على مدى السنوات القليلة الماضية، ركزت الحكومات والمؤسسات والهيئات الدولية في جميع أنحاء العالم على استخدام الأدوات التكنولوجية المختلفة للتخفيف من تحديات تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي. ومع ذلك، تعتبر التكنولوجيات الناشئة مثل البلوك تشين واعدة للمساعدة في حل المشكلات البيئية الرئيسية التي نواجهها اليوم على كوكبنا.
وعلى الرغم من أن تكنولوجيا البلوك تشين معروفة بارتباطها بالعملات الرقمية المشفرة، وتم استخدامها بالفعل في الخدمات المصرفية والمدفوعات، إلا أن الباحثين البيئيين وخبراء التكنولوجيا بدؤوا بالفعل في استكشاف إمكانياتها لحل أزمة المناخ والتغير البيئي، بدءاً من تتبع استدامة المنتجات إلى مراقبة التلوث.
طرق استخدام تكنولوجيا البلوك تشين في مكافحة الأزمة البيئية
هناك عدة طرق تُستخدم فيها تكنولوجيا البلوك تشين بالفعل في مكافحة الأزمة البيئية، منها:
توفير فرص واعدة للمستثمرين
أصبحت الاستثمارات التي تنطوي على مشاريع التنمية المستدامة العابرة للقارات والتي تشترك فيها العديد من الدول معقدة للغاية، ما يتسبب في حدوث تأخيرات يمكن تجنبها بسهولة وفعالية بالاعتماد على تكنولوجيا البلوك تشين، حيث يمكن للعمليات والأنظمة الأساسية التي تدعم البلوك تشين، إدارة المعاملات بفعالية وكفاءة عالية، ما يوفر للمستثمرين الذين يريدون الخوض في مبادرات التنمية المستدامة والمتعلقة بالمناخ فرصاً كبيرة، وفي الوقت نفسه المساعدة على زيادة الكفاءة وتقليل المعاملات وجعل التنمية المستدامة المتعلقة بالمناخ مفيدة للغاية للاستثمارات الخاصة.
وفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، يمكن أن توفر تكنولوجيا "دفتر الأستاذ الموزع" (Distributed Ledger) في البلوك تشين تحسينات كبيرة، من خلال السماح للمستثمرين ومطوري مشاريع الطاقة المتجددة والمشترين بالتعاون على منصة مشتركة ذات معايير عالمية راسخة للامتثال البيئي.
على سبيل المثال، تمكنت شركة "صن إكستشينج" (Sun Exchange) للطاقة المتجددة في جنوب إفريقيا من تخفيض تكاليف الطاقة في الدولة بنحو 30%، وذلك من خلال السماح لأي شخص بشراء الألواح الشمسية بعملة البيتكوين وتأجيرها للمستشفيات والمدارس والشركات الأخرى في إفريقيا، ما يلغي الحاجة إلى أي وسطاء بين المستثمرين والمستفيدين.
كما بدأت شركة "باور ليدجر" (Power Ledger) الأسترالية في إنشاء مشروع تجريبي في ولاية "أوتار براديش" الهندية لزيادة نشر الطاقة المتجددة، من خلال السماح لأصحاب المنازل الذين لديهم ألواح شمسية على أسطح منازلهم ببيع الطاقة الزائدة للآخرين على الشبكة، ويتضمن ذلك تحديد الأسعار في الوقت الفعلي وتنفيذ المعاملات عبر البلوك تشين.
اقرأ أيضاً: تحديد أهداف الحكومات من استخدام البلوك تشين
إدارة سلاسل التوريد العالمية
يرغب معظم المستهلكين في شراء منتجات لا تحتوي على مكونات صناعية كثيرة، ولكن المعلومات المتعلقة بالمكونات غالباً ما تكون غير متوفرة ويصعب التحقق منها، حيث من السهل جداً على الشركات أن تخفي كيفية تصنيع منتجاتها، وما هي المواد الكيميائية التي تستخدمها، وحتى الممارسات الأخلاقية المتبعة في تجميع مكوناتها.
في هذه الحالة، يمكن استخدام تكنولوجيا البلوك تشين لتتبع المنتجات من الشركة المصنعة إلى أرفف المتاجر والمساعدة في منع الهدر وعدم الكفاءة والاحتيال والممارسات غير الأخلاقية، وجعل سلاسل التوريد أكثر شفافية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتكنولوجيا مساعدة المستهلكين على أن يكونوا على دراية أفضل بكيفية صنع وشحن كل منتج، حتى يتمكنوا من اتخاذ خيارات أكثر صداقة للبيئة.
على سبيل المثال، يعمل تطبيق "فوود تراكس" (Foodtrax)، وهو تطبيق لا مركزي قائم على تكنولوجيا البلوك تشين، على تتبع الأطعمة من مكان التصنيع إلى رفوف المتاجر لتلافي التخزين والتعامل غير السليم، والذي يعتبر سبباً أساسيّاً في هدر الطعام، حيث تعمل على تسجيل درجة حرارة المنتجات بصورة دورية وقياس المعدات ومراقبتها، مع التركيز على تطوير حلول مرنة في الوقت الفعلي لحل المشكلات التي تنشأ في عمليات الترحيل والتخزين.
