تعرّف إلى المغربي رشيد اليزمي وابتكاره الثوري لبطاريات السيارات الكهربائية

4 دقائق
تعرّف إلى المغربي رشيد اليزمي وابتكاره الثوري لبطاريات السيارات الكهربائية
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: مهدي أفشكو.

شحن سيارة كهربائية بالكامل في غضون عشر دقائق فقط! قد يبدو هذا غريباً أو خيالياً لدرجة يصعب تصديقها، لكن هذه ليست المرة الأولى التي يتحول فيها الخيال إلى حقيقة مع العالم المغربي رشيد اليزمي. نحن نرى عمله في كل شيء يومياً، وهو بطاريات الليثيوم، التي نستخدمها في هواتفنا الذكية وحواسيبنا المحمولة، ووحدات التحكم في الألعاب، والسيارات الكهربائية وغيرها. فمَن هو رشيد اليزمي وكيف حقق إنجازاته الثورية؟

مَن هو رشيد اليزمي؟

وُلد رشيد اليزمي في مدينة فاس المغربية عام 1953، حيث أنهى تعليمه المدرسي فيها، وانتقل إلى فرنسا لدراسة الرياضيات. تخرج في معهد غرونوبل للتكنولوجيا مهندساً في الإلكترونيك الكيميائي، ثم نال شهادة الدكتوراة في الكيمياء الكهربائية عام 1985، بعد أن تخصص بعلم المواد ودمج الليثيوم بالغرافيت. 

بدأ حياته المهنية في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، متدرجاً في المناصب إلى أن ارتقى إلى منصب مدير الأبحاث، وعمل محاضراً في مختلف الجامعات العالمية مثل معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وجامعة كيوتو اليابانية، ثم استقر عام 2010 في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة.

خلال مسيرته التعليمية ركّز اليزمي في أبحاثه على البطاريات وسُبل تطويرها، ما أهّله لنيل لقب "أبو البطاريات"، إذ استطاع أن يخترع بطارية الليثيوم ذات العمر الطويل، وتقنيات "ما وراء الليثيوم" مثل بطاريات الهواء المعدنية والقلوية ذات الأنود السائل، وبطاريات أيون الفلورايد.

عام 2011، أسس اليزمي شركة ناشئة في سنغافورة (Kvi Pte. Ltd.)، متخصصة بتطوير البطاريات وإطالة عمرها، وتعزيز سلامة استخدامها في الإلكترونيات المحمولة وتطبيقات المركبات الكهربائية، بالإضافة إلى شركة (CFX battery Inc).

بداية الحكاية مع بطاريات الليثيوم

بدأت القصة عام 1979 عندما تمكن العالم جون غوديناف (John Goodenough) من استخدام أوكسيد الكوبالت والليثيوم ككاثود لبطارية الليثيوم أيون القابلة لإعادة الشحن، لزيادة كثافة الطاقة المخزّنة بشرط استخدام أنود غير الليثيوم، مثل المواد الغنية بالكربون. 

وفي الفترة ذاتها، توصل العلماء إلى أنه يمكن استخدام الليثيوم المنصهر أو المسحوق كمادة تخزين طاقة قابلة للاستخدام، لكن لم يتمكنوا من استخدامه كمنتج. هنا كان دور اليزمي، حيث استطاع حل المشكلة عام 1983، بإدخال الليثيوم بشكلٍ عكسي بين طبقات الغرافيت باستخدام إلكتروليت بوليمر صلب. 

وبذلك قدّم اليزمي بديلاً للقطب السالب لمعدن الليثيوم في بطاريات الليثيوم أيون التجارية، ما ساعد على جعلها ميسورة التكلفة وموثوقة وطويلة العمر.

بدأت شركة سوني (Sony) بإنتاج بطاريات الليثيوم أيون بكميات كبيرة عام 1991، واستُخدمت في العديد من التطبيقات الإلكترونية. وفي عام 2019، تم إنتاج 10 مليارات بطارية في جميع أنحاء العالم، 98% منها تعتمد على أنود اليزمي.

فتح اختراع اليزمي أمامه الأبواب لمسيرة حافلة بالإنجازات والاختراعات.

اقرأ أيضاً: تعرّف على رائد الأعمال الأميركي من أصل سوري ريموند كسار ومساهماته البارزة في تطوير صناعة ألعاب الفيديو

أسرع تقنية شحن لبطاريات السيارات في العالم

استطاع رشيد اليزمي عام 2021 أن يحقق إنجازاً ثورياً في عالم البطاريات والطاقة المتجددة والمستدامة؛ إذ تمكن من تطوير أسرع تقنية شحن للبطاريات، يمكنها إكمال شحن البطاريات عالية الكثافة في 10 دقائق فقط، أي ما يعادل توقفك في استراحة على قارعة الطريق، وهو ما يماثل نحو 7 أضعاف سرعة شحن بطاريات تسلا.

