تعرف على تاريخ تطوّر الذكاء الاصطناعي وآلية عمله

11 دقيقة

كيف تستطيع المساعدات الرقمية الذكية مثل سيري في هواتف أيفون أو أليكسا من أمازون أن تفهم الكلام والأوامر التي نرسلها إليها؟ كيف يقوم فيسبوك بترتيب القصص على صفحة نيوز فيد الخاصة بنا؟ كيف أصبح هنالك سيارات ذاتية القيادة قادرة على السير في الطرقات من دون تدخلٍ مباشر من الإنسان؟ كيف تمكن برنامج ألفا جو من هزيمة بطل العالم في لعبة جو الشهيرة التي تمثل تحدياً عقلياً أصعب من الشطرنج بكثير؟

الإجابة على الأسئلة السابقة ببساطة هي الذكاء الاصطناعي، المصطلح الذي يتزايد استخدامه بشكلٍ متسارع في الأوساط التقنية، والذي وجد طريقاً له في معظم المجالات من حولنا، سواء كانت الإلكترونيات الاستهلاكية أو الأجهزة الطبية وخدمات الرعاية الصحية أو وسائل التواصل الاجتماعيّ وتطبيقات الهواتف الذكية أو التعليم والخدمات الاجتماعية. بهذه الصورة، لم يعد من المنطقيّ التعامل مع الذكاء الاصطناعيّ على أنه تلك التقنية العجائبية التي ظهرت في قصص وأفلام الخيال العلميّ، بل من المهم أن نتملك جميعاً إدراكاً جيداً لماهية الذكاء الاصطناعيّ؛ لأن اعتمادنا عليه يتزايد يوماً بعد يوم، وهو يمثل أبرز التوجهات التقنية التي تقوم بصياغة شكل مجتمعاتنا في المستقبل القريب. 

ما هو الذكاء الاصطناعي؟ 

الذكاء الاصطناعيّ هو أحد مجالات علوم الحاسب الذي يُشير إلى قدرات المُعالجة المُتقدمة التي تمتلكها الآلات بما يسمح منحها صفة الذكاء، وذلك بالمُقارنة مع الطرق التقليدية التي تستخدمها الآلات والحواسيب في معالجة المُعطيات. مفهوم استخدام الآلات لخوارزميات وطرق معالجة ذكية ليس جديداً بحد ذاته، ولا يمكن اعتبار كل خوارزمية ذكية على أنها ذكاء اصطناعي؛ بل يجب أن تُظهر الآلة قدرةً على تحسين طريقتها الخاصة بحل المشاكل وتوفير الحلول، وذلك عبر التعلم من التُجارب المتتالية التي تمر بها.

هذا الأمر مشابهٌ تماماً للأطفال وطريقة تعلمهم إدراك البيئة المحيطة بهم أثناء سنين النمو؛ فعند قيام الطفل بالاقتراب من الأشياء الحارة والساخنة لأول مرة لن يدرك أنها ستسبب ألماً له، ولكن بلحظة لمسه لها سيتولد لديه شعور الألم وسيقوم بالابتعاد. في البداية لن يفهم الطفل أن سبب الألم هو الحرارة، وسيعتقد أن الشيء نفسه هو سبب الألم. مع تكرار التجارب سيتعلم الطفل أن سبب الألم هو الحرارة وليس الشيء نفسه، وبالتالي يمكن لأي شيء أن يكون ساخناً أو بارداً أو حتى فاتراً. يمكن فهم هذه التجارب على أنها بيانات يقوم دماغ الطفل بمعالجتها، وفي كل مرة يقوم فيها الطفل بلمس شيءٍ ما، سيتم توليد بيانات جديدة تضاف للبيانات القديمة التي يعلمها الدماغ أصلاً، ومن ثم سيتم معالجة هذه البيانات لينتج عنها معرفة جديدة، وهذا الأمر يتكرر في كل مرة يقوم الطفل بلمس أي شيءٍ من حوله ذي درجة حرارة مختلفة. 

