كيف نجح العالم في منع حدوث احترار أسوأ بكثير في هذا القرن

5 دقائق
نجاح العالم في منع حدوث احترار أسوأ
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز

لقد اتحد العالم من قبل لتنفيذ اتفاقية عالمية منعت حدوث احترار عالمي شديد في هذا القرن، على الرغم من أن هذا لم يكن الهدف الأساسي منها.

ففي 1987، قررت العشرات من الدول الالتزام ببروتوكول مونتريال؛ حيث وافقت على الإيقاف التدريجي لاستخدام الكلوروفلوروكربونات (CFC) وغيرها من المواد الكيميائية المستخدمة في التبريد، والمذيبات، وغيرها من المنتجات الصناعية التي كانت تفكك طبقة الأوزون التي تحمي الأرض.

وقد كانت هذه المعاهدة إنجازاً بارزاً، وأكثر الأمثلة نجاحاً على تعاون الدول مع بعضها البعض لمواجهة خطر بيئي معقد يهدد الجميع. وبعد ثلاثة عقود، بدأت طبقة الأوزون في الغلاف الجوي تعود إلى سابق عهدها، بحيث منعت ازدياد مستويات الأشعة فوق البنفسجية التي تسبب السرطان وتلف العينين، وغير ذلك من المشاكل الصحية.

ولكن فوائد هذه المعاهدة -التي صادقت عليها جميع البلدان في نهاية المطاف- أكثر انتشاراً من مجرد التأثير على ثقب الأوزون؛ حيث إن الكثير من تلك المواد الكيميائية هي أيضاً غازات دفيئة قوية التأثير. ولهذا، فإن التخفيف من استخدام هذه الغازات على مدى العقود الثلاثة المنصرمة كان أثراً جانبياً هاماً خفف من الاحترار، ومن المحتمل أنه قد يخفف من الاحترار على مستوى العالم بمقدار درجة مئوية بحلول العام 2050.

والآن، تبين دراسة جديدة في مجلة نيتشر فائدة هامة أخرى، وإن كانت غير واضحة، وهي تخفيف الإجهاد الذي تسببه الأشعة فوق البنفسجية من الشمس على النباتات؛ حيث تثبط عملية التمثيل الضوئي وتبطئ النمو. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، قالت آنا هاربر، وهي محاضر أساسي حول العلوم المناخية في جامعة إكسيتير وواحدة من مؤلفي هذا البحث الجديد، إن بروتوكول مونتريال سمح بتفادي "انهيار كارثي للغابات والأراضي الزراعية"، وهو انهيار كان سيؤدي إلى إضافة مئات المليارات من الأطنان من الكربون إلى الغلاف الجوي.

ووفقاً للبحث المنشور في نيتشر بتاريخ 18 أغسطس، فإن الأشعة فوق البنفسجية كانت ستؤدي إلى تثبيط نمو الأشجار والأعشاب والسراخس والأزهار والمحاصيل في كافة أنحاء العالم، لو استمر إنتاج المواد التي أدت إلى تفكك الأوزون بالتزايد بنسبة 3% كل سنة.

كما أن امتصاص ثاني أكسيد الكربون من قبل النباتات في كافة أنحاء العالم كان سيتراجع، ما كان سيؤدي إلى إطلاق ما يصل إلى 645 مليار طن من الكربون من الأرض إلى الغلاف الجوي في هذا القرن. وهو ما كان سيؤدي إلى زيادة الاحترار العالمي بدرجة مئوية واحدة خلال نفس الفترة. كما كان سيؤدي إلى آثار مدمرة للمحاصيل الزراعية ومخزونات الغذاء في جميع أنحاء العالم.

وقد وجد الباحثون أن اجتماع أثر زيادة مستويات غازات (CFC) على النباتات مع أثر الاحترار المباشر في الغلاف الجوي كان من الممكن أن يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 2.5 درجة في هذا القرن. وكان هذا سيُضاف إلى توقعات الاحترار المخيفة للعام 2100 أيضاً.

يقول بول يونج، وهو عالم مناخ في جامعة لانكاستر ومؤلف آخر من مؤلفي البحث: "على الرغم من أن بروتوكول مونتريال كان يهدف في المقام الأول إلى حماية الأوزون، فإنه يمثل في الواقع اتفاقية مناخية ناجحة للغاية".

