ما السر وراء صمود المسارح الرومانية المفتوحة رغم وجودها في مناطق نشطة زلزالياً؟

2 دقائق
مصدر الصورة: لارس/ أنسبلاش

تمثل المسارح الرومانية المفتوحة بعضاً من أقدم الأبنية البشرية على الأرض، وقد بقيت محفوظة بحالة ممتازة في عدة أماكن على امتداد الإمبراطورية الرومانية القديمة. وهذا يمثل أمراً لافتاً على وجه الخصوص لأن مساحات كبيرة منها عبارة عن مناطق نشطة زلزالياً؛ حيث إنها تقع على الحد التكتوني بين الصفيحة الأوراسية والصفيحة الأفريقية، وقد تعرضت لزلازل عديدة دمَّرت أنواعاً أخرى من الأبنية، مما يجعل صمود هذه المسارح لألفي سنة أمراً أقرب إلى اللغز.

ولكن يبدو أننا حصلنا على جواب محتمل، بفضل عمل ستيفان برول وزملائه في جامعة أيكس مارسيليا بجنوب فرنسا. فقد درس هؤلاء الباحثون كيف يمكن لبنى معينة مدفونة تحت الأرض، أو موجودة فوقها، أن تعدل طريقة انتقال الأمواج الزلزالية عبر الأرض. وقد درسوا على وجه الخصوص "أردية الاختفاء الزلزالية" التي يمكن أن توجه الأمواج الزلزالية للالتفاف حول مناطق معينة، فتحميها منها.

واستنتج الباحثون أنه يحتمل أن المسارح الرومانية كانت تلعب دور أردية اختفاء زلزالية بفضل شكلها، ويقولون إن هذا سبب بقائها لفترات طويلة.

ولنبدأ ببعض المعلومات الأساسية أولاً. فقد عرف الفيزيائيون منذ زمن أنه يمكن لأنماط معينة منتظمة من الأجسام أن تتفاعل مع الأمواج بشكل يوجهها ويعدل من سلوكها، ومن الأمور الغريبة في هذه الظاهرة أن الأجسام نفسها أصغر من الأمواج بكثير. ولكن تراكم أثر عدد كبير من الأجسام المرتبة في نمط منتظم يؤثر على الأمواج بشكل واضح.

في 2006، استخدم الفيزيائيون هذه الفكرة لتصميم نمط من الرنانات المعدنية التي يمكن أن توجه الأمواج الميكروية لتلتف حول منطقة ما في الفراغ. وبالنسبة لمراقب خارجي يستطيع رؤية الأمواج الميكروية، فإن هذه المنطقة -وأي شيء فيها- خفية ولا يمكن رؤيتها. أي أن الفريق تمكن من بناء ما يمكن أن نعتبره أول رداء اختفاء في العالم.

منذ ذلك الحين، تمكن الباحثون من بناء أردية اختفاء لنطاق واسع من الأمواج المختلفة في الطيف الكهرطيسي وغير ذلك. وفي 2012، اقترح الباحثون أن أردية الاختفاء الزلزالية يمكنها أن تحمي محطات الطاقة والسدود من الزلازل. وبعد ذلك، قام برول وزملاؤه ببناء رداء اختفاء من هذا النوع واختباره فعلياً.

ومنذ ذلك الحين، تابع الباحثون دراستهم للمواد الفائقة الزلزالية، التي يقولون إنها قد تتخذ عدة أشكال. وقد تضمنت الدراسات الأولى بنى أو فراغات تحت الأرض، ولكن الأعمال الأكثر حداثة تشير إلى أن المعالم والبنى السطحية -مثل الأشجار والأبنية- يمكنها أيضاً أن تؤثر على الأمواج الزلزالية.

تقول إحدى الأفكار إن الأمواج الزلزالية يمكن أن تتسبب في اهتزاز ناطحة سحاب، ولكن هذا الاهتزاز نفسه يؤدي إلى إرسال أمواج عبر الأرض. فإذا أثرت مجموعتا الأمواج على بعضهما البعض، أو حتى وصلتا إلى درجة معاكسة وإلغاء بعضهما البعض، فسوف يكون للمبنى أثر هام في تخفيف الأمواج الزلزالية.

وقد قام برول وزملاؤه حتى بإجراء قياسات على الأمواج التي تولدها ناطحة السحاب بسبب الضجيج الزلزالي لإثبات هذه الفكرة، وكان المبنى المعنيّ هو برج لاتينو أميريكانا، وهو ناطحة سحاب بارتفاع 282 متراً في مكسيكو سيتي، وقد صمد في وجه عدة زلازل عنيفة منذ بنائه في 1956.

طور الباحثون نموذجاً حاسوبياً لدراسة مجموعة من ناطحات السحاب على شكل دائرة، وكيف يمكن أن تلعب دور رداء اختفاء يشكِّل منطقة آمنة في الوسط. يقول الباحثون: "يمكن للمباني ضمن حلقة الرداء وخارج الرداء أن تتأثر إلى حد كبير بالموجة الزلزالية، ولكن المنطقة في الوسط (التي يمكن أن تكون متنزهاً على سبيل المثال) تشكل مكاناً آمناً يمكن للناس أن يتجمعوا فيه خلال الزلزال".

وخلال هذه الدراسات، لاحظ الباحثون شبهاً بين الأنماط الدائرية التي صمموها وتصميم المسارح الرومانية القديمة، ويقولون: "هناك تشابهات واضحة بين رداء الاختفاء الذي اختبرناه مع أنماط متعددة من الأمواج والمنظر العلوي للمسارح الرومانية-الغاليَّة (نسبة لمنطقة بلاد الغال القديمة). وقد يكون هذا السبب الذي سمح لبعض هذه البنى الضخمة، مثل المسارح المفتوحة، بأن تبقى سليمة عبر العصور".

إنها فكرة مثيرة للاهتمام، وقد يكون لها نتائج هامة على صعيد تصميم المباني المستقبلية ودراسة المباني القديمة.

مرجع: arxiv.org/abs/1904.05323:
دور البصريات النانوية في ولادة البنى الضخمة الزلزالية

المحتوى محمي