الطريقة التي تعلم بها الطفل التفريق بين الحرارة نفسها كمفهوم وبين اكتساب الأشياء من حوله لدرجات حرارة مختلفة هي ما يريد الباحثون والعاملون في مجال الذكاء الاصطناعيّ تحقيقه، وهو بناء طرقٍ وآليات تتيح للآلات والحواسيب من حولنا أن تتعلم بشكلٍ مستمر من البيانات المختلفة التي ترد إليها، بما يساعد على تحسين أداء الحواسيب في أداء مهامٍ مختلفة ومتنوعة. 

من المهم هنا الانتباه لنقطةٍ هامة: قد يُفهم بشكلٍ خاطئ أن هدف الذكاء الاصطناعيّ هو تزويد الآلات بقدراتٍ ذكية عبر تقليد طريقة عمل الدماغ والعصبونات البشرية، وهو أمرٌ غير دقيق بالمعنى الكامل؛ إذ إنه وبالرغم من وجود طرق تعتمد على محاكاة آلية عمل العصبونات مثل الشبكات العصبونية الاصطناعية Artificial Neural Networks، إلا أنها ليست النموذج الوحيد المستخدم في الذكاء الاصطناعي، بل يوجد مناهج وطرق وآليات أخرى تستخدم من أجل تزويد الآلات بقدرات معالجة المعلومات وتحليلها وإدراك البيئة المحيطة والتعلم المستمر عبر الخبرة. بهذه الصورة، وعندما يتم وصف تطبيق أو برنامج أو حتى روبوت على أنه معتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعيّ، فإن ما يجب معرفته بهذا السياق أن هذا التطبيق (أو البرنامج أو الروبوت) يمتلك القدرة على تحسين نتائج عمله بشكلٍ متواصل اعتماداً على البيانات والمعلومات التي يحصل عليها، وهذا الأمر يتم عن طريق خوارزمياتٍ وطرقٍ متنوعة.

اقرأ أيضا: هل الذكاء الاصطناعي يهدد البشرية؟

تاريخ تطور الذكاء الاصطناعي

ظهر مفهوم الذكاء الاصطناعي في نفس الوقت الذي كان يتم فيه العمل على إرساء الأسس النظرية الخاصة بالحواسيب، حيث تعود أولى إشارات الذكاء الاصطناعي لنظرية الحوسبة الخاصة بعالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ الذي ساهم بوضع أسس النظرية الحديثة للحوسبة وكيفية تطوير آلات ذكية قادرة على معالجة المعطيات بشكلٍ ذكيّ، وبالرّغم من ذلك فإن البدء الرسمي لمجال الذكاء الاصطناعي كقسم مرتبط بعلوم الحاسوب يعود لورشة عمل عُقدت في كلية دارتموث سنة 1956، حيث تم استخدام هذا المصطلح لأول مرة عبر العالم جون مكارثي John McCarthy من جامعة إم آي تي، الذي ينظر إليه بالإضافة لعدة علماء آخرين مثل آلن نيويل Allen Newell وهربرت سيمون Herbert Simon وكلود شانون Claude Shannon على أنهم الجيل الأول والآباء المؤسسون لمجال الذكاء الاصطناعيّ كما نعرفه اليوم. ركزت الأبحاث الأولية على كيفية منح الآلات صفة الذكاء والقدرة على التحليل والتفكير المنطقيّ بشكلٍ مشابهٍ للبشر، وهو ما قاد رواد الذكاء الاصطناعيّ في تلك الفترة لصياغة سبعة جوانب أساسية يمكن عبرها فهم الذكاء الاصطناعيّ وأهدافه: 

  1. القدرة على محاكاة الوظائف العقلية المتقدمة للدماغ البشريّ 
  2. القدرة على برمجة الحواسيب لتستطيع استخدام اللغات 
  3. ترتيب وتنظيم عصبونات افتراضية (اصطناعية) بطريقةٍ تمكنها من تشكيل الوعي والأفكار
  4. القدرة على تحديد وقياس مدى تعقيد المشاكل 
  5. القدرة على التحسين الذاتي
  6. التجرّد: أي مدى الكفاءة التي تتمتع بها الحواسيب وبرمجيات الذكاء الاصطناعيّ بالتعامل مع الأفكار والمفاهيم بدلاً من اقتصارها على الاستجابة للأحداث 
  7. العشوائية والابتكار 

