وفقاً لتقرير الأمم المتحدة: إزالة الكربون لم تعد ترفاً بل ضرورة ملحة

5 دقائق
وفقاً لتقرير الأمم المتحدة: إزالة الكربون لم تعد ترفاً بل ضرورة ملحة
افتتحت كلايميت ووركس أضخم منشأة للالتقاط الهوائي المباشر حتى تاريخه في 2021. مصدر الصورة: أسوشييتد برس

أبرز تقرير متشائم جديد من اللجنة المناخية للأمم المتحدة الثمن الذي سيدفعه العالم بسبب التأخيرات الكبيرة في التعامل مع الاحترار العالمي على الرغم من التحذيرات على مدى عقود كاملة.

ففي السنة الماضية، تجاوزت انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون المتعلقة بالطاقة على مستوى العالم 36 مليار طن -وهو رقم قياسي جديد- فيما يستأنف الاقتصاد العالمي نشاطه بعد الوباء.

هامش الانبعاثات أصبح حرجاً 

ومع تواصل ارتفاع الانبعاثات، فإن هامش الانبعاثات التي يمكن للعالم إطلاقها قبل الوصول إلى مستويات فائقة الخطورة من الاحترار أصبح ضيقاً لدرجة حرجة، كما حذر التقرير المنشور مؤخراً. وهذا يعني أن تقليل الانبعاثات فقط لم يعد كافياً بصورة شبه مؤكدة، كما استنتج التقرير. إذ سيحتاج العالم أيضاً إلى تأسيس البنى التحتية والأنظمة ووضع السياسات المطلوبة لامتصاص مليارات الأطنان من ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء سنوياً.

وفي اتصال هاتفي جماعي، قالت ديانا أورغ-فورساتز، وهي نائب رئيس مجموعة العمل التي أنتجت التقرير الذي وصل حجمه إلى 3,000 صفحة: "أصبحت إزالة ثنائي أوكسيد الكربون أساسية لتحقيق الانبعاثات الإجمالية المعدومة لغازات الدفيئة".

قامت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC) التابعة للأمم المتحدة بإصدار سلسلة من التقارير الشاملة لصناع السياسات، وذلك لتقييم الحالة العلمية والمخاطر المتزايدة للاحترار العالمي. ويعنى التقرير الأحدث، وهو الجزء الثالث من عملية التقييم السادسة الشاملة للجنة، بتقييم المجموعة الحالية من الخيارات المتاحة لإبطاء الانبعاثات والحد من أثر التغير المناخي.

وقد خلص التقرير إلى أنه يتعين على الدول أن تخفض من الانبعاثات بنسب كبيرة في جميع القطاعات، بما فيها النقل والطاقة والصناعات الثقيلة. وهو ما يتطلب نقلات كبيرة وسريعة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة النظيفة، إضافة إلى تغييرات كبيرة في طريقة إنتاج الغذاء وغيره من الضروريات. 

وقد قال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، خلال الاتصال الهاتفي: "لقد وصلت المحكمة إلى حكم، وهو إدانة مؤكدة". "نحن على مسار سريع متجه نحو كارثة مناخية".

خصص التقرير فصلاً لمناقشة إزالة الكربون، مبرزاً الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه هذه التقنية، ومدى صعوبة تحقيق المستويات المطلوبة في العقود المقبلة. 

اقرأ أيضًا: هل من الممكن سحب الميثان من الغلاف الجوي لإبطاء الاحترار العالمي؟

النتائج الأربع الأساسية حول إزالة الكربون

ونعرض فيما يلي النتائج الأربع الأساسية حول إزالة الكربون:

1- من الناحية العملية، لم تعد إزالة الكربون اختيارية

يشير تقرير الأمم المتحدة إلى أنه أصبح من شبه المستحيل الآن منع الاحترار من الوصول إلى 1.5 درجة مئوية دون جهود كبيرة في إزالة الكربون، كما أصبح من الصعب للغاية منع الاحترار من الوصول إلى درجتين مئويتين دون هذه الجهود أيضاً.

