كيف يمكن إعادة بناء مستقبل العمل والعاملين في ظل الذكاء الاصطناعي؟

4 دقائق
مستقبل العمل والذكاء الاصطناعي
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

ألف خبراء بجامعة إم آي تي كتاباً بعنوان «عمل المستقبل: بناء وظائف أفضل في عصر الآلات الذكية»، يدور حول كيفية تأثير التكنولوجيا على العمل والعمال مستقبلاً، ويشرحون فيه كيف أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر في الأعمال، لكنه سيغير معظم المهن.

عمل المستقبل: بناء وظائف أفضل في عصر الآلات الذكية

يخشى العمال أن تحل الآلات والروبوتات مكانهم في ظل التقدم السريع في مجال التكنولوجيا، لكن أساتذة «إم آي تي» يؤكدون أن هذا الأمر لن يحدث في المستقبل، وما يجب أن يحصل هو إيجاد وظائف أفضل في عصر الآلات الذكية. 

لتوضيح ذلك، ألّف نخبة من أساتذة الجامعة، وهم الاقتصادي «ديفيد أوتور» وأستاذ الطيران «ديفيد مينديل» وعالمة الأبحاث الرئيسية «إليزابيث رينولدز»، بمشاركة 20 من أعضاء هيئة التدريس و20 من طلاب الدراسات العليا، كتاباً حول العمل في المستقبل، إثر تكليف من مدير المعهد «رافاييل ريف» عام 2018.

كان على فريق المؤلفين فهم العلاقات بين التقنيات الناشئة والعمل، وذلك لمساعدتهم على تشكيل توقعات واقعية عن التكنولوجيا، واستكشاف الاستراتيجيات من أجل مستقبل الرخاء المشترك بوجود الآلات الذكية. 

يلقي مؤلفو الكتاب نظرة على سوق العمل، ونمو الوظائف وكيف تؤثر التقنيات على العمال، كما يقدمون العديد من التوصيات حول الكيفية التي ينبغي أن يفكر بها أصحاب العمل والمدارس والحكومات للمضي قدماً، كما يظهرون بأن على أصحاب العمل والحكومات والمدارس الاستثمار والابتكار في المهارات والتدريب، وتحسين جودة الوظائف، بما في ذلك تحديث التأمين ضد البطالة وقوانين العمل، وتعزيز الابتكار وتشكيله من خلال زيادة الإنفاق على البحث والتطوير، وإعادة التوازن بين الضرائب على رأس المال والعمالة، وتطبيق ضرائب دخل الشركات بالتساوي. وفيما يلي بعض الأفكار التي طرحها الكتاب:

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تساعد الحكومات على تعزيز التميز العملياتي؟

مستقبل الذكاء الاصطناعي هو مستقبل العمل

لكي تستعد لمستقبل العمل، يجب أولاً أن تكون مطلعاً على التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، خاصة وأنه أكثر ما يثير قلق العمال عند التفكير في مستقبلهم المهني. من هذا المنطلق، تناول المؤلفون الذكاء الاصطناعي في الكتاب، وكتبوا عنه: «مستقبل الذكاء الاصطناعي هو مستقبل العمل».

أوضح المؤلفون أنه لمعرفة السرعة التي ستنتشر بها تطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، يجدر بنا أن ننظر إلى سرعة انتشار التقنيات الحديثة الأخرى، مثل المعالجات الدقيقة والهواتف الذكية وتطبيقاتها، والتي كان انتشارها خلال العقود القليلة الماضية مذهلاً.

يصف الخبراء التقنيون هذه التغييرات بأنها متسارعة. لكن التسارع في الانتشار لا يبدأ مع ظهور التقنية، بل يبدأ بعد 3 أو 4 عقود من ظهورها. على سبيل المثال، اخترع الأخوان رايت الطائرة، وطارا فيها لأول مرة عام 1903، واستُخدمت الطائرات لأغراض حربية في الحرب العالمية الأولى، وبعد عقود قليلة أخرى، بدأ النقل التجاري، وأصبح بإمكان الناس العاديين ركوب الطائرات والسفر من مكان إلى آخر.

مثال آخر من عالم التكنولوجيا، انتشار الإنترنت. فقد ظهر الإنترنت في الستينيات من القرن الماضي، واستُخدم بكثرة تجارياً في منتصف التسعينيات، لكن لم تعتمده الشركات في أعمالها إلّا في العقد الماضي.

من المثالين السابقين نلاحظ بطء تقبّل الناس للتقنيات الجديدة. فمع ظهور أي تقنية، تسير بمسار تدريجي في البداية، لا يلبث أن يتسارع مع انتشارها، لتحصل على قبول واسع بعد ذلك. يمضي هذا الوقت في إتقان التعامل مع التقنيات الجديدة، وتوفير تكاليفها، ثم تبدأ الإدارات في اعتمادها، لتنتشر بعد ذلك.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يرسم مستقبل عملية التوظيف في الشركات

الذكاء الاصطناعي اليوم وغداً

الذكاء الاصطناعي المتخصص اليوم، والذكاء الاصطناعي العام غداً.

