أسبوع تلو الآخر، وبسبب التغيّر المناخي بشكل رئيسي، يبدو أننا نسمع المزيد من القصص حول الكوارث الطبيعية وآثارها المدمرة في الولايات المتحدة، مثل الأعاصير التي ضربت بورتو ريكو وفلوريدا، وموجات الجفاف في مناطق جنوب غرب أميركا، والحرائق البرية التي ألهبت منطقة الشمال الغربي المطلة على المحيط الهادي، إضافة إلى موجات الحر الحارقة في تكساس، والفيضانات الغريبة في كينتاكي وميسوري ومنطقة السهول الكبرى. ومعاً، تسببت هذه الأحداث الأشبه بأفلام الرعب بالدمار لملايين الأميركيين، وأصبحت بمثابة دلالة على الأوقات الصعبة المقبلة.
ولكن بعض التجمعات السكانية والمناطق تحملت آثار هذه الكوارث على نحو أفضل من غيرها، ويعود هذا إلى عامل مشترك بينها جميعاً.
من حول العالم: كيف ساهمت الطاقة الشمسية في التخفيف من عبء الكوارث؟
ولنطلع على بعض المعلومات من المناطق التي تعرضت إلى أسوأ آثار الكوارث. ففي فلوريدا، تمكنت "البلدة الشمسية" التي تعتمد بالكامل على الطاقات المتجددة، بابوك رانش، من "تحمل الإعصار إيان دون فقدان للطاقة وبأقل قدر من الأضرار"، كما أوردت محطة سي إن إن (CNN) في 2 أكتوبر/ تشرين الأول، وبعد عدة أيام، كان الآلاف من سكان فلوريدا الآخرين ما زالوا يعانون من كلتا المشكلتين. ومع اقتراب إيان من كارولاينا الجنوبية بعد ذلك بفترة قصيرة، أطلق مكتب إدارة الطوارئ التابع للولاية توصيات صريحة للمواطنين المعرضين للخطر بضرورة "الاحتفاظ بجهاز راديو أو تلفاز يعمل بالبطارية أو الطاقة الشمسية أو ذراع تدوير يدوية للاستخدام خلال أوقات انقطاع التيار الكهربائي".
اقرأ أيضاً: هل أصبح التغير المناخي مصدر خطر على الطاقات المتجددة أيضاً؟
وفي سبتمبر/ أيلول، وجدت مؤسسة إنسايد كلايميت نيوز (Inside Climate News) أن مواطني بورتو ريكو الذين قاموا بتركيب ألواح شمسية على حسابهم الخاص على أسطح منازلهم ومنشآتهم التجارية تمكنوا من الاحتفاظ بالطاقة الكهربائية خلال فترة انهيار الشبكة الكهربائية للجزيرة بعد إعصار فيونا. والآن، قررت الحكومة المحلية المضي قدماً بخطتها لزيادة القدرة الإنتاجية للطاقة الكهربائية بالألواح الشمسية. وفي كاليفورنيا، حجبت الشمس عن الألواح الشمسية المنزلية بسبب الدخان والغيوم خلال فترة الصيف المليئة بالحرائق البرية والعواصف المطرية الشديدة وموجات الحر، ولكن كمية الطاقة التي ولدتها هذه الألواح لأنظمة التخزين بالبطاريات كانت كافية لتوفير عدة أيام من الطاقة الكهربائية للسكان في خضم مخاوف انقطاع التيار الكهربائي. وقالت دائرة أوريغون العسكرية لإحدى مجلات الطاقة، إن شبكتها الصغيرة التي تعمل بالطاقة الشمسية حافظت على تشغيل تكييف الهواء في أحد مراكز الجاهزية خلال موجة حر غير مسبوقة.
وفي أوريغون أيضاً، لاحظت مؤسسة إينرجي تراست (Energy Trust) اللاربحية أن الشبكات الصغيرة العاملة بالطاقة الشمسية أتاحت للمئات من المنازل في المناطق المعرضة للحرائق الحفاظ على الكهرباء خلال انقطاع التيار من الشبكة الرئيسية، وذلك لتخفيف خطر اللهب الناجم عن التجهيزات الحساسة للطقس. وعندما تعرضت تكساس إلى احتمال انقطاع الكهرباء في يونيو/ حزيران بسبب وصول الطلب على الطاقة إلى مستويات قياسية، انتهى المطاف بتأمين ثلث حاجة الولاية عن طريق الطاقة الريحية والشمسية، كما أوردت صحيفة دالاس مورنينغ نيوز (Dallas Morning News reported)، ما ساعد في تخفيف الضغط عن الشبكة المحلية.