سيحتاج منع الاحترار بالمستوى الأول، مع مستويات قليلة من إزالة ثنائي أوكسيد الكربون، إلى تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية إلى نحو 31 مليار طن في السنة بحلول العام 2030 وسطياً، وفقاً لتقديرات التقرير. وهذا يعني تقريباً خفض الانبعاثات إلى النصف خلال ثماني سنوات. 

وسيتطلب تخفيض الانبعاثات بهذه السرعة انتقالاً فجائياً إلى تكنولوجيات جديدة، وتخفيضاً حاداً في الطلب على الطاقة. ويحتاج هذا إلى تغييرات غير مسبوقة في السلوكيات البشرية وتحسينات غير مسبوقة في الفعالية، وجميعها "صعبة التحقيق في العالم الحقيقي إلى درجة كبيرة للغاية"، كما يقول زيك هوسفاذر، وهو أحد المشاركين في مجموعة عمل سابقة لأحدث التقارير المناخية في الأمم المتحدة، وباحث مناخي رئيسي في شركة "سترايب" (Stripe). 

وبتغيير الحد الأعلى إلى درجتين بدلاً من درجة ونصف، يمكن بشكل أساسي أن نحصل على مهلة إضافية بطول عقد من الزمن لتخفيف التلوث المناخي إلى النصف، أي نحو 29 مليار طن، بحلول العام 2040.   

وببساطة، فإن سرعة ومستوى التخفيضات في كلتا الحالتين ليسا واقعيين، كما يقول خوليو فريدمان، العالم الرئيسي في "كربون دايركت" (Carbon Direct)، وهي شركة أبحاث واستثمار تركز على إزالة الكربون. ويضيف قائلاً إن الدول بحاجة إلى إزالة الكربون على مستويات "هائلة".

أما المشكلة الأساسية: فهي أن العالم أصدر كميات ضخمة للغاية من الانبعاثات. كما أننا لم نقم بما يكفي للانتقال نحو أساليب أكثر نظافة في تشغيل اقتصاداتنا. وليس لدينا أساليب متوافرة وذات جدوى اقتصادية معقولة لمعالجة مشاكل التلوث الناجمة عن بعض الصناعات والمنتجات، مثل الطيران والشحن البحري والأسمدة والإسمنت والفولاذ.

إن الهدف الأساسي من إزالة الكربون هو إتاحة مهلة إضافية أمام الدول للانتقال نحو ممارسات مستدامة، وإحداث التوازن مع الانبعاثات المتواصلة من المصادر التي لم نتمكن من استبدالها.

ولكن...

اقرأ أيضًا: الضجة المثارة حول إزالة الكربون باتت مصدراً خطيراً للإلهاء

2-   يجب أن نقوم بإزالة كميات كبيرة من الانبعاثات

حتى نمنع الكوكب من الوصول إلى درجتين مئويتين من الاحترار، أو الخروج من هذا الوضع في حال حدوثه، يجب أن نزيل مليارات الأطنان من ثنائي أوكسيد الكربون سنوياً. 

وتعتمد النماذج التي حدّت الاحترار بدرجتين مئويتين على ثلاث طرق أساسية لإزالة الكربون: زراعة الأشجار وتجديد الغابات واعتماد طرق مماثلة في إدارة الأراضي، وتطوير آلات لشفط الكربون واستخدامها، والاعتماد على المحطات القادرة على إنتاج الطاقة والتقاط الكربون في نفس الوقت، وفق طريقة تعرف باسم "بيكس" (BECCS). ويجب، باستخدام هذه الطرق الثلاث، إزالة ما يصل إلى 17 مليار طن من ثنائي أوكسيد الكربون سنوياً بحلول العام 2050، و35 مليار طن بحلول العام 2100، وفقاً للتقرير.

اقرأ أيضًا: هل أصبح التغير المناخي مصدر خطر على الطاقات المتجددة أيضاً؟

3-   نحن في حاجة إلى مجموعة من خيارات إزالة الكربون

يشدد التقرير على أن المقاربات المختلفة لإزالة الكربون تتسم بفوائد ومشاكل متباينة للغاية.

