يعد ثاني أوكسيد الكربون (CO2) أحد الغازات الرئيسية التي تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ. وفقاً لوكالة حماية البيئة الأميركية، زاد تركيز ثاني أوكسيد الكربون بشكل كبير منذ بداية الثورة الصناعية، حيث ارتفع من متوسط قدره 280 جزءاً في المليون في أواخر القرن الثامن عشر إلى 414 جزءاً في المليون في عام 2021، هذا يمثل زيادة بنسبة 48%. ويرجع ذلك في الأساس إلى حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات.
كانت لهذه الزيادة تأثيرات واضحة على البيئة والمناخ في كل مكان؛ فقد ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية وذابت كميات هائلة من الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي، ما تسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر والظواهر الجوية المتطرفة وخلل في التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى تأثيرات سلبية في صحة الإنسان.
لتجنب استمرار العواقب المترتبة على ذلك، من الضروري الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. لكن هذا وحده قد لا يكون كافياً لتحقيق استقرار المناخ ومنع التغيرات الخطيرة. هناك حاجة أيضاً إلى إزالة ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي بطريقة فعّالة. تُعرف هذه العملية بإزالة ثاني أوكسيد الكربون (CDR) أو الانبعاثات السلبية.
هناك طرق مختلفة لإزالة ثاني أوكسيد الكربون، لكل منها مزاياها وعيوبها وتكاليفها وفوائدها، في هذا المقال سنستعرض بعض أبرز هذه الطرق، ونناقش مدى فاعليتها وتحديات استخدامها.
اقرأ أيضاً: هل بالإمكان فعلاً عزل الكربون باستخدام الأعشاب البحرية؟
1. زراعة الأشجار
من المعروف أن الأشجار والنباتات تمتصُّ ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي من خلال عملية التمثيل الضوئي وتخزنه في كتلتها الحيوية وفي التربة. يمكن أن تؤدي زراعة الأشجار إلى زيادة قدرة امتصاص الكربون وتعزيز التنوع البيولوجي.
تعد زراعة الأشجار منخفضة التكلفة نسبياً ولا تتطلب الكثير من الموارد والتقنيات، ويمكن تنفيذها في معظم مناطق العالم. ومع ذلك، فإنها تواجه بعض التحديات، مثل توافر الأراضي والمنافسة مع أراضي إنتاج الغذاء واستهلاك المياه ومخاطر الحرائق والآفات والأمراض.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: زراعة الأشجار أكثر أهمية بكثير لمواجهة التغير المناخي مما كنا نعتقد
2. الاستفادة من الطاقة الحيوية الناتجة عن احتجاز ثنائي أوكسيد الكربون وتخزينه
الطاقة الحيوية الناتجة عن احتجاز ثنائي أوكسيد الكربون وتخزينه (BECCS) هي تقنية تنتج الطاقة من الكتلة الحيوية التي تعود لتنمو مجدداً وتحتجز ثاني أوكسيد الكربون وتخزنه. الفكرة هي استخدام الكربون في الكتلة الحيوية كمصدر طاقة يؤدي إلى انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، لكن الكتلة الحيوي تنمو من جديد لتحتجز غاز ثاني أوكسيد الكربون، ما يعني انبعاثات صفرية أو سلبية.
تعد هذه الطريقة واحدة من أكثر طرق احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون التي دُرِست وجُرِبت على نطاق واسع، ولديها إمكانات كبيرة لإزالة ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ومع ذلك، فهي تنطوي أيضاُ على تكاليف كبيرة وآثار بيئية واجتماعية.
يشمل بعض تحديات الطاقة الحيوية الناتجة عن احتجاز ثنائي أوكسيد الكربون وتخزينه توافر الكتلة الحيوية واستدامتها، وقابلية التوسع فيها، والمنافسة مع الغذاء، واستخدام المياه والأسمدة، والتأثيرات في التنوع البيولوجي والنظام البيئي.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز تقنيات المعالجة الحيوية؟ وكيف يمكننا الاستفادة منها؟
3. الالتقاط الهوائي المباشر
الالتقاط الهوائي المباشر (DAC) هي عملية التقاط ثاني أوكسيد الكربون مباشرة من الهواء باستخدام عمليات كيميائية أو فيزيائية، مثل الامتصاص أو الفصل الغشائي. يمكن بعد ذلك تخزين ثاني أوكسيد الكربون المحتجز تحت الأرض أو استخدامه لأغراض مختلفة، مثل إنتاج المواد القائمة على الكربون.
