كيف يمكن لشبكة الويب 3.0 أن تغير طريقة تفاعلنا عبر الإنترنت؟

4 دقائق
ويب 3.0
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

في عام 2014، كتب جافين جيمس وود، عالم الحاسوب الإنجليزي والمؤسس المشارك لعملة إيثيريوم، قائلاً: "إن انتقالنا إلى المستقبل بات يتطلب إيجاد نظام تفاعل يعتمد على نموذج أمان الثقة الصفرية (Zero-Trust Interaction System)"، مقترحاً إنشاء جيل جديد "لا مركزي" من شبكات الويب، أطلق عليه اسم "ويب 3.0".

ظلت هذه الشبكة مجرد رؤية نظرية لسنوات وتراجع الزخم لإنشائها خلال الأعوام التالية، قبل أن تعود للواجهة من جديد في أواخر العام الماضي مع تزايد النقاشات حولها على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المؤتمرات التقنية.

تطور شبكة الويب

شبكة الويب العالمية (World Wide Web) هي الأداة الرئيسية التي يستخدمها اليوم مليارات الأشخاص لتبادل المعلومات والتواصل مع الآخرين عبر الإنترنت. وقد تغيرت شبكة الويب بشكل كبير على مر السنين، لدرجة أن تطبيقاتها القديمة لم يعد بالإمكان تمييزها تقريباً في الوقت الحالي.

يمكن أن نقسم تطور الويب إلى ثلاث مراحل: "ويب 1.0" (Web 1.0) و"ويب 2.0" (Web 2.0) و"ويب 3.0" (Web 3.0):

تغطي ويب 1.0 فترة التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (تقريباً الفترة من 1991 إلى 2004)، وقد تميزت هذه الشبكة بأنها كانت أكثر لامركزية من الفترة التي تلتها، وكانت مرتكزة بالأساس على بروتوكولات مفتوحة المصدر. خلال هذه السنوات كانت معظم صفحات الإنترنت عبارة عن مواقع ثابتة لا يمكن التفاعل معها ولا يتم تحديثها بانتظام. وكانت الغالبية العظمى من المستخدمين مستهلكين وليسوا منتجين للمحتوى، ولم يكن لديهم فرصة كبيرة للتفاعل مع المواقع.

بعد ذلك، حدثت نقلة نوعية في كيفية استخدام الإنترنت عٌرفت باسم (ويب 2.0)، وهو الإصدار الحالي من الويب الذي نعرفه حالياً، والذي عاصرته معظم الأجيال الجديدة. كان النمو الهائل للويب 2.0 مدفوعاً بالابتكارات الهامة، مثل تزايد الوصول إلى الإنترنت عبر الهواتف المحمولة، وصعود الشبكات الاجتماعية، فضلاً عن الانتشار الواسع للأجهزة المحمولة القوية. اتسمت هذه الفترة بالحضور القوي لشركات التكنولوجيا الكبيرة التي تدير معظم الأنشطة على الإنترنت. وقد تحول المستخدمون خلالها من مجرد مستهلكين إلى منشئي محتوى على المنصات الكبيرة، مثل مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب أو المنشورات على موقع فيسبوك.

اقرأ أيضاً: 6 اتجاهات تكنولوجية في 2022 ستغير طبيعة الحياة البشرية

الويب 3.0 والبلوك تشين

خلال الشهور الأخيرة، ظهرت العديد من الأصوات، سواء بين صفوف الباحثين أو رواد الأعمال أو حتى ممارسي ألعاب الفيديو، التي تنادي باستعادة بعض القوة التي هيمنت عليها الشركات الكبرى، عن طريق شبكة لا مركزية أكثر انفتاحاً وفائدة للمستخدم.

يرى الخبراء أن الشبكة الجديدة قد تُبنى على تقنية البلوك تشين (Blockchain)، وهي قاعدة بيانات مشتركة، يتم تخزين عدة نسخ منها في عدة حواسيب حول العالم، وتعرف هذه الحواسيب باسم "العقد"، ويمكن لأي حاسوب متصل بالإنترنت أن يصبح عقدة في شبكة البلوك تشين عن طريق تنصيب وتشغيل مجموعة من البرمجيات الخاصة. وتُستخدم تقنية البلوك تشين حالياً بالفعل في العديد من المجالات المختلفة مثل العملات المشفرة ومراقبة سلاسل التوريد.

تعِد شبكة الويب 3.0 بتوفير خدمات الإنترنت من نظير إلى نظير دون سلطة من شركة أو هيئة واحدة، ما يوفر للمستخدمين مزيداً من القدرة على التحكم في بياناتهم، ويجنبهم مخاطر القرصنة. وبحسب التصور الحالي، سيتم منح الأشخاص "رموزاً مميزة" (Tokens) للمشاركة. ويمكن استخدام الرموز المميزة للتصويت على القرارات، وربما حتى للحصول على قيمة حقيقية.

