هل يدخل كلية الطب أم المحاماة؟ تكنولوجيا تتنبأ بمستقبل الأجنة

5 دقائق
هل يدخل كلية الطب أم المحاماة؟ تكنولوجيا تتنبأ بمستقبل الأجنة
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز

تخيل أنك حصلت على علاج مجاني للخصوبة، وإضافة إلى هذا، حصلت أيضاً على اختبار مجاني للحمض النووي لتقييم أطفال الأنابيب من حيث احتمال دخولهم إلى إحدى الكليات المهمة يوماً ما.

هل ستقبل بإجراء هذا الاختبار؟

إذا أجبت بالإيجاب، فأنت تنتمي إلى نسبة 40% من الأميركيين الذين شاركوا في استطلاع الرأي، والذين قالوا إنهم أقرب إلى إجراء الاختبار واختيار طفل الأنبوب الذي يحمل أفضل القدرات الذهنية، على الرغم من اعتراضات مختصي الأخلاقيات وعلماء الجينات، والذين يعتبرونها فكرة سيئة.

تم نشر نتائج استطلاع الرأي هذا حول آراء المشاركين في مجلة ساينس (Science)، وقد تم إجراؤه من قبل مجموعة من مختصي الاقتصاد وغيرهم من الباحثين، والذين يقولون إن الدعم الكبير -والمفاجئ- لفكرة اختبار الأجنة يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تسارع وتباشر العمل على وضع سياسات خاصة بهذه التكنولوجيا.

اقرأ أيضاً: تشخيص طبي جيني بزمن قياسي باستخدام تقنية تسلسل الجينوم السريع

قلق أخلاقي

وحتى نضع النتائج في سياق أقرب إلى الفهم، فإن نسبة الأشخاص المستعدين لاختبار القدرات العقلية المتوقعة للأجنة مماثلة لنسبة الأميركيين الذين يقولون إن السيارة التالية التي سيشترونها ستكون على الأرجح سيارة كهربائية.

"لا أعتقد أنه أمر جيد على الإطلاق، وأشعر بالقلق إزاءه"، كما تقول أستاذة الأخلاقيات البيولوجية في مركز غيسينغر الصحي، والتي شاركت في تأليف التقرير، ميشيل ماير. "يتجلى الخطر الأكبر في الوقوف جانباً وترك الأمور تأخذ مجراها لوحدها في نظام يتخذ سياسة عدم التدخل على صعيد السوق واللوائح التنظيمية".

Made with Flourish المصدر: مقال "وجهات النظر العامة حول الاختبار الجيني المتعدد للأجنة"، بقلم ماير وآخرين، مجلة ساينس، فبراير/ شباط 2023. تم إعداد هذا الرسم البياني باستخدام أداة فلوريش.
لقد بدأت إحدى الشركات الأميركية، جينوميكس بريديكشن (Genomics Prediction)، بالتسويق للاختبارات التنبؤية للأجنة، ولكنها تقدم حتى الآن نقاطاً تتعلق بفرصة الطفل في الإصابة ببعض الأمراض الشائعة، مثل الشيزوفرينيا أو السكري، في وقت لاحق من حياته. وتقول إنها لا تعرض اختبارات لحساب نقاط الميول الأكاديمية، ولا تخطط لهذا.

لقد عبّر المختصون عن مخاوفهم إزاء الاختبارات التنبؤية للأجنة بشكل عام، ففي السنة الماضية، أطلقت الجمعية الأوروبية لدراسات الجينات البشرية على هذه الاختبارات توصيف "ممارسات غير مثبتة وغير أخلاقية"، واقترحت حظرها بالكامل إلى أن يتم تطوير السياسات التي تنظم استخدامها.

اقرأ أيضاً: هل تحقق شركة ديب مايند الأهداف الطبية التي أنشئت لأجلها؟

ومن أهم المشكلات التي تعاني منها هذه الاختبارات: إثبات فعاليتها. وعلى سبيل المثال، سوف نحتاج إلى عقود كاملة من الزمن قبل أن يتمكن أي شخص من أن يجزم بمدى دقتها في توقع المخاطر الصحية التي يمكن أن يصاب بها الأطفال. وتعتقد ماير أن هيئة التجارة الفيدرالية يجب أن تتابع مزاعم هذه الشركات عن كثب.

وإذا أثبتت هذه الاختبارات فعالية حقيقية، فقد يمثل هذا الأمر مشكلة أخرى، كما تقول ماير والمؤلفون الآخرون، مثل مختص الجينات باتريك تورلي والاقتصادي دانييل بنجامين. ويقولون إن الاختبارات يمكن أن تؤدي إلى "تفاقم حالة عدم المساواة الموجودة حالياً" في المجتمع، على سبيل المثال، إذا أصبح استخدامها لإنجاب أطفال أكثر صحة أو طولاً أو ذكاءً مقتصراً على شرائح اجتماعية - اقتصادية معينة.

