يتردد على مسامعنا في كل يومٍ تقريباً خبرٌ جديد حول تقنية ما أو برنامجٍ مبتكر ذي قدراتٍ فريدة تم تطويره اعتماداً على طرق وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، ومما لا شك فيه أن قدرات الذكاء الاصطناعي قد تطورت على نحوٍ لافت خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفع العديد من الشركات التقنية لتبني هذه الخوارزميات ودمجها في أنظمتها، وأدى إلى الانتشار الواسع للتطبيقات والبرامج التي تعتمد على الذكاء الاصطناعيّ.
يمكن تفسير تطور أداء برامج الذكاء الاصطناعيّ عبر العديد من العوامل، أهمها تطور العتاد الحاسوبيّ الذي يتولى مسؤولية تنفيذ هذه البرامج والخوارزميات، فضلاً عن التطور الكبير في الحساسات، خصوصاً الحساسات الضوئية المستخدمة في الكاميرات، التي أصبحت توفر قدرةً متقدمة على التقاط المشهد البصريّ بدقةٍ عالية في ظروف الإضاءة المختلفة. وأخيراً، تلعب الخوارزميات المستخدمة نفسها دوراً أكيداً في تطور أداء برمجيات الذكاء الاصطناعي.
بالنسبة للعتاد الحاسوبيّ، فإن ظهور أجيال جديدة من وحدات المعالجة الرسومية والتحسن المستمر في أداء المعالجات ساهم في توفير الوسائل التي يحتاجها الباحثون لتطبيق خوارزمياتهم (مثل الإعلان عن معمارية إيه 100 من إنفيديا والدور الذي تلعبه في تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي)، ولكن هل تطورت الخوارزميات على نفس النحو الذي تطور به العتاد؟ بمعنى آخر: هل حدث ابتكار حقيقي في خوارزميات الذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن لكل برنامج أو خوارزمية "مبتكرة" و"فريدة" أن تكون كذلك بالفعل؟
هذه الأسئلة كانت محور دراسة استقصائية أجرتها مجموعة من الباحثين في جامعة إم آي تي لتحديد مدى "الابتكار" الحاصل في مجال خوارزميات الذكاء الاصطناعيّ. الخوارزمية ببساطة هي الطريقة التي يتم عبرها الوصول للهدف المطلوب، وعند الحديث عن الذكاء الاصطناعيّ، فإن الخوارزميات المعتمدة عبارة عن طرق رياضية تعتمد على إجراء الكثير من الحسابات. ابتكار خوارزمية جديدة يعني اللجوء لأساليب لم يتم الانتباه لها من قبل أو لم تم تنفيذها من قبل، ولكن هل يعني تبنّي واستخدام هذه الطرق أنها بالفعل أفضل من الطرق القديمة؟ وهل هي مبتكرة وفريدة بالفعل بما يؤدي لإظهار تحسن جذري على أداء الخوارزميات والأساليب الأقدم المخصصة لتنفيذ نفس المهمة؟
أظهر الفريق البحثي في الدراسة الجديدة أن هنالك مبالغة كبيرة في توصيف العديد من الخوارزميات والبرمجيات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. درس الفريق 81 طريقة ونموذجاً مختلفاً مستخدمة لبناء الشبكات العصبونية الاصطناعية -إحدى طرق الذكاء الاصطناعي واسعة الانتشار- والموصوفة على أنها متفوقة على الخوارزميات الأقدم من ناحية الأداء الذي توفره، وما أظهروه هو عدم قدرتهم على تأكيد أي تحسن جذري مفترض ضمن الخوارزميات الجديدة التي تم تحليلها.
على وجه التحديد، أظهر الفريق البحثيّ أنه في العديد من الحالات لم يكن هنالك حاجة بالأصل للخوارزميات الجديدة، إذ إن تعديلاتٍ بسيطة على خوارزميات وطرقٍ معروفة وقديمة من شأنها توفير نفس الأداء الموعود به من قِبل الخوارزميات الجديدة، وأكثر من ذلك، أظهر التحليل أن بعض الخوارزميات الجديدة قدمت أداءً أقل من ذلك الذي توفره الخوارزميات القديمة.
يشير الباحثون إلى أن أحد الأسباب المحتملة لتفسير هذه المشكلة هي غياب وسائل معيارية ومرجعية لتقييم وتحليل طرق ونماذج الذكاء الاصطناعيّ، فإن لم يكن هنالك طريقة واضحة لتحديد الخوارزمية ذات الأداء الأفضل، فكيف سيكون بإمكان الباحثين العمل من أجل الخروج بطرقٍ جديدة مبتكرة وفريدة في أسلوبها وأدائها عن الطرق والخوارزميات القديمة؟ هذه الحالة من عدم الاتساق والتوافق بين الطرق والتقنيات المستخدمة لتحليل ومقارنة خوارزميات الذكاء الاصطناعيّ هي ما تجعل الادعاءات المتعلقة بدقة الخوارزميات الجديدة وتفوقها على الخوارزميات القديمة سؤالاً مفتوحاً من دون جوابٍ دقيق، بحسب الدراسة والباحثين المشرفين عليها.
تم نشر الدراسة الجديدة في دورية ساينس (Science) تحت عنوان "التقدم الأساسيّ في الذكاء الاصطناعيّ قد توقف في بعض المجالات (Core Progress in AI has stalled in Some Fields)".