حصل مجال الذكاء الاصطناعيّ على اهتمامٍ ودعمٍ كبيرين خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ولكن وبسبب الصعوبات التي ترافقت مع تطبيق مفاهيم الذكاء الاصطناعيّ ضمن الآلات بتلك الفترة وبسبب رغبة الحكومات والجهات الداعمة الحصول على نتائج فعلية، تم إيقاف الدعم بشكلٍ كبير خلال سبعينيات القرن الماضي، وهي الفترة المعروفة باسم: شتاء الذكاء الاصطناعيّ كإشارة لانخفاض البحث والتطوير في هذا القطاع أثناء هذه الفترة الزمنية.

عاد الذكاء الاصطناعيّ للواجهة مرة أخرى مع بداية ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بفضل ظهور وتطور العديد من التقنيات الحديثة مثل مفهوم الأنظمة الخبيرة Expert Systems، وظهور تقنياتٍ جديدة في مجال صناعة أشباه الموصلات (أنصاف النواقل) مثل التكامل عالي المستوى VLSI وأشباه الموصلات ذات الأكسيد المعدنيّ MOS. بدءاً من تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم تزايد البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعيّ وبدأت البرمجيات المعتمدة تثبت فعاليةً وقدراتٍ كبيرة، حتى تمكنت شركة آي بي إم IBM من تصنيع حاسوب ديب بلو Deep Blue سنة 1997 الذي تمكّن من هزيمة بطل العالم في الشطرنج الروسي جاري كاسباروف في مبارةٍ اعتبرت نقطةً فاصلة في تطور الذكاء الاصطناعيّ، واستمر التطور حتى تمكنت جوجل من تقديم برنامجها الرائد ألفا جو Alpha Go الذي تمكن سنة 2016 من هزيمة الكوري الجنوبي لي سيدول، بطل العالم في لعبة جو التي تعتبر أصعب وأعقد من الشطرنج، والتي تتطلب قدرات تحليل ومعالجة معقدة تتجاوز إمكانية حساب الاحتمالات الممكنة للعبة. يُنظر لهذا الحدث من قِبل العديد من الخبراء على أنه خطوة هامة في مجال تطور الذكاء الاصطناعيّ؛ إذ يعتبر ألفا جو أول تطبيق ذكاء اصطناعيّ عام التوجه، بمعنى أنه قادر على تعلم حل المشاكل مهما كانت طبيعتها، بخلاف حاسوب ديب بلو الذي كان متخصصاً في لعبة الشطرنج ولم يكن بالإمكان استخدامه في أي مجالٍ آخر. 

تحديات وجوانب الذكاء الاصطناعي

لا يمكن النظر اليوم للذكاء الاصطناعيّ على أنه جانبٌ علميّ مُكتمل، فهنالك العديد من الأمور التي لا تزال جدلية ومبهمة بين الباحثين، وذلك بدءاً من سؤالٍ بسيط: ما هو الذكاء؟ عند محاولة الإجابة على هذا السؤال من منظورٍ بشريّ، فإن الذكاء نفسه مفهومٌ ذو إشكالياتٍ كبيرة: هل الذكاء هو القدرة على حل مسائل الرياضيات الصعبة؟ هل هو القدرة على تأليف مقطوعاتٍ موسيقية مبتكرة؟ هل هو القدرة على رسم لوحةٍ فنية تعبيرية؟ هل هو القدرة على التواصل الاجتماعيّ الفعال؟ هل هو كل ما سبق؟ المقصد هنا أن تعريف الذكاء نفسه ليس بالأمر السهل بالنسبة للبشر أنفسهم، وبالتالي فإن إطلاق صفة "الذكاء" على الآلة سيكون أيضاً محط جدلٍ بين الباحثين. 

