على مدار القرن الماضي، انتقل البعوض الذي ينقل مرض الملاريا إلى ارتفاعات أعلى بنحو 6.5 مترات سنوياً، ومسافات أبعد عن خط الاستواء بمقدار 4.7 كيلومترات سنوياً، ما يفسر انتشار الملاريا بشكل أكبر على مدى العقود القليلة الماضية. ومن المرجح أن تزداد سرعة تنقل هذه الكائنات الحاملة للمرض مع ارتفاع درجة الحرارة في العقد الحالي.
ويؤدي تغير المناخ إلى عرقلة تقدم جهود القضاء على الملاريا حول العالم. فالظواهر المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار والظروف المناخية المتطرفة، تعطل النظم الصحية وتؤثر في الوقت ذاته على نطاق العدوى بالملاريا وموسمية العدوى.
وقدرت منظمة الصحة العالمية أن تغير المناخ سيؤدي إلى 60 ألف حالة وفاة إضافية بالملاريا سنوياً إضافة إلى 600 ألف حالة وفاة كل عام تسببها بالفعل، إلى جانب التأثير الاقتصادي الذي تسببه الملاريا للمجتمعات، إذ تتمتع البلدان الخالية من الملاريا بنمو اقتصادي أكبر بخمس مرات من البلدان المصابة بالملاريا، كما ارتبط انخفاض أعداد الإصابات بالملاريا بنسبة 10% بزيادة قدرها 0.3% في الناتج المحلي الإجمالي.
ويعلق الكثيرون آمالاً متزايدة على حلول الذكاء الاصطناعي لمواجهة التغيّر المناخي، بما يساهم في الحد من تفشي الأمراض التي تتفاقم بفعل ارتفاع درجات الحرارة مثل الملاريا.
حلول الذكاء الاصطناعي في مواجهة تفشي الملاريا
وبينما تتزايد حدة تفشي المرض، وتتناقص الموارد لمواجهته، يظهر الذكاء الاصطناعي كمساحة تلجأ إليها الجهات العلمية والصحية للبحث عن حلول فعّالة، ولنأخذ هنا الشراكة بين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI) ومنظمة ملاريا نو مور (Malaria No More) وريتشينغ ذا لاست مايل (Reaching the Last Mile) مثالاً.
فقد أطلقت منظمة ملاريا نو مور ومبادرة ريتشينغ ذا لاست مايل، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي معهد الملاريا وحلول المناخ (IMACS) لمكافحة الملاريا بالاعتماد على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والبيانات المتعلقة بالمناخ.
ومن المقرر أن يدعم معهد الملاريا وحلول المناخ برامج مكافحة الملاريا القائمة على البيانات والتكنولوجيا، وسيتيح الفرصة لتبادل المعرفة بين شبكة من الخبراء الدوليين، إضافة إلى عقده مؤتمراً علمياً سنوياً لاستعراض أحدث النُهج لبناء القدرات فيما يتعلق بالتكيف مع تغير المناخ في النظم الصحية.
وتقدم جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، أول جامعة بحثية للذكاء الاصطناعي في العالم، الدعم التقني للمعهد، عبر تسخير باحثيها وعلمائها لتقديم الدعم البحثي الحيوي، في إطار التعاون مع منظمة ملاريا نو مور، ومبادرة ريتشينغ ذا لاست مايل لتخليص البشرية من الملاريا إلى الأبد، اعتماداً على تطبيق تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والمصادر الجديدة للبيانات البيئية.
ويقول رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إريك زينغ: "إن الكميات الهائلة المتوفرة الآن من البيانات جعلت الذكاء الاصطناعي أداة قوية للباحثين وصانعي القرارات لوضع الرؤى واتخاذ القرارات المناسبة"، موضحاً أن البيانات المتوفرة عن مرض الملاريا وطرق انتقاله، والتأثيرات البيئية والمناخية على انتشاره تساعدهم في تطوير استراتيجيات تضمن القضاء على هذا المرض.
ويشير الأستاذ الجامعي إلى الدور المهم للتعلم الآلي الذي مكّن الباحثين من تحليل كميات هائلة من بيانات الأقمار الصناعية والأحوال الجوية في الوقت الفعلي للتنبؤ بالتغيّرات المناخية المحتملة، وتوجيه الفرق المعنيّة لتحليل وتحديد المخاطر الوشيكة واتخاذ الإجراءات المناسبة تجاهها.
القدرات التنبؤية للذكاء الاصطناعي: التقدم على المرض
وصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، إلى 15.4 مليار دولار أميركي في عام 2022، ومن المتوقع أن يكبر بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 37.5% من عام 2023 إلى عام 2030، وفقاً لتقرير غراند فيو ريسيرتش (Grand View Research).
غيّرت تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي قطاع الرعاية الصحية بالكامل، مثل التشخيص الدقيق للأمراض، وطرق العلاج، وإعادة النظر في دور الممارسين الصحيين، وحتى دور المرضى أنفسهم في اتخاذ القرارات.
ولكن تظل أبرز هذه التغييرات هي تطويع قدراته التنبؤية في تحديد المخاطر، واستكشاف احتمالية انتشار الأوبئة عبر المناطق والمدن المختلفة، وتحليل بيانات الفحوصات الصحية المستهدفة، وهو ما يعرف بـالرعاية الوقائية التنبؤية.
لذلك، تسخّر جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي قدراتها البشرية وتوظف أحدث أنظمة المراقبة لتحديد وتتبع انتقال الأمراض المعدية مثل الملاريا، إضافة إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لإجراءات التشخيص الدقيق ومكافحة التهديد المتزايد لمقاومة الأدوية المضادة للملاريا والمبيدات الحشرية، وعقد الشراكات مع الجهات المعنية محلياً وعالمياً.
فعلى سبيل المثال، شاركت الجامعة في مبادرة التنبؤ بمستقبل صحي، وهو اتحاد أنشأته مبادرة ريتشينغ ذا لاست مايل ومنظمة ملاريا نو مور في عام 2020 لتشجيع ودعم الابتكارات والاستثمارات في الحلول الصحية العالمية في سياق تغير المناخ، وتثقيف القيادات العالمية وصناع السياسات.