يعد الالتقاط الهوائي المباشر طريقة مرنة وقابلة للتطوير، حيث يمكن نشرها في أي مكان مع توفر خيارات متنوعة لمصادر الطاقة وطرق تخزين أو استخدام الكربون. ويمكن أيضاً التقاط ثاني أكسيد الكربون من أي مصدر، بغض النظر عن تركيزه. ومع ذلك، تواجه هذه الطريقة بعض التحديات التقنية والاقتصادية، مثل انخفاض الكفاءة واستهلاك الطاقة وارتفاع تكاليف الإنشاء والتشغيل.
اقرأ أيضاً: الضجة المثارة حول إزالة الكربون باتت مصدراً خطيراً للإلهاء
4. التجوية المحسنة
التجوية المحسنة (EW) تعني تسريع العملية الطبيعية للتجوية، وهي التحلل الكيميائي للصخور بتأثير الماء والهواء والكائنات الحية. تستهلك التجوية ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحوله إلى بيكربونات وكربونات، التي تنتقل عبر الأنهار إلى المحيطات، حيث يمكن أن تترسب على شكل كربونات أو تمتصها الكائنات البحرية.
يمكن تسريع عملية التجوية عن طريق نشر صخور السيليكات أو الكربونات المطحونة بشكل ناعم فوق الأرض أو في البحر، ما يساعد الكائنات الحية على تحليلها بسرعة.
تعتبر التجوية المحسنة طريقة طبيعية وفعّالة لإزالة الكربون، لأنها تحاكي دورة الكربون طويلة المدى في الأرض وتعزل ثاني أوكسيد الكربون بشكل مستقر، كما يمكن أن توفر بعض الفوائد، مثل تحسين خصوبة التربة وزيادة غلة المحاصيل والحد من حموضة المحيطات، لكنها تواجه أيضاً بعض التحديات مثل الحجم الكبير للصخور وتوافرها، والمعدل البطيء والمتغير للتجوية، والطاقة والتكلفة الكبيرة المطلوبة لاستخراج الصخور وطحنها ونقلها ونشرها.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن نتوصل إلى إزالة الكربون بتكاليف معقولة؟
5. تسميد المحيطات
تسميد المحيطات (OF) هي طريقة تتضمن نشر العناصر الغذائية مثل الحديد أو النيتروجين أو الفوسفور، فوق سطح المحيطات لتحفيز نمو العوالق النباتية، وهي كائنات بحرية مجهرية. تمتصُّ هذه العوالق ثاني وأكسيد الكربون من الغلاف الجوي خلال عملية التمثيل الضوئي وتخزنه في كتلتها الحيوية. وحين تموت، تغرق في أعماق المحيطات، حيث تتكدس أو تستهلكها كائنات حية أخرى. هذه العملية تؤدي إلى نقل الكربون من السطح إلى أعماق المحيط، حيث يُخزن قروناً أو أكثر.
اقرأ أيضاً: لماذا قد تخيب آمالنا بالمحيطات كوسط لامتصاص ثنائي أوكسيد الكربون؟
تسميد المحيطات هي طريقة منخفضة التكلفة لإزالة ثاني أوكسيد الكربون، لأنها تستغل المساحة الشاسعة للمحيطات وإمكاناتها كمخزن للكربون. ويمكنها أيضاً تعزيز السلسلة الغذائية البحرية والتنوع البيولوجي، كما يمكن أن توفر فوائد اقتصادية، مثل توفير الغذاء للأسماك والمزارع السمكية. لكنها تواجه أيضاً بعض التحديات، مثل كفاءة واستدامة احتجاز الكربون، والتأثيرات في التركيب الكيميائي للمحيطات، والقضايا القانونية.