يزداد التلوث على كوكبنا يوماً بعد يوم، يعود ذلك بشكلٍ رئيسي إلى النشاطات البشرية التي تؤدي لنشر الملوثات التي تضر بالبيئة وبصحة الكائنات الحية. تشمل هذه الملوثات: غازات الاحتباس الحراري والمبيدات الحشرية والنفايات النووية والمعادن الثقيلة والهيدروكربونات وغيرها، جميع هذه المواد تصعب إزالتها أو التخلص منها.
أثبتت طرق المعالجة الحيوية (Bioremediation)، المعروفة أيضاً باسم المعالجة البيولوجية، فعاليتها ونجاحها في إزالة الكثير من الملوثات بتكاليف منخفضة ودون أضرار أو تأثيرات سلبية على البيئة مقارنة بطرق المعالجة الأخرى الكيميائية والفيزيائية.
لا توجد طريقة معالجة حيوية واحدة يمكن اعتمادها لإزالة جميع أنواع الملوثات، بل توجد عدة طرق مختلفة يمكن تطبيقها حسب البيئة ونوع الملوثات التي نريد التخلص منها.
يتم تطبيق المعالجة الحيوية إما في موقع التلوث أو خارج موقع التلوث، يتم تحديد ذلك اعتماداً على عدة عوامل منها: نسبة التلوث ونوع البيئة والتكلفة والقوانين البيئية في المنطقة. على سبيل المثال، إذا كانت كميات التربة الملوثة كبيرة، يتم تطبيق المعالجة الحيوية في الموقع لأن نقل هذه الكمية الكبيرة مكلف للغاية.
اقرأ أيضاً: كيف تُطبّق المكافحة الحيوية للتخلص من الآفات الضارة؟
كيف تعمل المعالجة الحيوية؟
تعتمد المعالجة الحيوية على نشر البكتيريا والأحياء الدقيقة الأخرى في مكان التلوث، مع توفير الظروف المثالية لنموها وتكاثرها.
تستخدم هذه البكتيريا الملوثات مثل المبيدات الحشرية والنفط كمصدر للطاقة والغذاء، وتقوم بتحليلها إلى مواد بسيطة غير ضارة بالبيئة مثل الماء وغاز ثاني أوكسيد الكربون أو غاز النيتروجين.
يعد توفير العوامل المناسبة لنمو وتكاثر البكتيريا أمراً ضرورياً وحاسماً في المعالجة الحيوية، هذه الشروط قد تشمل درجة الحرارة والمواد المغذية والهواء. وفي حال عدم توفرها، تستغرق عملية المعالجة فترة طويلة.
إذا كان من غير الممكن توفير العوامل التي تساعد على نمو البكتيريا وتكاثرها في موقع التلوث، يتم اللجوء إلى عملية المعالجة الحيوية خارج الموقع، حيث يتم نقل التربة أو الماء الملوث إلى مكان تتوفر فيه تلك الظروف. على سبيل المثال، إذا كانت التربة الملوثة في منطقة باردة جداً لا تسمح بتكاثر البكتيريا، يجب نقلها إلى مكان دافئ.
تستمر عملية المعالجة الحيوية من عدة أشهر إلى عدة سنوات، وذلك اعتماداً على عدة عوامل، مثل طبيعة الملوثات ودرجة الحرارة ونوع البكتيريا المستخدمة.
اقرأ أيضاً: كيف ستغير التكنولوجيا الخضراء ملامح كوكب الأرض مستقبلاً؟
أنواع الملوثات التي يمكن معالجتها حيوياً
تتوفر طرق معالجة حيوية لتحليل الكثير من أنواع الملوثات الناجمة عن النشاطات البشرية وإزالتها، مثل المبيدات الحشرية والأصباغ وغازات الاحتباس الحراري والنفايات النووية والمعادن الثقيلة والنفط والهيدروكربونات والبلاستيك ومخلفات الصرف الصحي.
لا يمكننا أن نذكر كل الملوثات التي نستطيع معالجتها حيوياً، لكن يمكن القول إن أي مادة قابلة للتحلل البيولوجي يمكن معالجتها بإحدى طرق المعالجة الحيوية.
اقرأ أيضاً: تطوير إنزيم يفكك البلاستيك خلال أسبوع بالاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
الكائنات الحية المستخدمة في المعالجة الحيوية
يتم استخدام الكائنات الحية الدقيقة في عملية المعالجة الحيوية، هذه الكائنات يمكنها الانتشار بأي بيئة أو أي وسط في العالم، كما أنها تستطيع تحليل الكثير من المواد الملوثة وتحويلها لمواد بسيطة غير سامة لا تسبب أي ضرر. من بين هذه الكائنات البكتيريا الهوائية واللاهوائية، كما يمكن استخدام الفطريات فيما يعرف باسم المعالجة الفطرية (Mycoremediation).
