هذه القائمة تحيي ذكرى مرور 20 عاماً منذ بدأنا بتجميع مختارات سنوية لأهم التكنولوجيات في كل سنة. وقد بدأت بعضها، مثل لقاحات الرنا المرسال، بإحداث تغييرات جذرية في حياتنا، في حين ما زالت تكنولوجيات أخرى على بعد بضع سنوات. ستجد في الأسفل توصيفاً مختصراً لكل من هذه التكنولوجيات مع رابط لمقالة مفصلة حول بعضها. نأمل بأنك ستستمتع بهذه القائمة، وتستشف منها ما نعتقد أنه يمثل لمحة عن مستقبلنا الجمعي.
لقاحات الرنا المرسال
لقد كنا محظوظين إلى درجة كبيرة؛ حيث إن اثنين من أكثر اللقاحات فعالية ضد فيروس كورونا مبنيان على الرنا المرسال، وهو تكنولوجيا مستخدمة منذ 20 سنة. عندما بدأ انتشار وباء كوفيد-19 في يناير المنصرم، سارع العلماء في عدة شركات تكنولوجيا حيوية نحو اللجوء إلى الرنا المرسال في محاولة لتركيب لقاح محتمل، وفي أواخر ديسمبر 2020، وبعدما أدى الوباء إلى أكثر من 1.5 مليون وفاة حول العالم، وافقت الولايات المتحدة على اللقاحات، معلنة بداية نهاية الوباء.
غير أن لقاحات كوفيد الجديدة مبنية على تكنولوجيا لم تُستخدم من قبل لأغراض علاجية، وهو ما يمكن أن يحدث تحولاً في الطب، ويؤدي إلى ظهور لقاحات لعدة أمراض معدية، بما فيها الملاريا. وإذا استمر فيروس كورونا بالتحور، فإن لقاحات الرنا المرسال قابلة للتعديل بسهولة وبسرعة. أيضاً، تحمل تكنولوجيا الرنا المرسال إمكانات كامنة كبيرة كأساس لإصلاحات جينية رخيصة لمرض فقر الدم المنجلي وفيروس HIV. إضافة إلى ذلك، فإن العلماء يعملون أيضاً على استخدام الرنا المرسال لمساعدة الجسم على محاربة السرطان بأنواعه. وقد تحدث أنتونيو ريجالادو عن تاريخ علم الرنا المرسال الجديد المثير والإمكانات الطبية الكاملة له في هذه المقالة.
جي بي تي-3
تمثل نماذج اللغة الطبيعية الحاسوبية التي تستطيع تعلم الكتابة والكلام خطوة كبيرة نحو بناء ذكاء اصطناعي يستطيع أن يفهم العالم ويتفاعل معه بشكل أفضل. ويعد جي بي تي-3 حتى الآن أضخم هذه الأنظمة، وأكثرها فصاحة أيضاً. تم تدريب هذا النظام على نصوص الآلاف من الكتب ومعظم صفحات الإنترنت، وهو قادر على محاكاة النص البشري المكتوب بواقعية مذهلة، بل وغريبة في بعض الأحيان، ما يجعله أفضل نموذج لغوي تم إنتاجه باستخدام التعلم الآلي حتى اللحظة.
غير أن جي بي تي-3 لا يدرك ما يكتبه، ولهذا فإن النتائج تتصف في بعض الأحيان بأنها مشوشة وعديمة المعنى. يحتاج تدريب هذا النموذج إلى مقدار هائل من قدرة الحوسبة، والبيانات، والأموال، ويؤدي إلى أثر كربوني ضخم، إضافة إلى أن تطوير نماذج مشابهة أصبح محصوراً بالمختبرات التي تتمتع بموارد هائلة. وبما أن بيانات التدريب تتضمن نصوصاً من صفحات الإنترنت المليئة بالمعلومات الخاطئة والتحيز، فإنه ينتج في أغلب الأحيان مقاطع تحمل نفس الصفات.
