كيف لضربات الصواعق أن تفسر ظهور الحياة على الأرض وفي أماكن أخرى؟

3 دقائق
ضربات الصواعق وظهور الحياة على الأرض
مصدر الصورة: يوهان بلينيو عبر بيكسلز

يمكن أن نشبّه البحث عن الحياة على الكواكب الأخرى بعملية الطبخ، (سيتطلب هذا التشبيه بعضاً من الصبر من قِبلكم) يمكن لجميع المقادير المطلوبة أن تتواجد في مكان واحد، مثل الماء والمناخ الدافئ والغلاف الجوي الكثيف، والمواد المغذية المناسبة، والمواد العضوية، ومصدر للطاقة، ولكن إذا لم يكن لديك أي عمليات أو أوضاع تؤثر على جميع هذه المقادير بشكل ما، فلن تحصل إلا على مجموعة من المواد الخام التي لن ينتج عنها أي شيء.

ولهذا، تحتاج الحياة في بعض الأحيان إلى شرارة من الإلهام، أو ربما تريليون شرارة. تشير دراسة جديدة نُشرت في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز إلى أن البرق قد يكون أحد المكونات الأساسية في جعل الفوسفور متاحاً لاستخدام الكائنات الحية لدى ظهور الحياة على الأرض لأول مرة منذ حوالي 3.5 مليار سنة. يعد الفوسفور مادة أساسية في تشكيل الدنا والرنا وATP (أدينوسين ثلاثي الفوسفات، وهو مصدر الطاقة لجميع أشكال الحياة المعروفة)، وغيرها من المكونات البيولوجية، مثل أغشية الخلايا.

يقول بنجامين هيس، الباحث في جامعة يال والمؤلف الأساسي للبحث الجديد: "في الواقع، فإن هذه الدراسة تمثل اكتشافاً تم بضربة حظ. وستفتح أمامنا احتمالات جديدة لاكتشاف الحياة على كواكب شبيهة بالأرض".

ليست هذه المرة الأولى التي أشار فيها الباحثون إلى البرق كعنصر أساسي في ظهور الحياة على الأرض. فقد أثبتت التجارب المخبرية أن المواد العضوية الناتجة عن البرق يمكن أن تتضمن مركبات سابقة لظهور الحياة، مثل الحموض الأمينية (التي يمكن أن تتحد لتكوين البروتينات).

غير أن الدراسة الجديدة تناقش دور البرق بطرق أخرى أيضاً. فمن أكبر الأسئلة التي حيرت العلماء هي كيفية حصول الحياة المبكرة على الفوسفور. وعلى الرغم من توافر الكثير من الماء وثاني أكسيد الكربون منذ مليارات السنوات، فإن الفوسفور كان معزولاً ضمن صخور غير قابلة للانحلال وغير قابلة للتفاعل. ويمكن أن نقول إن الفوسفور كان غير متاح على الإطلاق.

إذن، كيف تمكنت المتعضيات من الوصول إلى هذا العنصر الأساسي؟ تقول النظرية السائدة إن النيازك أوصلت الفوسفور إلى الأرض على شكل مادة معدنية تسمى شرايبرسيت، وهي قابلة للانحلال في الماء، ما يجعلها جاهزة للاستخدام من قبل الكائنات الحية. غير أن المشكلة الكبيرة في هذه النظرية تكمن في أن الحياة ظهرت منذ حوالي 3.5 إلى 4.5 مليار سنة، عندما كانت ضربات النيازك تتناقص أُسِّياً. وقد كان الكوكب في حاجة إلى كميات كبيرة من الشرايبرسيت الحاوي على الفوسفور لاستمرار الحياة. كما أن القوة التدميرية لضربات النيازك كانت كافية لقتل الحياة الناشئة (كما حدث لاحقاً مع الديناصورات) أو تبخير معظم الشرايبرسيت فور وصوله.

ولكن يعتقد هيس وزملاؤه أنهم اكتشفوا الإجابة الصحيحة؛ حيث إن الشرايبرسيت موجود أيضاً في مواد زجاجية تسمى "فولجورايتس" (عيدان الصواعق)، التي تشكلت عندما تضرب الصواعق الأرض. وعندما تتشكل عيدان الصواعق، يدخل في تركيبها الفوسفور الموجود في الصخور الأرضية. وهي قابلة للانحلال في الماء.

في البداية، قام مؤلفو الدراسة الجديدة بجمع عيدان الصواعق التي أنتجتها ضربات الصواعق على الأرض في إيلينويس في 2016، وذلك فقط لدراسة تأثيرات ارتفاع الحرارة الشديد والآني على هذه العينات. واكتشفوا أن الشرايبرسيت يشكل 0.4% من عينة عيدان الصواعق.

وبعد ذلك، قام الباحثون بحساب كمية الشرايبرسيت التي يمكن أن تكون قد نتجت عن الصواعق منذ مليارات السنين، في وقت قريب من الفترة التي ظهرت فيها الحياة على سطح الأرض لأول مرة. هناك الكثير من المنشورات العلمية التي تتضمن تقديرات للمستويات القديمة من ثاني أكسيد الكربون، وهو عامل مساهم في ضربات الصواعق. وبفضل استيعابهم للترابط ما بين مستويات ثاني أكسيد الكربون وضربات الصواعق، استخدم الفريق هذه البيانات لتحديد مدى انتشار الصواعق في تلك الفترة.

ووفقاً لتقديرات هيس وزملائه، فإن التريليونات من ضربات الصواعق يمكن أن تنتج ما بين 110 كيلوجرامات إلى 1,100 كيلوجرام من الشرايبرسيت سنوياً. وعلى مدى ذلك الوقت، يمكن أن يؤدي هذا النشاط للصواعق إلى إنتاج ما يكفي من الفوسفور لتحفيز المتعضيات الحية على النمو والتكاثر، وبكميات أكبر بكثير مما كان سيحدث عن طريق ضربات النيازك.

إنها معلومات مثيرة للاهتمام في دراسة تاريخ الأرض، ولكنها أيضاً تفتح أمامنا مجالاً جديداً للتفكير في الحياة في أماكن أخرى. يقول هيس: "قد تكون هذه هي الآلية الناجحة على الكواكب التي تندر فيها ضربات النيازك". هذا النموذج الذي يقوم على إنتاج الحياة عبر الصواعق يقتصر على البيئات ذات المياه الضحلة؛ حيث يجب أن تنتج الصواعق عيدان الصواعق في مناطق يمكن أن تنحل فيها بشكل ملائم لإطلاق الفوسفور، ولكن بحيث لا تتبدد في كميات هائلة من الماء في نفس الوقت. ولكن هذه المحدودية قد لا تمثل بالضرورة شيئاً سيئاً؛ ففي هذا العصر الذي شاع فيه هوس البيولوجيين الفلكيين بالعوالم المغطاة بالمحيطات، يمكن لهذه الدراسة أن تعيد التركيز إلى أماكن لم تغطِّها المياه بالكامل، مثل المريخ.

يجدر بالذكر أن الدراسة لا تشير إلى أن ضربات النيازك لم تلعب أي دور في جعل الفوسفور متاحاً للكائنات الحية. ويؤكد هيس على أن الآليات الأخرى، مثل المداخن المائية الحرارية، يمكن ببساطة أن تسمح بتجاوز الحاجة إلى النيازك أو الصواعق.

وأخيراً، فإن الأرض لم تكن على وضعها الحالي منذ 3.5 مليار سنة. وبالتالي، لا يمكننا الجزم بوجود كميات كافية من الصخور المعرضة للهواء في تلك الفترة، بحيث يمكن أن تضربها الصواعق وتشكل الشرايبرسيت وتجعل الفوسفور متاحاً للكائنات الحية.

سيترك هيس علماء آخرين يقودون العمل للإجابة عن هذه الأسئلة، بما أنها خارج نطاق عمله المعتاد. ويقول: "ولكنني آمل أن هذا سيدفع الباحثين إلى دراسة عيدان البرق واختبار تلك الآليات.  وآمل أن بحثنا سيساعدنا على دراسة وجوب البحث عن الحياة في بيئات المياه الضحلة، كما نفعل حالياً على المريخ".

المحتوى محمي