في 29 يناير/كانون الثاني 2025، اصطدمت طائرة ركاب تابعة لشركة أميركان إيرلاينز (American Airlines) على متنها 60 راكباً بطائرة مروحية من نوع بلاك هوك (Black Hawk) تابعة للجيش الأميركي. حدث الاصطدام حين كانت طائرة الركاب تستعد للهبوط في مطار ريغان الوطني بالعاصمة الأميركية واشنطن، وأدّى إلى تحطم كلتا الطائرتين وسقوطهما في نهر بوتوماك.
أدّى الحادث إلى مقتل 67 شخصاً كانوا على متن الطائرتين، ولم ينجُ أي أحد، وقد وقع الحادث في مجال جوي مزدحم تتقاسمه طائرات الركاب والمروحيات، وهو ما يشكّل تحدياً بالنسبة للطيارين ويُثير مخاوف تتعلق بالسلامة منذ سنوات.
لكن حوادث تصادم الطائرات مثل هذه قليلة جداً على الرغم من الازدحام الشديد في الكثير من المطارات، ويعود الفضل في ذلك إلى أبراج المراقبة ومراكز المراقبة التي تنسق هبوط الطائرات وإقلاعها ووجهاتها.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تستفيد صناعة الطيران من أساليب التحليل المتطورة للبيانات؟
ما هو برج المراقبة؟
برج المراقبة الجوية (TWR) هو عبارة عن مبنى على شكل برج توجد فوقه غرفة تحكم، تُوجَّه من خلالها حركة المرور في المطار والتحكم فيها. يُعدّ موقعه وارتفاعه ضروريين لرؤية المنطقة بأكملها ومراقبتها.
يعتبر برج المراقبة مركز التحكم الأساسي في المطار، ويضمن تنسيق عمليات الإقلاع والهبوط، ويشرف على حركة الطائرات والمركبات على الأرض لضمان السلامة والكفاءة التشغيلية.
يوجد برج المراقبة في المطارات جميعها ذات الكثافة المرورية العالية، مثل المطارات الدولية والإقليمية الرئيسية، حيث يكون التحكم المباشر ضرورياً لتنسيق حركة الطائرات. في حين قد لا يكون موجوداً في المطارات الصغيرة أو الخاصة، حيث يعتمد الطيارون على التنسيق الذاتي عبر الراديو واتباع قواعد الطيران المرئي.
بفضل التقنيات الحديثة، أصبحت أبراج المراقبة تعتمد على أنظمة متطورة تشمل الرادارات والاتصالات عالية الدقة وحتى الذكاء الاصطناعي. ويسهم ذلك في تحسين أداء العاملين وضمان أعلى مستويات السلامة.
اقرأ أيضاً: تطوير الطائرات الكهربائية العمودية: رحلة نحو تمكين التنقل الجوي الحضري في السعودية
مهمة برج المراقبة وآلية تنسيق الحركة الجوية
يُعدّ برج مراقبة الحركة الجوية عنصراً أساسياً في العمليات الجوية، فهو يضمن عبوراً جوياً سلساً وآمناً، لا يمكن لأي طائرة أن تحلّق دون أن تكون على اتصال بالأبراج المسؤولة عن تنظيم الحركة الجوية حتى تتم عمليات الإقلاع والهبوط دون حوادث.
تُنظَّم حركة الطيران من برج المراقبة على النحو التالي:
- تصاريح الطيران: إصدار الموافقات اللازمة لخطة الطيران قبل الإقلاع.
- التحكم الأرضي: تنظيم حركة الطائرات والمركبات كلّها على أرض المطار.
- تصاريح الإقلاع والهبوط: تنسيق حركة الطائرات على الأرض والسماح بالإقلاع والهبوط.
- مراقبة الاقتراب: تأذن للطائرات وتعطيها التعليمات بالاقتراب من المطار للهبوط.
- التحكم في المجال الجوي: التحكم في الطائرات كلّها في المجال الجوي لبرج المراقبة.
اقرأ أيضاً: هل يمكن تبريد كوكب الأرض بمجرد تغيير مسارات الطائرات؟
مَن يعمل في برج المراقبة؟
كل موظف يعمل في برج المراقبة يُعرف باسم مراقب الحركة الجوية، وهو الشخص المسؤول عن تقديم خدمة مراقبة الحركة الجوية. كل شخص في البرج تكون له مهمة محددة ويعملون في تكامل مع بعضهم بعضاً لضمان سير عمليات المطار بشكلٍ صحيح.
- مراقب التصاريح (DEL): المسؤول عن إعطاء تصاريح خطة الطيران للطائرات المغادرة.
