دليلك لفهم الميتافيرس: عالم تدخله بدلاً من الاكتفاء بمشاهدته

5 دقائق
ميتافيرس
حقوق الصورة: موقع ميتا (فيسبوك سابقاً). تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، جذب مصطلح "ميتافيرس" (Metaverse) انتباهاً واهتماماً غير مسبوقين، ليس فقط في أوساط المتخصصين في مجال التكنولوجيا بل وبين عموم الناس أيضاً. لكن الواقع أن معظم الناس تتناقل أخبار ميتافيرس بفضول وربما رهبة دون أن تملك سوى تصورات مبهمة عن ماهيته وكيفية عمله ومتى سيمكنهم استخدامه. نقدم لكم في هذه المقالة إجابات عن أبرز التساؤلات الخاصة بهذا الموضوع، وكيف سيغير الميتافيرس عالمنا الحالي.

ميتافيرس.. أفكار قديمة وطموحات متجددة

قد يكون إعلان مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن تغيير اسم شركته إلى "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platforms Inc) -أو اختصاراً ميتا (Meta)- وتحويلها من شركة منصات تواصل اجتماعي إلى "شركة ميتافيرس" خلال السنوات الخمس المقبلة، هو الشرارة التي أثارت خيال الملايين حول هذه التكنولوجيا الجديدة، أو بالأحرى العالم الجديد. تعني كلمة "ميتا" باللغة اليونانية القديمة "ما بعد" للدلالة على أن "ثمة أشياء إضافية ينبغي بناؤها". وبحسب معجم ميريام وبستر، فإن الكلمة تعبر بكفاءة عن فكرة تجاوز الواقع (كما في الميتافيزيقا)، أما مقطع "فيرس" فيعني الكون. لذا فإن مصطلح ميتافيرس يعني بدقة عالماً أو مفهوماً يتجاوز العالم "الحقيقي".

بيد أن هذه الفكرة ليست جديدة، بل بدأ الحديث عنها قبل عشرات السنوات، وتحديداً منذ عام 1992 عندما كتب نيل ستيفنسون رواية الخيال العلمي "تحطم الثلج" (Snow Crash)، وصاغ فيها هذا المصطلح ليصف واقعاً افتراضياً سيخلف الإنترنت. وفي الرواية، يستخدم الناس "شخصيات رمزية رقمية" (Digital Avatars) لأنفسهم لاستكشاف هذا العالم، غالباً كوسيلة للهروب من واقعهم البائس.

ومنذ ذلك الوقت، نُشرت العديد من كتب وأفلام الخيال العلمي التي تدور في ميتافيرسات (إن جاز لنا جمعها بهذا الشكل!) كاملة، أي عوالم رقمية بديلة لا يمكن تمييزها عن العالم المادي الحقيقي. لكن هذه العوالم لا تزال في طور الخيال، وفي الوقت الحالي تبدو معظم المساحات الافتراضية الممكنة أشبه بلعبة فيديو أكثر من كونها واقعية.

... ولكن هل الميتافيرس موجود حقاً؟

حتى اليوم، لا يوجد أي شيء يمكن وصفه فعلياً على أنه ميتافيرس. لا يمكنك تحديد منتج معين أو تقنية أو خدمة فريدة باعتبارها ميتافيرس. لذا، فقد يكون السؤال الأفضل: ما الذي يمكن أن يصبح ميتافيرس؟

يمكن أن نفكر في الميتافيرس باعتباره مصطلحاً واسعاً يشير عموماً إلى شبكة إنترنت ثلاثية الأبعاد، أو كما وصفه زوكربيرج "بيئة افتراضية" يمكن الدخول إليها بدلاً من مجرد النظر إليها على الشاشة. إنه حلم عن مستقبل إنترنت يكون عبارة عن عالم من المجتمعات الافتراضية المترابطة التي لا تنتهي، حيث يمكن للناس الالتقاء والعمل واللعب والتسوق والتواصل اجتماعياً، بل وحتى حضور الحفلات الموسيقية، باستخدام نظارات الواقع الافتراضي (VR) أو الواقع المعزز (AR) أو تطبيقات الهواتف الذكية أو غير ذلك من الأجهزة. وهو مزيج يُطلق عليه الخبراء اسم الواقع الممتد (XR).