يمكن أن نطرح التساؤل التالي بناء على ما سبق: لماذا يعجز العالم عن تطبيق اتفاقية دولية صارمة وفعالة بنفس الدرجة ومصممة على وجه الخصوص لمعالجة التغير المناخي؟ يعتقد بعض الباحثين، على الأقل، أن نجاح بروتوكول مونتريال ينطوي على دروس هامة ولكنها مهملة، وقد اكتسبت المزيد من الأهمية مؤخراً مع تسارع الاحترار العالمي واقتراب مؤتمر الأمم المتحدة المناخي المقبل.

نظرة جديدة

في هذه المرحلة، سيستمر الكوكب بالاحترار للعقود القليلة المقبلة مهما فعلنا على أي حال، وذلك كما حذر تقرير مناخي مرعب نشرته الأمم المتحدة مؤخراً. غير أن درجة تفاقم الوضع تعتمد إلى درجة كبيرة على حدة التخفيف من التلوث المناخي في العقود المقبلة.

فحتى الآن، لم تنجح الدول -سواء عبر اتفاقية كيوتو أو اتفاقية باريس المناخية- في التوصل إلى اتفاق يقوم على أهداف طموحة وملزمة بما يكفي للتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة. وستجتمع الدول في مؤتمر الأمم المتحدة المقبل في جلاسجو في بدايات نوفمبر، وذلك لهدف محدد، هو رفع هذه الأهداف في اتفاقية باريس.

لقد ألف الباحثون أبحاثاً طويلة وكتباً كاملة حول الدروس المستقاة من بروتوكول مونتريال، والعوامل المشتركة والاختلافات بين الجهود المتعلقة بغازات (CFC) وتلك المتعلقة بغازات الدفيئة.

وتقول وجهة النظر العامة إن التشابهات محدودة؛ فقد كانت غازات (CFC) مشكلة أبسط بكثير؛ لأنها كانت تُنتج من قبل قطاع واحد -في معظم الأحيان من قبل بضعة شركات كبرى مثل دوبونت- كما كانت تُستخدم في مجموعة محدودة من التطبيقات.

من ناحية أخرى، تكاد تكون جميع الأقسام في جميع القطاعات في جميع الدول منتجة لغازات الدفيئة؛ حيث إن الوقود الأحفوري يمثل مصدر الطاقة الذي يحرك الاقتصاد العالمي، ومعظم آلاتنا وبنانا الفيزيائية مصممة على أساس هذا الوقود.

ولكن إدوارد بارسون، وهو أستاذ القانون البيئي في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، يقول إنه حان الوقت لنظرة جديدة إلى دروس بروتوكول مونتريال.

فمع تفاقم أخطار التغير المناخي وازدياد وضوحها، بدأت المزيد من البلدان تتخذ موقفاً مؤيداً لإجراءات أكثر صرامة، كما أن الشركات بدأت تقترب من نفس المرحلة التي وصلت إليها الشركات من أمثال دوبونت؛ أي الانتقال من إنكار النتائج العلمية بعناد إلى الإقرار بها على مضض والاعتراف بأن الخضوع لقواعد جديدة أصبح أمراً محتوماً، ولهذا فمن الأفضل لهذه الشركات أن تفكر بأفضل طريقة للعمل وجني الأرباح مع مراعاة هذه القواعد.

وباختصار، فقد وصلنا إلى مرحلة قد تسمح بفرض قواعد مانعة، ولهذا فمن الأفضل أن نستغل هذه الفرصة لوضع قواعد فعالة.

قواعد صارمة تُفرض بصورة متسقة

بارسون هو مؤلف كتاب (Protecting the Ozone Layer: Science and Strategy) وهو عبارة عن دراسة تاريخية معمقة حول اتفاق مونتريال، وقد نُشر في 2003. ويشدد على أن التخلص التدريجي من المركبات الضارة بالأوزون كان مشكلة أكثر تعقيداً مما نعتقد في أغلب الأحيان، فقد كانت نسبة ملحوظة من الاقتصاد العالمي تعتمد على هذه المركبات بشكل أو بآخر.