وبشكل عام، يمكن لتكنولوجيا البلوك تشين ربط جميع أصحاب المصلحة في سلسلة التوريد العالمية، من العاملين في المصانع إلى الخدمات اللوجستية وتجار التجزئة والمستهلكين والمستثمرين والمنظمات غير الحكومية والمنظمين، تحت منصة واحدة توفر البيانات وإمكانية التتبع والشفافية والتحكم وآلية الامتثال التي يحتاجها المستخدم.
اقرأ أيضاً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين في تحسين سلاسل التوريد الغذائي
إعادة تدوير النفايات البلاستيكية
تعتبر ممارسات إعادة التدوير إحدى مجالات الاستدامة البيئية التي تساعد تكنولوجيا البلوك تشين في تحسينها، فمن خلال تنفيذ برامج إعادة التدوير القائمة على البلوك تشين يمكن للمؤسسات تقديم حوافز مالية للأفراد على شكل عملات رقمية مقابل إيداع المواد القابلة لإعادة التدوير مثل العلب البلاستيكية والزجاجات والحاويات وغيرها.
وتساعد مثل هذه الممارسات بصورة فعالة على تقييم الأثر البيئي للفرد أو الشركة المشاركة في البرنامج. على سبيل المثال، "ذا بلاستيك بانك" (The Plastic Bank) هو مشروع يحول النفايات البلاستيكية إلى عملة من خلال إنشاء مراكز تجميع في دول العالم الثالث، حيث يمكن للأشخاص استبدال البلاستيك المستخدم مقابل أموال نقدية أو خدمات مثل شحن الهاتف أو وقود الطهي. كما يعمل المشروع على إنشاء تطبيق لا مركزي مدعوم بتكنولوجيا البلوك للمساعدة في تحقيق الدخل من النفايات البلاستيكية. من خلال تشجيع المواطنين على تبديلها بالعملات الرقمية المشفرة.
كما يوفر التطبيق اللامركزي "ريسايكل تو كوين" (RecycleToCoin) للمستخدمين نظام مكافأة وحوافز لإعادة تدوير علب الألمنيوم والبلاستيك والصلب، من خلال الشراكة مع عدة منظمات وشركات تعويض ومكافأة عالمية، واستخدام نقاط التجميع المستندة إلى التطبيق لتحفيز الأشخاص على إعادة التدوير والحصول على مكافآت مقابل ذلك.
إدارة الموارد اللامركزية والمستدامة
يمكن أن تدعم تكنولوجيا البلوك تشين الانتقال إلى أنظمة طاقة ومياه لا مركزية ونظيفة وأكثر كفاءة في استخدام الموارد على نطاق واسع، حيث يمكن للمنصات جمع البيانات الموزعة على هذه الموارد ،مثل بيانات المياه والطاقة على مستوى الأسرة باستخدام أجهزة الاستشعار الذكية، للمساعدة في تمكين اتخاذ قرارات أكثر استنارة وحتى اتخاذ قرارات لامركزية بشأن إدارة تلك الموارد.
اقرأ أيضاً: كيف تتصدى المباني الذكية لتحديات التغير المناخي والاستدامة؟
معالجة التحديات لضمان بيئة أكثر استدامة
على الرغم من وجود العديد من الفوائد لتكنولوجيا البلوك تشين عندما يتعلق الأمر بحل الأزمة البيئية، إلا أن هناك العديد من التحديات المرتبطة بها، مثل:
- الاستهلاك الكبير للطاقة المستخدمة في معالجة المعاملات والتي تعتبر تحدياً كبيراً في العديد من البلدان، حيث يمكن أن تكون تكلفة الطاقة باهظة الثمن.
- تحسين البنية التحتية الرقمية والتكنولوجيات الرقمية ذات الصلة بسرعة.
- تعديل اللوائح والأطر التنظيمية المتعلقة بكيفية استخدام التكنولوجيات الناشئة، ومن ضمنها البلوك تشين، للمساعدة في تصميم أنظمة تدعمها لتخفيف المخاطر البيئية.
- تعزيز ثقة المستخدم في تكنولوجيا البلوك تشين وبيان ضرورة استخدامها.
- تحديات الأداء بما في ذلك قابلية التشغيل البيني وقابلية التوسع.
- المخاطر الأمنية بما في ذلك التحقق عبر الإنترنت وتحديد الهوية.
إذا أمكن التغلب على هذه التحديات وغيرها، نجد أنه مع نضوج التكنولوجيا ونمو تطبيقها عبر القطاعات والأنظمة المختلفة، يمكن أن تساعد تكنولوجيا البلوك تشين في معالجة مجموعة من القضايا البيئية المثيرة للجدل، من الصيد غير القانوني وإزالة الغابات إلى إدارة المياه والطاقة بشكل أفضل.