- مراقب الأرض (GND): مسؤول عن توجيه حركة المرور عبر ممرات الطائرات (TWY-Taxiway)، من بوابات الصعود إلى المدرج، إلى المنصات الأخرى في المطار أو من المدرج إلى منطقة الوقوف. باختصار، يتحكم في تحركات الطائرات كلّها على الأرض.
- مراقب البرج (TWR): يتحكم في المدرج وتقاطعاته، ويسمح بالهبوط والإقلاع، ويتحكم في قواعد الطيران المرئي (VFR). يعمل ضمن المساحة المعروفة باسم ATZ، التي يبلغ مداها 5 أميال بحرية (9260 متراً) ويبلّغ عن سوء الأحوال الجوية أو أعمال المدرج أو أي طارئ قد يؤثّر في الطائرات مثل أسراب الطيور.
مراقبة الحركة الجوية لا تقتصر على برج المراقبة
على الرغم من أن برج المراقبة الجوية هو الجزء الأكثر وضوحاً في تنظيم الحركة الجوية داخل المطارات، فإن هناك مراكز مراقبة أخرى تكون داخل أو خارج المطارات وتشارك في إدارة الحركة الجوية وهي:
مركز مراقبة الاقتراب (Approach Control)
يُعدّ حلقة الوصل بين برج المراقبة في المطار ومراكز مراقبة المنطقة، ويشرف على حركة الطائرات القادمة والمغادرة ضمن نطاق يتراوح عادة بين 10 و50 ميلاً بحرياً من المطار. يوجّه هذا القسم الطائرات الصاعدة نحو المسارات الجوية الرئيسية بعد الإقلاع، كما يتولى ترتيب الطائرات القادمة ضمن تسلسل هبوطي منظم لتجنب الازدحام وضمان هبوط سلس. يعتمد مراقبو الاقتراب على أنظمة رادارية متقدمة لمتابعة مواقع الطائرات وتحليل حركتها في الوقت الفعلي، ما يسمح لهم بتوفير توجيهات دقيقة للطيارين، مع الحفاظ على التباعد الآمن بين الطائرات وضمان انسيابية العمليات الجوية حول المطار.
مركز مراقبة المنطقة (Area Control)
هو المسؤول عن إدارة حركة الطائرات التي تحلّق على ارتفاعات عالية في أثناء رحلاتها بين المطارات، حيث يضمن بقاء كل طائرة ضمن مسارها المحدد وعلى ارتفاع آمن، مع الحفاظ على الفصل العمودي والأفقي بينها لتجنب أي تصادم. تكون مراكز مراقبة المنطقة غالباً بعيدة عن المطارات، حيث يعتمد المراقبون على أنظمة رادارية متطورة واتصالات لمتابعة الطائرات وإصدار التعليمات اللازمة لتعديل مساراتها أو ارتفاعاتها عند الضرورة. تؤدي مراقبة المنطقة دوراً حيوياً في تنظيم الحركة الجوية على المستوى الوطني والدولي.
مركز إدارة تدفق الحركة الجوية (Air Traffic Flow Management)
هو الجهة المسؤولة عن تنظيم تدفق الحركة الجوية وإداراتها على المستوى الوطني أو الإقليمي، ويعمل على تقليل الازدحام الجوي وتحسين الكفاءة التشغيلية للمجال الجوي. يحلل هذا المركز البيانات الجوية وحجم الحركة المتوقعة، ثم ينسق بين مراقبي الأبراج ومراكز مراقبة الاقتراب والمنطقة لضبط جداول الإقلاع والهبوط، ويساعد على توزيع الحركة الجوية بشكلٍ متوازن وتجنب التأخيرات الناتجة عن ازدحام المطارات أو امتلاء المسارات الجوية. من خلال التخطيط الاستراتيجي وإدارة الموارد الجوية المتاحة، يسهم مركز مركز إدارة تدفق الحركة الجوية في ضمان الوصول في الوقت المحدد وتقليل استهلاك الوقود، ما يعزّز كفاءة النقل الجوي على المستويين المحلي والدولي.
اقرأ أيضاً: لماذا تتمسك صناعة النقل الجوي بأجهزة محاكاة الطيران القديمة؟
التكامل هو أساس السلامة في مراقبة الحركة الجوية
تُعدّ مراقبة الحركة الجوية منظومة معقدة تتطلب تنسيقاً عالي المستوى بين مختلف مراكز المراقبة لضمان السلامة والكفاءة. لا يعمل أي مركز بشكلٍ مستقل، بل تعتمد كل مرحلة من مراحل الرحلة على نقل مسؤولية الطائرة من مركز إلى آخر.
