في العصر الرقمي، أصبحت تطبيقات الملاحة مثل خرائط جوجل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وأي انقطاع فيها يمكن أن يؤدي إلى إزعاج كبير. في الآونة الأخيرة، واجه بعض مستخدمي خرائط جوجل في دول الشرق الأوسط وتحديداً دول بلاد الشام والخليج العربي حالات غريبة. وبحسب منشور على موقع ريديت، أفاد شخص مقيم في دبي في شهر فبراير/شباط بأن السهم الذي يعتمد عليه لإرشاده إلى الطريق الصحيح بدأ يخالف التوقعات، وقال: "لقد لاحظت أنه منذ الأمس، يشير سهم التنقل الموجود أعلى يسار خرائط جوجل إلى اليمين، بينما يتطلب الطريق في الواقع الالتزام باليسار. يحدث هذا حتى على الطرق التي سلكتها عدة مرات ولم يعطني الاتجاه الخاطئ في السابق، لكنه يفعل ذلك الآن".
وردّ أحد الأشخاص على هذا المنشور قائلاً: "في الأسبوع الماضي، دخلت عن طريق الخطأ إلى مسار الحافلات في منطقة محطة مترو مركز دبي للسلع المتعددة، فقط من خلال اتباع خريطة جوجل، وكانت الشرطة هناك، أوقفوني وأخبرتهم بأنني كنت أتبع الخريطة فقط".
وبحسب العديد من الأشخاص الذين تواصلت معهم إم إي تكنولوجي ريفيو العربية، فقد أكد العديد من سكان دول الخليج العربي الخطأ الواضح والمربك في اتجاهات أسهم خرائط جوجل منذ شهر فبراير العام الحالي.
اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين نظام تحديد الموقع العالمي والأقمار الصناعية؟
أثارت هذه الأخطاء في تطبيق خرائط جوجل مناقشات ونظريات عديدة، خاصة أن الخرائط غير المتصلة بالإنترنت بدت لا تواجه المشكلة نفسها. وتبدو تكاليف هذا الضياع كبيرة، فهي تسبب ضياعاً في المسارات وتسبباً في الازدحام في مدن مثل الرياض ودبي وتكلف السائقين الوقت والمال بحسب أحد المقيمين في دول الخليج العربي.
في الوقت نفسه، ظهرت موجة من الشكاوى من الأردن، حيث أبلغ الآلاف عن تأثر خدمات الخرائط في عدة محافظات. وقال بعض مستخدمي التطبيقات التي تعتمد على نظام تحديد المواقع في الأردن إن المشكلة أصبحت أسوأ في الأيام التي سبقت مهاجمة إيران لإسرائيل بطائرات بدون طيار وصواريخ.
في خضم هذه المشكلات التقنية، تبلورت رواية تشير إلى أنها نتيجة لتعمد إسرائيل التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) خلال حرب غزة. فما الحقيقة وراء هذه الادعاءات؟
هل يمكن التشويش على نظام تحديد المواقع؟
نعم، يمكن التشويش بسهولة على نظام تحديد المواقع العالمي، وذلك عن طريق بث إشارة بتردد قوي بما يكفي للتغلب على الإشارات الصادرة عن الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع العالمي. يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان الأجهزة للقدرة على تحديد موقعها وسرعتها.
يستخدم نظام تحديد المواقع العالمي ترددين رئيسيين؛ 1575.42 ميغا هرتز للاستخدام العام وغير العسكري، و1227.6 ميغا هرتز للجيش الأميركي. ونظراً لأن أجهزة الاستقبال مصممة لالتقاط الموجات الضعيفة من الأقمار الاصطناعية، يمكن أن تطغى عليها بسهولة الإشارات ذات الترددات الأقوى التي تحاكي إشارات الأقمار الاصطناعية نفسها، في هذه الحالة، يصبح نظام تحديد المواقع غير قابل للاستخدام.
على الرغم من أن التشويش على نظام تحديد المواقع يمكن أن يحدث عن طريق الخطأ، فإنه غالباً ما يحدث بشكلٍ متعمدٍ لأسباب تتعلق بالخصوصية أو العمليات العسكرية. وهو عمل غير قانوني في العديد من البلدان بسبب المخاطر المحتملة التي يشكّلها على السلامة، خاصة في قطاعات حيوية مثل الطيران وخدمات الطوارئ.
اقرأ أيضاً: تقنية جديدة في نظام تحديد المواقع العالمي تزيد من دقته
إسرائيل أكدت قيامها بالتشويش على نظام تحديد المواقع
كانت مسألة ما إذا كانت إسرائيل قد قامت بالتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي في أثناء حرب غزة موضوعاً للنقاش والتحقيق. فقد حدثت حالات انقطاع في إشارة النظام بالمنطقة عدة مرات، خاصة في الدول المحيطة بإسرائيل، تزامنت هذه الحالات مع الصراع الدائر في غزة.