فالمقاربات الطبيعية مثل زراعة الأشجار وتجديد الغابات، على سبيل المثال، هي الأكثر تطبيقاً في الوقت الحالي. ولكن الكربون يمكن أن يعود مباشرة إلى الغلاف الجوي بمجرد موت النباتات أو احتراقها. ولهذا، فإن هذه الحلول أقل دواماً على الأرجح من حلول أخرى، مثل التخزين الجيولوجي، والذي يعزل الكربون تحت الأرض. 

أما الالتقاط الهوائي المباشر فقد يستطيع إزالة الكربون وتخزينه بشكل دائم، ولكن الآلات الموجودة حالياً محدودة القدرات ومكلفة، كما أن هذه التكنولوجيا تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والماء، كما يقول التقرير. 

تعتمد نماذج تقرير الهيئة إلى درجة كبيرة على أساليب بيكس، وهي تهجين من المقاربات التي تعتمد على الطبيعة والتكنولوجيا، وتحمل بعضاً من فوائد كل من الطرفين. ولكن بيكس تتطلب مساحات كبيرة من الأراضي، وهو ما يمكن أن يتضارب مع احتياجات إنتاج الغذاء، من بين تحديات أخرى.

يلحظ التقرير أيضاً وجود مجموعة متنوعة من الأساليب الأخرى لالتقاط ثنائي أوكسيد الكربون، بما فيها المقاربات التي تعتمد على المحيطات، مثل استخدام المواد المعدنية لزيادة قلوية مياه البحر. ولكنها ما زالت عموماً غير مُجَربة.

اقرأ أيضًا: دراسة: قدرة أشجار المانجروف على إزالة الكربون أعلى بكثير مما نعتقده

4- سيحتاج توسيع نطاق هذه الطرق إلى تمويل وقرارات سياسية

يشدد مؤلفو تقرير الهيئة على أن تحقيق مستويات عالية من إزالة الكربون سيتطلب عملاً مكثفاً من البحث والتطوير لتحديد الطرق الأكثر فعالية، والتقليل من الآثار البيئية، والتطوير السريع لمشاريع كبيرة في العالم الحقيقي.

وقد كتب فرانسيس وانغ، وهو مدير برنامج في منظمة "كلايميت ووركس" (ClimateWorks)، والتي تمول أبحاث إزالة الكربون، في رده على أسئلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو: "نحتاج إلى تضافر جهود الجميع لدراسة مجموعة كبيرة ومتنوعة من الخيارات لتفعيل خيارات غير كربونية وإزالة ثنائي أوكسيد الكربون، وبمستويات عالية".

من المرجح أن تكون التكلفة أكبر عائق في بناء صناعة كبيرة لإزالة الكربون. فمن سيدفع مئات المليارات من الدولارات، بل وحتى التريليونات من الدولارات، لإزالة هذا القدر من ثنائي أوكسيد الكربون سنة بعد سنة؟  

يقول التقرير إن تسريع البحث والتطوير في إزالة الكربون، ودفع الشركات إلى القيام بهذا فعلياً، سيتطلب "التزاماً سياسياً" من الحكومات. وهو ما يعني وضع سياسات تفرض إزالة الكربون أو تشجع عليه، إضافة إلى طرق لضمان تحقيق هذه الممارسات للفوائد المناخية المرجوة منها.

ولكن، وبالنظر إلى التاريخ، فإن النتائج المتشائمة للتقرير الجديد من الهيئة المناخية لن تؤدي إلى أي تغيير جذري. فما زال العالم يطلق الانبعاثات، وبزيادة 6 مليار طن على المقدار السنوي المُقاس عند نشر التقييم العام السابق في 2014. ولكن العمل على إزالة الكربون ما زال جارياً، مع تعاظم أهمية دوره في مكافحة التغير المناخي أكثر من ذي قبل.