جوجل تتصدر السباق في الحوسبة الكمومية بفضل ابتكار خوارزمية تصحيح الأخطاء

5 دقيقة
جوجل تتصدر السباق في الحوسبة الكمومية بفضل ابتكار خوارزمية تصحيح الأخطاء
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تكنولوجي ريفيو | غيتي، ويكيميديا كومونز

يقول باحثون من شركة جوجل أنهم حققوا إنجازاً غير مسبوق في مجال تصحيح الأخطاء في الحوسبة الكمومية، وهو إنجاز قد يمهد الطريق أمام بناء أجهزة كمبيوتر كمومية يمكنها أن تفي أخيراً بالوعود التي تقدمها هذه التكنولوجيا.

يقول أنصار أجهزة الكمبيوتر الكمومية إن هذه الآلات ستتمكن من تقديم يد العون للاكتشافات العلمية في مجالات تتراوح من فيزياء الجسيمات إلى تصميم الأدوية والمواد، فقط إذا تمكن مصممو هذه الأجهزة من جعل مكوناتها المادية تعمل على النحو المنشود.

اقرأ المقال: تعرّف إلى جهود الإمارات والسعودية وقطر في تطوير الحوسبة الكمومية

التحديات التي تواجه تطبيقات الحوسبة الكمومية

من أكبر التحديات التي عانتها أجهزة الكمبيوتر الكمومية على الدوام هي أنها قد ترتكب الأخطاء في أثناء تخزين المعلومات أو تعديلها، وهو ما يمنعها من تنفيذ خوارزميات طويلة بما يكفي لتكون مفيدة من الناحية العملية. يبين البحث الجديد من مختبر جوجل للذكاء الاصطناعي الكمومي (Google Quantum AI) والجهات الأكاديمية الأخرى المتعاونة معه أنه يمكن فعلياً إضافة مكونات أخرى للتخفيف من هذه الأخطاء. سابقاً، وبسبب قيود تتعلق بالجوانب الهندسية، كانت إضافة المزيد من المكونات إلى الكمبيوتر الكمومي تؤدي في أغلب الأحيان إلى زيادة الأخطاء. في المحصلة، يدعم هذا العمل الفكرة التي مفادها أن تصحيح الأخطاء يمثل استراتيجية قابلة للتطبيق نحو بناء كمبيوتر كمومي مفيد عملياً. شكك بعض المنتقدين سابقاً في فعالية هذه الطريقة، وفقاً للفيزيائي في جامعة ديوك، كينيث براون، الذي لم يشارك في هذا البحث.

وفي تغريدة على منصة إكس (X)، كتب أحد أفراد فريق جوجل، مايكل نيومان، قائلاً: "إن أسلوب تصحيح الأخطاء ناجح حقاً، وأعتقد أنه سيتحسن على نحو متواصل مع مرور الوقت". (نشرت جوجل البحث على الخادم المخصص للأوراق البحثية في مرحلة ما قبل الطباعة أركايف (arXiv) في أغسطس/آب، غير أنها رفضت أن تقدم تعليقاً رسمياً لنشره في هذا المقال).

تركيز البيانات في الكمبيوترات الكمومية

ترمّز أجهزة الكمبيوتر الكمومية البيانات باستخدام أجسام تتصرف وفق مبادئ ميكانيك الكم. وللتوضيح على وجه الخصوص، فهي لا تخزن المعلومات باستخدام الأصفار والوحدان (0/1) فقط، على غرار أجهزة الكمبيوتر التقليدية، بل أيضاً باستخدام "حالات تراكب" (superpositions) كمومية من الواحد والصفر. من شأن تخزين المعلومات وفق صيغة تعتمد على حالات التراكب هذه، والتلاعب بقيمها من خلال التفاعلات الكمومية مثل "التشابك" (entanglement) الكمومي (وهو طريقة تربط بين الجسيمات المتباعدة حتى إذا كانت تفصلها مسافات كبيرة للغاية) أن يتيح استخدام أنواع جديدة تماماً من الخوارزميات.

