استخدام التكنولوجيا في إجلاء الأفغان: واتساب وجوجل فورمز وأي طريقة ممكنة أخرى

4 دقائق
استخدام التكنولوجيا في إجلاء الأفغان
أشخاص يحاولون عبور الجدار الفاصل لمطار حامد كرزاي الدولي في كابول.

أدى الانهيار المفاجئ لحكومة أفغانستان إلى محاولات محمومة لتسريع جهود الإغاثة والإجلاء. وتركز هذه المحاولات -التي نُظم معظمها عبر جوجل فورمز وواتساب ومجموعات خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي- على ملء الفراغ الذي تركه فشل حكومة الولايات المتحدة في حماية الأفغان المعرضين للخطر. وقد تكون هذه المحاولات الفرصة الوحيدة للكثيرين ممن يحاولون الهرب من البلاد، ولكن في الوقت نفسه، فإنها لا تخلو من المخاطرة؛ حيث يخشى بعض المراقبين من استخدام المعلومات المجموعة جماهيرياً من قِبل طالبان لمعرفة الأشخاص الذين يحتاجون إلى الإنقاذ تحديداً.

لقد دامت الحرب في أفغانستان مدة 20 سنة، وتسببت في مقتل 174,000 شخص على الأقل، ولكن سقوط كابول حدث خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة. ومع إطباق طالبان على كابول، هرب الرئيس السابق أشرف غني من البلاد يوم السبت 14 أغسطس. وبحلول يوم الأحد، دخلت طالبان القصر الرئاسي الأفغاني.

ولكن، ومع انقسام سكان كابول بين منتظر خائف لما سينتج عن انتقال السلطة، وهارب يحاول عبور الفوضى في مطار المدينة، وهو نقطة الإجلاء الوحيدة في أفغانستان، انطلق جهد تطوعي محموم لمساعدة أكبر عدد ممكن من الأشخاص.

تجاوز البيروقراطية

كان الأفغان وحلفاؤهم ينظمون أنفسهم منذ أسابيع، ولكن مع وقوع آخر المدن الكبرى في قبضة طالبان خلال أسبوع واحد، ومن دون مقاومة في أغلب الأحيان، كان من الواجب تسريع هذه الجهود لمجاراة الظروف الطارئة. قامت مجموعات غير رسمية تعمل أغلب الوقت على الإنترنت من الأشخاص من خارج البلاد -وتتضمن الصحافيين والمنظمات اللاربحية والجامعات وحتى المسؤولين الحكوميين الذين كانوا يعملون في بعض الأحيان بشكل مخالف للسياسة الرسمية- بتنظيم  قوائم من الأفغان المؤهلين للمشاركة في برامج مختلفة لإعادة التوطين، بل كانت هذه المجموعات تحاول حتى تجاوز العملية البيروقراطية البطيئة بالكامل.

"لقد استُخدمت منصات التراسل الفوري لاتخاذ قرارات سريعة. وهو ما يدل على شدة الأزمة وتفاقم اليأس".
- مارك لاتونيرو، مدرسة كينيدي في جامعة هارفارد

كانت عدة مجموعات تخطط لطلب طائرات لعمليات إجلاء جوي خاصة. وخطط البعض لجمع المعلومات جماهيرياً حول حالة الطرقات، وتحديد ومساعدة الأفغان العالقين في المقاطعات على الوصول إلى كابول. وفي هذه الأثناء، كان آخرون يركزون على مجموعات محددة، مثل الصحافيين والنساء القياديات والأفغان الذين عملوا على مشاريع محددة.

وقد ورد في أعلى إحدى صفحات جوجل فورم التي صاغها تحالف المنظمات المتعلقة بالأمن القومي على أمل إجلاء الأفغان الذين يحملون جوازات سفرهم: "إذا كان لديك شخص في كابول وكان قادراً على الوصول إلى المطار بحلول نهاية الأسبوع، يرجى وضع المعلومات المتعلقة به هنا لمشاركتها مع مجموعة الإجلاء الجوي ووزارة الخارجية".

وعلى غرار الكثير من الاستمارات الأخرى، لم تقتصر هذه الاستمارة فقط على طلب معلومات الاتصال وتفاصيل إعادة التوطين، بل طلبت أيضاً أرقام التعريف الشخصية وصوراً ممسوحة للوثائق الرسمية، بما فيها بطاقة الهوية الوطنية وأرقام جوازات السفر. هناك استمارة جوجل أخرى متداولة على تويتر، ويبدو أنها لجمع المال لطلب طائرة لإجلاء الناس من البلاد. وفي مكان آخر، تعتمد جامعة بيتسبيرج على الطلبة المتطوعين في محاولة لوصل الأشخاص الذين ما زالوا في أفغانستان مع أرباب عملهم السابقين للبدء بعملية إعادة التوطين.

وقد حثت إحدى الرسائل -التي يبدو أنها صادرة من مكتب في وزارة الخارجية الأميركية- أيَّ شخص قد يكون مؤهلاً لبرنامج إعادة توطين جديد على إرسال قائمة طويلة من الوثائق والمعلومات الشخصية إلى المنظمين عبر واتساب، الذي قالت إنه أكثر أماناً من البريد الإلكتروني. ولم يستجب ممثلون من وزارة الخارجية إلى طلبنا بالتعليق على مصدر هذه الجهود ومدى صحة وجودها.