اقرأ أيضاً: علم الجينوم: ثورة في فهم الأمراض وتقديم الرعاية الصحية

تقول ماير: "بالنسبة للمستقبل المنظور، وربما إلى الأبد، ستكون هذه التكنولوجيا متاحة فقط للأشخاص الأثرياء أو الذين يتمتعون بامتيازات أخرى. ومهما كانت فعالية هذه التكنولوجيا في التأثير على نتائج الإنجاب، ودعم السلالة، فإنها لن تكون متاحة للجميع بالتساوي. وسيصبح بالإمكان توريث أشياء أخرى، بالمعنى الحرفي للكلمة، تماماً مثل الثروة. ويمكن أن نتخيل ما سيحدث للعالم مع تكرار هذا الأمر على مدى عدة أجيال، ما قد يزيد من الفروقات الاجتماعية والاقتصادية".

أهداف تعليمية

قارن استطلاع الرأي الجديد استعداد الناس لتعزيز مستقبل أطفالهم عبر ثلاث طرق: الدروس التحضيرية لاختبارات القبول الجامعي (SAT)، واختبارات الأجنة، والتعديل الجيني للأجنة. وتبين وجود نسبة من الدعم، حتى لأكثر الخيارات تطرفاً، وهو التعديل الجيني للأطفال، وهو محظور في الولايات المتحدة والكثير من البلدان الأخرى. وقد قال 28% من المشاركين إنهم مستعدون لتنفيذ هذا الخيار على الأرجح إن كان آمناً.

"إنها نتائج مهمة، وتدعم وجود فجوة بين المواقف السلبية المنتشرة بشكل عام بين الباحثين ومختصي الصحة، ومواقف عامة الشعب"، كما يقول شاي كارمي، وهو مختص بالجينات والإحصاء، ويدرس تكنولوجيات انتخاب الأجنة.

اقرأ أيضاً: باحثون يطوّرون جلداً اصطناعياً يتفاعل مع الألم مثل البشر

دخل مؤلفو استطلاع الرأي الجديد في مرحلة من الدراسات المضنية على المعلومات التي اكتشفوها لتحديد الأسباب الجينية للمزايا الاجتماعية والإدراكية، بما فيها التوجه الجنسي والذكاء. وتتضمن هذه الدراسات تقريراً تم نشره السنة الماضية حول العلاقة بين الاختلافات الكامنة في الحمض النووي لدى أكثر من 3 ملايين شخص والمرحلة الدراسية التي وصل إليها كل واحد منهم، وهي نتيجة تتعلق بحياة الإنسان وتتعلق بمستوى ذكائه.

اقرأ أيضاً: هل ينجح التعديل الجيني بإعادة الماموث الصوفي إلى الحياة؟

ويُطلق على نتيجة هذا البحث اسم "النقاط متعددة الجينات"، وهي نتيجة جينية تستطيع وفق الجينات توقع احتمال دخول شخص إلى الجامعة، إضافة إلى أشياء أخرى.

وبطبيعة الحال، فإن العوامل المتعلقة بالبيئة المحيطة تؤثر بشكل كبير في هذه النتائج، فالحمض النووي ليس قدَراً محتوماً. وعلى الرغم من هذا، فإن نتائج الاختبارات الجينية دقيقة إلى درجة مفاجئة. ففي استطلاع الرأي هذا، طلب الباحثون من الأشخاص أن يفترضوا أن نسبة 3% تقريباً من الأطفال ستدخل إلى أفضل 100 كلية في المستقبل. وباختيار طفل الأنبوب الذي يحمل أفضل نقاط جينية من بين 10 أطفال أنابيب، يستطيع الوالدان زيادة هذا الاحتمال لدى طفلهما بنسبة 5%.

قد تبدو هذه الأفضلية قابلة للإهمال، ولكن، "وبافتراض صحتها"، كما يقول كارمي، فإنها في الواقع "زيادة نسبية كبيرة للغاية" في احتمال ذهاب الطفل المعني إلى كلية كهذه، وتبلغ 67%.

اقرأ أيضاً: تشخيص طبي جيني بزمن قياسي باستخدام تقنية تسلسل الجينوم السريع

وتقدم شركة توينتي ثري أند مي (23andMe) اختبارات تجارية متعددة الجينات لعدد من الخصائص. وعلى سبيل المثال، تقدم الشركة "تقرير وزن" يتوقع مؤشر كتلة الجسم لدى الشخص. ويقول كارمي إن تنبؤات التعليم وتنبؤات مؤشر كتلة الجسم تتميز بالدرجة نفسها من الدقة.

