من تونس إلى مصر والخليج: كيف توظف الزراعة الذكية بالعالم العربي؟

5 دقائق
الزراعة الذكية والعوامل المساعدة على انتشارها في العالم العربي
حقوق الصورة : shutterstock.com/Scharfsinn

اكتسبت الزراعة الذكية شعبية كبيرة في العالم العربي في السنوات الأخيرة لأنها تقدّم حلاً للعديد من التحديات التي يواجهها المزارعون، مثل تأثير تغيّر المناخ إلى جانب زيادة عدد السكان الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على الغذاء، حيث يكافح المزارعون والحكومات والشركات لإدخال نُهج مستدامة والتكيّف مع المناخ المتقلب لتحقيق نتائج أفضل في المحصول الزراعي.

الزراعة الذكية والعوامل المساعدة في انتشارها في العالم العربي

تشير الزراعة الذكية (Smart Agriculture) إلى استخدام التكنولوجيا في الزراعة لزيادة الكفاءة والإنتاجية مع تقليل النفايات والتكاليف، وتشمل بعض الأمثلة على تطبيقات الزراعة الذكية ما يلي:

  • إدارة التربة.
  • مراقبة المحاصيل.
  • الصيانة التنبؤية.
  • أتمتة العمليات.
  • الري الدقيق.
  • التغذية الدقيقة للنباتات.
  • استخدام تقنيات متطورة لإدارة الضوء والرطوبة ودرجة الحرارة.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تساعد المحاصيل الزراعية المعدلة بتقنية كريسبر في احتجاز الكربون؟

تشمل فوائد الزراعة الذكية زيادة معدلات الإنتاج، والمعالجة المثلى للمحاصيل، مثل الزراعة الدقيقة وطرق الري واستخدام المبيدات الحشرية والحصاد، ما يؤثّر بشكلٍ مباشر على معدلات الإنتاج، كما يسمح للمزارعين بزيادة الغلات إلى الحد الأقصى باستخدام الحد الأدنى من الموارد، مثل المياه والأسمدة والبذور وغيرها.

ويعتبر العالم العربي من أبرز المناطق في العالم التي تحظى بفرصٍ كبيرة في نجاح تطبيق الزراعة الذكية، وهذا يعود إلى امتلاكها أحد أكبر أسواق الهواتف المحمولة توسعاً في العالم، ما يوفّر أرضية خصبة لانتشار تطبيقات تكنولوجيا إنترنت الأشياء التي تعتبر من أهم العوامل التي تساعد في انتشار الزراعة الذكية، لأن انتشار الهواتف الذكية سيصبح متاحاً بشكل متزايد للمزارعين الصغار، ومن ثم لن تقتصر تطبيقات الزراعة الذكية على المؤسسات الزراعية الكبيرة فقط.

حيث تعتبر تكنولوجيا إنترنت الأشياء القوة الدافعة للزراعة الذكية لقدرتها على ربط الآلات الذكية مع أجهزة الاستشعار المدمجة في المزارع، لجعل العمليات الزراعية مدفوعة بالبيانات وأكثر كفاءة، فوفقاً لتقرير جمعية مشغلي الهاتف المحمول العالمية (GSMA) فإن اتصالات إنترنت الأشياء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا متوقع لها أن تصل إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2025، حيث ستؤدي تكنولوجيا إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والتقنيات التحويلية الأخرى دوراً مهماً في القطاعات الرئيسية مثل الزراعة.

اقرأ أيضاً: ما هي الزراعة الكهروضوئية؟ وما فوائدها؟

الري الذكي القائم على التكنولوجيا هو مفتاح تطبيق الزراعة الذكية

يعد تحسين الري باستخدام التقنيات الحديثة طريقة فعّالة لتقليل كمية المياه التي تستهلكها الزراعة، من خلال توصيل المياه بشكلٍ أكثر دقة للمحصول مقارنة بالطرق التقليدية المتمثلة في إغراق الحقل. على سبيل المثال، في المغرب تعتبر الزراعة الذكية من أولويات الحكومة، حيث أطلقت عام 2020 الاستراتيجية الوطنية (الجيل الأخضر 2020-2030) التي تتضمن من بين أهدافها إدخال التقنيات الجديدة ورقمنة الخدمات الزراعية.

