أحدثت جوجل ثورة لا يُمكن إنكارها في طريقة البحث عبر الإنترنت، ففي كل ساعة تُجرى أكثر من 228 مليون عملية بحث على جوجل. فما هو السبب الخفي وراء الابتكار المستمر الذي تتحلى به شركة جوجل؟ وما الذي يُمكن تعلمه من جوجل؟
سأشارككم اليوم ملخصاً لمبادئ الابتكار الثمانية التي تعتمدها شركة جوجل في عملها. ففي ظل هذا العالم المليء بالرخاء والعوائد السريعة، أصبحت أفضل الشركات في العالم تتبنى كذلك تلك المبادئ، ما يجعلها مركزاً لأفكارها الجديدة.
مبادئ الابتكار الثمانية لشركة جوجل
أرست تلك المبادئ سوزان وجسيكي، نائبة رئيس منصة يوتيوب ومديرة تسويق شركة جوجل في مقال لها، وسيكون من الأفضل لك تدوين تلك المبادئ على الحائط أو سبورة بيضاء لتمعن التفكير بها والاستعانة بها لتصبح مرشحاً لفكرتك الكبيرة التالية. على أي حال، لا أنصحك أبداً بتجاهلها.
1- التركيز على المستخدم
جميع رواد الأعمال الناجحين كلاري بيج وجيف بيزوس وريتشارد برانسون ومارك بينيوف يركزون خلال بناء أعمالهم على العميل. ولا يوجد شك أن أفضل الشركات وأكثرها نشاطاً وطموحاً واستدامة، تتمحور أهدافها حول العميل بشكل أولى، فنجد أن أولى اهتماماتها هي تجربة العميل ومحاولة تحسينها للأفضل دائماً.
إذن، ما هي الطريقة التي تجعل أعمالك أكثر تركيزاً على العميل؟
في البداية ينبغي أن تكون على دراية تامة بعملائك. أنصت إليهم وتعرف على تفضيلاتهم واهتم بالبيانات التي تُجمع عنهم. حاول معرفة ما يحبون وما يثير إعجابهم؟ وما هي أكثر الأشياء التي تتمحور حولها شكاويهم والأشياء التي تزعجهم؟ هنا يأتي دور كيفية تطويرك لمنتجك أو خدمتك بناءً على تلك النتائج؟ يجب أن تتمحور كل جهودك حول حل مشكلات عملائك وتوفير احتياجاتهم.
اقرأ أيضاً: ديناميك ورلد: أداة جديدة من جوجل ترصد التغيرات في المعالم الطبيعية للأرض
2- الباب المفتوح يفوز في النهاية
في ظل هذا العالم المليء بالمعرفة والانفتاح، ينبغي عليك امتلاك عقلية متفتحة لنجاح أعمالك. كل ما عليك فعله هو ترك المجال للجمهور لمشاركة أفكارهم معك ومساعدتك على الابتكار والتطور وفق شخصياتهم وتفضيلاتهم.
تخلق التكنولوجيا الأسية عالماً من الوفرة والرخاء في جميع المجالات الرئيسية، يشمل هذا الحوسبة والتعليم والطاقة والتمويل والرعاية الصحية والنقل، ومجالات أخرى كثيرة. وبمجرد أن تتحول تلك الصناعات من حالة الندرة إلى الوفرة، تصبح الخدمات والمنتجات التابعة لها قليلة التكلفة للغاية (أو مجانية) وتصبح جودتها فوق المستوى.
في النهاية يصيب الفشل الأعمال ذات العقلية المنغلقة، وتحظى الأعمال المنفتحة بالنجاح المؤكد.
3- قد تأتيك الأفكار من أي مكان
الأفكار موجودة في كل مكان حولنا، لذا أفضل وأسرع طريقة للنجاح هي الاستفادة من قوة الجمهور. العالم من حولنا يزداد ترابطاً يوماً بعد يوم حيث يضم أكثر من 4،5 مليار شخص بإمكانهم التواصل معاً عبر الإنترنت وسرعان ما سيرتفع العدد ليصل إلى أكثر من 7 مليار شخص.
