يوماً ما قال بنجامين فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة: "عندما يجف البئر، سنعرف قيمة الماء". وبعد مرور أكثر من 200 عام من مقولة فرانكلين، ومع اقتراب جفاف البئر، يبدو أن البشر لم يعرفوا بعد قيمة الماء، ولا يزال الهدر المستمر لمياه الشرب النظيفة أحد أخطر التهديدات التي تواجه البشرية.
في سلسلة المقالات هذه سنلقي نظرة على الكثير من المعلومات الأساسية الخاصة بالماء، بما في ذلك توزيعه على الأرض، ومدى ندرة الماء العذب في الكوكب، وماهية تلوث المياه، وأنواع التلوث وأبرز أسبابه، وأخيراً كيفية الحد منه مستقبلاً.
المياه العذبة نادرة أكثر بكثير مما تتخيل!
لنبدأ هذه المقالة باستعراض بعض الإحصاءات المثيرة عن الماء.
ربما يعرف معظم القراء أن الماء يغطي حوالي 71% من سطح الكرة الأرضية (1.386 مليون كم3)، إلا أن ما يعرفه قلة من الناس أن الماء العذب لا يمثل سوى حوالي 2.5% من إجمالي هذه الكمية، بينما تبلغ نسبة المياه المالحة في المحيطات والبحار حوالي 96.5% من مياه الأرض (1338 مليون كم3).
إضافة إلى ذلك، فإن معظم هذه الكمية من المياه العذبة غير صالحة للشرب أو لسائر استخدامات الإنسان. فوفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، توجد 68.7% من المياه العذبة داخل القمم الجليدية (الغطاء الجليدي) والأنهار الجليدية، و30.1% في باطن الأرض في هيئة مياه جوفية. ولا تمثل المياه السطحية العذبة سوى 1.2% فقط من المياه العذبة.
لا يتوقف الأمر هنا؛ إذ إن حوالي 70% من هذه المياه السطحية العذبة توجد على شكل جليد أرضي وتربة صقيعية، بينما تحتوي البحيرات على حوالي 21% منها، وتتوزع النسبة الباقية على الأنهار والمستنقعات والغلاف الجوي.
لشرح الأمر بصورة أخرى، يمكنك أن تتصور أن الأنهار العظمى والشهيرة -بما فيها النيل والأمازون والمسيسبي والفرات واليانجتسي، التي يعتمد عليها معظم البشر بشكل شبه كامل- لا تمثل في النهاية مجتمعة سوى 0.49% من المياه السطحية العذبة، التي لا تمثل سوى 1.2% من إجمالي المياه العذبة، التي لا تمثل بدورها سوى 2.5% من المياه على الأرض. أي أن مياه الأنهار تشكل 0.0002 من إجمالي المياه الموجودة في الكرة الأرضية.
الخلاصة، أن أكثر من 99% من إجمالي المياه الموجودة على الأرض غير صالحة للاستعمال بالنسبة لنا.
ضحايا المياه الملوثة أكثر من ضحايا الحروب
بالرغم من إدراك البشر لهذه الحقائق، فإننا لم نتوقف أبداً عن إهدار المياه العذبة بشكل متواصل. ويشير تقرير صدر عن الأمم المتحدة عام 2017، إلى أن حوالي 80% من مياه الصرف الصحي في العالم يتم التخلص منها مرة أخرى في البيئة دون معالجة إلى حد كبير، ما يؤدي إلى تلويث الأنهار والبحيرات والمحيطات.
وتقتل هذه المياه الملوثة كل عام أكثر ممن تقتلهم الحرب وجميع أشكال العنف الأخرى مجتمعة.
كانت هذه المقالة الأولى من سلسلة قصيرة من المقالات الخاصة بالماء. وسنستعرض في المقالة القادمة بعض المعلومات المفصلة حول تلوث المياه وأسبابه وأنواعه.