إسرائيل لم تخفِ ذلك، وأصدرت بعض البيانات الرسمية بشأن اضطرابات نظام تحديد المواقع العالمي في المنطقة. على سبيل المثال، أعلن جيش الإسرائيلي في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن نظام تحديد المواقع العالمي مقيد في مناطق القتال النشطة وفقاً للاحتياجات التشغيلية المختلفة. وعلى الرغم من أن هذا البيان لم يحدد مدى انقطاع الإشارة، فإنه جاء بعد تقارير عن التشويش على نظام تحديد المواقع لردع الهجمات الصاروخية والهجمات بالطائرات بدون طيار، وقد أثّر في مستخدمي تطبيقات الملاحة والطائرات التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن الجيش الإسرائيلي فعّل بشكلٍ استباقي نظام التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي داخل إسرائيل لتحييد التهديدات، معترفاً بأن ذلك قد أدّى لمشكلات لكنها ضرورية للقدرات الدفاعية.
هذه البيانات لم تؤكد أن التشويش على نظام تحديد المواقع هو إجراء واسع النطاق. لذلك، من المستبعد أن يؤدي التشويش الذي قامت به إسرائيل إلى التأثير في الخدمة في دبي، وعلى الأغلب كانت المشكلة التي واجهها بعض السائقين في دبي بسبب خلل برمجي أو تحديث لتطبيق خرائط جوجل.
اقرأ أيضاً: أقمار ستارلينك الاصطناعية يمكنها حماية أنظمة الملاحة للجيش الأميركي من التشويش
تزييف إشارات نظام تحديد المواقع
في معظم الحالات، أدى التشويش على نظام تحديد المواقع إلى توقف الأجهزة عن استقبال إشارة الأقمار الاصطناعية في المنطقة التي حدث فيها التشويش، بمعنى آخر، توقف نظام تحديد المواقع عن العمل. لكن الخبراء وجدوا أن هناك طريقة أخرى استخدمتها إسرائيل للتأثير على عمل نظام تحديد المواقع، وذلك عن طريق تزييف الإشارات، تعتمد هذه الطريقة على إرسال إشارات موقع زائفة تطغى على الإشارات الحقيقية.
يقول محمد عزيز، مستشار شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية وكابتن طائرة متقاعد في جديث للإذاعة الوطنية العامة الأميركية، إنه على عكس التشويش، يخطئ الطيارون بسهولة ولا يميزون الإشارات المزيفة. وأضاف: "ليس لدينا طريقة على متن الطائرة لكشف الإشارة المزيفة".
وأشار عزيز الذي عمل مع مسؤولي سلامة الطيران، إلى أن فقدان الإشارات الدقيقة لنظام تحديد المواقع العالمي دفع الطيارين إلى العودة لممارسات عمرها نصف قرن، مثل الحصول على التعليمات المباشرة من أبراج المراقبة في المطارات أو استخدام الرؤية.
فيما يتعلق بمصدر الإشارات المزيفة، قال تود همفريز، وهو أستاذ هندسة الطيران في جامعة تكساس في أوستن والخبير في تزييف إشارات نظام تحديد المواقع، أنه تتبع مع طلابه أصل الإشارات المزيفة باستخدام البيانات التي جمعتها الأقمار الاصطناعية الموجودة في مدار أرضي منخفض، وأكد أن الإشارات تأتي من قاعدة جوية للجيش الإسرائيلي في إسرائيل.
أطراف أخرى تُشوش وتزيّف إشارات المواقع بالمنطقة
يجب ألّا ننسى أيضاً أن هناك تقارير أشارت إلى أن التشويش أو التزييف الذي يتعرض له نظام تحديد المواقع بالمنطقة ربما يكون مصدره خارج إسرائيل، مثل القواعد الروسية في سوريا. على سبيل المثال، أشار تقرير إلى أن التشويش كان نتيجة تفعيل أنظمة الحرب الإلكترونية التي نشرتها روسيا في قواعدها العسكرية بسوريا، والتي كان لها تأثير في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.
وقال كير جايلز، مدير مركز أبحاث دراسات الصراع، وهو مركز أبحاث بريطاني، إن روسيا تشوش على نظام تحديد المواقع العالمي لأسباب هجومية ودفاعية. فمن ناحية، تختبر روسيا قدراتها على شل حركة الطيران بشكلٍ كامل في وقت الأزمات، ومن ناحية أخرى، تحاول حماية نفسها وقواعدها العسكرية من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار.
اقرأ أيضاً: كيف ساعد برنامج ترانزيت على تحديد المواقع قبل ظهور جي بس إس؟
باختصار، على الرغم من وجود أدلة تؤكد التشويش والتزييف على نظام تحديد المواقع العالمي في المنطقة، فإن إسناد ذلك إلى إسرائيل فقط يتطلب دراسة للعوامل والأطراف الأخرى جميعها والمشهد السياسي والعسكري الأوسع.