التشابك الكمومي (Quantum entanglement) الذي يُطلق عليه أيضاً اسم الارتباط الكمومي، هو ظاهرة فيزيائية غريبة وغير مفهومة جيداً حتى الآن. تؤدي هذه الظاهرة إلى ارتباط جسمين أو أكثر مع بعضهما بعضاً بغض النظر عن المسافة التي تفصل بينهما، فيصبح كلا الجسمين المرتبطين يمتلكان خصائص متماثلة، تسمى هذه الحالة باسم الحالة الكمومية.
من خلال مراقبة أحد الجسيمين المتشابكين، سنعرف بكل تأكيد حالة الجسيم الآخر المتشابك معه بغض النظر عن المسافة التي تفصل بينهما. وإذا تغيرت حالة أحد الجسيمين، ستتغير حالة الجسيم الآخر المتشابك معه على الفور، حتى لو كانت المسافة الفاصلة بين الجسيمين كبيرة جداً.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين ميكانيك الكم والفيزياء الكلاسيكية؟
كيف تم اكتشاف التشابك الكمومي؟
في العقود الأولى من القرن الماضي، أصبح العلماء يدرسون ما يعرف باسم فيزياء الكم (Quantum mechanics)، وهو العلم الذي يستخدم لدراسة الجسيمات دون الذرية، أي الجسيمات الأصغر من الذرات، تم استخدام مصطلح الحالة الكمومية أول مرة في ورقة بحثية صدرت عام 1935، حين تحدث ألبرت أينشتاين وبوريس بودولسكي وناثان روزن عن قوة الحالات الكمومية المترابطة فيما بينها، ووجدوا أنه عندما يرتبط جسيمان صغيران كمومياً، يفقدان حالتهما الكمومية ويشتركان مع بعضهما في حالة كمومية واحدة تعرف باسم التشابك الكمومي. هذه الحالة لا تتأثر أبداً بالمسافة التي تفصل بين الجسيمين.
وجد الباحثون أنه عند تشابك أي جسيمين في حالة كمومية واحدة، فإن معرفة خصائص أحد هذين الجسمين ستؤدي إلى قياس خصائص الجسيم الآخر حتى لو كان بعيداً جداً عنه.
أول شخص استخدم مصطلح التشابك الكمومي هو الفيزيائي النمساوي إرفين شرودنغر، وهو أحد الأشخاص الذين أسسوا فيزياء الكم.
اقرأ أيضاً: إثبات جديد من فيزياء الكم حول إمكانية تحقيق السفر الآني عن بعد
ماذا قال أينشتاين عن التشابك الكمومي؟
لم يفهم ألبرت أينشتاين التشابك الكمي، وحاول تفسير قدرة الأجسام المنفصلة على التأثير في حالة بعضها البعض، لكنه لم ينجح، لذلك، وصف ذلك بـ "عمل مخيف عن بعد" أو "التأثير الشبحي عن بعد".
هل تم اختبار ظاهرة التشابك الكمومي على أرض الواقع؟
نعم، هذا 2022، فاز ثلاثة فيزيائيين بجائزة نوبل في الفيزياء تكريماً لتجاربهم على الفوتونات المتشابكة، لقد أرست هذه التجارب الأسس للتقنيات الكمومية، بما في ذلك الحواسيب والاتصالات الكمومية.
هذه التجارب أكدت أن التشابك الكمومي أمر حقيقي وأساسي للطبيعة. وقد تبين أن فيزياء الكم تعمل، ليس فقط على مسافات قصيرة جداً، ولكن أيضاً على مسافات كبيرة جداً.
مفارقة إي بي آر EPR paradox
إي بي آر هي الحروف الأولى من الاسم الثاني للعلماء ألبرت أينشتاين وبوريس بودولسكي وناثان روزن، الذين وضعوا هذه المفارقة، والتي تنص على أنه بمجرد معرفة حالة كمومية لأحد الجسيمين المتشابكين، ستتم تلقائياً معرفة الحالة الكمومية للجسيم المتشابك معه. وإذا كان هذان الجسيمان المتشابكان بعيدين جداً عن بعضهما، كأن يكون أحدهما على مجرة والآخر في مجرة أخرى، فإننا نستطيع معرفة حالة جسم من الجسيمين بمجرد معرفة حالة أي منهما.
هذا الأمر ينتهك أحد النتائج المترتبة على النسبية الخاصة، والتي تقول إنه لا يمكن تجاوز حدود سرعة الضوء، وفي هذه الحالة تنتقل المعلومات بسرعة أكبر من سرعة الضوء.