لذا قد يساعدك الفائض المعرفي في جميع أنحاء العالم في بناء وتطوير خدماتك ومنتجاتك بابتكار -بغض النظر عن حجم الشركة التي تمتلكها. وكما ذكر بيل جوي، الشريك المؤسس لشركة "صن ميكروسيستيمز" (Sun Microsystems) بغض النظر عمن تكون أنت، فإن أكثر الأشخاص ذكاءً في العالم يعملون لحساب شخص آخر".
ففي ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، بإمكان أي شخص العمل من أي مكان في العالم في أي وقت ولحساب أي شخص، وعليه تتمكن الشركات الكبيرة من الاستفادة من قاعدة المعرفة العالمية هذه لتحسين خدماتها وأنظمتها.
اقرأ أيضاً: ميزونيت: نظام متكامل لإدارة الشركات العقارية وأتمتة العمليات
4- وسع دائرة تفكيرك وابدأ عملك الصغير
هل تريد أن تصبح مليارديراً؟ إذن قدم خدمة لمليار شخص. لا تنسَ أن أكبر فرص العمل في العالم تكمن في أكثر المشكلات التي يواجهها العالم. بإمكانك إطلاق شركة تعمل في البداية لخدمة مجموعة صغيرة من الأشخاص ولكن هدفها هو التأثير بإيجابية على مليار شخص حول العالم في غضون عشر سنوات.
فإن بحثنا عبر التاريخ، عليك النظر إلى شركات مثل "سيمينز" (Siemens) و"كوكا كولا" (Coca-Cola) و"جي إي" (GE)، إن كان هدفك الوصول إلى مليار شخص حول العالم.
في الواقع هكذا كانت بداية شركة جوجل. ومثلما ذكر لاري بيج خلال خطابه الحماسي بجامعة "سينغيولاريتي" (Singularity) عام 2008: "أعتمد الآن في عملي على مقياس بسيط جداً: هل تعمل على شيئ قد يغير العالم؟ نعم أم لا؟ أعلم أن 99،99999% من الناس سيجيبون بـ لا؟ لذا أظن أننا بحاجة كبيرة إلى تدريب الناس على كيفية تغيير العالم. أعتقد أن التكنولوجيات هي الطريق الواضح لتغيير العالم. فهذا ما اختبرناه في الماضي، فهي السبب وراء كل التغييرات التي طرأت على العالم".
حان الوقت ليصبح تفكيرنا جميعاً على هذا المنوال.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لدفع الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؟
5- لا تيأس من الفشل أبداً
حتى تصبح رائد أعمال ناجح عليك تجربة الكثير من الفشل السريع خلال تقدمك في العمل.
فهذا يعني أنك تدرك أهمية العمل والمحاولة والتكرار بدون يأس. أيضاً فشلك المتكرر مثال واضح على حماسك بلا كلل ولا ملل نحو إعادة تجديد وتطوير شركتك وخدماتك. ببساطة، إن بناء شركة ناجحة دائمة يعتمد على العمل الشاق والمثابرة مع الإكثار من المحاولات الفاشلة والتعلم من كل محاولة حتى الوصول في النهاية. هذا هو المقصد الحقيقي من وراء "العزيمة": الإرادة في استمرار العمل وتكرار المحاولات وتنفيذ الخطوة التالية حتى في ظل المصاعب والعراقيل. لا تنسَ مطلقاً أن الفشل الحقيقي هو توقفك عن العمل واستسلامك لليأس.
6- أطلق العنان لخيالك واجعل البيانات وقوداً لنجاحك
أن تكون صاحب أعمال مرن هو أكثر ما قد يميزك عن منافسيك أصحاب الأعمال الضخمة والمتبنين لأفكار واضحة مستقيمة بلا مخاطرة. تتطلب تلك المرونة في العمل تبني أفكار جديدة وغالباً ما تتسم بالجنون وطابع المخاطرة والاعتماد على البيانات للتمييز بين الأفكار الفوضوية والأفكار الجديرة بالاهتمام والتبني. أكثر الشركات نجاحاً اليوم تعتمد في عملها على البيانات وتحليلها. ويُستخدم التعلم الآلي والخوارزميات لمساعدة هذه الشركات في تحليل البيانات واتخاذ القرارات على أساسها.
