تعرف على المهندس المصري نبيل علي محمد وإسهاماته في المعالجة الآلية للغة العربية

4 دقائق
مصدر الصورة: الوكالة نيوز | تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو

تحتفل شركة جوجل بطريقةٍ مميزة بأصحاب السير الفذّة، والذين يمتلكون إنجازات مهمة في حياتهم، خاصة العلماء المشهورين والمعروفين مثل ألبرت أينشتاين وإسحق نيوتن وغيرهم. وفي الثالث من يناير/ كانون الثاني عام 2020، وضعت صورة أحد هؤلاء وهو يرتدي نظارته الكبيرة، وبجواره حاسوب قديم كُتب فوقه كلمة "جوجل" باللغة العربية، فمَن هو؟

هذا الشخص الذي تفاجأ الكثيرون بصورته هو المهندس والمبتكر المصري نبيل علي محمد، الذي قدّم خلال سنوات حياته إسهامات عظيمة في مجال علوم الحاسب، وتحديداً في جعل اللغة العربية، بصعوباتها النحوية والقواعدية، إحدى اللغات التي يمكن استخدامها في الحواسيب، بدلاً من الاعتماد على اللغة الإنجليزية فقط، ما زاد من قدرة المتكلمين باللغة العربية على استخدام الحواسيب، والتي أصبحت العمود الفقري لحياتنا اليومية بنواحيها كافة. 

حياة نبيل علي محمد وإنجازاته العملية

وُلد نبيل علي محمد في العاصمة المصرية القاهرة في الأول من يناير/ كانون الثاني عام 1938، وحصل على الإجازة في هندسة الطيران من جامعتها، ثم تابع دراساته العليا، وحصل على شهادة الماجستير ومن ثم الدكتوراة بالاختصاص ذاته.

سيرته المهنية

 بدأ نبيل علي محمد حياته المهنية في العمل بمجال تقنيات الطيران وعلومه، إذا عمِل مهندس طيران في القوى الجوية المصرية منذ عام 1960 حتى 1972. بعد ذلك، انتقل نبيل علي للعمل في مجال تقنية المعلومات، إذ تم تعيينه مديراً لقسم معالجة المعلومات في شركة مصر للطيران، ومن هناك، بدأت إنجازاته في علوم الحاسوب، حيث أنشأ أول نظام آلي لحجوزات الرحلات الجوية في المنطقة العربية، وكانت تلك الخطوة الأولى التي قادته نحو العديد من الإنجازات الأخرى في هذا المجال.

إشرافه على العديد من المشاريع التقنية

أشرف بعد ذلك على العديد من المشاريع داخل مصر وخارجها، وكان أبرزها إدارة مشروع حاسوب صخر الذي ركّز على كسر الحاجز التقني الذي يقف عائقاً بين الشعوب العربية وتقنية المعلومات؛ فقد تعاونت حينها شركة "العالمية" الكويتية وياماها اليابانية لإنتاج حواسيب وبرمجيات تدعم اللغة العربية. وعلى الرغم من توقف المشروع في بداية تسعينيات القرن الماضي، فإنه لا يزال أحد أبرز المشاريع التقنية التي أسهمت في جعل اللغة العربية لغة تدعمها الحواسيب كغيرها من اللغات العالمية الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

مناصب عديدة في مؤسسات عالمية

بالإضافة إلى عمله في مشروع صخر، شغل الدكتور نبيل علي مناصب تقنية متعددة ومتنوعة؛ فقد عمل نائباً لرئيس شركة الإلكترونيات العالمية في اليونان لمدة سنتين، وأدار مشروع المعونة الأميركية لإقامة الشبكة العلمية والتقنية في القاهرة، وعمل لاحقاً مستشاراً لإدارة شركة النظم العربية المتقدمة المعروفة اختصاراً باسم "نعم". 

دعمه للبرمجيات باللغة العربية

وعلى الرغم من تنوع أعماله والمناصب التي شغلها، فقد انصب اهتمام الدكتور نبيل علي على دعم المعالجة الآلية للغة العربية وجعلها إحدى اللغات القابلة للاستخدام في البرمجيات الحاسوبية، فقد صمم أول محركٍ بحثيّ للغة العربية على أساس صرفي، وأول قاعدة بيانات معجمية للغة العربية، وأول برنامج للقرآن الكريم، فضلاً عن إسهامه في تصميم وإطلاق نماذج متقدمة لتعليم اللغة العربية. 

إشرافه على العديد من الدراسات الأكاديمية

بالإضافة إلى الإنجازات العملية، حقق الدكتور نبيل علي أيضاً إسهامات أكاديمية في مجال المعالجة الآلية للغة العربية؛ إذ أشرف على بعض رسائل الدراسات العليا في مجال النمذجة المعلوماتية في كلية الهندسة بجامعة عين شمس، وأخرى حول الخصائص المعجمية النحوية للأفعال في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ودراسة حول اللسانيات الحاسوبية العربية في المركز القومي للبحوث في القاهرة. علاوة على ذلك، عمل الدكتور نبيل علي أستاذاً في قسم اللسانيات في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس لمدة عامين من عام 1986 حتى 1987.

