الذكاء الاصطناعي يستطيع التعرف على شخصية الفرد اعتماداً على صور وجهه

3 دقائق
مصدر الصورة: شاترستوك

من الشائع أن نسمع توصيفاً لشخصية أحد الأفراد بناءً على ملامح وجهه؛ فكثيراً ما يتم ترديد جملة مثل "يبدو من ملامحه أنه سيئ" أو "جيد" أو "أناني" أو "كريم"، أو غيرها من الصفات التي نشكّلها فقط عبر النظر لصورة أحدهم. هذا الأمر شائعٌ أيضاً في مجال صناعة الأفلام، حيث يشتهر بعض الممثلين بتأديتهم لأدوارٍ شريرة لأن ملامحهم تبدو كذلك، مثل الممثل الشهير شون بين المعروف في هوليوود وبين عشاق السينما على أنه ممثل الأدوار الشريرة. ولكن هل شون بين حقاً شرير؟ على الأرجح لا، وكذلك على الأرجح معظم التقييمات التي نشكلها حول شخصيات العديد من الأفراد حولنا اعتماداً فقط على شكل وجههم.

بالرّغم من ذلك، فإن فكرة ارتباط ملامح الوجه بشخصية الفرد غير مرفوضة بالمطلق، وبالرّغم من أن معظم الاختبارات التي تم إجراؤها حول هذا الموضوع أثبتت عدم قدرة البشر على التنبؤ الدقيق بشخصية الأفراد الآخرين اعتماداً على ملامح وجههم، إلا أن الفرضية نفسها -أي ارتباط شخصية الفرد بملامح وجهه- لم تسقط تماماً.

هذا الأمر هو ما دفع مجموعة من الباحثين في جامعتين روسيتين للبحث في هذا الموضوع بشكلٍ معمق، ولكن عبر الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، وهو أمرٌ منطقيّ نظراً لكون برامج الذكاء الاصطناعيّ غير متحيزة -من حيث المبدأ- مثل البشر. طريقة عمل الدماغ في تشكيل القرارات تتأثر بالعديد من العوامل والمتغيرات التي تجعلنا -دون أن نشعر- نميل لإطلاق أحكامٍ غير موضوعية، وقد نربط احتمال كون أحدهم شخصاً سيئاً بسبب تشابهٍ بين شكله وشكل شخصيةٍ سيئة ما، قد تكون شخصية حقيقية أو حتى شخصية من أحد الأفلام الشهيرة. أما في حالة الذكاء الاصطناعي، فمن الممكن بناؤه بشكلٍ موضوعيّ أكثر ليكون مجرداً من الانحيازات والتأثيرات التي نمتلكها.

ما قام به الباحثون هو جمع عدد كبير من الصور الشخصية من نوع سيلفي، يفوق عددها 30 ألفاً، تعود إلى أكثر من 12 ألف متطوع، ومن ثم تم تقسيم قاعدة البيانات الضخمة هذه لقسمين: القسم الأول يُستخدم في عملية تدريب الشبكة العصبونية الاصطناعية، والقسم الآخر يستخدم في عملية التعرف على شخصية الأفراد. على صعيدٍ آخر، ومن أجل تقييم عمل الشبكة العصبونية نفسها، أجرى المتطوعون اختبارات تحديد شخصية يتم عبرها توصيف الفرد اعتماداً على نمطٍ من خمسة أنماط: الأشخاص ذوي الضمير، والشخصية العصابية، والشخصية المرحة، والشخصية التي تمتلك درجة تقبل عالية، وأخيراً الشخصية المتحررة.

لم يتضمن البحث شبكةً عصبونية واحدة، بل بدلاً من ذلك سلسلة من الشبكات العصبونية التي تشكل نموذجاً تم تسميته: الخمسة الكبار (Big Five). يتم في البداية إجراء معالجةٍ أولية للصور المدخلة لضمان دقتها وامتلاكها لخصائص معينة، مثل خلو الصورة من التعابير التي قد تساهم في تشكيل انطباعٍ حول نمطٍ ما من الأنماط الشخصية، بالإضافة إلى التأكد من خلو الصور المدخلة من صور المشاهير والحيوانات، ومن ثم تم استخدام شبكة عصبونية لتقوم بعملية تصنيف للصور تفكّك كل صورة وجعلها تتكون من 128 خاصية مختلفة، وأخيراً يتم استخدام هذه الخصائص من قِبل الشبكة النهائية لبناء التوقع المتعلق بنمط شخصية صاحب الصورة.

أظهرت نتائج البحث قدرة النموذج على توقع نمط شخصية الفرد اعتماداً على الصور المدخلة على نحوٍ أفضل من البشر، وبالتحديد أظهر الباحثون أن نموذجهم قادر على بناء توقعٍ دقيق في 58% من الحالات، وذلك بالنسبة للصور الشخصية الساكنة الخالية تقريباً من أي تعابير في الوجه. يُشير الباحثون إلى أن نتائجهم تعزز فرضية وجود ارتباط بين ملامح الوجه ونمط شخصية الفرد، كما تؤكد النتائج على تفوق الذكاء الاصطناعيّ في هذا المجال بالمقارنة مع عمليات تقييم الشخصية المجراة من قِبل البشر.

من الممكن استثمار هذا البحث في العديد من الجوانب العلمية والتطبيقية؛ هنالك فرصة لاستثمار هذا النوع من نماذج الذكاء الاصطناعيّ في أبحاث علم النفس الهادفة لتحديد سلوكيات الأفراد وربطها مع ملامحهم. على صعيدٍ آخر، يمكن أن يتم استخدام هذا النوع من نماذج الذكاء الاصطناعي في التطبيقات المتعلقة بإيجاد ترابط بين الأفراد أو بين الفرد وأمرٍ قد يرغب فيه، ويُمكن للعاملين في مجال التسويق وخدمة الزبائن اقتراح منتجاتٍ معينة على الزبائن اعتماداً على معرفة نمط شخصيتهم، وتوجيههم نحو المنتج الأنسب لهم، وفي حين أن هذا الأمر يتم حالياً وأيضاً عبر الذكاء الاصطناعيّ، إلا أنه لا يعتمد على تحديد تفضيلات الفرد وشخصيته من صورته، بل اعتماداً على تحليل سلوكه وإعجاباته وكيفية تفاعله مع العديد من الأمور من حوله، وهو ما تقوم به شركات مثل فيسبوك وجوجل في الإعلانات الموجهة التي تعرضها على المستخدمين. وأخيراً، يُمكن لمواقع المواعدة أن تستثمر هذه التقنية في مجال اقتراح الشخصيات عبر التنبؤ بشخصية الفرد من صورته.

نشر الباحثون ورقة بحثية تتضمن توصيفاً لنموذجهم والنتائج التي توصلوا إليها، وذلك في دورية ساينتفيك ريبورتس (Scientific Reports)، وتم تسمية البحث: تحليل الأنماط الشخصية الخمسة الكبيرة باستخدام صور وجه حقيقية ساكنة (Assessing the Big Five personality traits using real-life static facial images).

المحتوى محمي