يجب علينا أن نطبق هذه التكنولوجيات على نطاق واسع، ويجب أن نجمع الكثير من المعلومات قبل أن نتمكّن من فعل ذلك بأمان، وسنحتاج إلى موافقة الناس على تغيير الهواء الذي نتنفسه".

إحدى القوارير الزجاجية التي استخدمت مؤخراً لجمع عينات من الهواء في البحر. المصدر: مارتن فان هاربن

 

المحتوى محمي