إنها مقاربة فوضوية ووليدة اللحظة. 

يقول مارك لاتونيرو، وهو زميل في مركز كار لسياسات حقوق الإنسان في مدرسة كينيدي في جامعة هارفارد: "تُستخدم منصة واتساب وغيرها من منصات التراسل الفوري لاتخاذ قرارات فورية حول سمات الدخول"، وهذا "يدل على شدة الأزمة وتفاقم اليأس، سواء لدى مَن يسعون إلى الخروج من كابول أو من ينسقون عمليات الإجلاء حالياً".

كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟

في 2 أغسطس، أعلنت إدارة بايدن عن صياغة جديدة لتعليمات مساعدة اللاجئين؛ حيث وسعت من متطلبات الأهلية لإعادة التوطين للاجئين في الولايات المتحدة. وتضمنت مجموعة الأولويات الجديدة أهلية موسعة لمن عملوا مع المؤسسات العسكرية الأميركية، ولأول مرة، مددتها لتشمل العاملين مع معظم المنظمات اللاربحية في الولايات المتحدة وأفغانستان، ووسائل الإعلام الأميركية. ولكن متطلبات التقدم بطلب للحصول على اللجوء أصبحت أكثر تعقيداً. فلم يعد بإمكان الأشخاص أنفسهم التقدم بهذا الطلب، بل أصبحوا يحتاجون إلى توصية من ممثل عن الحكومة الأميركية. وبعد الحصول على هذه التوصية، يُتوقع منهم البقاء في بلد ثالث لفترة 12 إلى 14 شهراً، على حسابهم الخاص، في انتظار معالجة الطلب.

وفي غياب إستراتيجية واضحة تساعد الأفغان المعرضين للخطر في المدى القريب، فإن الأفراد والمنظمات من أصحاب العلاقة بأفغانستان كانوا يحاولون ملء هذا الفراغ. وعلى ما يبدو، فإن كل يوم يشهد ظهور قائمة جديدة لمنظمة مختلفة ينشرها أفراد على شبكاتهم الاجتماعية الخاصة.

ولكن هذه الجهود تؤدي بدورها إلى مخاطر أخرى، بما فيها مخاطر على سلامة وأمن المعلومات الشخصية الحيوية لهؤلاء الأشخاص، كما يقول لوكاش كرول، وهو مدرب أمن رقمي في منظمة إنترنيوز اللاربحية التي تدعم الصحافيين في البلدان النامية، بما فيها أفغانستان.

ويعتقد معظم خبراء الأمن، بمَن فيهم كرول، أن طالبان لا تمتلك على الأرجح القدرة على اختراق واتساب أو جوجل فورمز. ولكنهم يحذرون من أنه يستحيل أن تكون متأكداً تماماً من هوية الشخص الذي تتواصل معه، على الرغم من سهولة الوثوق في الحلفاء المحتملين في أوقات الأزمات. ويقول: "أولاً، لا يمكنك تحديد هوية الشخص على الطرف الآخر من الحوار". ومن الممكن -كما يقول- أن تنتحل طالبان أو غيرها من الأطراف الخبيثة هوية منظمات صديقة، وتقوم ببناء استمارات خاصة بها، وتخدع الأفغان لمشاركة معلوماتهم التي يمكن استخدامها لاحقاً لاستهدافهم.

وقد ظهرت الكثير من المنشورات التي حظيت بمشاركة واسعة النطاق على فيسبوك لحث الأفغان على حجب قوائم أصدقائهم في الإعدادات، بل حتى حذف سجلاتهم الرقمية للنشاطات السابقة. كانت آيلين جو التي تعمل في إم آي تي تكنولوجي ريفيو متمركزة سابقاً في أفغانستان، وكانت تتعامل مع هذه المسائل في محاولة لإخراج أصدقائها وزملائها السابقين من البلاد. وقد أمضت عدة ساعات مؤخراً وهي تعمل على إغلاق حسابات التواصل الاجتماعي القديمة التي تظهر وجوه المشاركين في برامج للترويج للديمقراطية وحقوق المرأة أو تندد بالتطرف العنيف.

ومع ذلك، وكما يضيف كرول، فإن الأكثر إثارة للقلق هو أن مشاركة هذه الاستمارات يشجع الأشخاص المعرضين للخطر على "عدم اتباع أبسط قواعد الأمن، بل تقديم البيانات بسرعة فائقة ودون أي عملية تدقيق أخرى". 

لقد أصبح الأفغان أكثر إدراكاً لهذا التهديد على نحو متزايد، وتحاول بعض مجموعات التنظيم المصادقة على طلبات الأسماء الجديدة. 

وقد كتب أحد المعلقين استجابة لاستمارة شاركها أحد أعضاء مجموعة خاصة على فيسبوك: "آمل أن هذه الاستمارة من صياغة الحكومة الأميركية، لا طالبان". وقام آخرون بسرعة بالمصادقة على أصل تلك الوثيقة تحديداً.

ولكن، وبعد عدة ساعات وحسب، شارك مستخدم آخر رسالة مريبة بالبريد الإلكتروني يعتقد أنها مرتبطة بأحد المتاجرين بالبشر. إن الأخطار تلاحقنا على الإنترنت وفي العالم الحقيقي.