خوارزميات التوصية في تيك توك
منذ إطلاق تطبيق تيك توك في الصين في 2016، أصبح أحد أسرع شبكات التواصل الاجتماعي نمواً. فقد تم تنزيله مليارات المرات واجتذب مئات الملايين من المستخدمين. ولكن لماذا؟ يعود هذا إلى الخوارزميات التي تعتمد عليها صفحة "For You" ضمن التطبيق، التي غيرت الطريق نحو تحقيق الشهرة على الإنترنت.
وفي حين تركز منصات أخرى على اختيار المحتوى الذي يحقق انتشاراً واسعاً، فإن خوارزميات تيك توك تساوي في اختيارها، على ما يبدو، بين مؤلف محتوى جديد ومغمور وبين نجم معروف. كما أنها فعالة على وجه الخصوص في تقديم المحتوى ذي الصلة إلى تجمعات المستخدمين الذين يتشاركون هوية أو اهتماماً معيناً.
إن إتاحة الكثير من المشاهدات بسرعة كبيرة لصانعي المحتوى الجدد -وسهولة اكتشاف المستخدمين للكثير من أنواع المحتوى- ساهمت في النمو المذهل لهذا التطبيق. وحالياً، تسارع العديد من شركات التواصل الاجتماعي إلى محاكاة هذه الميزات على تطبيقاتها.
بطاريات الليثيوم-معدن
تعاني السيارات الكهربائية من مشكلة تجعل بيعها أمراً صعباً بعض الشيء، وهو ثمنها المرتفع نسبياً، كما أنها ستحتاج إلى الشحن بعد السير لمسافة بضعة مئات من الكيلومترات وحسب، ولفترة أطول بكثير من الفترة التي تحتاجها لتعبئة الوقود العادي. وفي الواقع، فإن كل هذه المشاكل تتعلق بمحدودية قدرات بطاريات الليثيوم أيون. أما الآن، تقول إحدى الشركات الناشئة في وادي السيليكون، والتي تتمتع بتمويل ممتاز، بأنها ستقدم بطارية ستجعل السيارات الكهربائية أكثر جاذبية للمستهلك العادي بكثير.
تحمل هذه البطارية اسم بطارية الليثيوم-معدن، وهي قيد التطوير حالياً من قبل شركة كوانتوم سكيب. ووفقاً لنتائج الاختبارات الأولية، فإن البطارية يمكن أن تزيد من مدى السيارة الكهربائية بنسبة 80%، كما أنها قابلة للشحن بسرعة. عقدت الشركة الناشئة صفقة مع شركة فولكس فاجن، التي تقول إنها ستبيع السيارات الكهربائية المزودة بهذا النوع الجديد من البطاريات بحلول العام 2025.
ما زالت البطارية عبارة عن نموذج تجريبي أصغر بكثير من الحجم المطلوب لسيارة. ولكن، إذا كان النجاح من نصيب كوانتوم سكيب وغيرها من الشركات التي تعمل على تطوير بطاريات الليثيوم-معدن، فقد تصبح السيارات الكهربائية أخيراً جذابة بالنسبة للملايين من المستخدمين.
أمانات البيانات
أثبتت شركات التكنولوجيا بأنها غير جديرة بأن تؤتمن على بياناتنا الشخصية؛ فقد تعرضت معلوماتنا إلى التسريب، والاختراق، والبيع مراراً وتكراراً إلى درجة تستعصي على العد. ولكن، من المحتمل أن المشكلة لا تكمن فينا، بل في نموذج الخصوصية الذي تمسكنا به لفترة طويلة، والذي تقع فيه المسؤولية الأساسية في إدارة وحماية خصوصيتنا على عاتقنا كأفراد.
