تَعِد الحواسيب الكمومية بإحداث تغيير في مجالات الأمن الحاسوبي والتمويل والعديد من المجالات الأخرى، من خلال حل مشاكل معينة بشكلٍ أسرع بكثير مما تفعله الآلات التقليدية. ولإطلاق العنان أمام هذه الإمكانات، أصدرت الحكومة الأميركية مؤخراً قانوناً يدعم قيام صناعة للحوسبة الكمومية تمتلك مقومات الاستدامة.
وقد أخبر كريستوفر مونرو (من جامعة ميريلاند) الحاضرين في مؤتمر إيمتيك -الذي تنظمه منصة إم آي تي تكنولوجي ريفيو- أن الولايات المتحدة في حاجة إلى جيل جديد من المهندسين، ممن تعلَّموا السلوكيات الغريبة للفيزياء الكمومية، إلى جانب مبادئ الهندسة الحاسوبية، وذلك من أجل أن يساعدوا على تصنيع حواسيب كمومية يمكنها أن تعالج مسائل العالم الحقيقي.
وهذا هو ما دفع مونرو إلى المساعدة في صياغة قانون المبادرة الكمومية الوطنية، وهو مشروع قانون تم إقراره مؤخراً، ينص على إنشاء برنامج فيدرالي لتسريع الأبحاث والتدريب في مجال الحوسبة الكمومية، وسيرصد القانون 1.275 مليار دولار ليساعد في تمويل العديد من مراكز الامتيار، التي ينبغي لها أن تساعد في تدريب العديد من مختصي الهندسة الكمومية.
كما أن مونرو هو أحد مؤسسي شركة "آي أون كيو IonQ"، وهي إحدى الشركات الناشئة التي تسابق الزمن حالياً لتطوير حواسيب كمومية صالحة للاستعمال، لكن من الصعب على هذه الشركات العثور على مهندسين يساعدونها في تطوير أنظمة قابلة للتطوير والتعديل بالإضافة إلى تسويقها، حيث يقول مونرو: "نحن في حاجة إلى مهندسين مختصين في النظم الكمومية"، ويضيف: "نحن في حاجة إلى القوة العاملة".
وتعمل الحواسيب الكمومية بطريقة مختلفة تماماً عن الآلات التقليدية، ففي الحاسوب العادي يتم تمثيل خانة المعلومات الأساسية (البت) باستخدام إحدى القيمتين 1 أو 0، أما في المجال الكمومي فتتصرف المادة بطرق غريبة؛ حيث إن البتات (أو تسمى الكيوبتات) -التي يتم إنشاؤها ومعالجتها باستخدام التراكب والتشابك- يمكنها إجراء أنواع معينة من الحسابات بسرعات عالية جداً على كميات هائلة من البيانات.
ومن الناحية النظرية، ينبغي لأي آلة كمومية تملك تمثيلاً للبيانات -باستخدام بضع مئات من الكيوبتات- أن تكون قادرة على تنفيذ حسابات يصعب على العقل تصوُّرها باستخدام عتاد حاسوبي تقليدي صلب.
ولكن من الناحية العملية، نجد أن من الصعب للغاية توسيع نطاق هذه الأنظمة، وذلك لأنها حساسة جداً لأي نوع من التدخل. ورغم أن الحواسيب الكمومية تم اقتراحها لأول مرة منذ عدة عقود، إلا أن الأبحاث المتعلقة بهذه التكنولوجيا قد تطورت بوتيرة بطيئة.
وتتسابق الشركات التكنولوجية الكبرى والناشئة حالياً لتطوير حواسيب كمومية تتمتع بالمزيد من القدرات الحاسوبية، حيث تعمل آي أون كيو على بناء حواسيبها باستخدام الأيونات المحتجزة داخل حقول كهربائية، في حين تقوم عدة شركات أخرى -بما في ذلك جوجل، وآي بي إم، وريجيتي- بتطوير حواسيب كمومية باستخدام دارات تتمتع بناقلية فائقة، وقد قدمت ريجيتي مؤخراً عرضاً عملياً لخدمتها السحابية الكمومية الجديدة (ويمكنك قراءة المزيد عن ذلك في هذه المقالة).
يقول مونرو إنه ينبغي للخطة الوطنية الجديدة أيضاً أن تساعد الولايات المتحدة على المنافسة دولياً، حيث تضخ الصين مليارات الدولارات في مشاريعها الخاصة بالحوسبة الكمومية. والمشهد الدولي مهم على وجه الخصوص لأن هذه التقانات تمتلك قدرات واعدة تجعلها مُجدِية في اختراق قنوات الاتصال وتأمينها في الوقت نفسه.
ويتوقع مونرو أن الحواسيب الكمومية -في غضون خمس سنوات- ستكون قادرة على إجراء حسابات يستحيل تنفيذها باستخدام عتاد حاسوبي تقليدي صلب، ولكن يبقى من غير الواضح على وجه الدقة مدى فائدة هذه الأنظمة المبكِّرة؛ نظراً لأن قدراتها ستقتصر فقط على أنواع معينة من العمليات الحاسوبية.
إذن سيكون التفكير في طرق استخدام هذه الآلات عائداً إلى مهندسي البرمجيات الكمومية، حيث يقول مونرو: "سيكون لها فائدةٌ ما عندما نقوم بتصنيعها".