- قبل أن تغادر الطائرة، يقدّم الطيار خطة الطيران (Flight Plan) إلى وحدة مراقبة العمليات، التي ترسلها إلى برج المراقبة (TWR) ومركز مراقبة الاقتراب (APP) ومركز مراقبة المنطقة (ACC).
- يتحقق من توافق الخطة مع الحركة الجوية المتوقعة، والتأكد من عدم وجود قيود تمنع تنفيذها، مثل الازدحام الجوي أو الأحوال الجوية غير المناسبة أو إغلاق بعض الممرات الجوية.
- يعطي مراقب التصاريح في برج المراقبة الموافقة على خطة الطيران، عندها ينسق مراقبو الحركة الأرضية في البرج تحرك الطائرة داخل المطار حتى تصل إلى المدرج.
- بمجرد استعداد الطائرة للإقلاع، يمنح مراقب البرج تصريح الإقلاع بعد التأكد من خلو المدرج.
- بعد مغادرة الطائرة المدرج وارتفاعها إلى مستوى معين، تُنقل مسؤوليتها من برج المراقبة إلى مركز مراقبة الاقتراب، الذي يوجّهها إلى مسارها الجوي مع ضمان عدم تداخل مسارها مع مسار الطائرات الأخرى في المجال القريب.
- بمجرد أن تصل الطائرة إلى ارتفاع الطيران المخصص (Cruise Altitude)، تُسلم مسؤوليتها إلى مركز مراقبة المنطقة، الذي يشرف عليها خلال الرحلة عبر المجال الجوي. حيث يراقب الطائرة باستخدام أنظمة الرادار والاتصال اللاسلكي، ويعدّل مسارها أو ارتفاعها عند الضرورة لتجنب الطائرات الأخرى أو العواصف الجوية.
- عند دخول الطائرة مجالاً جوياً جديداً، يجري التنسيق بين مراكز مراقبة المنطقة المختلفة لتسليم الطائرة إلى الدولة أو المنطقة التالية بسلاسة، مع تبادل بيانات الرحلة كافة.
- عندما تقترب الطائرة من وجهتها، تنتقل مسؤوليتها من مركز مراقبة المنطقة إلى مركز مراقبة الاقتراب، الذي يوجّهها إلى المطار ومدرج الهبوط وموعد الهبوط.
- بعد أن تصبح الطائرة قريبة من المطار وجاهزة للهبوط، تُحول إلى مراقب البرج، الذي يمنحها الإذن بالهبوط بعد التأكد من خلو المدرج.
- بمجرد هبوط الطائرة، تنتقل مسؤوليتها إلى مراقب الحركة الأرضية في برج المراقبة، الذي يوجهها إلى بوابة الركاب أو مكان الوقوف المخصص لها.
هذه العمليات كلها تُجرى باستخدام بروتوكولات دولية موحدة معتمدة من قِبل منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، لضمان سلاسة انتقال الطائرات بين مختلف أنظمة الملاحة الجوية حول العالم.
اقرأ أيضاً: ما مستقبل الطائرات الكهربائية؟
لماذا يعتبر هذا التكامل ضرورياً؟
يعتبر التنسيق بين أبراج ومراكز المراقبة الجوية ضرورياً للأسباب التالية:
- ضمان السلامة الجوية: يمنع انتقال المسؤولية المنظم حدوث تصادمات أو تعارضات في المسارات الجوية.
- تحسين كفاءة الرحلات: يقلّل الازدحام ويساعد على تحسين تدفق الحركة الجوية ويقلل التأخيرات.
- الاستجابة السريعة للطوارئ: في حالة حدوث عطل فني أو طارئ، يجري التواصل بين المراكز المختلفة بسرعة لضمان اتخاذ قرارات سليمة.
- الحد من استهلاك الوقود والانبعاثات: يسمح التنسيق بين المراكز باختيار أقصر المسارات للطيران وتجنب التحليق غير الضروري، ما يقلّل استهلاك الوقود وتكاليف التشغيل.
اقرأ أيضاً: التواصل بين الطائرات المسيرة: الآفاق ومجالات التطوير
كل مرحلة من مراحل الطيران من الإقلاع إلى الهبوط تعتمد على التواصل المستمر والتنسيق الدقيق بين مراكز مراقبة الحركة الجوية المختلفة. هذا التكامل هو الركيزة الأساسية لضمان سلامة العمليات الجوية وكفاءتها، وهو ما يجعل النقل الجوي واحداً من أكثر وسائل النقل أماناً في العالم.