ما المطلوب لإطلاق القدرات الكامنة للطاقة الحرارية الأرضية؟

5 دقائق
الطاقة الحرارية الأرضية
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز.

تتدفق من قلب الأرض حرارة كافية لتلبية ضعف احتياجات الطاقة العالمية الإجمالية، ولكن الاستفادة منها تتطلب الحفر إلى أعماق الأرض وتحويل هذه الحرارة إلى شكل مفيد من الطاقة، وهو أمر صعب ومكلف، ولهذا فإن الطاقة الحرارية الأرضية، والتي تسمى أحياناً بالطاقة المتجددة المنسية، تشكل فقط حوالي 0.3% من إجمالي توليد الكهرباء عالمياً. 

ولكن، يبدو أنها ستتلقى دفعة إضافية، فقد خصص قانون البنية التحتية الأميركية الذي أُقرّ مؤخراً مبلغ 84 مليون دولار لوزارة الطاقة لبناء أربع محطات توليد تجريبية لاختبار الأنظمة الحرارية الأرضية المحسّنة، وهي شكل تجريبي لتكنولوجيا التوليد.

قد يكون هذا التمويل مجرد جزء تافه من حصة وزارة الطاقة من قانون البنية التحتية، والبالغة 62 مليار دولار، التي تتضمن أيضاً تمويل بناء المزيد من خطوط النقل بعيدة المدى، وتقوية سلاسل التوريد للبطاريات، ومساعدة محطات الطاقة النووية على مواصلة عملها. ولكن باحثي الطاقة الحرارية الأرضية يقولون إنه يمكن تحقيق الكثير حتى بهذا التمويل المحدود، وذلك بمساعدة الأنظمة الحرارية الأرضية المحسّنة (EGS) على الانتقال إلى حيز الاستخدام التجاري.

يقول تيم لاتيمر، مؤسس الشركة الناشئة المختصة بالأنظمة الحرارية الأرضية المحسنة "فيرفو" (Fervo) ورئيسها التنفيذي: "لقد أصبحت الطاقة الحرارية الأرضية جاهزة للقيام بدور أساسي".

تكمن جاذبية الطاقة الحرارية الأرضية في اتساقها، حيث يتغير الناتج الكهربائي لمحطات التوليد الريحية والشمسية مع تغير الطقس والوقت خلال النهار، على حين تحافظ الطاقة الحرارية الأرضية على تدفقها، وتؤمن مصدراً مستقراً للكهرباء.

تقول جودي روبنز، وهي مهندسة مختصة بالطاقة الحرارية الأرضية في المختبر الوطني للطاقات المتجددة: "في الواقع، فإنها الطاقة المتجددة الوحيدة التي تؤمن الحد الأدنى المطلوب للشبكة على مدار الساعة". يمكن للطاقة النووية، وهي طاقة دون كربون ولكنها غير متجددة، أن تلعب دوراً مماثلاً، على الرغم من تراجع استخدامها بسبب التكاليف ومشاكل المخلفات والرأي العام.

اقرأ أيضاً: مصادر الطاقة المتجددة تشهد نموّاً متصاعداً

لماذا تأخر استخدام الطاقة الحرارية الأرضية؟

كانت محطات التوليد الحديثة التي تعمل بالطاقة الحرارية الأرضية موجودة في الولايات المتحدة منذ السبعينيات. وعادة ما تقوم هذه المحطات بضخ الماء الساخن أو البخار من تحت الأرض إلى السطح لتحريك توربين وتوليد الكهرباء. بعد ذلك، يُضخ الماء مرة ثانية نحو الأسفل للحفاظ على الضغط تحت الأرض، بحيث تستمر العملية.