تقدم أمانات البيانات مقاربة بديلة بدأت بعض الحكومات بدراستها. ويمكن تعريف أمانة البيانات بأنها كيان قانوني يقوم بجمع البيانات الشخصية للناس وإدارتها بالنيابة عنهم. وعلى الرغم من أن هيكلية ووظيفة هذه الأمانات لم تُحدد بشكل كامل بعد، إضافة إلى وجود الكثير من التساؤلات حولها، فإنها دون شك توفر حلاً محتملاً لمشاكل مزمنة في الخصوصية والأمن. وقد وصفت أنوك روهاك القدرات الكامنة الكبيرة لهذا النموذج، مع بضعة أمثلة أولية تبين احتمالات المستقبل.
الهيدروجين الأخضر
لطالما كان الهيدروجين أحد البدائل المغرية المحتملة للوقود الأحفوري. فهو يحترق بشكل نظيف، ولا يصدر ثاني أكسيد الكربون، ويتمتع بكثافة طاقة عالية؛ ولهذا فهو يمثل طريقة جيدة لتخزين الطاقة من المصادر المتجددة ذات الإنتاج المتقطع، كما يمكن استخدامه للحصول على أنواع اصطناعية من الوقود السائل الذي يمكن استخدامه بشكل مباشر بدلاً من البنزين أو الديزل. ولكن معظم الهيدروجين الذي صنعناه حتى الآن ناتج عن الغاز الطبيعي، وذلك عن طريق عملية شديدة التلويث وعالية الاستهلاك للطاقة.
غير أن التراجع السريع في تكاليف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يعني أن الهيدروجين الأخضر أصبح الآن رخيصاً بما يكفي ليصبح حلاً عملياً؛ حيث يكفي صعق الماء بالكهرباء للحصول على غاز الهيدروجين. وقد بدأت أوروبا تشق هذه الطريق، حيث تعمل على بناء البنى التحتية المطلوبة. يقول بيتر فيرلي إن هذه المشاريع ليست سوى خطوة أولى نحو مشروع شبكة عالمية من محطات التحليل الكهربائي التي تعمل على طاقة الشمس وطاقة الرياح.
اقرأ أيضاً: لماذا يمثل الهيدروجين الأخضر بديلاً جذاباً للوقود الأحفوري؟
التتبع الرقمي للاحتكاك
مع بدء انتشار فيروس كورونا حول العالم، تهيأ لنا في البداية أن التتبع الرقمي للاحتكاك يمكن أن يساعدنا. حيث يمكن لتطبيقات الهواتف الذكية أن تستخدم نظام تتبع الموضع العالمي أو البلوتوث لبناء سجل من الأشخاص الذين كانوا على مقربة من بعضهم البعض؛ فإذا تبين أن أحد هؤلاء الأشخاص مصاب بكوفيد، يمكن لهذا الشخص أن يقوم بإدخال النتيجة في التطبيق، وسيقوم التطبيق بدوره بإشعار الآخرين الذين يُحتمل أنهم تعرضوا للعدوى.
ولكن التتبع الرقمي للاحتكاك أخفق إلى حد كبير في إحداث تأثير يُذكر على انتشار الفيروس. وعلى الرغم من أن آبل وجوجل أطلقتا بسرعة بعض الميزات -مثل إشعارات التعرض للعدوى- على الكثير من الهواتف الذكية، فقد عانى مسؤولو الصحة العامة من صعوبات بالغة في إقناع الناس باستخدامها. غير أن الدروس التي تعلمناها من هذا الوباء لن تساعدنا في الاستعداد للوباء التالي وحسب، بل يمكن أيضاً أن تفيدنا في الكثير من المجالات الأخرى في الرعاية الصحية.
تحديد الموضع عالي الدقة
جميعنا نستخدم نظام تحديد المواقع العالمي GPS يومياً، وقد أحدث هذا النظام تحولاً كبيراً في حياتنا والكثير من شركاتنا وأعمالنا. وعلى حين تبلغ دقة النظام الحالي 5 إلى 10 أمتار، فإن تكنولوجيات تحديد الموضع عالي الدقة الجديدة تتمتع بدقة تتراوح ما بين بضعة سنتمترات وبضعة مليمترات. وهو ما يفتح المجال أمام احتمالات جديدة، بدءاً من أنظمة الإنذار للانزلاقات الطينية وصولاً إلى روبوتات التوصيل والسيارات ذاتية القيادة التي تستطيع السير في الشوارع بأمان.