لكن التطبيق العملي أظهر لمطوري أجهزة الكمبيوتر الكمومية أن الأخطاء تنتشر بسرعة في هذه الأجهزة، لأن عناصرها حساسة لغاية. يمثل الكمبيوتر الكمومي الواحد أو الصفر أو حالة التراكب من خلال وضع أحد مكوناته في حالة فيزيائية معينة، ومن السهل جداً تغيير تلك الحالات عن طريق الخطأ. وعندها، ينتهي المطاف بأحد مكونات الكمبيوتر في حالة فيزيائية لا تتوافق مع المعلومة التي من المفترض أنه يمثلها. تتراكم هذه الأخطاء مع مرور الوقت، ما يعني أن الكمبيوتر الكمومي لن يتمكن من تقديم إجابات دقيقة تعتمد على خوارزميات طويلة دون تصحيح الأخطاء.

اقرأ أيضاً: ماذا لو اجتمعت أهم التكنولوجيات المعاصرة: الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية؟

عملية تصحيح الأخطاء

ولتنفيذ عملية تصحيح الأخطاء، يجب على الباحثين أن يرمزوا المعلومات في الكمبيوتر الكمومي بأسلوب مميز. تتألف أجهزة الكمبيوتر الكمومية من مكونات إفرادية معروفة باسم "الكيوبتات الفيزيائية" (physical qubits)، ويمكن صنع هذه الكيوبتات من مجموعة متنوعة من المواد، مثل الذرات أو الأيونات الإفرادية. وفي حالة جوجل، يتألف كل كيوبت فيزيائي منفصل من دارة صغيرة فائقة الناقلية، ويجب أن تبقى هذه الدارة في حالة دائمة من البرودة الشديدة.

كانت التجارب الأولى على أجهزة الكمبيوتر الكمومية تعتمد على تخزين كل وحدة من المعلومات في كيوبت فيزيائي واحد. أما الآن، فقد بدأ الباحثون، بمن فيهم فريق جوجل، يجرون التجارب على ترميز كل وحدة من المعلومات في عدة كيوبتات فيزيائية. يشير الباحثون إلى هذه المجموعة من الكيوبتات الفيزيائية باسم الكيوبت "المنطقي" الإفرادي، ويمكن لهذا الكيوبت أن يمثل الواحد أو الصفر أو حالة التراكب بينهما. وفقاً للتصميم الذي وضعه الباحثون، يستطيع الكيوبت "المنطقي" الإفرادي الحفاظ على وحدة المعلومات بفعالية أكبر من الكيوبت "الفيزيائي" الإفرادي. يصحح فريق جوجل الأخطاء في الكيوبت المنطقي باستخدام خوارزمية معروفة باسم "الرمز السطحي" (surface code)، وهي تعتمد في عملها على الكيوبتات الفيزيائية التي يتألف منها الكيوبت المنطقي.

الكيوبت المنطقي

صنعت جوجل، في عملها الجديد، كيوبتاً منطقياً واحداً من أعداد مختلفة من الكيوبتات الفيزيائية. والأمر الأهم، أثبت الباحثون أن الكيوبت المنطقي المكون من 105 كيوبتات فيزيائية نجح في تقليل الأخطاء بفعالية أكبر بالمقارنة مع كيوبت منطقي مكون من 72 كيوبت فيزيائي. يشير هذا إلى أن زيادة عدد الكيوبتات الفيزيائية ضمن الكيوبت المنطقي "يمكن أن تحقق فعالية عالية للغاية من حيث تقليل ظهور الأخطاء"، على حد قول براون. هذا الإنجاز الجديد يرسم مساراً محتملاً نحو بناء كمبيوتر كمومي بمعدل أخطاء منخفض بما يكفي لتنفيذ خوارزميات مفيدة، على الرغم من أن الباحثين لم يثبتوا بعد أنهم قادرون على وضع عدة كيوبتات منطقية معاً وتوسيع نطاق القدرات للحصول على آلة أضخم.

أفاد الباحثون أيضاً أن عمر الكيوبت المنطقي يتجاوز عمر أفضل مكوناته من الكيوبتات الفيزيائية بأكثر من الضعف (لتوضيح الفارق أكثر، إذا افترضنا أن عمر أفضل كيوبت فيزيائي هو A فإن عمر الكيوبت المنطقي يتجاوز القيمة Ax2.4). بعبارة أخرى، يوضح عمل جوجل بصورة أساسية أنه يمكن تخزين البيانات في "ذاكرة" كمومية موثوقة.