وتشترك الأماكن المثالية لاستثمار الطاقة الحرارية الأرضية في عدة ميزات: الحرارة، والصخور المتشققة، والماء، والتي تكون قريبة من بعضها بعضاً ولا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن السطح. ولكن، وحتى الآن، تم استثمار أكثر الموارد الحرارية الأرضية التي يمكن الوصول إليها، وهي تتركز في الولايات المتحدة بشكل كبير في الغرب. وعلى الرغم من أن الباحثين يعتقدون أنه يوجد عدد أكبر بكثير من المواقع التي لم يُعثر عليها بعد، فإن تحديد مكانها ليس بالأمر السهل. وفي معظم أجزاء شرق الولايات المتحدة وغيرها في الكثير من الأماكن حول العالم، ليست الصخور تحت الأرض من النوع المناسب لعمل محطات التوليد التقليدية، أو أنها تفتقر إلى وجود الماء قربها.

ويحاول بعض الباحثين والشركات الناشئة توسيع استثمار الطاقة الحرارية الأرضية إلى أماكن جديدة. ومع الأنظمة الحرارية الأرضية المحسنة، فهم يحاولون التأثير هندسياً على المناطق الموجودة تحت سطح الأرض بضخ السوائل إلى الصخور غير النفوذة في محاولة لتشقيقها، وهو ما يفتح مجالاً أمام حرية حركة الماء واكتسابه للحرارة، وإنتاج البخار اللازم لتوليد الطاقة. ويمكن لهذه العملية أن تؤدي إلى حدوث الزلازل، كما تبين بعد عدة مشاريع سابقة في كوريا الجنوبية وسويسرا. ولكن الطاقة الحرارية الأرضية المحسنة مشابهة للتصديع، والذي يُستخدم بشكل واسع الانتشار في الولايات المتحدة، كما أن المخاطر مقبولة ويمكن التعامل معها على الأرجح في معظم الأماكن، كما تقول روبنز.

يمكن أن تؤدي هذه المقاربة إلى توسيع استخدام الطاقة الحرارية الأرضية إلى أماكن لا توجد فيها المياه الجوفية أو الصخور المناسبة للمحطات التقليدية.

ولكن الوصول إلى هذه الموارد لن يكون سهلاً. حيث إن تقنيات الحفر التجاري لا تصل عادة إلى أعماق تتجاوز سبعة كيلومترات -وبسبب التكاليف، لا تصل حتى إلى هذا العمق- كما أن الكثير من الأماكن التي قد تستفيد من الطاقة الحرارية الأرضية ليست ساخنة بما يكفي على هذا العمق للوصول إلى حرارة 150 درجة مئوية، وهي الحرارة المطلوبة لتوليد الكهرباء بشكل مجدٍ اقتصادياً. إن الوصول إلى حرارة كافية قد يعني ضرورة الحفر إلى أعماق أكبر، وهو ما قد يتطلب أساليب وتكنولوجيات جديدة يمكن أن تتحمل ارتفاع الحرارة والضغط.

اقرأ أيضاً: الطاقة المتجددة مورد المستقبل: مزايا واسعة وعقبات في الطريق

الطاقة الحرارية الأرضية
مصدر الصورة: تقدمة من مكتب التكنولوجيات الحرارية الأرضية في وزارة الطاقة الأميركية.

محاولات حثيثة لتذليل العقبات التكنولوجية

تعمل فيرفو على التعامل مع بعض هذه التفاصيل في مشاريعها الخاصة، بما فيها مشروع أعلنت عنه في وقت سابق من هذه السنة مع "جوجل" (Google) لتركيب محطات توليد تعمل بالطاقة الحرارية الأرضية قرب مراكز البيانات التابعة للشركة في نيفادا. كما انخرطت مؤخراً في مشروع لوزارة الطاقة في وسط ولاية يوتاه، ويحمل المشروع اسم «فورج» (FORGE) (اختصار بالإنجليزية لعبارة المرصد المتقدم لأبحاث الطاقة الحرارية الأرضية).