 

علاوة على ذلك، فإن هناك أيضاً نوع من الميتافيرس يستخدم تقنية البلوك تشين. وفي هذا النوع، يمكن للمستخدمين شراء الأراضي الافتراضية والأصول الرقمية الأخرى باستخدام العملات المشفرة.

في الوقت الحالي، يتفاعل الأشخاص مع بعضهم البعض عبر الإنترنت من خلال الانتقال إلى مواقع الويب مثل منصات التواصل الاجتماعي أو استخدام تطبيقات المراسلة. فكرة ميتافيرس هي خلق مساحات جديدة على الإنترنت يمكن أن تكون فيها تفاعلات الناس متعددة الأبعاد، حيث يمكن للمستخدمين الانغماس في المحتوى الرقمي بدلاً من مجرد مشاهدته. وعلى الأرجح سيكون التمييز بين كونك متصلاً أو غير متصل بالإنترنت أكثر صعوبة في تحديده.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز؟

ميتافيرس لن يقتصر على فيسبوك: مايكروسوفت وإنفيديا على الطريق

بحسب وكالة رويترز، كان استخدام هذا المصطلح شائعاً في وادي السليكون خلال الفترة التي سبقت إعلان فيسبوك، حيث تصف لعبة الأطفال "روبلوكس" (Roblox) نفسها بأنها شركة ميتافيرس، وكذلك تعتبر الشركة المشغلة للعبة "فورتنايت" (Fortnite) نفسها جزء من ميتافيرس. كما تعمل شركات، مثل مايكروسوفت وإنفيديا، أيضاً على إصدارات خاصة بها من ميتافيرس.

غير أن ثمة اختلافات في منظور الشركات إلى الميتافيرس، حيث تُظهر مايكروسوفت وإنفيديا نهجاً عملياً وموجهاً نحو قطاع الأعمال بشكل أكبر من نسخة ميتافيرس التي تركز على المستهلك، والتي قدمها زوكربيرج وفريقه. على سبيل المثال، أعلنت مايكروسوفت في مؤتمرها السنوي للمطورين "إيجنايت" (Ignite) الذي عُقد في بداية هذا الشهر، أنها ستدمج تقنية "إيه أر مش" (AR Mesh) الخاصة بها -المخصصة للتعاون بين الأشخاص في الواقع المعزز- في منصة "تيمز"، ما يوفر "طريقة عرض" مختلفة لجميع مستخدمي تيمز في عام 2022.

ميتافيرس
هذا ما قد تبدو عليه اجتماعات العمل قريباً. حقوق الصورة: شركة مايكروسوفت.

لم يكد يمر أسبوع حتى أعلنت إنفيديا عن نسختها من الميتافيرس، حيث استعرضت الشركة -في مؤتمرها السنوي "جي تي سي 2021" (GTC 2021)- كيف تخطط لمساعدة المؤسسات على دخول العالم الافتراضي من خلال منصة المحاكاة الخاصة بها "أومنيفرس" (Omniverse). وأوضح الرئيس التنفيذي لإنفيديا، "جين-سون هوانج"، أن أومنيفرس عبارة عن منصة متكاملة لإنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي مجسدة يتفاعل معها البشر. وتجمع المنصة بين عدد من التقنيات، بما فيها التعرف على الكلام وتتبع حركات الوجه والرؤية الحاسوبية وفهم اللغات الطبيعية وتقنيات المحاكاة. (كتبنا عن منصة أومنيفرس بشكل أكثر تفصيلاً في نشرة الخوارزمية).

