لماذا سبّب عطل فيسبوك مشكلة كبيرة للملايين حول العالم؟

4 دقائق
عطل فيسبوك يربك المستخدمين
مصدر الصورة: أسوشييتد برس

كانت إحدى آخر الرسائل التي أرسلتها فايفا بيزان على فيسبوك مسنجر يوم الاثنين الماضي بعد الظهر، بتوقيت وسط أوروبا، غير مكتملة المعنى إلى حد ما، وتتمحور حول مسألة تتعلق بالوقت إلى درجة كبيرة.

تعمل هذه المصورة الصحافية الليتوانية مسؤولة تنظيم مشاركة في مجموعة دعم الأفغان، وهي إحدى المبادرات التطوعية الكثيرة التي تحاول، وبأي طريقة ممكنة، مساعدة الأفغان المعرضين للخطر على مغادرة البلاد بعد سيطرة طالبان عليها. وقد كانت تكتب رسالة لتستفسر عن إمكانية إضافة شخص إلى بيان إحدى رحلات الإجلاء القليلة المغادرة إلى خارج البلاد التي نظمها المتطوعون. 

ولكن هذا السؤال العاجل لم يُقابل بإجابة لعدة ساعات، وذلك بعد أن تعطلت جميع خدمات فيسبوك –بما في ذلك موقع الويب Facebook.com، وواتساب، ومسنجر، وإنستقرام- فجأة حوالي الساعة 11:40 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة. وحدث هذا العطل بسبب تغييرات في راوترات فيسبوك الأساسية، كما أوردت الشركة في منشور مدونة. تعني هذه التغييرات أن نظام أسماء النطاقات DNS، وهو أداة تقوم بتوجيه حركة المرور وتتبع العناوين عبر الإنترنت، لم يكن يتعامل مع حركة مرور البيانات بشكل صحيح. وإجمالاً، بقيت تطبيقات ومواقع فيسبوك خارج الخدمة فترة ست ساعات تقريباً.

وبالنسبة للكثيرين من مستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة، كان هذا العطل مجرد إزعاج بسيط. ولكن، وبالنسبة للملايين من الأشخاص حول العام، الذين يعتمدون على منتجات فيسبوك للوصول إلى الإنترنت، بما فيهم الأفغان الذين يشعرون بأن المجتمع الدولي تخلى عنهم بعد الانسحاب في منتصف أغسطس، فقد كان العطل المفاجئ مشكلة كبيرة للغاية.

تقول سارة أون، نائب الرئيس للأمن في أوبن تكنولوجي فاند، وهي منظمة أميركية غير ربحية تدعم مشاريع التكنولوجيا، مثل المتصفح الخصوصي تور وخدمة التراسل المشفرة سيجنال، إن فيسبوك أصبح بالنسبة لقسم كبير من العالم "مكافئاً للإنترنت نفسها". وتضيف إن هذا أدى إلى رفع العطل إلى مستوى "انهيار كبير في الشبكة التحتية".

أيضاً، حدث هذا العطل في فترة مشؤومة بالنسبة لفيسبوك. ففي يوم الأحد، وقبل ساعات من العطل، بثت محطة سي بي إس مقابلة كان الجمهور ينتظرها على أحر من الجمر في برنامج 60 مينيتس مع فرانسيس هوجن، الموظفة السابقة في فيسبوك، التي سربت عدداً من الوثائق التي تشير إلى أن الشركة كانت تدرك أن منتجاتها تضر بالفتيات المراهقات، إضافة إلى الكثير من المعلومات الأخرى. وقد أدلت بشهادتها بعد ذلك أمام مجلس الشيوخ الأميركي. أيضاً، تواجه فيسبوك في الولايات المتحدة تحقيقاً حول ممارساتها الاحتكارية، ما قد يؤدي إلى إرغامها على بيع إنستقرام وواتساب. 

إنترنت فيسبوك

يستخدم أكثر من 3.5 مليارات شخص حول العالم مجموعة فيسبوك من شبكات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، بما فيها Facebook.com وتطبيق مسنجر وإنستقرام وواتساب، وغيرها. وتحتل الهند المرتبة الأولى من حيث أكبر عدد من مستخدمي فيسبوك، حيث يصل إلى قيمة تساوي تقديرياً 340 مليون مستخدم. (أما في الولايات المتحدة، فتقول التقديرات إن عدد المستخدمين فيها يساوي 200 مليون مستخدم). 

وقد حدث هذا بشكل مقصود ومتعمد. فعلى مدى عدة سنوات، كانت فيسبوك تسعى إلى توسيع الوصول إلى الإنترنت في البلدان النامية، ما يؤدي بدوره إلى توسيع قاعدة مستخدميها أيضاً. وقد درست الشركة إمكانية استخدام الأقمار الاصطناعية، والطائرات المسيرة، والشبكات اللاسلكية المتصلة راديوياً. كما عقدت شراكات مع شركات الاتصالات المحلية لتحسين البنية التحتية الفيزيائية للإنترنت.

