التواصل بين الطائرات المسيرة: الآفاق ومجالات التطوير

4 دقائق
التواصل بين الطائرات المسيرة: الآفاق ومجالات التطوير

أصبح عالمنا الآن أكثر ترابطاً بكثير من ذي قبل في مجال التواصل الرقمي، وأصبح للطائرات المسيرة (ما يُعرف أيضاً باسم الدرون) دورٌ مهم وحيوي في تعزيز مجالات التجارة الإلكترونية، لا سيما بالنسبة للمراحل النهائية من تقديم الخدمات اللوجستية. 

وقد أضحت الأجهزة الذكية والمترابطة قادرة على دعم المجالات البحثية الناشئة، وتوفير العديد من حالات الاستخدام للأغراض المدنية. وإحدى النواحي الرئيسية لدراسة التواصل بين الطائرات المسيرة هي طرق حفاظ هذه الطائرات على اتصالها مع المحطات الأرضية، أو فيما بينها عندما تعمل ضمن أسراب، في ظل وجود معدل بيانات كافٍ لتعزيز عمليات نقل البيانات بشكل فوري ودعم الأداء في المهام. إن تطوير التواصل لدى الطائرات المسيرة سيفتح الباب لكثير من الفرص والاحتمالات، وسيتيح العديد من التطبيقات التي تتضمن نشر أنظمة متعددة الروبوتات. 

اقرأ أيضاً: أهمية أنظمة الثقة الصفرية لحماية بنية الطائرات المسيرة

الطائرات المسيرة تقتحم العديد من المجالات

وتسعى شركات الخدمات اللوجستية، بهدف تطوير عملياتها إلى أقصى حد ممكن، مثل أمازون، لاستخدام الطائرات المسيرة لنقل البضائع عالية القيمة بوتيرة أكبر. وقد بدأت بعض الشركات في الولايات المتحدة بتجربة استخدام الطائرات المسيرة لهذه التطبيقات. ونظراً إلى قيام المزيد من الشركات بتوظيف تكنولوجيا الطائرات المسيرة لإنجاز مهامها اليومية، أصبحنا نرى تطورات لم نكن نتوقعها قبل أعوام قليلة فقط، إذ أصبح للطائرات المسيرة دورٌ أساسيٌ في مهام إطفاء الحرائق والبناء والتسويق والاستخدام للأغراض الترفيهية والتجارة الإلكترونية، ناهيك عن استخدامها في الزراعة لنثر البذور في الحقول الزراعية أو رش المحاصيل بالمبيدات الحشرية، فضلاً عن توظيفها للأغراض الجيولوجية أو الأمنية لتحديد الأصول ومسحها، وحتى في جهود الحفاظ على البيئة. ومع ذلك ما زال هناك شوط كبير لا بد من قطعه لتعزيز الميزات المستقلة للطائرات المسيرة وتمكينها من تنفيذ عمليات التوصيل بجودة عالية. 

إذاً، كيف تتواصل الطائرات المسيرة أو الروبوتات مع بعضها بعضاً ضمن مجموعة؟ بطبيعة الحال، لا بد من وجود نظام تواصل فعّال لربط الطائرات المسيرة بالمحطات الأرضية من جهة، وفيما بينها من جهة أخرى، إذ إن هذا النظام سيضمن نجاح المهام التي تُكلّف بها الطائرات. كما أن وجود بروتوكولات تواصل فعّالة في الأنظمة متعددة الروبوتات يساعد على تحسين استقلالية هذه الأنظمة، ويمكّن الروبوتات من التعاون والاستجابة بصفتها وحدة متكاملة لأي تغييرات قد تطرأ في البيئة الخارجية. 

اقرأ أيضاً: “يو بي إس” تحوز على الموافقة لتشغيل أول خدمة توصيل جوية بالطائرات المسيرة في أميركا

ولا شك بأن الأنظمة المستقلة ومتعددة الروبوتات قد حظيت باهتمام متزايد في الأعوام الأخيرة؛ نظراً إلى قدرتها الهائلة وغير المحدودة على التوسع التي تتفوق بها على الأنظمة أحادية الروبوت. وتكتسب أنظمة التواصل أهمية كبرى؛ نظراً لدورها الحساس الذي يتعدى النقل التقليدي للبيانات ويتضمن تحديد الموقع والاستشعار والتحكم وغيره. وبالتالي يمكن تعزيز كافة المكونات في الأنظمة متعددة الروبوتات من خلال إجراء الأبحاث في مواضيع محددة مثل التواصل ومعالجة الإشارات والروبوتات والتحكم. 

وعلاوة على ذلك، سيساهم التواصل الوظيفي في تعزيز المرونة في الروبوتات لتمكينها من التأقلم مع أنواع جديدة من السلوكيات (وهي مجموعة من الخوارزميات المتخصصة لمهام محددة) في نهاية مهام معينة أو بداية مهام أخرى. 