استخدمت هذه المفارقة للقول إن نظرية الكم غير مكتملة. لكن على الرغم من ذلك، أكدت التجارب اللاحقة التي أجراها العلماء، أن الجسيمات المتشابكة تؤثر على بعضها بعضاً بغض النظر عن المسافة بينها، ما يعني أن فيزياء الكم لا تزال مكتملة وصحيحة حتى الآن.
اقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين الحوسبة الكلاسيكية والكمومية؟
كيف يمكن إنشاء تشابك كمومي؟
هناك العديد من الطرق المستخدمة لإنشاء تشابك كمومي بين الجسيمات. إحدى الطرق الأكثر استخداماً هي التبريد الفائق للجسيمات ووضعها بالقرب من بعضها بعضاً بحيث تتداخل حالاتها الكمومية، ما يجعل من المستحيل التمييز بين جسيم وآخر.
طريقة أخرى تحدثت عنها وكالة الفضاء الأميركية ناسا، وهي إنشاء أزواج متشابكة من الفوتونات، إما عن طريق تقسيم فوتون واحد لإنشاء زوج من الفوتونات المتشابكة، وإما عن طريق دمج فوتونات مع بعضها بعضاً.
اقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين الحاسوب العادي والحاسوب الكمي؟
كيف يمكن الاستفادة من التشابك الكمومي؟
يسعى العلماء والباحثون إلى الاستفادة من ظاهرة التشابك الكمومي بعدة طرق منها:
تشفير الاتصالات
أفضل تطبيقات التشابك الكمومي المقترحة هي في مجال تشفير الاتصالات، حيث يقوم المرسل والمستقبل بإنشاء رابط اتصال آمن بين أزواج من الجسيمات المتشابكة. تستخدم هذه الجسيمات لإنشاء مفاتيح تشفير خاصة معروفة للشخصين فقط. وحين يتم تغيير أي مفتاح، يتغير المفتاح الآخر في الجسيم المتشابك معه. وإذا قام أحد الأشخاص باعتراض الإشارة أو حاول الوصول إلى المفاتيح، فإن التشابك ينكسر، ما يعني أن المرسل والمستقبل يعرفان أن الاتصال قد تم اختراقه.
اقرأ أيضاً: كيف نستعد لمستقبل التشفير ما بعد الكم؟
الحوسبة الكمومية
تطبيق آخر للتشابك الكمومي هو في مجال الحوسبة الكمومية، حيث تتشابك أعداد كبيرة من الجسيمات مع بعضها بعضاً ما يسمح لها بالعمل معاً لحل بعض المشكلات المعقدة والكبيرة. على سبيل المثال، يستطيع الحاسوب الكمومي الذي يحتوي على عشرات البتات الكمومية (الكيوبتات) أن يوفر نفس قدرة الحوسبة التي يوفرها حاسوب يحتوي على مئات ملايين البتات التقليدية.
اقرأ أيضاً: ما هي أهم استخدامات وتطبيقات الحواسيب الكمومية؟
نقل البيانات بسرعة
واحدة من الاستخدامات الأخرى التي يريد العلماء الاستفادة منها هي نقل البيانات بسرعة أكبر من الضوء بالاعتماد على ظاهرة التشابك الكمومي. تقوم الفكرة على ربط جسيمات لتتشابك كمياً عند المرسل والمستقبل. هذا يعني أن إحداث أي تغيير في الجسيم الموجود عند المرسل سيؤدي إلى نفس التغيير في الجسيم الموجود عند المستقبل حتى لو كان بعيداً جداً. بهذه الطريقة، يمكن نقل المعلومات بسرعة أكبر من الضوء.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل: ما هي الاتصالات الكمومية؟
قد يتساءل البعض، لماذا سنحتاج إلى طريقة نقل للبيانات أسرع من الضوء؟ نقل البيانات بشكل أسرع من الضوء لن يفيدنا على الأرض، بل سيساعدنا على التواصل مع البعثات الفضائية والآلات التي يتم إرسالها لمسافات بعيدة. تخيل أن المسبار الموجود على كوكب المريخ يحتاج إلى 3 دقائق حتى يرسل البيانات إلى الأرض بسرعة الضوء. هذا التأخير يشكل عقبة في البحث العلمي، ويمكن أن يساعد التشابك الكمومي في جعل الاتصال ما بين المركبات الفضائية على مسافات بعيدة في الوقت الفعلي أمراً ممكناً.
باختصار يمكننا بفضل التشابك الكمومي إنشاء شبكة إنترنت واتصالات آمنة جداً بفضل برتوكولات تشفير آمنة، ونقل البيانات بسرعة فائقة أكبر من سرعة الضوء. من المتوقع أن تحدث الحواسيب الكمومية وشبكات الاتصالات الكمومية ثورة في عالم التكنولوجيا قريباً.