خلال العقدين الماضيين، تحولت طاقة الرياح من تقنية جذبت اهتمام عدد قليل من المستثمرين إلى ابتكار جذب اهتماماً واسعاً في جميع أنحاء العالم. إنها طاقة لا تنضب ولا تسبب أي انبعاثات ضارة في الغلاف الجوي.
يتم تحويل الطاقة الحركية للرياح إلى طاقة كهربائية بواسطة توربينات الرياح، وعادةً ما يتم تثبيت هذه التوربينات في مجموعات على الأرض (في المناطق المفتوحة) أو بالقرب من الساحل (مثبتة في قاع البحر).
يتكون كل توربين من برج طويل يضمن بقاء شفرات المروحة على ارتفاع عالٍ، حيث تكون الرياح أقوى وأسرع. تدور هذه الشفرات حول محور متصل بمولد للتيار الكهربائي.
اقرأ أيضاً: تعرّف على استخدامات طاقة الرياح في مختلف القطاعات قديماً وحديثاً
مبدأ عمل توربينات الرياح
مبدأ عمل توربينات الرياح بسيط للغاية. تؤدي طاقة الرياح الحركية إلى تحريك شفرات المروحة، هذه الشفرات تسبب دوران عمود داخل التوربين يقوم بتدوير المولد الذي يعطينا الطاقة الكهربائية.
هذا يعني أن توربينات الرياح تعمل بآلية معاكسة لعمل المروحة التي نستخدمها في فصل الصيف للتبريد، بدلاً من استخدام الكهرباء لإنتاج الرياح في المروحة، يتم استخدام الرياح لإنتاج الكهرباء. حيث تدير الرياح الشفرات، التي تقوم بتدوير العمود المتصل بالمولد الكهربائي.
قد تظن أن توربينات الرياح هي تكنولوجيا حديثة، لكنها في الحقيقة قديمة للغاية، يعود تاريخ أول طاحونة هوائية (Windmill) إلى عام 644 ميلادي في بلاد فارس، كانت طواحين الهواء تُستخدم لاستغلال الطاقة الحركية للرياح في مهام مثل طحن الحبوب أو ضخ المياه، يمكن القول إن طواحين الهواء كانت أولى الآلات التي تم صنعها لتوليد الطاقة في التاريخ.
لا تختلف توربينات الرياح عن طواحين الهواء، الفرق الوحيد هو وجود المولد بداخلها، يعمل هذا المولد على تحويل الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية.
اقرأ أيضاً: الطاقة المتجددة مورد المستقبل: مزايا واسعة وعقبات في الطريق
كيف يحوّل المولد الطاقة الحركية إلى كهرباء؟
المولد الكهربائي هو جهاز يحوّل شكلاً من أشكال الطاقة إلى كهرباء. هناك أنواع مختلفة من مولدات الكهرباء، معظمها يستند إلى اكتشاف الحث الكهرومغناطيسي (Electromagnetic Induction) للعالم الإنجليزي مايكل فاراداي في عام 1831، الذي وجد أن تحريك المغناطيس داخل ملف من الأسلاك يحفّز تياراً كهربائياً يتدفق في السلك.
صنع فاراداي أول مولد كهربائي في التاريخ يسمى قرص فاراداي، وحتى الآن، تعتمد جميع المولدات الكهربائية في العالم على نفس مبدأ عمل هذا المولد.
يحتوي المولد الكهربائي على مغناطيس كهربائي (ليس مغناطيساً عادياً)، كما يحتوي على ملف لأسلاك معزولة تشكل أسطوانة ثابتة، تحيط الأسطوانة بعمود مغناطيسي دوار، يؤدي تدوير العمود الدوار داخل ملف الأسلاك إلى تدفق تيار كهربائي في الملف، هذا التيار هو الكهرباء التي تنتقل عبر خطوط الكهرباء إلى المستهلكين.
يتم توليد معظم الكهرباء في العالم عن طريق مولدات كهرباء تعمل بنفس الآلية، يتم تدوير هذه المولدات بواسطة الماء في السدود المشيدة على الأنهار، أو بغازات الاحتراق أو بخار الماء في محطات الطاقة الحرارية التي تعمل بالغاز أو النفط أو الفحم أو الوقود النووي، أو بالهواء في توربينات الرياح.
اقرأ أيضاً: هل الطاقة الشمسية نظيفة وصديقة للبيئة حقاً؟
الرياح المطلوبة لعمل التوربينات
ربما لا تعرف هذه المعلومة، الرياح هي شكل من أشكال الطاقة الشمسية، فالأشعة الشمسية تقوم بتسخين غير متكافئ للغلاف الجوي، أضف إلى ذلك عدم انتظام شكل سطح الأرض ودوران الأرض حول نفسها. كل ذلك يؤدي إلى تحرك الرياح بسرعات تختلف حسب كل منطقة. يستخدم البشر حركة الرياح أو طاقتها الحركية لأغراض عديدة، مثل الإبحار بالقوارب الشراعية وتحليق الطائرات الورقية أو توليد الكهرباء.
لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام توربينات الرياح، يجب أن تكون سرعة الرياح نحو 12- 14 كيلومتراً في الساعة، عند هذه السرعة، يبدأ التوربين تلقائياً بالعمل.
تعتمد كمية الكهرباء المولدة على سرعة الرياح. وكقاعدة عامة، تعمل التوربينات بطاقتها الكاملة عند سرعة رياح تتراوح بين 50 - 60 كيلومتراً في الساعة.
إذا استمرت سرعة الرياح في الزيادة بعد الوصول إلى قدرة التوربين القصوى، يمكن أن يؤدي الدوران السريع للشفرات والمولد وقوى الاحتكاك إلى أحمال زائدة تؤثر سلباً على الأجزاء المكونة للتوربين وتؤدي إلى تضررها أو تلفها. لذلك، حين تكون سرعة الرياح عالية، يعمل نظام الفرملة في التوربين على إبطاء دوران الشفرات.
إذا تجاوزت سرعة الرياح الـ90 كيلومتراً في الساعة، يجب إيقاف التوربينات عن الدوران لمنع التآكل غير الضروري في الأجزاء الميكانيكية.
تتضمن بعض أنواع توربينات الرياح محركات خاصة تساعد على تغيير اتجاهها بمجرد أن تكتشف تغييراً في اتجاه هبوب الرياح. بهذه الطريقة، تبقى الشفرات قادرة على الدوران وتوليد الكهرباء حتى عند تغيير جهة الرياح.
اقرأ أيضاً: ما المطلوب لإطلاق القدرات الكامنة للطاقة الحرارية الأرضية؟
مزارع توربينات الرياح
يمكن تركيب توربينات الرياح بشكلٍ فردي أو في مجموعات، لكن من النادر أن نرى توربيناً واحداً في مكان ما، حيث تكون معظمها في مجموعات تضم العشرات أو المئات، تعرف مجموعة توربينات الرياح المثبتة في منطقة ما باسم مزرعة الرياح (Wind farm)، تكون التوربينات في المزرعة متصلة بخطوط نقل التيار الكهربائي، ويتم توزيعها اعتماداً على موقعها وقوة الرياح في المكان.
في مزرعة الرياح، يجب أن تكون المسافة بين كل توربين وآخر نحو 8- 12 ضعف قطر الشفرات، هذا التباعد مهم جداً لتجنب تأثير الظل (Shadow effect) الذي ينجم عن ظل الشفرات المتحركة عند تعرضها لضوء الشمس.
اقرأ أيضاً: اكتشاف بحثي جديد قد يمهّد لاستخدام الطاقة الشمسية على نطاق واسع
أنواع توربينات الرياح
بشكل عام، يمكن تقسيم توربينات الرياح إلى 3 أنواع وهي:
توربينات الرياح العمودية
في توربينات الرياح العمودية، يكون عمود الدوران متعامداً مع اتجاه الرياح، وتوجد المكونات الرئيسية مثل المحرك والمولد في قاعدة التوربين بالقرب من الأرض، ما يسهّل عملية الإدارة والصيانة.
تتميز توربينات الرياح العمودية بكونها صامتة ومقاومة للرياح القوية. لكن كفاءة إنتاج الطاقة فيها أقل من التوربينات الأفقية.
توربينات الرياح الأفقية
في توربينات الرياح الأفقية، يكون محور الدوران موازياً لاتجاه الرياح، ويكون المولد في حاوية أعلى البرج. تعتبر توربينات الرياح الأفقية النوع الأكثر انتشاراً في العالم، لأنها تتميز بكفاءة توليد الكهرباء وتتفوق بوضوح على توربينات الرياح العمودية. لكن تتجلى أبرز عيوبها في أنها ضخمة ومكلفة للغاية، وتتطلب عملية إدارتها وصيانتها صعود المهندسين إلى أعلى التوربين. كما أنها تتأثر باضطرابات حركة الرياح.
اقرأ أيضاً: الهيدروجين: المكون الحاسم بمسيرة التحول في الطاقة عالمياً
توربينات الرياح الصغيرة
على عكس التوربينات الضخمة التي يتم تركيبها في أماكن مفتوحة على الأرض أو في البحر، هناك توربينات رياح صغيرة الحجم. إنها خيار مثالي لمَن يبحثون عن مصدر طاقة نظيف ومتجدد يكفي لتلبية احتياجات الطاقة لوحدة سكنية تضم عدة منازل، أو للمزارعين وأصحاب الأعمال الصغيرة. كما أنها مفيدة للغاية في الأماكن النائية التي لا تصلها شبكة الكهرباء.