ويحاول الأكاديميون والباحثون الصناعيون في فورج العثور على أفضل الأساليب لتطبيق الأنظمة الحرارية الأرضية المحسنة، بما فيها الحفر وصيانة خزانات الماء تحت الأرض. اختير هذا الموقع لأن بنيته الجيولوجية تمثل إلى حد كبير الأماكن التي يمكن أن تُبنى فيها محطات توليد أخرى تعتمد على الأنظمة الحرارية الأرضية المحسنة في الولايات المتحدة، كما تقول لورين بويد، وهي مديرة برنامج الأنظمة الحرارية الأرضية المحسنة في مكتب التكنولوجيات الحرارية الأرضية في وزارة الطاقة الأميركية.

وبفضل التمويل الجديد من قانون البنى التحتية، ستقوم وزارة الطاقة بتمويل أربعة مواقع تجريبية أخرى. وهو ما يمكن أن يعزز فهم الباحثين حول تجهيز منشآت الأنظمة الحرارية الأرضية المحسنة، بما أنها ستكون قادرة على العمل في أماكن مختلفة وبوجود أنواع مختلفة من الصخور. ستُبنى محطة توليد واحدة على الأقل في شرق الولايات المتحدة، حيث يقل استخدام الطاقة الحرارية الأرضية.

اقرأ أيضاً: مشاريع جديدة وحلول مختلفة من مصدر لنشر الطاقة المتجددة حول العالم

لماذا يصعُب تمويل مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية؟

ولكن العوائق التكنولوجية ليست السبب الوحيد الذي أخر تقدم الطاقة الحرارية الأرضية، كما تقول سوزان هام، مديرة مكتب التكنولوجيات الحرارية الأرضية في وزارة الطاقة الأميركية. فقد يتطلب بناء محطة توليد واحدة عقداً كاملاً من الزمن بسبب كل الرخص المطلوبة للبناء. ويمكن أن يؤدي تسهيل الإجراءات إلى تقليل هذا الوقت إلى النصف تقريباً، ومضاعفة سعة التوليد المتوقعة بحلول العام 2050.

كما أن تمويل مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية قد يكون صعباً في بعض الأحيان. فهو يتطلب استثمار رأس مال أكبر من مشاريع الطاقة الشمسية أو الريحية، بقيم تتراوح ما بين 3,000 و6,000 دولار للكيلوواط الواحد، وهي قيمة كبيرة مقارنة بتكلفة الاستثمار للكيلوواط الواحد في الطاقة الشمسية أو الريحية، والتي تتراوح ما بين 1,700 و2,100 دولار. (من الجدير بالذكر أن محطة التوليد الحرارية الأرضية ستنتج من ضعفي إلى أربعة أضعاف الكهرباء التي تنتجها محطة شمسية أو ريحية بنفس السعة).

والآن، تحصل الطاقة الحرارية الأرضية على نفس الميزات الضريبية التي تحصل عليها الطاقات المتجددة الأخرى. ولكن، وبما أن بناء المشروع يمكن أن يستغرق عقداً كاملاً قبل البدء بالعمل، فقد يخشى المطورون من إلغاء هذه الميزات الضريبية قبل أن تبدأ المحطة بالعمل. 

وبتركيبة من التغييرات في السياسات المتبعة والتطورات التكنولوجية، يمكن لتوليد الكهرباء بالطاقة الحرارية الأرضية في الولايات المتحدة أن يصل إلى 60 غيغاواط بحلول العام 2050، وفقاً لتقرير من وزارة الطاقة الأميركية للعام 2019. وهذا يعني أن الطاقة الحرارية الأرضية ستؤمن حوالي 9% من إجمالي الكهرباء في الولايات المتحدة، وهي قيمة كبيرة مقارنة مع نسبة 0.4% الحالية.

إن ما تعد به الطاقة الحرارية الأرضية -طاقة متدفقة على الدوام دون كربون- ما زال جذاباً للكثيرين. وإذا انخفضت الأسعار، وأمكن تطبيقها على نطاق واسع بما يكفي، فقد تكون القطعة الأخيرة في أحجية الشبكة الكهربائية التي لا تطلق الكربون، كما يقول لاتيمر: "هذا هو الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه".