شاب يثبت كاميرا على رأسه سعياً إلى فهم عمل الذاكرة

3 دقائق
مصدر الصورة: هانا كامبيل/ يوتيوب

غالباً ما يمشي مصطفى محسنفاند -الملقب بـ "نيو"- وهو يحمل عدسة بزاوية شديدة الاتساع على هاتف ذكي مثبت على صدره، وغطاء رأس مطاطي مغطى بالأقطاب الكهربائية لتخطيط موجات الدماغ، وكل ذلك في سبيل العلم.

حيث يحاول محسنفاند -وهو طالب في الدراسات العليا في مجموعة الواجهات التخاطبية المائعة في مختبر الوسائط في إم آي تي- أن يتعلم المزيد حول الذكريات والذاكرة، عن طريقي عملٍ حماسيٍّ يقوم على جمع ما أمكن من المعلومات عن نفسه وعن العالم المحيط به، ومطابقة إشارات قياساته الحيوية مع الأوقات والأحداث.

وقد بدأ محسنفاند منذ يناير في ارتداء هذه الكاميرا المحمولة، مع رباط أسود مثبت على معصمه الأيسر من أجل تتبع الإشارات الفيزيولوجية، ولفترة تتراوح عموماً ما بين 3 و16 ساعة يومياً. وفي يونيو أضاف أيضاً غطاء الرأس الموصول بمجموعة تخطيط الموجات الدماغية المحمولة؛ من أجل جمع بيانات الإشارات الدماغية بشكل فوري.

وقد جمع محسنفاند حتى الآن أكثر من 1,500 ساعة من التصوير، كما أنه يستخدم برنامجاً لجمع الفيديوهات والإشارات الحيوية كل بضعة أيام؛ لتركيب أفلام بطول دقائق، تنقص وتزيد من سرعتها بشكل يوافق إشاراته الحيوية، مثل تسارع نبض القلب أو تباطئه، ومستوى ناقلية بشرته، أي الأشياء التي لا يستطيع التحكم فيها بشكل متعمد، والتي يعتقد أنها تتوافق مع أهمية الأحداث في حياته، وهو يشرح ذلك بقوله: "يمكنني أن أضغط النهار بأكمله في فيلم بطول خمس دقائق، وأشاهده".

أما الأفلام الناتجة -والتي يبلغ عددها حوالي 300 حتى الآن، وبعضها بطول يوم واحد، والآخر يجمع ثلاثة أو أربعة أيام- فإنها تبدو مذهلة عند مشاهدتها، حتى لو كانت مجرد تسجيل لتفاصيل الحياة اليومية؛ ففي أحد الأفلام -المضغوط فيها 40 دقيقة من الزمن الحقيقي إلى دقيقتين- توجد لقطات مسرعة له (خارج حدود الكاميرا طبعاً) وهو يمشي مع صديقته الحميمة هانا كامبيل، ومن ثم لقطات أكثر بطئاً وهو يقف وحيداً في محطة قطار. وفي لقطة أخرى، يتجولان على الدراجة بسرعة البرق حول المدينة، ومن ثم يجلس في المنزل ليعزف الموسيقى التي تتذبذب سرعتها ثم تتباطأ.

ويُظهر أحد المقاطع -المضغوطة في دقيقتين- كيف كان نبضه يتغير أثناء مشاهدة فيلم "whiplash"، (وهو قصة مراهق موهوب في القرع على الطبول، وأستاذه ذو مِراس صعب، ويكفي أن تقرأ عنوان الفيلم لتعرف أنه سريع الإيقاع)، وقد كانت مقاطع قرع الطبول تمر بسرعة كافية لطمس النغمات الفردية، ولكن الفيلم يبطئ في بعض المواضع، والتي يظهر فيها غالباً معلم الموسيقى (الذي يمثل دوره النجم "ج. ك. سيمونز")، مثل اللقطة التي يخبر فيها عازف الطبول (مايلز تيلر) أنه فاز بالدور. يقول محسنفاند: "يبدو أنني أشعر بحساسية عالية تجاه العلاقات بين الأب والابن"، وذلك تعليقاً منه على تسارع قلبه خلال الحوارات ما بين آندرو (بطل الفيلم)، ووالده.

وقد تعلم محسنفاند بعض الأشياء بعد جمع مقاطع حياته اليومية وتلخيصها وإعادة مشاهدتها، ويقول إنه -على سبيل المثال- لم يدرك لطافة الناس تجاهه حتى شاهد تصوير يوم كامل، ولاحظ أن كل شخص تقريباً في مختبر الوسائط سأله عن حاله عند مصادفته.