حاول بعض العلماء دراسة هذه المشكلة استناداً للمنطق البشريّ نفسه، أي وضع تعريفٍ أو مفهوم موحد ومتفق عليه للذكاء ومحاولة إسقاطه على الآلة من أجل توصيف الخطوط العريضة والأساسية للذكاء الاصطناعيّ. يعتبر الفيلسوف جاك كوبلاند Jack Copeland من الباحثين البارزين بهذا المجال، والذي حدد العوامل الأساسية للذكاء كما يلي: 

  1. التعلم العام Generalization Learning أو الذكاء العام General Intelligence: قدرة المتعلم على التأدية بشكلٍ جيد عند وضعه أمام مشاكل لم يتعرض لها من قبل. بحالة الذكاء الاصطناعيّ، فإن هذا يعني القدرة على بناء خوارزمية قابلة للاستخدام في العديد من المجالات والتطبيقات، وليس فقط في مجال واحد ولهدفٍ محدد. لو عدنا لمثال المساعدات الرقمية الذكية (مثل مساعد جوجل أو سيري أو أليكسا) فإنها تمثل نماذج على برمجيات ذكاء اصطناعيّ ذات هدفٍ محدد ولا يمكن استخدامها -كمثال- من أجل تشخيص الأورام في الصور الإشعاعية الملتقطة باستخدام أجهزة التصوير الطبقي المحوري. الذكاء العام يعني قدرة الخوارزمية على التعلم وإيجاد حلولٍ لمشاكل غير محصورة بمجال محدد، ويعتبر برنامج ألفا جو من جوجل أحد برامج الذكاء الاصطناعيّ ذات الذكاء العام.
  2. المنطق Reasoning: أي قدرة المتعلم على التوصل لاستنتاجاتٍ تتناسب مع الموقف أو المشكلة قيد الحل.
  3. حل المشاكل Problem Solving والتخطيط للحلول Planning: القدرة على استخدام المعطيات المتوفرة من أجل تطوير حلٍ لمشكلةٍ ما وكيفية تنفيذ هذا الحل.
  4. الإدراك Perception: القدرة على تحليل البيئة المحيطة وفهمها وكذلك فهم العلاقة بين الأشياء المختلفة المتواجدة ضمنها.
  5. فهم اللغات Understanding Languages، أو المعالجة الطبيعية للغة Natural Language Processing.

تمثل المفاهيم السابقة التحدياتِ الأساسية في مجال الذكاء الاصطناعيّ، فهي تمثل القدرات الذكية التي نمتلكها نحن كبشر ويعمل باحثو الذكاء الاصطناعيّ بشكلٍ متواصل على توفيرها ضمن الآلات والحواسيب، وبالنظر لتطبيقات الذكاء الاصطناعيّ المتوافرة اليوم، يمكن القول بأننا شاهدنا تنفيذاً لكافة المفاهيم السابقة في العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ. نستطيع أن نأخذ المساعدات الرقمية الذكية المتوفرة في هواتفنا الذكية كمثالٍ بسيطٍ على ذلك، فمساعد جوجل Google Assistant الذكيّ قادر على فهم حديثنا وفي كل مرة نرغب في الاستعلام عن أمرٍ ما فإن هذا يمثل مشكلةً تتطلب حلاً، كما أنه مع استمرار استخدامنا لمساعد جوجل الذكيّ سيتعلم من سلوكنا كيفية تقديم أفضل الاقتراحات التي تناسبنا. يُدرك مساعد جوجل البيئة المحيطة عبر قدرته على استخدام المعلومات المتوفرة في حساسات الهاتف الذكيّ وكذلك من معلومات الطقس المتعلقة بالمكان المتواجدين فيه.