وقد استكملت الصين نظام الملاحة العالمي بيدو (الدب الأكبر) في يونيو من العام 2020، وهو أحد الأنظمة التي جعلت من هذه الدقة أمراً ممكناً؛ حيث يؤمن هذا النظام دقة تحديد موضع تتراوح ما بين 1.5 إلى 2 متر في أي مكان من العالم. وباستخدام التعزيز الأرضي، يمكن أن تصل الدقة إلى مستوى المليمترات. في هذه الأثناء، فإن نظام GPS التقليدي، الذي ظهر إلى الوجود في بداية التسعينيات، سيحصل على تحديث، وذلك عن طريق أربعة أقمار اصطناعية جديدة لنظام GPS III تم إطلاقها في نوفمبر، ومن المتوقع وصول المزيد إلى المدار بحلول العام 2023.
القيام بكل شيء عن بعد
أرغم وباء كوفيد العالم بأسره على اللجوء إلى العمل عن بعد. وقد كانت هذه النقلة صعبة على وجه الخصوص في قطاعي الرعاية الصحية والتعليم. ومع ذلك، تمكنت بعض الأماكن في العالم من تحقيق نتائج رائعة في إنجاح الخدمات عن بعد في هذين القطاعين.
فقد نجحت شركة التعليم على الإنترنت سناباسك في زيادة عدد مستخدميها إلى 3.5 مليون مستخدم في تسعة بلدان آسيوية، كما شهد تطبيق بايجوز للتعلم في الهند زيادة كبيرة في عدد مستخدميه ليصل تقريباً إلى 70 مليون. ولكن -ومن سوء الحظ- ما زال الطلاب في الكثير من البلدان الأخرى يعانون من التخبط في الدروس على الإنترنت.
وفي هذه الأثناء، نجحت أوغندا وعدة بلدان أفريقية أخرى في تأمين خدمات الرعاية الصحية عبر الفيديو خلال الوباء للملايين. وفي ذلك الجزء من العالم، حيث يمثل نقص الأطباء مشكلة مزمنة، أصبحت الرعاية الصحية عن بعد عاملاً مساهماً في إنقاذ الكثير من الأرواح.
الذكاء الاصطناعي متعدد المهام
على الرغم من التقدم الهائل الذي حققه الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، فإن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات ما زالت تعاني من الحماقة في الكثير من النواحي، خصوصاً فيما يتعلق بحل مشاكل جديدة أو العمل ضمن بيئات غير مألوفة. ويعود هذا إلى افتقارها للقدرة البشرية -التي يتمتع بها حتى الأطفال الصغار- على تعلم كيفية عمل العالم المحيط، وتطبيق هذه المعرفة العامة على أوضاع جديدة.
وتقوم إحدى المقاربات الواعدة على تحسين مهارات الذكاء الاصطناعي في توسيع حواسه؛ حيث إن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية المزودة بالرؤية الحاسوبية أو التعرف على الأصوات قادرة على تحسس هذه الأشياء، ولكنها عاجزة عن "التحدث" عما تراه وتسمعه باستخدام خوارزميات اللغة الطبيعية. ولكن، ماذا لو جمعنا هذه القدرات في نظام ذكاء اصطناعي واحد؟ هل ستبدأ تلك الأنظمة باكتساب ذكاء شبيه بالذكاء البشري؟ وهل يمكن للروبوت القادر على الرؤية والإحساس والسماع والتواصل أن يكون أكثر إنتاجية في مساعدة البشر؟ تشرح كارين هاو كيف يمكن للذكاء الاصطناعي متعدد الحواس أن يكتسب معرفة أكبر حول العالم المحيط به لتحقيق ذكاء أكثر مرونة.