تسعى الحكومة الأميركية إلى دفع موجة هائلة من السيارات الكهربائية إلى الطرقات خلال السنوات القليلة المقبلة، ولكن لا يوجد في الولايات المتحدة ما يكفي من الشواحن لتزويدها جميعاً بالطاقة.
وقد نشرت وكالة حماية البيئة الأميركية مؤخراً مجموعة من المعايير المقترحة التي تضع قيوداً على الشركات من حيث إجمالي انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون لسياراتها الجديدة. ولضمان التوافق مع المعايير، يجب أن تصل السيارات الكهربائية إلى نسبة 60% من مبيعات السيارات الجديدة لشركات تصنيع السيارات بحلول عام 2030، ونسبة 67% بحلول عام 2032. وتنطبق هذه المعايير على السيارات بدءاً من طرازات سنة 2027.
دعم صناعة السيارات الكهربائية
يعد قطاع النقل حالياً أكبر مصدر مساهم بمفرده في انبعاثات غازات الدفيئة في الولايات المتحدة. وتمثّل القواعد الجديدة جزءاً من توجه متصاعد للحكومة الفيدرالية لدعم السيارات الكهربائية، وغيرها من وسائل النقل منخفضة الانبعاثات. ففي 2021، وضع الرئيس الأميركي بايدن هدفاً بزيادة نسبة السيارات الكهربائية من مبيعات السيارات الجديدة إلى النصف بحلول عام 2030. ويتضمن قانون خفض التضخم، والذي تم إقراره في 2022، إعفاءات ضريبية إفرادية بقيمة 7,500 دولار للسيارات الكهربائية الجديدة.
وفي مؤتمر صحفي كشف النقاب عن القواعد الجديدة، قال مدير وكالة حماية البيئة، مايكل ريغان: "ستؤدي إجراءات اليوم إلى تسريع انتقالنا الجاري نحو مستقبل من المركبات الآلية النظيفة، ومواجهة أزمة التغيّر المناخي بشكلٍ مباشر، وتحسين جودة الهواء للتجمعات السكانية في أنحاء البلاد كافة".
اقرأ أيضاً: ما سر هيمنة الصين على سوق السيارات الكهربائية؟
الشحن
سيحتاج دعم هذه السيارات الكهربائية الجديدة إلى الكثير من الشواحن، وبعدد أكبر بكثير مما هو متوفر في الولايات المتحدة حالياً. وفي الوقت الحالي، يوجد ما يقارب 130,000 شاحن عمومي في جميع أرجاء البلاد، كما أن نسبة الشواحن السريعة بينها صغيرة للغاية. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثّل زيادة بنسبة 40% مقارنة بعام 2020، وفقاً للبيان الصحفي لوكالة حماية البيئة، فإنه ما زال غير كافٍ. وسنحتاج إلى بناء الملايين من الشواحن الجديدة خلال عقد من الزمن.
يمثّل نقص البنية التحتية المتاحة للشحن أحد أهم عوائق الانتقال إلى السيارات الكهربائية، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة. وتُتيح الشواحن العمومية للسائقين السفر مسافات أطول، وتؤمّن مستوى بالغ الأهمية من الوثوقية.
وفي 2021، وضعت إدارة بايدن هدفاً يتمثل في زيادة عدد الشواحن العمومية العاملة المخصصة للسيارات الكهربائية إلى 500,000 بحلول عام 2030، وخصصت تمويلاً بقيمة 5 مليارات دولار لبناء شبكة الشحن الوطنية. وبهذا الاستثمار، "سنشهد زيادة سريعة في عدد شواحن التيار المستمر السريعة على الطرق الرئيسية للبلاد"، كما قالت مديرة السياسات في جمعية وسائل النقل معدومة الانبعاثات، ليلاني غونزاليس، في رسالة بالبريد الإلكتروني.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز تحديات نشر السيارات الكهربائية في المنطقة العربية؟
يعتقد بعض المحللين أن هذه الأهداف لن تكون كافية لدعم جميع السيارات الكهربائية التي يمكن أن تنتشر على الطرقات بحلول نهاية هذا العقد. وإذا وصلت نسبة السيارات الكهربائية في مبيعات السيارات الجديدة إلى 40% فقط في 2030 -وهي نسبة أقل مما هو متوقع بعد الدعم الجديد الذي ستؤمّنه قواعد وكالة حماية البيئة- فستحتاج البلاد إلى تركيب أكثر من مليوني شاحن عمومي بحلول هذا التاريخ، وذلك وفقاً لتقرير يناير/ كانون الثاني من شركة إس آند بي غلوبال (S&P Global). ويتضمن هذا الرقم الوحدات التي يتم استخدامها وفق شروط خاصة، مثل الوحدات المخصصة للموظفين في أماكن محددة.
يقول مدير قسم النمذجة والتحليل في شركة إينرجي إنوفيشن (Energy Innovation)، روبي أورفيس: "نحتاج إلى استثمارات كبيرة في شبكات الشحن، على مستوى الولايات وعلى المستوى الفيدرالي. وما زال أمامنا الكثير من العمل الذي يجب إنجازه في هذا المجال".
تمثّل عمليات الشحن المنزلية ما بين 70% و80% من إجمالي عمليات شحن السيارات الكهربائية، وذلك وفقاً لبحث أجراه المختبر الوطني للطاقات المتجددة. لذا، فإنه بالإضافة إلى الشواحن العمومية، سيحتاج الأسطول المتضخم من السيارات الكهربائية إلى الملايين من الشواحن المنزلية الجديدة. وبشكلٍ إجمالي، إذا وصلت نسبة السيارات الكهربائية إلى الثُلث وحسب من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في 2030، سنحتاج إلى 17 مليون شاحن منزلي، وفقاً لتقرير يعود إلى عام 2021 من المجلس الدولي لوسائل النقل النظيفة.
اقرأ أيضاً: بطاريات جديدة تخفض تكلفة السيارات الكهربائية
ولكن التكاليف ستكون باهظة، فسوف يحتاج بناء الشواحن العمومية وشواحن مواقع العمل فقط إلى استثمار إجمالي يبلغ 28 مليار دولار بين العامين 2021 و2030، وفقاً لتقرير المجلس الدولي لوسائل النقل النظيفة.
وسيتحمل مالكو السيارات الكهربائية تكاليف تركيب تجهيزات الشحن المنزلي، ولكن من المحتمل أن يواجهوا بعض العوائق الإضافية. فمعظم المنازل تتطلب بعض الأشغال الكهربائية حتى تدعم شحن السيارات الكهربائية، وهي عملية قد تترتب عليها تكاليف باهظة إن كانت تتضمن تعديلات تصميمية. يقول محلل النمذجة في إينرجي إينوفيشن، دان أوبراين: "عادة ما تكون الشبكات المنزلية غير مجهزة للشحن".
وما يزيد من تفاقم مشكلة الشحن، أنه ثمة نقص في عدد فنيي الكهرباء. ولكن، وعلى الرغم من كل الصعوبات اللوجستية، فإن التوجه نحو تأسيس بنية تحتية للشحن لا يقتصر على الحكومة وحدها، فبعض الشركات مثل وولمارت (Walmart) تسعى جاهدة إلى مجاراة الطلب على الشحن. حيث تخطط الشركة لإضافة الشواحن إلى الآلاف من مواقف السيارات الخاصة بمتاجرها في السنوات القليلة المقبلة.
اقرأ أيضاً: لماذا يعتبر توفر محطات الشحن الكافي ضرورياً لانتشار السيارات الكهربائية؟
تصاعد موجة السيارات الكهربائية
لا شك في أننا سنحتاج إلى المزيد من أجهزة الشحن، ولكن الجانب الوحيد المجهول هو العدد اللازم لتأمين عمليات الشحن، بالإضافة إلى الفترة الزمنية المتاحة أمامنا لإنجاز ذلك. وتمثّل ضوابط وكالة حماية البيئة الجديدة أحدث إضافة إلى مجموعة كبيرة من السياسات الفيدرالية وسياسات الولايات الأخرى التي بدأت تحدث تأثيراً إيجابياً من حيث الانتقال إلى استخدام السيارات الكهربائية.