بالإضافة للتحديات السابقة، هنالك تحديات أخرى تمتلك أهميةً كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعيّ، مثل الروبوتات الذكية التي تعبر عن جانبٍ هام في الذكاء الاصطناعيّ لا يتضمن فقط برنامجاً أو تطبيقاً على الهواتف الذكية، بل يمتد ليشمل أذرع حركية وحساساتٍ متنوعة وخوارزميات متقدمة تهدف لإعطاء الروبوتات قدراتٍ متقدمة في فهم وتحليل البيئة المحيطة والتخطيط للكيفية التي ستتحرك بها، والأهم أن تكون قادرة على الاستجابة لأمورٍ غير متوقعة. 

بالإضافة للروبوتات، يعتبر مجال الذكاء الاجتماعيّ Social Intelligence أحد التحديات الهامة في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي يهدف لتطوير آلاتٍ (أو برامج) قادرة على فهم وإدراك العواطف التي نبديها كبشر والتفاعل معنا بشكلٍ مماثل، ويعتبر الروبوت صوفيا مثالاً شهيراً على أنظمة الذكاء الاصطناعيّ المتقدمة التي تمتلك قدرات ذكاءٍ اجتماعيّ يتيح لها الحديث مع البشر وإبداء ردات فعلٍ مختلفة، كما أن جوجل نفسها قد وفرت قدراتٍ متقدمة في مساعدها الرقميّ الذكي ليكون قادراً على فهم سياق الحديث والاستمرار بالمحادثة بشكلٍ طويل. 

أخيراً، يعتبر التحدي الأبرز في مجال الذكاء الاصطناعيّ هو الذكاء العام General Intelligence، وهو يعني القدرة على بناء خوارزمية ذكاء اصطناعي يمكن استخدامها في العديد من المجالات والتطبيقات، وليس فقط في مجال واحد ولهدفٍ محدد. لو عدنا لمثال المساعدات الرقمية الذكية (مثل مساعد جوجل أو سيري أو أليكسا) فإنها تمثل نماذج على برمجيات ذكاء اصطناعيّ ذات هدفٍ محدد ولا يمكن استخدامها -كمثال- من أجل تشخيص الأورام في الصور الإشعاعية الملتقطة باستخدام أجهزة التصوير الطبقي المحوري. الذكاء العام يعني قدرة الخوارزمية على التعلم وإيجاد حلولٍ لمشاكل غير محصورة بمجال محدد، ويعتبر برنامج ألفا جو من جوجل أحد برامج الذكاء الاصطناعيّ ذات الذكاء العام. 

بناءً على العرض السابق، يمكن تقسيم أنواع تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ لثلاثة تصنيفات: 

  1. الذكاء الاصطناعيّ الضيق Artificial Narrow Intelligence: الذي يعرف أيضاً باسم الذكاء الاصطناعيّ الضعيف. هذا النوع من التطبيقات مخصص للاستخدام في مجالٍ واحد ولتأدية مهمةٍ محددة، وذلك مثل برمجيات التعرف على الوجه في هواتف أيفون، أو نظام القيادة الآلي في سيارات تسلا، أو المساعدات الرقمية الذكية.
  2. الذكاء الاصطناعيّ العام Artificial General Intelligence: الذي يعرف أيضاً باسم الذكاء الاصطناعيّ القوي. هذا النوع من التطبيقات غير مرتبط بمجالٍ محدد والهدف منه هو القدرة على تأدية مهام مختلفة ضمن مجالاتٍ متنوعة، وهو يمثل التحدي الأكبر اليوم في مجال الذكاء الاصطناعي.
  3. الذكاء الاصطناعيّ الفائق Artificial Super Intelligence: أي التطبيقات التي تتجاوز قدرة البشر على التفكير، والتي تمتلك إدراكاً لنفسها وماهيتها بما يجعل من الصعب معرفة القرارات التي يمكن أن تتخذها. لا يزال هذا النوع من الذكاء الاصطناعيّ نظرياً وسبق وأن حذر منه العديد من الأشخاص البارزين مثل عالم الفيزياء البريطاني الراحل ستيفن هوكنج ورائد الأعمال جنوب الإفريقي إلون ماسك، مؤسس شركات تسلا وسبيس إكس. 