ويضيف أن أحد أكثر التصورات الخاطئة انتشاراً حول هذه الاتفاقية هي الاعتقاد بأن القطاع الصناعي كان قد توصل مسبقاً إلى تطوير بدائل تجارية لتلك المواد، ولهذا كان أكثر استعداداً للالتزام بالاتفاقية في نهاية المطاف.

غير أن الواقع هو العكس تماماً، فقد بدأ تطوير البدائل بعد فرض تلك القواعد. وتواصل العمل الابتكاري السريع مع تزايد صرامة هذه القواعد، وعُقدت نقاشات كثيرة بين المؤسسات الصناعية والخبراء والمؤسسات التكنولوجية لمعرفة مدى التقدم الذي يمكن تحقيقه وبأي سرعة. وأدى هذا إلى إنتاج عدد أكبر من البدائل وبأداء أفضل "ضمن حلقة تغذية خلفية متكررة وإيجابية"، وفقاً لبارسون.

إضافة إلى ذلك، فإن احتمال دخول أسواق جديدة ومربحة ساهم أيضاً في دفع العملية إلى الأمام.

وقد كتب باحثان من إم آي تي في تحليل نُشر في أواخر التسعينيات: "كان قرار دوبونت في دعم حظر غازات CFC مبنياً على اعتقادها بإمكانية الحصول على أفضلية تنافسية كبيرة عبر بيع البدائل الكيميائية الجديدة بفضل قدراتها المثبتة في البحث والتطوير لابتكار المواد الكيميائية، إضافة إلى التقدم (المحدود) الذي كانت قد حققته في تطوير البدائل، والأرباح العالية المحتملة في بيع مواد كيميائية خاصة جديدة".

يشير كل هذا إلى أننا لسنا مضطرين إلى انتظار ظهور ابتكارات تجعل التعامل مع المشكلة المناخية أقل تكلفة وأكثر سهولة. بل يجب أن تقوم البلدان بتطبيق القواعد التي تخفض الانبعاثات بصورة متزايدة، بحيث ترغم الصناعات على ابتكار أساليب أكثر نظافة لتوليد الكهرباء، وإنتاج الغذاء، وتصنيع المنتجات، ونقل البضائع والبشر حول أنحاء العالم.

أما الدرس الآخر فهو وجوب تطبيق قواعد شاملة للقطاعات بحيث ترغم كافة الشركات في كافة البلدان على الالتزام بنفس القواعد، لتجنب ما يُسمى بمشكلة الراكب المجاني. وقد يكون هذا أساسياً على وجه الخصوص بالنسبة للشركات التي تصدر الكثير من غازات الدفيئة، والتي تواجه منافسة دولية حادة. وبالنسبة لقطاعات صناعة الفولاذ والإسمنت وغيرها، فإن تطوير منتجات جديدة والانتقال إليها سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى ارتفاع التكاليف في البداية.

ولكن المقارنات لها حدودها أيضاً كما يقول بارسون؛ حيث إن قطاع النفط والغاز يختلف في وضعه عن دوبونت، التي تمكنت من إعادة تصميم منتجات قابلة للاستبدال وحافظت بدرجة كبيرة على أعمالها وأسواقها.

من المؤكد أن قطاع الوقود الأحفوري يعبر باستمرار عن قدرته على مواصلة العمل بأساليب صديقة للبيئة، حيث يتحدث عن طرق التقاط الانبعاثات من محطات توليد الطاقة، وموازنة التلوث عن طريق مشاريع إعادة التشجير وغيرها من أساليب الانزياحات، أو شفط الكربون من الغلاف الجوي.

ولكن، وكما تشير العديد من الدراسات والمقالات باستمرار، لن يكون من السهل ضمان التزام الشركات بطريقة موثوقة وقابلة للتدقيق وطويلة الأمد ومنطقية. ومن المرجح أن تؤدي هذه التجاذبات إلى تواصل تعقيد الجهود الدولية الرامية إلى تطبيق القواعد الصارمة المطلوبة وضمان تحقيق التقدم الواجب تحقيقه.

غير أن بروتوكول مونتريال يمثل تذكيراً بإمكانية نجاح القواعد الدولية التي تقيد سلوك الشركات وتنظم منتجاتها، إذا طُبقت بصورة صارمة ومتسقة. وفي نهاية المطاف، ستتكيف الشركات حتى تحافظ على وجودها، وحتى ازدهارها.