ففي السنة الماضية، أعلنت ولاية كاليفورنيا عن معايير جديدة للسيارات، بحيث تفرض على شركات صناعة السيارات بيع نسبة متزايدة من السيارات منخفضة الانبعاثات، بما فيها السيارات الكهربائية، والسيارات الهجينة القابلة للشحن، وسيارات خلايا الوقود. ومن الناحية العملية، ستؤدي هذه القاعدة إلى حظر بيع السيارات الجديدة العاملة بالوقود في الولاية بعد عام 2035. ومن الممكن لهذه القاعدة أن تُحدث أثراً يمتد إلى أنحاء البلاد كافة: فقد وقّعت 17 ولاية على المعايير السابقة التي فرضتها كاليفورنيا على السيارات، كما أعلنت بضع ولايات عن نيتها باعتماد القواعد الجديدة.
وسيؤدي إعلان وكالة حماية البيئة، بشكلٍ أساسي، إلى إحداث توافق بين القوانين الفيدرالية وقوانين كاليفورنيا الجديدة، كما قال الأستاذ المشارك المتخصص بالطاقة والموارد والبيئة في جامعة جونز هوبكنز، جوناس نام، في رسالة بالبريد الإلكتروني.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للبطاريات القديمة أن تزود السيارات الكهربائية بالطاقة مستقبلاً؟
كما أن هذه القواعد ستضمن استمرار مبيعات السيارات الكهربائية حتى بعد انتهاء مهلة الإعفاءات الضريبية لقانون خفض التضخم في بداية العقد المقبل. وقد كان من المتوقع أن تؤدي الإعفاءات الضريبية الإفرادية وغيرها من الحوافز في قانون خفض التضخم إلى زيادة المبيعات المتوقعة للسيارات الكهربائية من نسبة تقل عن 40% في 2030 إلى ما يقارب 60%، وذلك وفقاً لأحد نماذج إينرجي إنوفيشن. وهذا يعني أن هذه الحوافز ستدفع بمبيعات السيارات الكهربائية نحو تلبية الإرشادات المقترحة من قِبل وكالة حماية البيئة. ولكن بعض الخبراء يشعرون بالقلق إزاء العودة إلى استخدام السيارات التي تعمل بالوقود في بداية الثلاثينيات عند انتهاء مهلة هذه الحوافز، على حد تعبير أورفيس.
ومن ثم، فإن القوانين المماثلة للقواعد الفيدرالية الجديدة قد تؤدي دوراً رئيسياً في ترسيخ مستقبل السيارات الكهربائية. يقول نام: "لتحقيق هذه الأهداف، يجب على صانعي السيارات الالتزام بالسيارات الكهربائية إلى درجة تجعل تغيير هذا المسار أكثر صعوبة".
اقرأ أيضاً: كيف تتم إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية؟
وحتى تصل السيارات الكهربائية إلى المستويات المطلوبة لتحقيق الأهداف المناخية، يجب إنجاز الكثير على صعيد عملية الشحن، وتكنولوجيا البطاريات، وتقبّل العامة للسيارات الكهربائية، ولكن القواعد الجديدة لوكالة حماية البيئة وغيرها من التحولات على صعيد السياسات تشير إلى أن اتجاه الأمور بدأ يتغير. وقد قال ريغان في المؤتمر الصحفي: "هذا هو المستقبل، فالطلب الاستهلاكي موجود، والأسواق تساعد على تمكينه، والتكنولوجيات اللازمة تساعد على تمكينه أيضاً، نحن نتحرك جميعاً في الاتجاه نفسه".