أدوات وطرق الذكاء الاصطناعي

تحدثنا حتى الآن عن جوانب الذكاء الاصطناعيّ ومفهوم الذكاء نفسه والتحديات التي يواجهها الباحثون في هذا المجال، ولكن ما لم نتطرق إليه هو سؤالٌ أساسيّ: كيف يتم تزويد الآلات والحواسيب بقدرات التحليل وحل المشاكل والتخطيط والتعلم من الخبرة؟ كيف نستطيع جعل الآلة ذكية؟ 

على الرّغم من انتشار مصطلح الشبكات العصبونية على نطاقٍ واسع على أنه أبرز الطرق المستخدمة في بناء خوارزميات الذكاء الاصطناعيّ، إلا أنها تعتبر واحدةً من بين العديد من الطرق. وبشيءٍ من التفصيل، فإن الشبكات العصبونية تنتمي لصنفٍ يُدعى التعلم العميق Deep Learning، الذي يمثل بدوره أحد الطرق المستخدمة في مجال التعلم الآلي Machine Learning، التي بدورها تمثل أحد أنواع الطرق والمنهجيات لبناء الذكاء الاصطناعي. 

من الطرق التي يتم استخدامها في الذكاء الاصطناعيّ هي خوارزميات البحث والتحسين Search and Optimization، التي تعني ببساطة إمكانية إيجاد الحل الأمثل عبر البحث ضمن مجموعةٍ كبيرةٍ من الاحتمالات الممكنة، ويتفرع عن هذا النمط من الخوارزميات مجالٌ هام هو الحوسبة التطورية Evolutionary Computing، التي تتضمن خوارزمياتٍ شهيرة مثل الخوارزميات الجينية والبرمجة الجينية. 

تبرز أيضاً عائلة من الخوارزميات المخصصة لتنفيذ مفاهيم الذكاء الاصطناعيّ والمبنية على أسس ومفاهيم علم الاحتمالات ومنطق الارتياب أو اللايقين Uncertainty Reasoning. الفكرة الأساسية من هذه الطرق هي التنبؤ بإمكانية حدوث أمرٍ ما اعتماداً على معرفة احتمال أمورٍ أخرى، وكمثال على ذلك هي نماذج ماركوف المخفية Hidden Markov Models التي تستطيع التنبؤ بحصولٍ أمرٍ ما في المستقبل اعتماداً على معرفة احتمال حدوثه اليوم. هنالك خوارزميات أخرى مستخدمة في هذا المجال مثل الشبكات البايزية Bayesian Networks التي يمكن استخدامها من أجل تنفيذ مفاهيم المنطق والتعلم والتخطيط واتخاذ القرارات وحتى تشكيل الوعي والإدراك. ومن الطرق الأخرى المعتمدة الهادفة لإنشاء توقعٍ احتماليّ حول أمرٍ ما هي مرشحات كالمان Kalman's Filters والمرشحات الحبيبية Particle Filters، التي يتم أيضاً استخدامها إلى جانب الطرق الاحتمالية الأخرى من أجل بناء تطبيقات الذكاء الاصطناعي. 

وبالبقاء قريباً من علم الاحتمالات، تبرز العديد من الطرق والمناهج المخصصة لبناء خوارزميات الذكاء الاصطناعيّ اعتماداً على الطرق والآليات التي يوفرها علم الإحصاء، والتي تعتمد على مفهوم المصنفات Classifiers، حيث تقوم المصنفات بالبحث عن البيانات التي تمتلك تشابهاً مع بعضها البعض وفقاً لمعايير معينة (يُطلق عليها اسم الخصائص Features)، ومن ثم تقوم بتصنيفها وترتيبها ضمن عناقيد Clusters، بحيث يمثل كل عنقود مجموعة من البيانات التي تمتلك خاصية معينة. كي تكون المصنفات قادرة على أداء وظيفتها بشكلٍ جيد، فإنها يجب أن تتدرب بالبداية لتكون قادرة على إيجاد البيانات والخصائص بشكلٍ صحيح، وبعد تدريبها ستكون قادرة على العمل من تلقاء نفسها وتحسين دقتها في كل مرة يتم إدخال بيانات جديدة إليها. 