وعلى الرغم من الأداء الجيد نسبياً لنقاط "الأهداف التعليمية"، فإن الشركة لا تقدم هذه النتائج لعملائها. وعلى غرار جينوميكس بريديكشن، شركة اختبار الأجنة، تقول الشركة إنها ترغب بالتركيز على المعلومات الصحية.

يقول كارمي إنه لا يعتقد أن عدم تقديم التنبؤات المتعلقة بالذكاء "لغز صعب للغاية": "فهذه التنبؤات مثيرة للجدل، وتجتذب الانتباه السلبي، وليست مفيدة للغاية، كما يمكن أن تؤثر سلباً على خصائص أخرى. ولهذا، فإن الامتناع عن تقديمها للعملاء أمر منطقي تماماً".

اقرأ أيضاً: الزينوبوت: روبوت حي ولد من رحم التطورات التكنولوجية الحيوية والحاسوبية

الرأي العام

سيناقش خبراء الخصوبة تكنولوجيا التنبؤ بخصائص الأجنة في لقاء لمجلس الأخلاقيات للجمعية الأميركية لطب التكاثر، كما يقول الناطق الرسمي باسم مجموعة الصناعة، شون تيبتون. ويقول إن مختصي أطفال الأنابيب ما زالوا منقسمين حول أهمية هذه الاختبارات. يقول تيبتون: "يمكننا القول إنه يجب على المرضى أن يتعاملوا مع الادعاءات في هذا المجال بكثير من الحذر، ويجب أن يتحدثوا مع مختصين مؤهلين بشكل جيد في مجال الجينات قبل إجراء هذه الاختبارات، والتي تمثّل جزءاً معقداً للغاية من مجال علمي سريع التطور".

وعلى الرغم من أن اختبارات الأجنة للمجال الأكاديمي لم تدخل مجال الاستثمار التجاري بعد، فإن الباحثين الذين أجروا استطلاع الرأي يقولون إن هذه التكنولوجيا لن تبقى حبيسة المختبرات لفترة طويلة. وعلى سبيل المثال، وقبل تطوير تكنولوجيا أطفال الأنابيب في السبعينيات، كان الجميع تقريباً معارضين لها. وبعد أن أثبتت نجاحها، تغيرت المواقف بسرعة.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: إجراء عملية زرع قلب خنزير معدل جينياً لدى إنسان

لقد وجد استطلاع الرأي الحالي أن 6% فقط من الناس يعارضون تكنولوجيا أطفال الأنابيب من وجهة نظر أخلاقية في الوقت الحالي، وأن نسبة 17% تقريباً يشعرون بوجود مشكلات أخلاقية كبيرة في تكنولوجيا اختبار الأجنة، وأن نسبة 38% قد يجرون هذه الاختبارات على الأرجح في حال أتيحت لهم الفرصة. وكتب الباحثون قائلين: "إن التغيّر الحاد في وجهة النظر حول تكنولوجيا أطفال الأنابيب نفسها يبين أن الابتكارات التي تتعرض في البداية إلى قبول محدود، بل وحتى مقاومة فعّالة، يمكن لها أن تنتقل بسرعة إلى حالة القبول الواسع والاستخدام الطبيعي".

اقرأ أيضاً: ما الذي يعنيه تخلي العلماء عن قاعدة الأربعة عشر يوماً الخاصة بالأجنّة؟

ووفقاً لمعلومات إم آي تي تكنولوجي ريفيو، لم يتم اختيار أي من أطفال الأنابيب من طبق اختبار (طبق بتري) بناء على احتمالات نجاحه في الجامعة حتى الآن. ولكن هذه اللحظة قد لا تكون بعيدة. فأوائل مستخدمي النقاط الصحية لجينوميكس بريديكشن، والذين تحدثوا حول تجربتهم، ينتمون إلى شرائح مجتمعية تولي أهمية كبيرة للأداء الذهني.

اقرأ أيضاً: علم الجينوم: ثورة في فهم الأمراض وتقديم الرعاية الصحية

ويقول أحد الأزواج من عملاء جينوميكس بريديكشن، سيمون كولينز وزوجها مالكولم، إنهما يعملان على بناء عائلة كبيرة باستخدام تكنولوجيا أطفال الأنابيب واختبارات التنبؤ الصحية. ومع أنهما لم يتمكنا من تطبيق تكنولوجيا النقاط التعليمية على طفلهما الأخير، فإنهما يقولان إن المرة المقبلة قد تكون مختلفة.

وفي رسالة بالبريد إلكتروني، قالت كولينز إنها "تمكنت من العثور على شركات ستقدم لها هذه المعلومة". وأضافت: "سنستخدم هذه المعلومة دون شك في اختبار طفل الأنبوب في المستقبل".

المحتوى محمي