اقرأ أيضاً: تعرّف على المصري محمد سند ودوره الريادي والمبتكر في تطوير الهواتف النقالة

الإرث الفكري والأكاديمي

بالإضافة إلى الإنجازات العملية والأكاديمية، ترك نبيل علي وراءه إرثاً فكريّاً كبيراً يتمثل بتأليفه عدة كتب تناقش التطور التقني المرتبط بتزايد انتشار الحواسيب، وتزايد الاعتماد عليها في كل القطاعات، وانعكاس ذلك على الناطقين باللغة العربية. ومن أبرز الكتب التي ألّفها الدكتور نبيل علي كتاب "اللغة العربية والحاسوب" الذي صدر سنة 1988، ويضم دراسة بحثية شاملة ترتبط بكيفية تهيئة اللغة العربية وما تحتويه من قواعد نحوية وصرفية لتكون قابلة للمعالجة بشكلٍ آليّ من قِبل الحاسوب، وقد تطلب هذا الأمر غوصَه في تفاصيل اللغة العربية النحوية الكثيرة.

عالج الدكتور نبيل علي أيضاً التحديات التي تفرضها التطورات التقنية المتسارعة وكيفية استجابة المجتمع وشرائحه المختلفة لها، وقد لخّص ذلك في كتابه "العرب وعصر المعلومات" الذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية سنة 1994، ويتناول فيه التفاوت الكبير بالاهتمام بالتطور المعلوماتي بين المختصين والعاملين فيه، وبين غير المختصين مثل المثقفين والمفكرين والعاملين في العلوم الأخرى.

عاد الدكتور نبيل علي ونشر كتاب "الفجوة الرقمية" بالمشاركة مع الدكتورة ناديا الحجازي سنة 2005، وهو من الكتب الأولى التي تعّمقت في مفهوم "الفجوة الرقمية" الذي يعبّر عن الهوة التقنية الكبيرة بين العرب والدول المصنّعة للتقنية والمصدرة لها، والتي قد توسّعت كثيراً مع مرور الوقت. حلل الكتاب أسباب هذه الفجوة، وقال إنها تعود إلى السياسات الاحتكارية التي تفرضها الدول المصنّعة، وفرض القيود والعقوبات على الدول النامية، فضلاً عن العوامل المحلية الأخرى التي ترتبط بالتعليم وجودته وعدم تكافؤ الفرص وغياب الثقافة العلمية، بالإضافة إلى تقديم حلول لمعالجة مشكلة الفجوة اللغوية وضرورة التصدي لها كمطلب أساسي لمواجهة التحديات التقنية التي يعانيها العرب. 

ألّف الدكتور نبيل علي كتاباً مهماً أيضاً هو "العقل العربي ومجتمع المعرفة" بجزئيه الأول والثاني، الصادر أيضاً عن سلسلة عالم المعرفة سنة 2009.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى المغربي رشيد اليزمي وابتكاره الثوري لبطاريات السيارات الكهربائية

جوائز وتكريمات

تركت الأعمال والإنجازات المختلفة التي أسهم فيها الدكتور نبيل علي بصمة كبيرة على الواقع التقني العربي عموماً ودعم اللغة العربية من الناحية التقنية خصوصاً، وبذلك استحق بجدارة عدة جوائز وتكريمات، أبرزها جائزة الملك فيصل بن عبدالعزيز الصادرة عن مؤسسة الملك فيصل الخيرية في المملكة العربية السعودية، التي حصل عليها سنة 2012؛ وذلك تقديراً لعمله في مجال المعالجة الحاسوبية للغة العربية. وحصد أيضاً عدة جوائز مهمة عن كتبه مثل جائزة أفضل كتاب في مجال الدراسات المستقبلية سنة 1994.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي واللغة العربية: أهم التحديات وتقنيات معالجتها

عموماً، يمكن تلخيص إنجازات الدكتور نبيل علي بمجال دعم المعالجة الحاسوبية للغة العربية على النحو التالي: بدأت المرحلة الأولى بالتعريب، متمثلة بمشاريع وأفكار لتطوير الحاسوب العربي والبرمجيات العربية (مشروع صخر)، ومن ثَمَّ تضمنت المرحلة الثانية جهوداً في مجال المعالجة الآلية للغة العربية من ناحية الصرف والنحو عبر تطوير قواعد بيانات معجمية للغة العربية، وتجلّت المرحلة الثالثة ببذله جهوداً في مجال المعالجة الآلية للغة العربية من ناحية التركيب والدلالة عبر إطلاق أول قاعدة بيانات دلالية للغة العربية وأول نظام إعراب آلي عربي، وتمثلت المرحلة الأخيرة بالتركيز على المجالات التعليمية والثقافية ونشر للعديد من الكتب التي تعالج واقع اللغة العربية في العالم التقني والرقمي الحالي والتحديات المستقبلية المرتبطة بذلك.

المحتوى محمي