تمثل هذه المنهجية أساس عمل طرق التعلم الآلي Machine Learning، حيث يمكن فهم هذا المجال من الذكاء الاصطناعيّ على أنه المجال القائم على تدريب الخوارزمية لتحقيق الهدف المطلوب منها عبر إدخال بياناتٍ بشكلٍ مستمر. كل عملية إدخال للبيانات تعرف على أنها "تدريب" وكلما تدربت الخوارزمية أكثر كانت دقتها أفضل. الشبكات العصبونية هي أحد أشكال التعلم الآلي، أي أحد أشكال الذكاء الاصطناعيّ القائم على تدريب الخوارزمية وتحسين عملها عبر البيانات المدخلة إليها بشكلٍ مستمر. 

تطبيقات الذكاء الاصطناعي

لا يرتبط الذكاء الاصطناعيّ بمجالٍ تقنيّ واحد، بل يمكن القول بأن الخوارزميات والتطبيقات المعتمدة على مفاهيم وأسس الذكاء الاصطناعيّ قد أصبحت حولنا وفي كل مكان، بدءاً من الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعيّ التي نستخدمها بشكلٍ يوميّ ومن دون توقف، مروراً بالمستشفيات وهيئات الرعاية الصحية التي تتزايد اعتماديتها على البرمجيات الذكية لتحسين دقة التشخيص الطبي والبحث عن مصادر الأمراض وتسريع عمليات تطوير الأدوية والعقاقير، وانتهاءً بخدمات التوصيل التي بدأت تعتمد بشكلٍ متزايد على الروبوتات والطائرات المسيرة الذكية. 

لو أردنا الحديث بشكلٍ مجرّد ومن دون ذكر أمثلةٍ من المجالات الحياتية المختلفة، فإنه يمكن ذكر المجالات التي يخدمنا فيها الذكاء الاصطناعيّ كما يلي: 

  1. الرؤية الحاسوبية Computer Vision: أي المجال المعني بمعالجة الصور والفيديوهات وتزويدنا بمعلوماتٍ متنوعة حولها أو اتخاذ قرار ما اعتماداً على تحليل الصور والفيديوهات. 
  2. مجال الأنظمة الروبوتية: الذي حصل على قدرٍ كثيف من تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ نظراً لكون الروبوتات تمتلك قدرةً ممتازة على إظهار كل المفاهيم المرتبطة بالذكاء، فهي لا تفكر وتعالج المعلومات وتتخذ القرارات فقط، بل تدرك البيئة المحيطة بها لتقوم بتنفيذ نشاطاتٍ حركية معقدة. 
  3. مجال المعالجة الطبيعية للغة: وهو جانبٌ هام جداً تم استثمار خوارزميات الذكاء الاصطناعي فيه بشكلٍ كبير، وتطبيقاته الشهيرة مثل المساعدات الرقمية الذكية الموجودة في هواتفنا الذكية هي أشهر مثالُ عليه.
  4. التعرف على الأنماط Pattern Recognition: هو المجال العلمي الهادف لتمييز وجود نمطٍ ما ضمن مجموعة كبيرة من البيانات، وبالتالي يمكن استخدامه في مجالاتٍ متنوعة مثل التعرف على الأورام الخبيثة في الصور الإشعاعية أو التعرف على أنماط الحديث في أنظمة التعرف على الكلام.

المجالات السابقة هي مجرّد أمثلة عن استخدامات الذكاء الاصطناعي، ولا يجب النظر إليها على أنها مجالات منفردة وغير مترابطة؛ فالتعرف على الأنماط هو جزء من التعلم الآلي، الذي يُستخدم في مجال الرؤية الحاسوبية والأنظمة الروبوتية والمعالجة الطبيعية للغة، وكذلك في مجالاتٍ علمية أخرى مثل الدراسات المناخية التي تهدف لفهم أنماط المناخ وتغيرها مع مرور الزمن.

اقرأ أيضا: