تعتبر البلورات من الأجسام المذهلة، ويعود هذا جزئياً إلى تناظرها. حيث أنها تتألف من أنماط متكررة تتشابه في بعض الاتجاهات، ولكن ليس في جميعها. وهو ما قد يدعو للاستغراب، لأن قوانين الفيزياء التي تحكم طريقة تكوّنها لا تتعلق بالاتجاهات.
يمثل التباين بين التناظر المكاني لقوانين الفيزياء وعدم تناظر البلورات ظاهرة تعرف باسم كسر التناظر. ولا تنتج عن إضافة الطاقة إلى النظام، بل عن أخذها منه. وبالفعل، فإن البلورات هي تجسيد لأنظمة في أضعف حالاتها الطاقوية. غير أن قوانين الفيزياء ليست متناظرة فقط في المكان، بل في الزمان أيضاً. وهو ما يثير أسئلة وجيهة حول ما إذا كان بالإمكان كسر التناظر الزماني بنفس الطريقة، أي: هل يمكن أن نبني بلورات زمنية؟
تمت الإجابة عن هذا السؤال بفضل عمل كريس مونرو في جامعة ميريلاند في كوليج بارك، وبضعة من زملائه، حيث كانوا أول من صنع بلورة زمنية في المختبر. تُعد العملية الأساسية لصنع البلورة الزمنية عملية مباشرة. وتقوم الفكرة على تشكيل نظام كمومي، مثل مجموعة من الأيونات المرتبة على شكل حلقة، وتبريدها حتى تصبح في أخفض حالاتها الطاقوية. وضمن هذه الظروف، تشير قوانين الفيزياء إلى أن الحلقة يجب أن تكون ثابتة تماماً.
ولكن إذا تم كسر التناظر الزمني، يمكن أن تتغير الحلقة بشكل دوري مع الزمن، أي أنها ستدور. ليس من الممكن بطبيعة الحال أن نستخلص الطاقة من هذه الحركة، حيث أن هذا سينتهك قانون انحفاظ الطاقة. ولكن كسر التناظر الزمني سيتجسد في هذه الحركة المتكررة مع الزمن، كما يتجسد كسر التناظر المكاني كأنماط متكررة في المكان.
هذه هي المفاهيم النظرية، ولكن في العالم الحقيقي، فإن الأمور ليست بهذه البساطة. وتتلخص المشكلة الأساسية في أن العالم الكمومي لا تحكمه متغيرات تعتمد على الزمن، وبالتالي فليس من الممكن كسر التناظر الزمني على هذا المستوى. أي أن تبريد حلقة من الأيونات إلى أخفض حالاتها الطاقوية، في الظروف العادية، سيؤدي إلى ثباتها. ولكن، توجد ظروف تتطور فيها الأنظمة الكمومية مع الزمن. وقد ركز مونرو وزملاؤه على هذه الأنظمة، أي التي ليست في حالة توازن. ويتألف نظامهم الكمومي من خط من أيونات الإيتيربيوم ذات دورانات ذاتية تتفاعل مع بعضها البعض.
يؤدي هذا التفاعل إلى سلوك خاص. فمن إحدى الميزات الغريبة للجسيمات الكمومية أنها لا تتواجد عادة في أماكن محددة، بل تنتشر في المكان مع فرصة لظهورها في أي مكان وفقاً لقوانين الاحتمالات. ولكن في بعض الظروف، يمكن أن يتغير هذا. وعلى سبيل المثال، يمكن لإلكترون منفرد ضمن المادة أن يتداخل مع نفسه بطريقة تجبره على الظهور في مكان واحد. وهو ما يعرف باسم تموضع أندرسون، تيمناً بالفيزيائي الذي توقعه في الخمسينيات.
بعد ذلك، قام الفيزيائيون بدراسة مجموعات من الجسيمات الكمومية التي تتفاعل مع بعضها بطريقة تؤدي إلى تموضعها جميعاً. يُطلق على هذه الحالة اسم تموضع الأجسام المتعددة، وهي حالة حساسة تحافظ على الجسيمات الكمومية ما بين حالتي التوازن وعدم التوازن. أي أنها تجبرها على التموضع، وهو بالضبط سلوك تلك السلسلة من أيونات الإيتيربيوم.
من أهم ميزات هذه الجسيمات مغنطتها أو دورانها، وهو ما يمكن قلبه باستخدام الليزر. إن قلب دوران أحد الأيونات سيؤدي إلى قلب دوران الأيون التالي، وهكذا دواليك. وبعد ذلك، تتذبذب تفاعلات الدوران بمعدل يعتمد على معدل قلب الليزر للدوران الأول. أي أن تردد التغيير الخارجي يحدد وتيرة التذبذب.
ولكن عندما قام مونرو وزملاؤه بقياس هذا المقدار، وجدوا أثراً آخر. فقد سمحوا للنظام بالتطور، واكتشفوا أن التفاعلات أصبحت تحدث بدور يساوي ضعفي الدور الأصلي. ونظراً لعدم وجود مؤثر خارجي بهذا الدور، فإن التفسير الوحيد هو أن التناظر الزمني قد انكسر، ما يسمح بالوصول إلى هذه القيم الأكبر للدور. أي أن مونرو وزملاءه قاموا بصنع بلورة زمنية.
قام الفريق بعد ذلك بقياس بعض الخواص لهذه البلورات. وعلى سبيل المثال، فقد وجدوا أن تغيير تردد المؤثر الخارجي لم يؤدّ إلى تغيير تردد البلورة الزمنية. ويقولون: "إن هذا يمثل ما يمكن أن نسميه صلابة البلورة الزمنية المتقطعة". وجد الفريق أيضاً أن بعض المشوشات الأخرى قد تؤدي إلى تدمير البلورة الزمنية في نهاية المطاف، كما يقولون: "إذا كانت المشوشات قوية للغاية، يمكن أن "تذوب" البلورة".
يُعتبر هذا العمل مثيراً للاهتمام، وإن كان مجرداً بعض الشيء. حيث يثبت إمكانية وجود البلورات الزمنية، كما توقع الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل فرانك ويلشيك في إم آي تي وآل شابير في جامعة كنتاكي في 2012. أما بالنسبة للتطبيقات، فقد قدم مونرو وزملاؤه بعض الاقتراحات. ويقولون، على سبيل المثال، أن البلورات الزمنية يمكن أن تستخدم في مهام المعلومات الكمومية، مثل تطبيق ذاكرة كمومية مستقرة. ولكن تموضع الأجسام المتعددة يعتبر ظاهرة غريبة وغير مفهومة بشكل جيد، ما قد يعني أن الفيزيائيين الآخرين سيرغبون بدراسة طبيعة هذا الأثر بدقة قبل أن يؤكدوا أنه يبين فعلاً وجود البلورات الزمنية.
يمكن أن نقول باختصار، ما زال هناك الكثير مما يجب القيام به من العمل المثير للاهتمام.
مرجع: http://arxiv.org/abs/1609.08684: رصد البلورة الزمنية المتقطعة.