وبشكلٍ خاص تهدف الاستراتيجية إلى تركيب أكثر من 100 ألف مضخة شمسية للري، حيث تقود شركة أغري إيدج (AgriEdge) الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية جهود رقمنة القطاع الزراعي، بامتلاكها منصة زراعية ذكية لتحديد المستوى الأمثل للأسمدة والمياه لكل محصول، باستخدام مجموعة واسعة من البيانات بما في ذلك صور الطقس والأقمار الصناعية والطائرات المسيرة.

اقرأ أيضاً: مصنع وقود يعتمد على المخلفات الزراعية لمواجهة التغير المناخي

وفي مصر بدأت الحكومة في تجربة نظام ري متنقل جديد كجزء من استراتيجية وطنية لاستخدام طرق الري الحديثة، حيث قامت وزارة الموارد المائية والري بالشراكة مع جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب (MSA) في القاهرة بتطوير جهاز يُحمل في اليد لقياس درجة رطوبة التربة الزراعية، حيث يرسل الجهاز رسالة إلى الهاتف المحمول للمزارع بخصوص مستويات المياه لمساعدته على اتخاذ القرارات المناسبة بشأن محاصيله.

كما قامت شركة إيزايرا (Ezzayra) في تونس بتطوير حل ذكي يُتيح للمزارعين تنظيم ملوحة التربة وحقن الأملاح المعدنية التي قد تكون ضرورية لتحسين غلة المحاصيل، وعبر الحل الذكي نفسه يمكن للمزارع إدارة عمليات الري والتسميد مركزياً، بالإضافة إلى القدرة على تحديد أماكن التسريب في منظومة الري.

في الإمارات العربية المتحدة، حيث يتم استيراد نحو 80% من المواد الغذائية، تستثمر الحكومة بكثافة في التكنولوجيا الزراعية، حيث أعلن مكتب أبوظبي للاستثمار عام 2020 عن استثمار بقيمة 100 مليون دولار في أربع شركات للتكنولوجيا الزراعية، وهي المرحلة الأولى في برنامج دعم التكنولوجيا الزراعية الذي تبلغ قيمته 272 مليون دولار، كما تقوم بتطوير تقنية ثورية جديدة في تحويل الأراضي الصحراوية غير المنتجة إلى تربة خصبة من خلال استصلاح التربة بالاعتماد على تقنية الطين النانوي السائل (Liquid NanoClay) اختصاراً (LNC).

اقرأ أيضاً: كيف نجح العالم في منع حدوث احترار أسوأ بكثير في هذا القرن

تحديات تطبيق الزراعة الذكية في العالم العربي

بينما لا تمثل الزراعة في العالم العربي سوى 13% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، إلا أن القطاع الزراعي يؤدي دوراً مهماً واستراتيجياً في تعزيز أنظمة الغذاء المرنة، والحفاظ على حيوية القطاعات الاقتصادية المهمة الأخرى، وتشكيل قاعدة للعديد من الاقتصادات، فمن إجمالي عدد سكان المنطقة البالغ 456 مليون نسمة، يعيش أكثر من 120 مليون منهم في المناطق الريفية، من بين هؤلاء يعتمد نحو 84 مليون شخص كُلياً على الزراعة وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة الفاو (FAO).

ومع ذلك، فإن عدم وجود الأراضي الصالحة للزراعة ونقص إمدادات المياه يؤثران بشدة في إنتاجها الزراعي وتأمين أمنها الغذائي، ما جعل العديد من البلدان تعتمد بشدة على المنتجات الزراعية المستوردة، ومن ثم فهي معرضة بشدة للتقلبات في أسواق السلع الأساسية العالمية، حيث تواجه العديد منها تحديات متنوعة في تطبيق الزراعة الذكية، والتي تشمل:

الظروف المناخية القاسية

في جميع أنحاء العالم أصبحت أنماط الطقس والتصحر غير منتظمة، ويعيش ما يقرب من ثلثي سكان الشرق الأوسط في مناطق تفتقر إلى موارد المياه المتجددة الكافية للحفاظ على إنتاج المحاصيل، وتسهم عوامل مثل التغيرات في درجات الحرارة، والاختلافات في أنماط هطول الأمطار في الحد من الاتجاه إلى الزراعة الذكية والتقليدية بشكلٍ كبير.