يذكرنا هذا بأهمية التطور وما حدث للعالم منذ 65 مليون سنة حين سيطرت الديناصورات على الأرض حتى اصطدام كويكب بالأرض وطرأ تغيير جذري على البيئة لم تستطع الديناصورات الضخمة التكيف معه حتى انقرضت. ساعد هذا التغيير في هيمنة الثدييات الرشيقة على الأرض.
يحدث اليوم الأمر نفسه، ففي ظل معدل سرعة التغير نفسه، ستنقرض الشركات التي لن تستطيع التكيف بسبب عدم مرونتها.
اقرأ أيضاً: كيف يؤدي تعاون الشركات التكنولوجية الكبيرة والمؤسسات الأكاديمية والحكومة للابتكار الحقيقي؟
7- أنشئ منصة واجعل كل القوارب تطفو
تعد الآن أكثر الشركات نجاحاً على الإطلاق هي منصات العرض، بداية من شركة أبل و"إير بي إن بي" (Airbnb)، إلى شركتي أمازون وجوجل. تعتمد شركات المنصات على مبدأ الربح المتعلق بربح المستخدم. فكلما حصل عملاؤك على الكثير من المال والخدمات كانت شركتك هي الأفضل.
على سبيل المثال، انظر إلى منصة خدمات "أيه دبليو إي" موقع أمازون (AWS)، وخدمات الحوسبة السحابية من أمازون. ففي البداية أنشأت شركة أمازون منصة (AWS) لعرض خدماتها فقط، ومع مرور الوقت أتاحت للشركات الأخرى استخدام المنصة لحسابها. والآن تعتمد شركات مثل نيتفليكس وكابيتال على هذا النظام بشكل أساسي لكسب الإيرادات لمصلحتها.
تتبنى منصات العرض في الأساس فكرة الوفرة، وتعني تفضيل الوفرة على الندرة. فقد كان من الممكن لشركة أمازون اعتماد مبدأ الندرة عند إطلاق منصة AWS (نحن المالكون إذن نحن فقط من لنا حق الانتفاع بها)، لكن الشركة بدلًا من ذلك اعتمدت مبدأ الوفرة (إتاحة المنصة لجميع المستخدمين، فكلما ازداد عدد المستخدمين، كلما كانت التكلفة منخفضة).
8- امتلاك مهمة بأهداف هائلة
هل تمتلك الشركة التي أنشأتها أهدافاً تحوليّة هائلة (MTP)؟
لا شك أن الشغف هو الدافع الأساسي وراء التقدم وبالتأكيد امتلاكك لأهداف تحولية هو الدافع الحماسي لك للوصول إلى النجاح من خلال طريق العمل الشاق والمليء بالمصاعب. ليس ذلك فقط، فهو يحافظ على تركيزك ويساعدك في جذب أفضل المواهب لشركتك. تمتلك جوجل بالتأكيد هدفاً تحوليّاً خاصاً بها، "وهو تنظيم المعرفة في العالم". الآن جاء دورك، فما هو هدفك التحولي؟
اقرأ أيضاً: شركة صينية عملاقة في مجال البحث والذكاء الاصطناعي تعرض على جوجل المساعدة
ختاماً، التركيز على الابتكار ليس مجرد القيام بتدريبات فكرية أو تغيير في العلامة التجارية، فهو ليس بالأمر السهل بالتأكيد، فالأمر يتعلق بالتجربة والمخاطرة وجمع البيانات وتنفيذ إجراءات جديدة. كما ينبغي عليك امتلاك عقلية من فتحة وإرادة قوية في الوقت ذاته. الحل هو الإيمان بأهمية الابتكار وجعله أساساً لجميع مبادئ التشغيل داخل شركتك. تلك المهمة ليست سهلة، لكن استدامة عملك وإنقاذه من الانقراض في ظل هذا العالم المليء بالتكنولوجيا الأسية يتطلب الاعتماد على الابتكار وتجديد الأعمال بشكل أساسي.