تواصل الطائرات المسيرة

تتواصل الطائرات المسيرة في الوقت الحالي مع بعضها من خلال الشبكات اللاسلكية المتداخلة التي تمكّن عملية التواصل عبر مسافات بعيدة دون الحاجة إلى نقطة نفاذ مركزية، كما أن الطائرات مزودة بأنظمة تساعدها على تجنب الحواجز وتتبع مستويات الارتفاع من خلال أجهزة الكشف عن الضوء وتحديد المدى الليدار (LiDAR). وفي حين أن التكنولوجيا الأساسية للتواصل عبر مسافات بعيدة تعتمد على الأقمار الصناعية، فإن هذا الحل يعد مكلفاً في واقع الأمر. ومن القيود الأخرى التي تواجها الأبحاث المركزة على الروبوتات غياب برامج التواصل والشبكات المتخصصة للأنظمة أو الأسراب متعددة الروبوتات. 

إن استكشاف المشكلات التي تواجهها الطائرات المسيرة في التواصل سيساعد على تعزيز المعرفة في القطاع، وإجراء المفاوضات التشريعية اللازمة لوضع معايير وبروتوكولات أفضل لرفع موثوقية الطائرات المسيرة. وفي حين أننا نشهد حالياً اهتماماً ملحوظاً في أسراب الطائرات المسيرة التي تقوم بأعمال التوصيل ومسح البنى التحتية، فإنه لم يتمكن أحد حتى الآن من تحديد الطريقة المثلى لكيفية التواصل ضمن هذه الأسراب الكبيرة، إذ قد يكون تطوير نموذج أولي يوظف أجهزة الراديو ويعمل ضمن النطاق المرئي للمشغّل أمراً بسيطاً، ولكن التواصل الموثوق مع الأسراب المؤلفة من عشرات أو حتى مئات الطائرات المسيرة عبر مسافات بعيدة جداً هو مسألة أخرى تماماً. 

اقرأ أيضاً: الطائرات المُسيَّرة تقدم حلاً فعالاً لإعادة زراعة الغابات المحترقة

وحالما نتجاوز تلك العقبات، سيصبح بإمكان الأنظمة متعددة الروبوتات أن تنفذ جميع التطبيقات التي تنفذها الأنظمة ذات الروبوت الواحد، الأمر الذي سيسرّع تنفيذ المهام ويخفض تكلفتها ويجعلها أكثر كفاءة. كما أن تمكين مجموعة من الروبوتات من التواصل مع بعضها لإنجاز مهمة معينة بشكل جماعي سيفتح الباب لاستخدامات جديدة يستطيع من خلالها كل روبوت أن يُظهر سلوكاً مميزاً. فمثلاً، يمكن لأحد الروبوتات أن يساعد في تحديد الموقع وإيجاد الطريق لروبوت آخر ينفذ مهام المراقبة والاستطلاع في منطقة لا يتوفر فيها نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). كما يمكن لروبوت مجهز بكاميرات خاصة أن يلتقط فيديوهات لكارثة ما، وبعدها تقوم روبوتات أخرى ذات قدرات حوسبة أعلى بتحليل هذه الفيديوهات بهدف العثور على الناجين. 

خوارزميات وحلول برمجية جديدة

أما في مركز بحوث الروبوتات المستقلة التابع لمعهد الابتكار التكنولوجي، مركز الأبحاث التطبيقية الرائد في أبوظبي، يركز فريق Netrob على تقديم خوارزميات وبروتوكولات وآليات تواصل جديدة للأنظمة متعددة الروبوتات، كما يعمل على دراسة التكنولوجيات الحالية وتحسينها لصالح أنظمة محددة، فضلاً عن تطوير حلول برمجية جديدة تعتمد على التقنيات الحالية مع مراعاة المميزات الفريدة للأنظمة الروبوتية الجوية أو البرية أو البحرية. ويستند الفريق في عمله إلى فرضية أن هذه الأجهزة تدرك قدرتها على التنقل وقدراتها التشغيلية وبإمكانها الاستفادة من هذا الإدراك للتواصل بشكل أفضل مع النظام أو السرب. 

إن وضع معايير جديدة للاتصالات الخليوية عبر شبكات الجيل الخامس والجيل السادس سيساعد أيضاً على إتاحة حالات استخدام جديدة تتضمن الأنظمة متعددة الروبوتات، وهذه تشمل زيادة قدرات التواصل ضمن 3 توجهات بحثية وتطويرية هي: توفير نطاقات عريضة أكبر لضمان عمليات تواصل أسرع، وإتاحة برامج تواصل أكثر موثوقية للمساعدة على إنجاز مهام حساسة من ناحية الوقت، وتعزيز النفاذ إلى الشبكة لتمكين آلاف الأجهزة من الاتصال بشكل متزامن في العمليات واسعة النطاق. 

اقرأ أيضاً: كيف تعمل شبكات الجيل الخامس؟ وهل تؤثر على صحة الإنسان فعلاً؟

ونظراً للطلب المتزايد على الطائرات المسيرة في عمليات الإنقاذ والدعم الطبي في قطاع الرعاية الصحية والقطاع الأمني وقطاع التجارة الإلكترونية -لا سيما في فترة ما بعد جائحة كورونا- فلا شك أننا سنشهد جهوداً متواصلة لوضع معايير وبروتوكولات تواصل أكثر صرامة بين تلك الطائرات المسيرة قريباً.