ومع ذلك، فإن هذا الإثبات ليس سوى خطوة أولى نحو بناء كمبيوتر كمومي يصحح الأخطاء، على حد قول نائب رئيس المبادرة الكمومية في شركة آي بي إم (IBM)، جاي غامبيتا. ويشير إلى أنه في حين قدمت جوجل نموذجاً عملياً لذاكرة كمومية أكثر فعالية وموثوقية، فإنها لم تطبق أي عمليات منطقية على المعلومات المخزنة في تلك الذاكرة.

"في نهاية المطاف، الأمر المهم عملياً هو التالي: ما هو حجم الدارة الكمومية التي يمكنك أن تشغلها؟"، على حد قول غامبيتا. ويضيف: "وهل لديك مسار يوضح لك كيفية تشغيل دارات كمومية أكبر على نحو مطّرد؟" ("الدارة الكمومية" هي سلسلة من العمليات المنطقية التي ينفذها كمبيوتر كمومي).

اقرأ أيضاً: رقاقة جديدة قد تسرّع تقدم الحوسبة الكمومية

أساليب أخرى لتشغيل الدارات الكمومية

تتبع شركة آي بي إم، التي تتكون أجهزة الكمبيوتر الكمومية لديها أيضاً من كيوبتات مصنوعة من دارات فائقة الناقلية، طريقة لتصحيح الأخطاء تختلف عن طريقة الرمز السطحي التي اتبعتها جوجل. تعتقد آي بي إم أن طريقتها، المعروفة باسم "رمز التحقق من التكافؤ المنخفض الكثافة" (low-density parity-check code)، ستكون أسهل من حيث توسيع نطاق القدرات، حيث يتطلب كل كيوبت منطقي عدداً أقل من الكيوبتات الفيزيائية (المطلوبة في حالة طريقة جوجل) لتحقيق معدلات قابلة للمقارنة على صعيد تقليل الأخطاء. يقول غامبيتا إن آي بي إم تعتزم إثبات قدرتها على صنع 12 كيوبتاً منطقياً من 244 كيوبتاً فيزيائياً بحلول عام 2026.

يعمل باحثون آخرون على دراسة أساليب أخرى واعدة أيضاً. فبدلاً من الاعتماد على الدارات الفائقة الناقلية، يعتمد فريق مرتبط بشركة الحوسبة الكمومية التي تتخذ من مدينة بوسطن مقراً لها، كيو إيرا (QuEra)، على الذرات المتعادلة الشحنة لصنع الكيوبتات الفيزيائية. وفي وقت سابق من هذا العام، نشرت الشركة دراسة في مجلة "نيتشر" (Nature) بينت فيها أنها نفذت بعض الخوارزميات باستخدام ما يصل إلى 48 كيوبتاً منطقياً مصنوعاً من ذرات الروبيديوم.

يدعو غامبيتا الباحثين إلى التحلي بالصبر، وعدم المبالغة في إثارة الضجيج حول التقدم الذي أحرزوه. ويقول: "ببساطة، لا أريد من العاملين في هذا الحقل أن يعتقدوا أننا انتهينا من مسألة تصحيح الأخطاء". ببساطة، يتطلب تطوير المكونات المادية الكثير من الوقت، لأن دورة التصميم والبناء واستكشاف الأخطاء وإصلاحها طويلة للغاية، لا سيما إذا قارناها مع دورة تطوير البرمجيات. ويقول: "لا أعتقد أن هذه المسألة تقتصر على مجال الحوسبة الكمومية".

ويقول براون، إن تنفيذ الخوارزميات مع ضمان الحصول على فائدة عملية واضحة، يتطلب من الكمبيوتر الكمومي أن ينفذ نحو مليار عملية منطقية. ويقول: "لم يقترب أي أحد حتى من تحقيق مليار عملية حتى الآن". من الإنجازات المفصلية الأخرى أيضاً بناء كمبيوتر كمومي يتضمن 100 كيوبت منطقي، وهو الهدف الذي تخطط كيو إيرا لتحقيقه في عام 2026. سيكون كمبيوتر كمومي بهذا الحجم قادراً على إجراء عمليات محاكاة تتجاوز نطاق قدرات أجهزة الكمبيوتر التقليدية. تمكن علماء جوجل من صنع كيوبت منطقي واحد بجودة عالية، لكن الخطوة التالية هي إثبات قدرتهم على استخدامه في تنفيذ مهمة فعلية ما.

المحتوى محمي