اقرأ أيضاً: الواقع الافتراضي يمكنك من التدرب على فصل موظف ويعطيك نتيجة لأدائك‎

متى وكيف سندخل إلى عالم الميتافيرس؟

يقدر زوكربيرج أن الأمر قد يستغرق من 5 إلى 10 سنوات قبل أن تنتشر الأدوات الرئيسية المطلوبة للميتافيرس، مثل سرعات الإنترنت الفائقة ونظارات الواقع الافتراضي وغيرها. وكتجربة أولية، أطلقت ميتا منصة اجتماعية تُسمى "هورايزون" (Horizon)، لمساعدة الأشخاص على التفاعل مع بعضهم البعض في ميتافيرس. وتتضمن المنصة عدداً من التجارب، منها "هورايزون هوم" (​​Horizon Home)، الذي سيكون أول شيء تراه عند ارتداء نظارة الواقع الافتراضي الخاصة بك. وتقول الشركة إننا سنتمكن قريباً من دعوة الأصدقاء للانضمام إلينا في هورايزون هوم، حيث يمكن قضاء الوقت ومشاهدة مقاطع الفيديو والانتقال إلى الألعاب والتطبيقات معاً.

كما أطلقت ميتا برنامج اجتماعات للشركات يُسمى "هورايزون وورك رومز" (Horizon Workrooms)، لاستخدامه عن طريق نظارات أوكلوس للواقع الافتراضي. إلا أن تقييماته حتى الآن لم تكن على قدر التوقعات، كما أن تكلفة النظارة الواحدة تبلغ تقريباً 300 دولار، ما يجعل التجربة بعيدة عن متناول الكثيرين.

هورايزون هوم هي إحدى أولى تجارب ميتافيرس التي أعلنت عنها شركة ميتا.

ماذا يخبئ ميتافيرس لمحبي الألعاب؟

إضافة إلى الاستثمارات الضخمة التي أعلنت عنها العديد من شركات الألعاب للانضمام إلى الميتافيرس، أكدت ميتا أن الألعاب الإلكترونية ستكون منتشرة في هذا الواقع الافتراضي كما هي اليوم. وضربت مثلاً لعبة الواقع الافتراضي "بيت سابر" (Beat Saber) التي تجاوز إجمالي إيراداتها مؤخراً 100 مليون دولار أميركي على منصة "كويست" (Quest) وحدها. كما أعلنت أن لعبة "جراند ثفت أوتو سان أندرياس" (Grand Theft Auto: San Andreas) الكلاسيكية الشهيرة قيد التطوير حالياً للعمل من خلال نظارة (كويست 2).

اقرأ أيضاً: 8 قواعد لمساعدتك على البقاء آمناً في تجربة الواقع الافتراضي

عوائق ومخاوف قائمة

لا يزال يتعين على شركات التكنولوجيا التغلب على عدد من المشاكل التقنية الأساسية، منها معرفة كيفية ربط منصاتها ببعضها البعض عبر الإنترنت. وتقول فيكتوريا بيتروك، المحللة المتخصصة في تتبع التكنولوجيات الناشئة، إن إنجاح هذه التجربة يتطلب أن تتفق منصات التكنولوجيا المتنافسة على مجموعة من المعايير، حتى لا نجد "أشخاصاً في (فيسبوك ميتافيرس) وآخرين في (مايكروسوفت ميتافيرس)".

كما يخشى خبراء آخرون من أن يتطلب الدخول إلى ميتافيرس المزيد من البيانات الشخصية، وبالتالي يتيح للشركات إمكانية أكبر لإساءة استخدامها. يمكن لأدوات الواقع المعزز والافتراضي أن تعمل بنفسها ككاميرا وميكروفون داخل المنزل. كما يمكن للأنظمة الأكثر تقدماً أن تُقرن هذه البيانات بالمؤشرات الحيوية، مثل معدلات النبض والتنفس والحركات والأبعاد الجسدية. وفي نهاية المطاف، قد تستخدم هذه التوليفات الفريدة في تحديد الهوية والتتبع الفردي للأشخاص.

ويأتي هذا في وقت تواجه فيه كبرى شركات التكنولوجيا -وعلى رأسها ميتا- اتهامات بالفشل في التعامل مع قضايا السلامة والخصوصية في منصاتها الحالية.