ابتكر باحثون من جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية طريقة جديدة قائمة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تتيح إمكانية تقييم أنماط تندُّب العضلة القلبية، والتنبؤ باضطرابات نظم القلب المهددة للحياة. ومن شأن الطريقة الجديدة أن ترفع من جودة التشخيص الطبي وتزيد فرص نجاة المريض من الوفاة إثر عدم انتظام ضربات القلب المفاجئ.
الذكاء الاصطناعي والتنبؤ بالوفاة إثر أزمة قلبية
بحسب الدراسة التي أجراها باحثو جامعة جونز هوبكنز، والمنشورة في دورية نيتشر العلمية في 7 أبريل/ نيسان، يمكن لخوارزمية الذكاء الاصطناعي التنبؤ بما إذا كان المريض قد يموت بسبب السكتة القلبية ومتى. تبني التقنية تنبؤاتها على صور قلب المريض وتاريخه المرضي والأمراض السابقة التي أصيب بها.
يقول مطورو التقنية إنها قادرة على تحسين تنبؤات الأطباء بشكل كبير وستؤدي إلى إحداث ثورة في كيفية اتخاذ القرارات السريرية والمحافظة على أرواح المرضى الذين يعانون من عدم انتظام ضربات القلب المفاجئ، وهو أحد أكثر الحالات الطبية فتكاً وأكثرها إرباكاً.
اقرأ أيضاً: أداة جديدة يمكنها اكتشاف السكتة القلبية عن طريق الإصغاء إلى التنفس
عدم انتظام ضربات القلب المفاجئ
عدم انتظام ضربات القلب أو اضطراب النظم القلبي هو خلل في ضربات القلب، يحدث عندما لا تعمل الإشارات الكهربية التي تنسق نبضات القلب بشكل صحيح. وتسبب الإشارات الخاطئة نبض القلب بسرعة أكبر من اللازم (تسرع القلب) أو أقل من اللازم (تباطؤ القلب) أو بشكل غير منتظم.
قد يشبه الشعور باضطراب النظم القلبي الشعور بالرفرفة أو تسارع نبضات القلب، وقد لا يكون ضاراً. على الرغم من ذلك، فإن بعض حالات اضطراب النظم القلبي قد تسبب أعراضاً مزعجة وأحياناً مهددة للحياة.
قالت كبيرة الباحثين "ناتاليا ترايانوفا"، أستاذة الهندسة الطبية الحيوية والطب، إن: "الموت القلبي المفاجئ الناجم عن عدم انتظام ضربات القلب مسؤول عما يصل إلى 20% من جميع الوفيات في جميع أنحاء العالم، ولا نعرف سوى القليل عن سبب حدوثه أو كيفية تحديد المعرضين للإصابة به".
اقرأ أيضاً: سماعة طبية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكنها تشخيص قصور القلب في 15 ثانية
تطوير خوارزمية التنبؤ بالموت القلبي المفاجئ والفائدة منها
تقول ترايانوفا: "هناك مرضى قد يكونون معرضين لخطر منخفض للموت القلبي المفاجئ يحصلون على أجهزة تنظيم ضربات القلب التي قد لا يحتاجون إليها، ومن ثم هناك مرضى معرضون لمخاطر عالية لا يتلقون العلاج الذي يحتاجونه ويمكن أن يموتوا في مقتبل العمر. يمكن أن تقوم الخوارزمية بتحديد الأشخاص المعرضين لخطر الموت القلبي ومتى سيحدث، ما يسمح للأطباء بتحديد ما يجب القيام به بالضبط". وهذه بالضبط الفائدة المرجوة من تطوير الخوارزمية.
اعتمد الباحثون في تطوير الخوارزمية على تقنية التعلم العميق، وتسمى "دراسة البقاء على قيد الحياة لمخاطر عدم انتظام ضربات القلب" أو (SSCAR). يشير هذا الاسم إلى الندبات القلبية التي تسببها أمراض القلب والتي غالباً ما تؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب المميتة وهي مفتاح تنبؤات الخوارزمية.
استخدم الفريق صوراً توضح توزيع ندبات القلب من مئات المرضى الحقيقيين في مستشفى جونز هوبكنز لتدريب الخوارزمية على اكتشاف الأنماط والعلاقات غير الواضحة للمختصين. يستخلص تحليل الصور القلبية السريرية الحالي سمات الندبات البسيطة فقط مثل الحجم والكتلة. في المقابل، أثبتت الخوارزمية الجديدة أن هذه الصور تحتوي بيانات قيمة ذات صلة بالتشخيص.
وصف ذلك "دان بوبيسكو"، مؤلف الدراسة الأول، وطالب دكتوراه سابق في جامعة جونز هوبكنز، بقوله: "تحتوي الصور على معلومات مهمة لم يتمكن الأطباء من الوصول إليها. يمكن توزيع هذا التندّب بطرق مختلفة وهو يعبر عن فرصة المريض للبقاء على قيد الحياة".
اقرأ أيضاً: تكنولوجيا كمومية جديدة واعدة في تشخيص وعلاج أحد أمراض القلب
قام الفريق بتدريب شبكة عصبونية ثانية تتعلم من بيانات المريض السريرية القياسية المأخوذة على مدى 10 سنوات لـ 22 عاملاً، تشمل عمر المريض ووزنه وعرقه وتعاطيه لأدويته وغيرها من العوامل.
كانت تنبؤات الخوارزميات أكثر دقة من تشخيص الأطباء، كما تم التحقق من صحتها في اختبارات أُجريت على مجموعة مستقلة من المرضى من 60 مركزاً صحياً في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لهم قصص سريرية قلبية مختلفة وبيانات تصوير مختلفة، ما يشير إلى إمكانية اعتماد نهج الذكاء الاصطناعي هذا في أي مكان.
يرى الباحثون أن "من شأن هذه التقنية أن تعيد تشكيل عملية التشخيص السريري فيما يتعلق بمخاطر عدم انتظام ضربات القلب، وتمثل خطوة أساسية نحو إدخال التنبؤ بمسار المريض في عصر الذكاء الاصطناعي. إنها تلخص الاتجاه المتمثل في دمج الذكاء الاصطناعي والهندسة والطب لترسم مجتمعة مستقبل الرعاية الصحية".
يعمل الفريق الآن على بناء خوارزميات للكشف عن أمراض القلب الأخرى، إذ يمكن تطوير أسلوب التعلم العميق لمجالات الطب الأخرى التي تعتمد على التشخيص البصري.
يعد الفريق أول من استخدم الشبكات العصبونية لتقييم احتمالية البقاء على قيد الحياة لكل مريض مصاب بأمراض القلب، كما يمكن أن تقيس فرصة الموت القلبي المفاجئ في غضون 10 سنوات قادمة، والوقت الأكثر احتمالية للوفاة، وبالتالي تلعب دوراً مهماً في إنقاذ حياة هؤلاء عبر توفير المراقبة الطبية والرعاية الصحية اللازمة.