بشكل عام، في عالم الويب 3.0، يتحكم الأشخاص في بياناتهم الخاصة وينتقلون من وسائل التواصل الاجتماعي إلى البريد الإلكتروني إلى التسوق باستخدام حساب شخصي واحد، ما يؤدي إلى إنشاء سجل عام على بلوك تشين لكل هذا النشاط.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك (تسميم) البيانات التي تستخدمها الشركات التكنولوجية الكبيرة لمراقبتك؟

الويب 3.0: مصطلح ضبابي

بالرغم من أن المصطلح بشكل عام يشير إلى جيل ثالث من الإنترنت، إلا أنه لا يزال "ضبابياً"، ولا يمكن القول إن الفكرة قد اختمرت بشكل كامل حتى الآن. ويقر الباحثون بأن محاولة شرح ويب 3.0 يمكن أن تكون "مستفزة" حتى، لأنه مصطلح غير محدد التعريف ويختلف بشكل طفيف وفقاً لمن يقوم بتعريفه، لكن هذا هو الحال غالباً بالنسبة لجميع الآفاق التكنولوجية الجديدة، كالميتافيرس على سبيل المثال.

ولشرح مدى صعوبة تخيل الفكرة، تقول أولجا ماك، رائدة الأعمال والمحاضرة في مجال البلوك تشين في جامعة كاليفورنيا بيركلي: "بالنسبة إلى الشخص العادي، يبدو الأمر مثل سحر الفودو. ولكن عندما تضغط على زر تشغيل الإضاءة، هل تفهم كيف يتم توليد الكهرباء؟ لا يتوجب عليك أن تعرف كيف تعمل الكهرباء لفهم فوائدها. نفس الشيء ينطبق على البلوك تشين".

اقرأ أيضاً: حقوق البيانات الجماعية قد تمنع الشركات التكنولوجية الكبيرة من تدمير الخصوصية

مزايا كثيرة ومخاوف

قد تحمل شبكة الويب 3.0 الكثير من الفائدة للمستخدمين، لاسيما مع إمكانية تحقيق أفكار مثل الويب الدلالي (SEMANTIC WEB) التي تعني جعل الويب حدسياً وأكثر ذكاءً في طريقة تلبية احتياجات المستخدمين، عن طريق تحويله إلى مستودع واحد للمعلومات بدلاً من مجموعة كبيرة من الصفحات المنفصلة عن بعضها. وتفسح قدرات الويب الدلالي والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي -التي تشكل جوهر الشبكة الجديدة- الفرصة أمام زيادة التطبيقات بشكل كبير في مجالات جديدة وتحسين تفاعل المستخدمين، كما ستساعد في الحد من الممارسات شبه الاحتكارية التي تمارسها شبكات التواصل الاجتماعي والشركات التي تدير محركات البحث.

ومع ذلك، فإن الميزات الأساسية للويب 3.0، مثل اللامركزية والأنظمة التي لا تحتاج لترخيص، تجلب معها أيضاً مخاطر قانونية وتنظيمية كبيرة. على سبيل المثال، سيكون ضبط الجرائم السيبرانية وخطاب الكراهية والمعلومات المضللة أكثر صعوبة بسبب وجودها في هيكل لامركزي والافتقار إلى السيطرة المركزية.

علاوة على ذلك، تسبب تزايد الضغوط خلال الأشهر الأخيرة من أجل مستقبل مدعوم بتقنية البلوك تشين، وهيمنة هذا الموضوع على المؤتمرات التقنية ومحادثات وسائل التواصل الاجتماعي في دوائر معينة، في دفع شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تجميع فرق مخصصة لتطوير الشبكة الجديدة. وهي مفارقة غريبة، لأن أحد أهم الأهداف النظرية للويب 3.0 هو الحد من سيطرة هذه الشركات وتجنب الرسوم والقواعد والقيود التي تفرضها. ومع ذلك، فإنها بدأت بالفعل في القفز على هذه الفكرة.

اقرأ أيضاً: هل شركات التكنولوجية محايدة سياسياً؟

شجار حول الشبكة الجديدة

الأمر الأكثر غرابة هنا هو النقاش المحتدم الذي اندلع الشهر الماضي بين عدد من الشخصيات الشهيرة في عالم التكنولوجيا حول مدى قابلية أفكار الويب 3.0 للتطبيق فعلياً. بدأ الأمر بانتقاد وجهه جاك دورسي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة تويتر، للشبكة الجديدة قائلاً، في تغريدة: "أنت لا تملك ويب 3.0. أصحاب رأس المال المغامر يمتلكونها. إنه كيان مركزي بتسمية مختلفة".

وبعد ساعتين فقط قال إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، في تغريدة تهكمية على ما يبدو "هل رأى أي شخص الويب 3.0؟ لا يمكنني العثور عليها". وقد تطور السجال بين أنصار الشبكة الجديدة ومنتقديها إلى ما يشبه المعركة، لدرجة أن مارك أندرسون الرئيس التنفيذي لشركة رأس المال الاستثماري "أندرسون هورويتز" (Andreessen Horowitz) -التي تُعد أحد أشهر الشركات الناشئة التي تستثمر في الويب 3.0- قام بحظر دورسي على تويتر، ما دفع الأخير للقول إنه طُرد رسمياً من شبكة الويب 3.0.

المحتوى محمي