اقرأ أيضاً: تعرف على حل زهيد التكلفة لمعضلة شحن السيارات الكهربائية
ويمكنك العثور على المزيد من الأمثلة بمواصلة العودة إلى الماضي. ووفقاً لدراسة استغرقت عدة سنوات قامت بإجرائها وزارة الطاقة الأميركية، وهي دراسة لم تُنشر نتائجها إلا مؤخراً، فقد كان ضياع الطاقة في 2020 بسبب العواصف الرعدية العنيفة في الصيف في ولايتي آيوا وتكساس أخف من المتوقع بفضل الطاقة الشمسية. وبعد النظر إلى تاريخ الكوارث الطقسية في عدة ولايات في الفترة ما بين 2017-2020، توصل الباحثون إلى استنتاج نهائي مفاده أن "أنظمة الطاقة الشمسية، بما فيها حتى الأنظمة البسيطة المؤلفة من بعض الألواح وبطارية واحدة، قادرة على تزويد الأحمال الحرجة في المنزل بالطاقة لعدة أيام متتابعة، وفي أي مكان في البلاد من الناحية العملية"، كما كتب الباحثون في مجلة ذا كونفيرسيشن (The Conversation).
ففي 2018، تمكنت المزارع الشمسية في كارولاينا الجنوبية –الولاية التي تحتل المرتبة الثالثة في الولايات المتحدة من حيث الطاقة الشمسية- من تحمل الإعصار فلورنس مع تعطل مصادر أخرى للكهرباء. وفي 2017، قامت أنظمة الطاقة الشمسية من خارج الشبكة في مدن فلوريدا بتوفير الطاقة لإضاءة المنازل وإشارات المرور خلال الإعصار إرما. وفي حين قامت تلك العاصفة والإعصار ماريا بتدمير بورتو ريكو في 2017، لم يشهد مركز طبي ضخم في سان خوان أي تعطلاً في العمل بفضل مصفوفة شمسية متطورة على سطح المبنى. وفي حادثة قد تكون الأشهر، وخلال الظلام الذي عم أغلب منطقة مانهاتن الجنوبية في خضم العاصفة المدمرة ساندي، واصل مجمع جامعة نيويورك العمل بفضل شبكة كهربائية صغيرة تعمل بالطاقات المتجددة بشكل مستقل عن الشبكة العامة.
اقرأ أيضاً:هنالك طريقة حاسمة ولكنها ليست سهلة لإقناع الناس بالتصدي للتغير المناخي
مشكلة العدالة في توزيع مصادر الطاقة المتجددة
يمكننا بالطبع أن نعتبر كل هذا مجرد مجموعة من القصص عن الحظ السعيد. فالألواح الشمسية غير معروفة بقدرتها على مقاومة عوامل الطقس، ويمكن أن تتعرض للضرر بسبب العديد منها، مثل الحرارة العالية، والرياح الشديدة، وارتفاع مناسيب المياه، بل وحتى تلوث الهواء. ويمكن لتجهيزات الطاقة الشمسية التي تم تركيبها بشكل خاطئ أن تشتعل، كما حدث في بضعة مراكز توزيع تابعة لشركة أمازون (Amazon) في كاليفورنيا، كما يمكن أن يؤدي تركيب التجهيزات الشمسية على الأرض دون حمايتها بشكل جيد إلى جعلها معرضة لأضرار فادحة بسبب الأمطار أو العواصف الثلجية الشديدة. إضافة إلى ذلك، فقد يؤدي انهيار خطوط نقل التيار الممدودة فوق سطح الأرض إلى حرمان البعض من الكهرباء المولدة بالطاقات المتجددة.
وبالطبع، فإن تقلبات ضوء الشمس يمكن أن تضعف من أداء نظام الطاقة الشمسية دون وجود بنية تحتية للتخزين، سواء بالبطاريات أو غيرها، كما لحظت دراسة وزارة الطاقة المذكورة آنفاً. ومهما بلغت درجة تنوع مصادر الطاقة وحماية المنشآت وتعقيد التقنيات، فليس هناك نظام طاقة كهربائية ضخم قادر حالياً على تحمل كارثة كبيرة دون التعرض لأي أضرار. يذكر أن البنى التحتية المتطورة الصديقة للبيئة ليست متاحة للجميع. فالكثير من مصادر الطاقة المتجددة موزعة بشكل غير عادل، ما يعني أن الشرائح السكانية منخفضة الدخل محرومة منها. وتحاول بعض البرامج الحكومية في الولايات المتحدة معالجة هذه المشكلة.
