كيف سيغير الميتافيرس مستقبل العمل في المؤسسات؟

5 دقائق
كيف سيغير الميتافيرس مستقبل العمل في المؤسسات؟
حقوق الصورة: شترستوك

بشكل عام يمكن تعريف الميتافيرس Metaverse بأنه شبكة من عوالم افتراضية ثلاثية الأبعاد حيث يمكن للناس التفاعل والقيام بأعمال تجارية وإنشاء اتصالات اجتماعية من خلال "الصور الرمزية" الافتراضية الخاصة بهم.

وبينما لا تزال هذه التقنية في طور النمو والتطوير، إلا أن تقنياتها وأدواتها أصبحت منتشرة بالفعل، حيث لا يتطلب الدخول إلى عوالم الميتافيرس حالياً سوى جهاز حاسوب وفأرة ولوحة مفاتيح، ولكن للحصول على تجربة محيطية ثلاثية الأبعاد كاملة يتعين عليك عادةً ارتداء نظارة واقع افتراضي.

وتعد شركات مثل ميتا رائدة في صناعة هذه النظارات وبعض الأدوات المتقدمة، مثل القفازات اللمسية (التي تعمل باللمس) التي تُمكن المستخدمين من التفاعل مع الكائنات الافتراضية ثلاثية الأبعاد وتجربة الأحاسيس مثل الحركة والملمس والضغط.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز التحديات التي تواجه عالم الميتافيرس؟ وكيف يمكن جعله آمناً؟

تأثير الميتافيرس على طريقة العمل في الشركات

وعلى الرغم من النظر إلى معظم عوالم الميتافيرس حاليّاً على أنها ترفيهية وفنية، إلا أن تأثير جائحة كورونا في مجال العمل جعل الشركات تبدأ في البحث والتفكير في استخدام هذه التقنية لتطبيقها في تجارب عمل عن بعد ومختلطة أكثر واقعية وتماسكاً وتفاعلية.

وحتى الآن يبدو أن الميتافيرس في طريقه لتشكيل عالم العمل بأربعة طرق رئيسية هي:

1- طرق جديدة غامرة في العمل الجماعي والتعاون

أظهر بحث أجرته مؤسسة "نافيلد هيلث" (Nuffield Health) في المملكة المتحدة أن ما يقرب من ثلث العمال عن بُعد في المملكة المتحدة يواجهون صعوبات في الفصل بين الواجبات المنزلية والعمل عند العمل من المنزل، حيث وُجد أن أكثر من ربعهم يواجهون صعوبة في التوقف عند انتهاء يوم العمل.

وبالتالي يمكن أن تضع أماكن العمل الافتراضية حدوداً أفضل بين الحياة في المنزل والعمل، ما يمنح إحساساً بالسير إلى مكان العمل كل يوم ثم المغادرة وقول وداعاً للزملاء عند الانتهاء من العمل. ويعد الميتافيرس بجلب مستويات جديدة من الاتصال الاجتماعي والتنقل والتعاون في العالم الافتراضي حيث يمكن للموظفين العمل بشكل تفاعلي والتعاون على حل المشكلات.

وهذا ما تُركز عليه منصة الواقع الافتراضي "نيكست ميت" (NextMeet)، وهي عبارة عن منصة واقع افتراضي غامرة قائمة على الصورة الرمزية تركز على العمل التفاعلي والتعاون وحلول التعلم. وتتمثل مهمتها في الحد من تأثيرات العزلة التي تنتج عند عمل الموظفين عن بُعد.

من خلال النظام الأساسي الشامل للمنصة، يمكن للصور الرقمية للموظفين الدخول والخروج من المكاتب الافتراضية وغرف الاجتماعات في الوقت الفعلي، أو تقديم عرض تقديمي مباشر من المنصة، أو الاسترخاء مع الزملاء في صالة التواصل، أو التجول في مركز المؤتمرات أو المعرض باستخدام صورة رمزية قابلة للتخصيص.