الذكاء الاصطناعي المتخصص

يقول أحد أعضاء فريق الكتّاب أنه على الرغم من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المنتشرة اليوم جديدة ومثيرة للإعجاب إلّا أن معظمها يندرج تحت مسمى «الذكاء الاصطناعي المتخصص»، إذ يمكنها حل عدد محدود من المشكلات المحددة، وذلك بعد تدريبها على كميات هائلة من البيانات، ليتمكن النظام من التنبؤ بالإجراءات المستقبلية.

من الأمثلة على أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه، نظام «ألفا غو» من جوجل، الذي تفوّق على البشر في لعبة «غو»، والأنظمة التي تعتمد عليها شركات التأمين والرعاية الصحية. وتختلف عن بعضها في انتمائها لفئات مختلفة من التعلم الآلي، أو معالجة اللغة الطبيعية وغيرها.

تتنوع أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويمتلك كل نوع منها خصائص مختلفة، وهي لا تشبه بالضرورة الذكاء البشري. كما تتميز أنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة -من خلال اعتمادها بشكل كبير على البيانات التي يزودها بها البشر- في قدرتها على اتباع سلوكيات تحاكي السلوك البشري في أداء المهام الشائعة. ويمكن أيضاً أن تكون الأنظمة متحيزة كما البشر.  

في المقابل، يواجه الذكاء الاصطناعي عدة مشكلات، مثل القدرة على العمل باستمرار في ظل الظروف المتغيرة.

لذلك، لا يمكن للشركات أن تستغني عن العاملين البشريين لتنفيذ مجموعة متنوعة من المهام، لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات غير قادرة بعد على التكيف مع المواقف الجديدة. أيضاً، يتفوق البشر في التفاعل الاجتماعي، والمهارات البدنية، والحس السليم، وبالطبع الذكاء العام.

تميل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة إلى أن تكون موجهة نحو مهمة محددة، وليس بإمكانها إنجاز مجموعة كاملة من المهام التي تُشكل مهنة. وبذلك، يمكن الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي في أداء مهمة معينة، ومنح المزيد من الوقت للعمال البشريين للقيام بمهام أخرى. يمكن أخذ أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تقرأ صور الأشعة كمثال، حيث يقرأ النظام صورة الأشعة ويصف ما يراه فيها، وهو ما يساعد الأطباء على وضع التشخيص الصحيح، ويمنحهم المزيد من الوقت لإجراء الفحوصات الجسدية أو تطوير خطط علاج مخصصة وغيرها من المهام التي يقومون بها.

مثال آخر من مجال الطيران: الطيارون الآليون، فقد اعتمد عليهم الطيارون البشر منذ فترة طويلة لزيادة سيطرتهم على الطائرة. تطورت هذه الأنظمة كثيراً، وأصبح بإمكانها القيام بجميع المراحل الرئيسية في الرحلة، لكن فقدان هذه الأنظمة لعنصر التحكم اليدوي، يمكن أن يؤدي إلى حوادث مميتة.

الذكاء الاصطناعي العام

غالبية أنظمة الذكاء الاصطناعي المنتشرة حالياً لا تشبه أدمغة البشر، لكن ما زال الباحثون مهتمون جداً بتطوير دماغ اصطناعي شبيه بدماغ الإنسان، وهذا ما يُعرف بـ «الذكاء الاصطناعي العام»، ويرى الخبراء أنه لن يتم تحقيقه في المستقبل القريب.

لمعرفة ما إذا كان النظام قد وصل إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي العام، يستخدم المختصون معياراً يسمى «اختبار تورنج»، والذي يحدد ما إذا كان الحاسوب قادراً على إظهار سلوك ذكي لا يمكن تمييزه عن سلوك البشر. تقوم فكرة الاختبار التقليدي على إجراء محادثة بسيطة بين إنسان وحاسوب موجود في مكان آخر، وإذا تمكن الحاسوب من توليد ردود مشابهة لردود البشر بحيث يمكنه خداع الشخص الذي يحاوره ليظن أنه إنسان حقيقي، يكون قد اجتاز الاختبار. وقد تمكنت روبوتات المحادثة البسيطة من تحقيق هذا الهدف بالفعل منذ فترة طويلة، على الرغم من أنها لم تصل إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي العام. لذلك يرى بعض المختصين أنه يجب تحديث اختبار تورنج التقليدي.

يجادل أحد المشاركين في تأليف الكتاب بوجوب وضع معيار جديد للذكاء الاصطناعي العام، وهو القدرة على القيام بمهام العمل المعقدة التي تتطلب أنواعاً أخرى من التفاعل مع العالم، مثل البراعة الجسدية والتفاعل الاجتماعي والقدرة على اتخاذ القرارات، وليس فقط المعالجة الرمزية للبيانات.

أحد الأمثلة على هذه الأنظمة هو «مساعد الصحة المنزلية»، الذي تتمثل مهامه بتقديم المساعدة الجسدية للإنسان الضعيف ومراقبة سلوكه والتواصل مع أسرته ومع الأطباء. أيضاً يمكن اعتبار الروبوتات العاملة في المستودعات من الأمثلة على هذه الأنظمة. 

قد تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي العام المعقدة التي يرجو المختصون تطويرها بعيدة المنال في المستقبل القريب، لكنها قادمة لا محالة، وستترك آثاراً كبيرة على العمل. ويمكن القول بكل تأكيد إن «مستقبل الذكاء الاصطناعي هو مستقبل العمل».