كما استخدم محسنفاند البيانات التي جمعها لإيجاد وسائل لزيادة لطافته تجاه الآخرين أيضاً، فمثلاً لم يكن منتبهاً ذات مرة إلى زميل غرفته وهو يتحدث عن امتحان التفاضل والتكامل الذي كان يدرس استعداداً له، ولكن بعد أن أعاد مشاهدة الحوار لاحقاً، أرسل محسنفاند رسالة نصية إلى زميله ليعرض عليه المساعدة.

وقد وضع محسنفاند بعض القواعد المنظمة لعملية التسجيل؛ فعند استخدام الحمام يغطي عدسة الكاميرا أو يوجهها نحو الأعلى لتصوير وجهه، غير أنه لا يوقف التصوير تماماً، لأنه يرغب بقياس أي تغيرات فيزيولوجية عندما يقضي حاجته، ويقول إن أكثرها وضوحاً هو تباطؤ النبض.

ومن القواعد الأخرى: إيقاف التسجيل في أثناء العلاقة الحميمية، وهو قرار اتخذه مع شريكته في بداية المشروع؛ لأنهما شعرا بالقلق من إمكانية سرقة هذه التسجيلات، حتى لو كانت مخزنة بعيداً في حساب محمي بكلمة مرور في دروب بوكس.

وعادة ما يقوم محسنفاند بشرح عمله وضرورة تسجيل الفيديو عندما يدخل مثلاً إلى مصعد أو غرفة مليئة بالناس؛ وذلك حتى يطمئن الموجودين على خصوصيتهم. كما أن تطبيق التسجيل الذي صممه لهاتف بيكسل 2 المثبت على صدره يعلن بصوت مرتفع بدء التسجيل أو توقفه، ويقول إنه إذا لم يرغب شخص ما في الظهور في الفيديو، فإنه يوقف التسجيل بشكل مؤقت.

وإن هيذر أبيركرومبي (التي تشغل منصب بروفسورة مساعدة في جامعة ويسكونسن ماديسون، وتترأس مختبر الكلية للمزاج والذاكرة) تقول إن العلماء يميلون لجمع البيانات من مجموعات كاملة من الناس بدلاً من التعامل معهم كأفراد، ولكن نظراً لاختلاف ردود الفعل الفيزيولوجية في الأوضاع المختلفة باختلاف الأشخاص، فقد يكون تسجيل محسنفاند لحياته الفردية أمراً مفيداً. وتقول: "إذا تمكنا من تسجيل الاختلافات التي تطرأ على الأفراد على مدار الوقت، فسيكون هذا أمراً رائعاً".

وعلى الرغم من أن محسنفاند يراقب العديد من الإشارات مثل تزايد سرعة النبض، فإن أبحاث أبيركرومبي في البَشَر والذاكرة تقترح احتمال أنه يراقب الإشارة الخطأ، فنبض القلب وفقاً لعملها يبطئ في الواقع لثانية واحدة تقريباً عند حدوث شيء مهم؛ مثل اتصال هاتفي مفاجئ أو رؤية وجه مألوف بين الحشود، ومن ثم يعود إلى طبيعته.

وتعتقد أبيركرومبي أيضاً أنه سيكون من الصعب على محسنفاند الحصول على الكثير من المعلومات المفيدة من غطاء الرأس المستخدم لتخطيط الموجات الدماغية؛ وذلك لأن مجرد طرفة عين تكفي لتشويش الموجات الدماغية، ولكن محسنفاند يقول إن طرفة العين لا تؤثر إلا على بضع قنوات من مجمل قنوات تخطيط الموجات الدماغية في غطاء الرأس، والبالغ عددها 32 قناة.

وعلى كل حال فإن محسنفاند ملتزم بتجربته إلى أقصى حد، ويخطط لارتداء غطاء الرأس لحوالي تسع ساعات يومياً -وهي أقصى مدة لعمل البطارية- على مدى السنة المقبلة، إضافة إلى بقية التجهيزات.

تُرى، هل يخطط محسنفاند للتوقف عن التصوير بعد انقضاء تلك المدة؟ يبدو ذلك مستحيلاً نظراً لما قاله أخيراً: "أعتقد أنني سأقوم بهذا طوال حياتي".