اعتمد اليزمي في تقنيته الجديدة على طريقة "قياس الجهد غير الخطي"، وهو ما ينطوي على زيادة تدريجية في الجهد (الفولط) أثناء الشحن، بحيث لا يتم الانتقال إلى الزيادة الثانية ما لم يتم استيفاء معايير معينة، بينما تبقى شدة التيار (الأمبير) كما هي.

بهذه الطريقة، تُمنح البطارية استراحة أثناء الشحن، وتزداد سرعة الشحن دون التسبب في تسخين مفرط، أو أحمال زائدة، ما يطيل العمر الافتراضي للبطارية.

يهدف اليزمي من إنجازه إلى الحصول على بطارية سيارة كهربائية تحقق ما يلي:

  • زيادة كثافة الطاقة: بما تمكّن السائق من القيادة على الطريق لأطول فترة ممكنة، لكن هذا يرتبط ببعض المشكلات المتعلقة بعمر البطارية وأمانها.
  • السلامة: يمكن أن تصبح بطاريات الليثيوم خطيرة إذا تم ثقبها أو إجهادها. على سبيل المثال، أشار تقرير حادث تحطم سيارة تسلا عام 2019، إلى اندلاع حريق في البطارية تسبب في الحادث. لذا يسعى اليزمي للتنبؤ بالحادث قبل وقوعه، من خلال تحديد درجة ضعف البطارية.

اقرأ أيضاً: تعرف على الباحثة الجزائرية حليمة بن بوزة وأبحاثها في مجال التكنولوجيا الحيوية

شريحة لشحن بطارية الهاتف

يمكن لاختراع اليزمي لشريحة صغيرة بحجم الظفر، أن يوفّر ساعات الشحن الطويلة، ويقلل من وقت الشحن إلى 10 دقائق، بالإضافة إلى تقليل خطر حريق البطارية الناتج عن ارتفاع الحرارة بتأثير الشحن السريع. على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن اشتعال النيران في البطاريات على متن طائرة بوينغ 787 أو دريملاينر، ما تسبب في إيقاف أكثر من 50 طائرة لمدة 4-5 أشهر.

تحتوي الشريحة على خوارزمية أو صيغة لقياس مقدار الشحن المتبقي في البطارية اعتماداً على درجة الحرارة والجهد، وتنظيم الشحن بما يضمن تجنب إتلاف البطارية، وتماثلها شريحة أخرى في الشاحن. 

وفقاً لليزمي، لا تأخذ أجهزة الشحن العادية حالة البطارية بعين الاعتبار، فهي ترسل القدر ذاته من الشحن بغض النظر عن حالة البطارية.

علاوة على ذلك، يمكن للشريحة أن تحدد ما إذا كانت البطارية آمنة للاستخدام، وتحميها من الاشتعال بسبب ارتفاع درجة الحرارة، إذ قد تؤدي الحرارة الزائدة أحياناَ إلى زيادة الضغط داخل البطارية، حيث يوجد غاز قابل للاشتعال يُسمى مذيب الإلكتروليت، يمكنه أن ينفجر ويسبب حريقاً.

اقرأ أيضاً: تعرّف على المغربية لبنى بوعرفة واستخدامها الذكاء الاصطناعي بمجالات الرعاية الصحية

إنجازات أخرى لرشيد اليزمي

استطاع اليزمي عبر مسيرته المهنية الطويلة أن يحصل على أكثر من 170 براءة اختراع، وفقاً للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، وشارك في تأليف أكثر من 250 ورقة بحثية عن البطاريات وموادها وأنظمتها. وبشكلٍ عام نال الجوائز التالية:

  • جائزة تشارلز ستارك درابر المرموقة، في فبراير/ شباط 2014، من قِبل الأكاديمية الوطنية للهندسة (NAE) في واشنطن العاصمة، تقديراً لاختراعه لبطارية الليثيوم، والتي تعادل جائزة نوبل في الهندسة.
  • الميدالية الملكية التي منحها له ملك المغرب محمد السادس خلال الذكرى الخامسة عشرة لعيد العرش في يوليو/ تموز 2014.
  • الترقية إلى رتبة فارس شرف في فرنسا عام 2016.
  • وسام محمد بن راشد للتميز العلمي في دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال علوم الاستدامة.

كما تعاون مع ناسا لصناعة بطاريات لمركباتها.

اقرأ أيضاً: تعرف على بشير حليمي: الجزائري الذي أدخل اللغة العربية لأجهزة الكمبيوتر

إذاً، لو لم يخترع الدكتور رشيد اليزمي "أنوده"، فلن تكون الهواتف بهذا الذكاء، ولن تكون حواسيبنا المحمولة وأجهزتنا اللوحية سوى نسخة مصغرة من أجهزة الكمبيوتر المكتبية التي تعمل بالتيار المتردد. عدا عن أجهزة تنظيم ضربات القلب، وبطاريات المركبات الفضائية، وغيرها. إن عالمنا اليوم يدين للدكتور رشيد اليزمي بجميع جوانبه.