ولكن الأمثلة المثبتة حول زيادة مقاومة الأنظمة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية تحمل الكثير من الدروس حول التحسين والتعديل. فاستخدام الشبكات الصغيرة وأنظمة الطاقة غير المركزية والمحلية يمكن أن يؤمّن المساعدة لتجمعات سكانية كاملة، حتى عندما تصاب الشبكة المركزية للمدينة أو للولاية بأكملها بالأعطال. (ويجب ألا ننسى: البطاريات مهمة للغاية) تم تصميم الألواح الحديثة في السوق لمقاومة الآثار الضارة للثلوج والأمطار والزلازل والحرارة الشديدة، وحتى تدوم لفترة أطول وتجمع كمية أكبر من الطاقة إجمالاً.
كما أن الأنظمة التي يتم تركيبها في إطار مبادرات محلية تخضع للاختبار للتأكد من مقاومتها لعوامل الطقس قبل البدء بتشغيلها. ويمكن لهياكل التثبيت المتينة على الأسطح والمباني العالية أن تساعد الألواح على تفادي المشكلات الناجمة عن الفيضانات العالية والتيارات العنيفة. كما يتم العمل على العديد من التجارب الأخرى، مثل أجهزة مراقبة الطقس المركبة على التجهيزات الشمسية، والتكنولوجيات الذكية للشبكات الصغيرة للتواصل مع شركات الخدمات الكبيرة لتوفير المزيد من الطاقة عند الحاجة.
اقرأ أيضاً: ما هي الحرارة التي يستطيع الجسم احتمالها؟
لم يكن الهدف من استخدام الطاقة المتجددة –ناهيكم عن أنواع محددة منها- حل مشكلة الطاقة بشكل نهائي. فنحن ندرك أن الرياح تهب وفق أنماط غير منتظمة، وأن الطاقة الكهرومائية تخضع للكثير من القيود بسبب الجفاف والضغط الذي تعاني منه أنظمة توزيع المياه، على الرغم من كل الفوائد الأخرى. ومن المهم أن يتم بناء منظومات عصر الطاقات النظيفة الجديد مع مراعاة أسوأ الآثار المناخية الحتمية المقبلة، فمجرد زيادة إنتاج الطاقة النظيفة لن يكون كافياً لإنقاذنا.
وعلى الرغم من هذا، فيبدو أن المدن والولايات بدأت بالانتباه إلى المستقبل. ففي نيو أورليانز، قررت المطاعم أن تعتمد على الطاقة الشمسية للحفاظ على التيار الكهربائي خلال الأعاصير المتكررة، وتوفير ملاذ للسكان المحتاجين. كما أن مدينة أوستن في ولاية تكساس بدأت بتأسيس مراكز دعم لمواجهة الكوارث مزودة بالطاقة الشمسية والبطاريات للقيام بدور مراكز طوارئ مكتفية ذاتياً استعداداً للكوارث المقبلة. إضافة إلى ذلك، فهناك المزيد من المدن والبلدان الولايات التي بدأت بإضافة الطاقة الشمسية إلى خططها للاستدامة.
قلة قليلة من الأماكن التي يمكنها إنكار دور الطاقة الشمسية في التكيّف مع المناخ والتخفيف من آثاره. وعلى الرغم من أن حاكم فلوريدا رون دي سانتيس يعمل على إعاقة العديد من الجهود المناخية في ولايته، ولكن حتى هو بدأ، على ما يبدو، بالاعتراف بفوائد الطاقة الشمسية وأهميتها. ففي أبريل/ نيسان، وفي معارضة نادرة لمجلس فلوريدا التشريعي الذي يسيطر عليه الجمهوريون، قام بنقض مشروع قانون كان سيؤدي إلى زيادة تكاليف تطوير الطاقة الشمسية بدرجة كبيرة بالنسبة للراغبين من سكان فلوريدا. وبعد إعصار إيان، من المرجح أن دي سانتيس مسرور بقراره هذا.