بينما تعمل شركات أخرى على إيجاد حلول تساعد في مواجهة إجهاد اجتماعات الفيديو والانفصال الاجتماعي عند العمل عن بُعد، مثل شركة "بيكسل ماكس" (PixelMax) وهي شركة ناشئة مقرها المملكة المتحدة وتساعد المؤسسات على إنشاء أماكن عمل غامرة مصممة لتعزيز تماسك الفريق وصحة الموظفين والتعاون.

وتوفر أماكن العمل الافتراضية الخاصة بهم، والتي يتم الدخول إليها عبر نظام مستند إلى الويب على الحاسوب ولا تتطلب نظارات واقع افتراضي ميزات عديدة مثل:

  • تجارب الارتطام: تتيح لك تقنية "بيكسل ماكس" (PixelMax) الغامرة مشاهدة الصور الرمزية لزملائك في الوقت الفعلي، ما يسهل عليك إيقافهم لإجراء محادثة عندما تصطدم بهم في مكان العمل الافتراضي.
  • مساحات الرفاهية: وهي مناطق مخصصة على شكل غابات أو أحواض مائية لمستخدمي العالم الافتراضي لأخذ قسط من الراحة أو التأمل أو تجربة شيء مختلف.
  • تسليم الطلبات في الواقع المادي: يمكن للعاملين إضافة ميزات مثل القدرة على طلب الطعام الجاهز أو الكتب وغيرها من البضائع داخل البيئة الافتراضية وتسليمها إلى موقعهم الفعلي مثل المنزل.
  • التجول داخل المكاتب: تماماً كما هو الحال في مكان العمل الفعلي، يمكنك التجول في البيئة الافتراضية لمقر العمل، ومعرفة مكاتب الزملاء والانضمام إلى محادثة سريعة وغيرها.

اقرأ أيضاً: كيف ستعيد التكنولوجيا تشكيل مستقبل عالم العمل؟

2- الزميل الرقمي

شهدت السنوات الأخيرة تقدماً هائلاً في أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها فهم المحادثات النصية والصوتية والتحدث بلغة طبيعية، وتتحول مثل هذه الخوارزميات الآن إلى بشر رقميين يمكنهم الشعور بالسياق وتفسيره، وإظهار المشاعر، والقيام بإيماءات شبيهة بالإنسان وحتى اتخاذ القرارات.

وبالتالي، لن يقتصر زملاؤنا في عالم الميتافيرس في العمل على الصور الرمزية فقط لزملائنا في العالم الحقيقي، بل من المتوقع أن ينضم إلى عالم العمل مجموعة من الزملاء الرقميين، وهي روبوتات واقعية للغاية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تشبه الإنسان.

ستعمل هذه الروبوتات في مجالات عدة مثل مستشارين ومساعدين افتراضيين. ومن الناحية النظرية من المتوقع أن يقوم الزملاء الرقميون بمهام أكثر إنتاجية وقيمة من البشر، أحد الأمثلة على ذلك هو "أني كيو" (UneeQ)، وهي شركة تقنية دولية تركز على إنشاء "بشر رقميين" يمكنهم العمل عبر مجموعة متنوعة من المجالات والأدوار المختلفة.

اقرأ أيضاً: هل يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً لوظائف البشر؟

3- التدريب المهني

أثبتت الأبحاث أن التدريب في العالم الافتراضي يمكن أن يقدم مزايا مهمة، كما يمكن أن يتفوق على التدريب القائم على الفصول الدراسية لأنه يوفر نطاقاً أكبر لإظهار المفاهيم بصرياً مثل التصميم الهندسي وممارسات العمل، ومشاركة أعلى بشكل عام من خلال الانغماس في الألعاب وحل المشكلات من خلال أساليب قائمة على البحث.

وبالتالي يمكن أن يحدث الميتافيرس ثورة في التدريب وتنمية المهارات، حيث يمكن للمدربين الرقميين المدعومين بالذكاء الاصطناعي أن يكونوا جاهزين للمساعدة في تدريب الموظفين وتقديم المشورة المهنية.