اقرأ أيضاً: هل تعلم مدى ندرة المياه العذبة على سطح الأرض؟

الهجرة من الريف إلى المدن

تؤدي عمليات الهجرة الكثيفة التي تشهدها معظم دول العالم العربي من الريف إلى المدن إلى تدهور الأراضي الزراعية، ما يؤدي إلى انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية، والاعتماد بشكل شبه كلي على الواردات الزراعية، حيث لا تزال العديد من الدول في المنطقة تعتمد إلى حد كبير على الواردات لتلبية الاحتياجات الغذائية للسكان بسبب الظروف الجوية القاسية والمناخ الجاف وعدم توفر الموارد الطبيعية التي تجعل تطبيق الزراعة الذكية في هذه المناطق صعباً.

اقرأ أيضاً: كيف تسعى دبي لتعزيز جودة حياة سكانها عبر التخطيط الحضري؟

الممارسات الزراعية التقليدية الخاطئة

يؤدي استيعاب الطلبات المتزايدة على الزراعة مع الممارسات الزراعية الخاطئة إلى تنافس أكثر حدة على الموارد الطبيعية والتسبب في مزيد من تدهور الأراضي، حيث إن العديد من الدول العربية لديها أراضٍ جودتها منخفضة، ما يدفع المزارعين إلى الاستثمار في أنظمة ضخ المياه الجوفية غير المستدامة ومن ثم زيادة ملوحة التربة وتعريض تجديد موارد المياه للخطر.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يمكننا الاعتماد على مَزارع امتصاص الكربون في إبطاء التغيّر المناخي؟

موثوقية شبكات الاتصال في المزارع الذكية

يواجه المزارعون تحديات عند الاستثمار في النُظم الزراعية الذكية، مثل ضعف أداء أجهزة الزراعة الذكية، وقابلية عالية لتلف الأجهزة، ومخاطر عالية لتسرب البيانات، والتواصل غير المستقر بين أجهزة إنترنت الأشياء. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب إعداد حزم برمجيات المراقبة والأتمتة لتنفيذ الإجراءات، مثل مشغلات الري والإنذارات والإشعارات خبرة تقنية سيجدها بعض المزارعين صعبة وعالية التكلفة.

ختاماً، على الرغم من أن جائحة كوفيد-19 قد أثّرت على العديد من القطاعات الأخرى، فإن سوق الزراعة الذكية شهد نمواً إيجابياً خلال هذه الفترة في المنطقة، حيث اعتمدت الزراعة كلياً في غالبية الدول العربية على العمال المهاجرين، ولكن بسبب عمليات الإغلاق الصارمة وأنظمة التباعد الاجتماعي تمت إعادة العمال إلى مواطنهم.

اقرأ أيضاً: الطريق الأخضر للهندسة الوراثية: آفاق تعزيز الأمان والأمن الغذائي في المملكة العربية السعودية

ونتيجة لذلك، زاد الطلب على الزراعة الذكية في دول المنطقة العربية لا سيما في دول الخليج، التي أصبحت أكثر حاجة إلى نشر تقنيات الزراعة الذكية مثل الزراعة الدقيقة ومراقبة الثروة الحيوانية، للمساعدة على زراعة المحاصيل لتحقيق أمنها الغذائي وتقليل فاتورة الواردات، حيث يتوقع العديد من الخبراء أن تقنيات الزراعة الذكية ستكون خياراً مهماً لتطوير محاصيل صحية على نطاق واسع، وذلك لأن تطبيقات الزراعة الذكية تستهلك طاقة أقل وهي فعّالة من حيث التكلفة.

المحتوى محمي