إن العملة الرقمية -التي يقول بنك الصين الشعبي إنه على وشك إطلاقها- ستمنح الحكومةَ الصينية قدرةً غير مسبوقةٍ على مراقبة طريقة إنفاق مواطنيها للأموال. لكن يبدو أنَّ السلطاتِ الصينية حريصةٌ بشكلٍ خاص على طمأنة الجمهور بأن النظام الرقمي الجديد سوف يغفل هويات المستخدمين ومصادر العمليات، بنفس الطريقة التي اعتادوا عليها في تعاملاتهم بالعملات النقدية طالما أنهم لم يرتكبوا أية جريمة.
ومن المتوقع على نطاقٍ واسع أن تصبح الصين أولَ اقتصادٍ رئيسي يقوم بإصدار نسخةٍ رقمية من عملته السيادية، لكن الموعد الدقيق لإطلاق هذه العملة ليس معروفاً بعد. ويتمثل أحد الأهداف الجلية لهذا المشروع في الانتقال إلى استخدام العملات الرقمية لتحل محلَّ العملات النقدية، مما أثار التكهنات بأن الحكومة ستستخدمه بمنزلة أداةٍ للمراقبة.
لكن مو تشانجشن، مدير معهد الأبحاث التابع لبنك الصين الشعبي، قد عبَّر خلال خطابٍ له في مؤتمر بسنغافورة مؤخراً عن اعتراضه الشديد على هذا التصوُّر؛ حيث قال في خطابه وفقاً لرويترز: "نحن على دراية بحاجة الجمهور للحفاظ على سرية هويتهم من خلال استخدام العملات الرقمية والمعدنية، لذلك سنمحنهم ميزة حجب الهوية التي يطالبون بها في معاملاتهم الرقمية؛ إذ إننا لا نسعى للسيطرة والرقابة الكاملة على المعلومات الخاصة بهم".
لقد اعتمد المسؤولون الصينيون مصطلحاً مُحيِّراً لوصف إمكانات الخصوصية للنظام الجديد: ألا وهو مصطلح "حجب الهوية الخاضع للرقابة". وقد كرَّر مو استخدام هذا المصطلح مؤخراً عندما قال: "سوف نحافظ على التوازن بين حجب الهوية الخاضع للرقابة من جهة، ومن جهةٍ أخرى مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى قضايا الضرائب والمقامرة على الإنترنت، وأي أنشطةٍ إلكترونية إجرامية". وهذه التعليقات تُردِّد ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن مو الشهر الماضي، حين قال: "طالما أنك تلتزم بالقانون ولا ترتكب أية مخالفات وتحتاج أن تجري عمليات شراء لا ترغب في أن يكتشف الآخرون أمرها، فإننا ما زلنا نريد حماية هذا النوع من الخصوصية".
كيف سيقومون بتأمين "حجب الهوية الخاضع للرقابة"؟ حسنأً، إن من الصعب في المقام الأول معرفة المعنى العام لمصطلح "حجب الهوية الخاضع للرقابة"، ناهيك عن فهم معناه من الناحية التقنية، أو حتى من ناحية تجربة المستخدم. وعلى الرغم من أنه لم يتم الكشف إلا عن تفاصيل قليلة جداً حول كيفية عمل نظام العملة الرقمية المزمعة، لكن على ما يبدو فإن هذا النظام سيعتمد -بشكلٍ جزئي على الأقل- على تقنية البلوك تشين.
غير أنَّ أنظمة البلوك تشين بحدِّ ذاتها -حتى أكثر أنواعها لا مركزيةً- لا تغفل هويات المستخدمين ولا مصادر العمليات (فما بالك لو أخذنا بعين الاعتبار أن قاعدة بيانات البلوك تشين الصينية من المفترض أن تكون خاضعةً لسيطرة الحكومة؟). وبشكلٍ عام، تنشئ تقنية البلوك تشين سجلاً دائماً لكلِّ معاملةٍ مالية، بما فيها المعلومات عن المُرسل والمستقبِل وكمية الأموال. وعلى الرغم من أنَّ بعض العملات المشفرة، مثل زدكاش ومونيرو، تستخدم أحدث تقنيات التشفير لإخفاء المعلومات المتعلقة بالمعاملات، فهناك أمرٌ واحد مؤكد: ألا وهو أن صُناع السياسة المالية في جميع أنحاء العالم يتوقون لمعرفة ماهية الخطط المالية التي تخبِّئها الصين في جعبتها بالضبط.