وستصبح عمليات تمثيل الأدوار في الواقع الافتراضي وعمليات المحاكاة شائعة، ما يمكّن الصور الرمزية للعاملين من التعلم عبر سيناريوهات مختلفة. ومن المحتمل أيضاً أن تجذب الطبيعة المرئية والتفاعلية للتعلم القائم على الميتافيرس بشكل خاص الأشخاص المصابين بالتوحد، والذين يستجيبون بشكل أفضل للإشارات البصرية بدلاً من الإشارات اللفظية.

يمكن أيضاً استخدام أدوات الواقع الافتراضي لمكافحة القلق الاجتماعي في مواقف العمل، على سبيل المثال من خلال إنشاء مساحات واقعية ولكنها آمنة لممارسة العروض التقديمية العامة وتفاعلات الاجتماعات.

اقرأ أيضاً: ما هي الإمكانات التي يقدمها عالم الميتافيرس في مجال التعليم؟

4- مهن جديدة في عالم الميتافيرس

بصورة تشبه شركات التكنولوجيا الناشئة التي نتحدث عنها اليوم، من المحتمل أن نشهد في السنوات القادمة ظهور شركات ميتافيرس أصلية، وهي شركات تم تصميمها وتطويرها بالكامل في العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد ولديها موظفيها الذين يصنعون ويبيعون منتجاتهم الافتراضية الخاصة بعالم الميتافيرس، مثل الأزياء والأثاث والموسيقى والملصقات والحيوانات الأليفة.

ومثلما جلب الإنترنت مهناً ووظائف جديدة بالكاد كانت موجودة منذ 20 عاماً، مثل مدير التسويق الرقمي ومدير منصات التواصل الاجتماعي والمتخصصين في الأمن السيبراني، كذلك من المحتمل أيضاً أن يجلب الميتافيرس مجموعة واسعة من الوظائف الجديدة مثل مصممي الصور الرمزية، ووكلاء السفر الافتراضيين لتسهيل التنقل عبر عوالم افتراضية مختلفة، ومستشاري إدارة الثروات الرقمية ومديري الأصول وغيرها.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن إعادة بناء مستقبل العمل والعاملين في ظل الذكاء الاصطناعي؟

التحديات التي ستواجهها المؤسسات مع عوالم الميتافيرس والتوقعات

بلا شك فإن مكان العمل قد تغير كثيراً خلال الثلاثة أعوام السابقة، حيث أدى انتشار ثقافة العمل عن بُعد والعمل المختلط إلى تغيير التوقعات حول الغرض من عمل الموظفين وكيفيته ومكانه، والآن مع ظهور الميتافيرس فإن ثقافة العمل في طريقها لأن تخطو خطوة كبرى للأمام.

حيث من المتوقع أن يوفر الميتافيرس فرصة للمؤسسات لإعادة التوازن في العمل عن بُعد والعمل المختلط واستعادة التلقائية والتفاعلية والمرح للعمل الجماعي والتعلم، مع الحفاظ على المرونة والإنتاجية والراحة.

لكن لتحقيق ذلك هناك ثلاثة أشياء من المهم القيام بها، وهي:

  • سرعة تنبي الميتافيرس، وهي مهمة للغاية خاصة أن معظم التكنولوجيا والبنية التحتية موجودة بالفعل، ومن ثم ستحتاج الشركات الكبيرة إلى التصرف بسرعة لمواكبة تكنولوجيات الميتافيرس والخدمات الافتراضية، أو المخاطرة بفقدان المواهب لصالح منافسين أكثر ذكاءً.
  • لن تنجح الميتافيرس إلا إذا تم نشرها كأداة لمشاركة الموظفين وزيادة خبراتهم وليس للإشراف والرقابة.
  • أن يتطابق العمل القائم على الميتافيرس مع التجارب الافتراضية التي يتوقعها الموظفون، ولا سيما الأصغر سناً الذين ارتبطوا بالتكنولوجيا الاستهلاكية والألعاب.

المحتوى محمي