وفي 2013، أطلقت فيسبوك Internet.org، وهي مبادرة تسمح للمستخدمين بدخول فيسبوك، وبضعة مواقع أخرى، دون الاضطرار إلى دفع أي تكاليف للبيانات. وكان هذا جزءاً من خطة مارك زوكربيرج الكبيرة لوصل العالم كله بالإنترنت بتأمين إمكانية الوصول إلى الإنترنت لنسبة 85% من العالم (في ذلك الوقت) القادرين على الوصول إلى البيانات الخلوية.

ولكن، وفي 2016، حظرت هيئة تنظيم الاتصالات الهندية البرنامج (الذي أصبح اسمه فري بيسيكس)، حيث ادعت أنه ينتهك حيادية الإنترنت. وعلى الرغم من هذه النكسة، واصل مارك زوكربيرج إطلاق البرنامج في العديد من الدول النامية الأخرى، ولكن بدرجة أقل من الضجيج الإعلامي. وفي 2018، قالت فيسبوك إن internet.org سمح لمئة مليون شخص بالاتصال بالإنترنت. وفي 2019، كان فري بيسيكس متاحاً في 65 دولة، تقع حوالي 30 دولة منها في أفريقيا. وفي السنة الماضية، بدأت الشركة بإطلاق فيسبوك ديسكوفر، والذي يسمح لمستخدمي الإنترنت باستخدام الاتصال بالحزمة المنخفضة للوصول إلى جميع مواقع الويب (وليس فقط التابعة لفيسبوك) حتى لو انتهت باقات البيانات لديهم.

توجد نسخ أخرى من هذه البرامج في أفغانستان، حيث يمثل فيسبوك وفيسبوك مسنجر وواتساب الإنترنت بأكملها بالنسبة للكثير من المستخدمين الجدد. وحتى بالنسبة لمن يستطيعون الوصول إلى كامل شبكة الويب، فإن مجموعة منتجات فيسبوك تلعب دوراً مهماً. وعلى سبيل المثال، فقد حلت الاتصالات باستخدام واتساب منذ زمن محل الاتصالات الهاتفية التقليدية الأكثر تكلفة –والأقل أماناً أيضاً- على مستوى العالم. كما تعتمد الكثير من الشركات الصغيرة في مختلف أنحاء العالم على أدوات فيسبوك لبيع منتجاتها والإعلان عنها.

ويعني كل هذا أن الأعطال، حتى المؤقتة منها، يمكن أن تكون ذات تأثير كبير للغاية، سواء بالنسبة للمنظمات الحقوقية والمدنية، مثل المجموعات المرتجلة التي تساعد الأفغان على الهروب من البلاد، أو الأفراد المعرضين للخطر والمعزولين، مثل الأفغان المختبئين والخائفين من انتقام طالبان، والذين ينتظرون أي أخبار جديدة، عبر واتساب في أغلب الأحيان.

فهم "متعبون وقلقون إلى أقصى درجة. وبالنسبة لهم، فإن فقدان الاتصال بعضهم مع بعض ومع الحلفاء الموثوقين في العالم الخارجي أمر مدمر"، كما تقول روشي كومار، وهي صحفية هندية تعمل في اسطنبول (ومن المساهمين في إم آي تي تكنولوجي ريفيو)، ومن المشاركين في جهود الإجلاء من أفغانستان. وتضيف قائلة: "لقد أصبح بعضهم على وشك الانتحار، بسبب ما شهدوه من الموت والعنف في الشهر المنصرم". ولهذا، فقد أدى هذا العطل غير المفهوم في قناتهم الرئيسية للاتصال مع العالم الخارجي إلى تفاقم اليأس والحيرة والشعور بالخذلان. كما أن ضياع فرصة الإجلاء "مسألة حياة أو موت، بكل ما تحمله هذه الجملة من معنى".

بالنسبة لكومار وبيزان، بدأ فيسبوك بالعودة إلى الحياة بعد منتصف الليل، ولكن حتى في ذلك الوقت، كانت بعض وظائفه غير متاحة بعد، مثل البحث والإشعارات. لم يصل إلى بيزان الرد الذي كانت تنتظره حول إمكانية إضافة ذلك الاسم إلى رحلة الإجلاء. 

ولكنها كانت أيضاً تشعر بالقلق حول أصدقائها الأفغان، الذين يمكن أن يسارعوا إلى تخيل مختلف أنواع الأسباب المخيفة لهذا العطل. فعلى مدى عدة أسابيع منذ سقوط كابول، انتشرت الشائعات حول قيام طالبان بقطع الإنترنت. وتقول: "أراهن أنهم يؤلفون الإشاعات والقصص الكاذبة حول قيام الحكومة الجديدة بحظر وسائل التواصل". 

ولم تقتصر هذه التصورات على الأفغان فحسب. واستجابة لمخاوف مماثلة، ونشر ناطق باسم وزارة الاتصالات في جمهورية الكونجو الديمقراطية –وهي دولة معروفة بقيام حكومتها بقطع الإنترنت- تغريدة على تويتر ليحسم الموقف. وكتب في الساعة 4:05 مساء: "لم يُقطع اتصال الإنترنت". وذلك بالتوقيت الشرقي. وأكمل قائلاً: "إنه عطل على مستوى العالم في واتساب وفيسبوك وإنستقرام. أما التطبيقات الأخرى مثل تويتر، فتعمل بشكل طبيعي وهذا ينطبق أيضاً على بقية الويب".

المحتوى محمي