المعالجة الفطرية هي شكل من أشكال المعالجة الحيوية ابتكرها عالم الفطريات الأميركي بول ستاميتس لتقليل نسبة السموم في مواقع التلوث، تعتمد على بعض أنواع الفطريات التي لديها القدرة على امتصاص المعادن الثقيلة وغيرها من الملوثات وتركيزها في أجسامها.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للميكروبات المعدّلة جينياً التخفيف من انبعاثات الطيران؟
أبرز تقنيات المعالجة الحيوية
تقسم المعالجة الحيوية إلى ثلاث فئات رئيسية هي:
المعالجة الحيوية للتربة
قد تتعرض التربة الى التلوث من عدة مصادر، مثل المعادن الثقيلة أو المواد الكيميائية التي تنتجها المصانع، أو التلوث بالمبيدات الحشرية الناجم عن الزراعة.
من أشهر الأمثلة على المعالجة الحيوية للتربة ما حصل في الحديقة الأولمبية بالعاصمة البريطانية لندن، والتي أقيمت فيها الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2012. كانت المنطقة ملوثة بشدة نتيجة استخدامها منذ مئات السنين في النشاط الصناعي، حيث كانت التربة شديدة التلوث والسمّية، فتمت المعالجة الحيوية لنحو 1.7 مليون متر مكعب من التربة في الموقع، والتي أنشئت عليها المنشآت الرياضية بالإضافة إلى تحويل بعض المناطق لموائل للحياة البرية.
في عملية المعالجة الحيوية للتربة، قد لا يكون من الضروري إضافة البكتيريا، فالتربة تعيش فيها الكثير من أنواع البكتيريا، ويكفي فقط توفير الظروف المناسبة لنموها مثل التهوية المناسبة عن طريق تقليب التربة.
المعالجة الحيوية للهواء
يتعرض الهواء للتلوث بالعديد من الغازات والمركبات الكيميائية الضارة الناجمة عن الصناعة. وتعتبر تقنية الترشيح الحيوي أو الترشيح البيولوجي (Biofilter) أحدث طرق المعالجة الحيوية للهواء، وهي تتضمن تمرير الهواء الملوث في منطقة فيها كائنات حية دقيقة تعمل على تحليل المواد الملوثة والتغذي عليها واستخدامها كمصدر للطاقة. يؤدي هذا التحليل إلى إطلاق منتجات غير ضارة مثل الماء والأملاح وغاز ثاني أوكسيد الكربون.
تعتبر تقنية الترشيح الحيوي تقنية المعالجة الحيوية الوحيدة المتاحة لإزالة الملوثات من الهواء.
اقرأ أيضاً: أكبر محطة في العالم لتصفية الهواء من الكربون ستبدأ العمل قريباً
المعالجة الحيوية للماء
في الكثير من مناطق العالم، يعد الوصول إلى المياه النظيفة الصالحة للشرب والصرف الصحي ترفاً ورفاهية، حيث يهدد عدم الوصول إلى المياه النظيفة الصالحة للشرب مئات ملايين البشر بأمراض خطيرة وقاتلة، بسبب اضطرارهم لشرب مياه ملوثة.
لتوفير مياه صالحة للاستهلاك البشري، تقوم العديد من الشركات والحكومات بمعالجة مياه الصرف الصحي حيوياً لإزالة الملوثات والفضلات منها. في المملكة المتحدة على سبيل المثال، يتم في كل يوم جمع 11 مليار لتر من مياه الصرف الصحي ومعالجتها بشكل حيوي.
تتم العملية في أحواض معالجة من خلال تهوية المياه الملوثة لتوفير الأوكسجين للبكتيريا الموجودة فيها، والتي تعمل على تحليل كل المواد العضوية والملوثات. وبعد انتهاء عملية التحلل، تتم تنقية المياه وترشيحها ثم تعقيمها لإزالة الجراثيم.
حين تتعرض مياه البحار والمحيطات للتلوث، يمكن استخدام المعالجة الحيوية. على سبيل المثال، جنحت ناقلة النفط إكسون فالديز (Exxon Valdez) قبالة سواحل ولاية ألاسكا الأميركية عام 1989، أدى ذلك لانسكاب 11 مليون غالون من النفط في المياه. ولحل المشكلة، قامت وكالة حماية البيئة الأميركية وشركة إكسون موبيل المالكة لناقلة النفط بمعالجة البقع النفطية حيوياً، وبحلول عام 1992، تم اعتبار عملية التنظيف مكتملة.
اقرأ أيضاً: تلوث المياه: أبرز أسبابه وآثاره على الإنسان والبيئة
مستقبل المعالجة الحيوية
تساعد طرق المعالجة الحيوية في إزالة المواد الملوثة دون أي ضرر على البيئة وبتكلفة منخفضة، هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعلنا نفكر في استخدامها على نطاقٍ أوسع، خاصةً في ظل التلوث المتزايد الذي يشهده كوكبنا والأضرار الهائلة التي يُلحقها البشر بالبيئة.
اقرأ أيضاً: هل تستحق فكرة البيولوجيا التركيبية التي تسوّق لها شركة جينكو 15 مليار دولار؟
في المستقبل، ستكون هناك حاجة متزايدة لاستخدام تقنيات المعالجة الحيوية من أجل حماية البيئات التي نعتمد عليها نحن البشر في توفير الغذاء، بالإضافة إلى تنقية الهواء الذي نتنفسه. إذ يمكن أن تساعدنا المعالجة الحيوية على استعادة توازن النظام البيئي، لتبقى التربة والهواء والمياه نظيفة ومتاحة للأجيال القادمة.