تتنقل السيارات ذاتية القيادة باستخدام كل من أجهزة الاستشعار المثبَّتة على متنها -التي تحدِّد العوائق- بالإضافة إلى تفاصيل الخرائط ثلاثية الأبعاد للشوارع، واللافتات، والبنية التحتية. لكن بناء هذه الخرائط وتحديثها بشكل مستمر يُعدُّ مهمةً جسيمة، لذلك تتطلع "مابر Mapper.ai" -وهي شركة ناشئة مقرها في سان فرانسيسكو- إلى تبسيط هذه العملية عبر خدمة توفر خرائط يتم تحديثها باستمرار عند الطلب.
وهذه الخدمة -التي تنطلق في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر 2018- تتيح للشركات اختيار أي مكان في العالم يرغبون في الحصول على خريطة له، بشرط أن يكون لديه طرقات عامة، وبعد ذلك تقوم مابر باستئجار سائقين من سكان المنطقة المطلوبة لجمع البيانات الجغرافية، وتحويلها إلى خرائط ثلاثية الأبعاد، ثم تبيع هذه الخرائط الناتجة -والتحديثات اللاحقة- عبر خدمة تتطلب الاشتراك.
وقد عملت مابر مع مجموعة صغيرة من العملاء طوال العام الماضي على الخرائط المخصصة لكلا نوعي أنظمة القيادة (التي تمتلك قدرات كلية من التحكم الذاتي، والتي تمتلك قدرات جزئية منه)، وتمتلك الشركة حالياً خرائط لأماكن في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، ويتمثل هدفها النهائي في بناء أكبر مخزن في العالم للخرائط الخاصة بشوارع المدن والطرق السريعة، بحيث تكون مُحدَّثة باستمرار ومقروءة آلياً.
وعلى الرغم من أن الشركات تقوم باختبار السيارات ذاتية التحكم في عدد قليل من المدن في الوقت الحالي، إلا أن نيكيل نايكال (الرئيس التنفيذي لشركة مابر وأحد مؤسسيها) يرى أن التجارب ستمتد لتشمل عشرات المدن وتغطي آلاف الكيلومترات في غضون عام أو اثنين من الآن.
يقول نايكال -الذي عمل في مجال أجهزة الاستشعار ورسم الخرائط الخاصة بالسيارات ذاتية التحكم لأكثر من عشر سنوات-: "لم يتم بناء هذه الخرائط الآلية على نطاق واسع بعد، ونحن في مهمة لإنشائها في جميع أنحاء العالم أسرع من أي أحد آخر. ولأننا نمتلكها فإن بإمكاننا أن نبيعها للجميع".
أنشأت مابر هذه الخريطة الهندسية ثلاثية الأبعاد، وأضافت ملاحظات تُظهر علامات المسارات وإشارات المرور. مصدر الفيديو: تقدمة مابر
ومابر -في تقديرها المرجعيِّ لاتساع النطاق الجغرافي والسرعات الإجمالية على خرائطها- تعتمد على شبكتها الخاصة من العاملين المستقلين، كما أن القسم الأكبر من سائقيها يعمل لصالح شركات تقدم خدمات مشاركة ركوب السيارات (مثل أوبر وليفت)؛ حيث يسجِّلون بيانات الخرائط في منتصف النهار، وذلك عندما تكون طلبات التوصيل قليلة. (وتغري مابر هؤلاء السائقين عن طريق أن تدفع لهم مبالغ تصل إلى 3 دولار للميل الواحد، وهو يعادل ثلاثة أضعاف المبلغ المتوسط الذي يُعتقد أن سائق أوبر يتقاضاه للميل، أي دولار واحد).
ويستخدم السائقون سياراتهم الخاصة، وتزوِّدهم مابر بأجهزة رسم الخرائط التي يُكلف تجهيزها للعمل نحو 350 دولار، وبدلاً من تصميم معدات مكلِّفة لحاسبها الخاص، تشتري الشركة الناشئة أجهزة الاستشعار عبر الموقع الصيني للتجارة الإلكترونية "علي بابا"، وتضيفها إلى برمجياتها الخاصة التي تقوم بتجميع كافة البيانات اللازمة معاً.
ويحتوي أحد نماذج الأجهزة -وهو يلتف حول مرآة الرؤية الخلفية للسيارة- على 4 كاميرات للرؤية الآلية، وأجهزة استشعار تقيس الحركة الخطِّية والزاويَّة، ويوجد جهاز آخر موضوع على سطح السيارة، ومكوَّن من كاميرتين للرؤية الآلية، وأجهزة استشعار للحركة، وجهاز استشعار بسيط بتقنية الليدار؛ حيث يستخدم السائقون هذا الجهاز الأخير لرسم خرائط لشوارع المدن المزدحمة، بسبب أن تقنية الليدار هذه تفيد في التقاط الخصائص الهندسية للهياكل ثلاثية الأبعاد. وتزعم الشركة أن أسلوبها هذا يمكنه التقاط تفاصيل من رتبة 5 سنتيمترات، بما يكافئ التقنيات الأخرى المنتشرة.
ولتشكيل خريطة تخص منطقة معينة، يقوم السائقون -ببساطة- بتتبع التعليمات الصوتية خطوة بخطوة، والتي توجهها مابر عبر تطبيق للهواتف المحمولة تمت مزامنته مع جهاز تشكيل الخرائط، وبعد أن ينهوا مهامهم الموكلة إليهم، يقومون بتحميل المعلومات إلى مرافق التخزين السحابي الخاصة بمابر، حيث يتم تحويلها تلقائياً إلى ما يعرف بالسحابة النقطية، وهي تمثيل ثلاثي الأبعاد للعالم الحقيقي.
كما يقوم فريق آخر من العاملين المستقلين بالاطلاع على البيانات الناتجة، وإضافة الملاحظات الخاصة بعلامات المسارات، واللافتات المرورية، والإشارات الضوئية. ثم تقوم مابر بتزويد عملائها بالخرائط النهائية عبر شبكة الواي فاي، ويتم ذلك عادة بعد 24 ساعة من تلقيها لبيانات المسح الخرائطي للسيارات.
تستطيع هذه القوة العاملة الموزَّعة -ونموذج الخدمة الذاتية- أن تمكِّن مابر من تزويد عملائها بأحدث البيانات يومياً، مع ضمان أن خرائطها ستغطي كامل المنطقة المطلوبة. يقول نيهار جارج (الذي يقود عمليات تطوير منتجات مابر): "عندما يكون لدينا سائق على الأرض، يمكننا إجراء تلك العمليات الخاصة بالتوجيه بما تقتضيه حاجة العملاء. ويوماً بعد يوم تزداد سهولة تحديث البيانات، وكل ما علينا فقط هو صرف بعض الوقت على الأشياء التي تغيَّرت ضمن منطقة معينة".
ويقول أحد عملاء مابر -وقد طلب عدم الكشف عن اسمه لأنه يعمل لصالح شركة سيارات تستخدم الخرائط في مشروع سري- إنه فضَّل التعاقد مع هذه الشركة الناشئة على أسماء كبرى مثل "هير" و"توم توم"، يقول هذا العميل: "إن كنت تبرمج سيارة لكي تنعطف نحو شارع معين، عليك أن تعرف موقعك النسبي الدقيق ضمن الخريطة التي تستخدمها في التنقل، حيث لا يكفي أن تعرف موقعك ضمن العالم بصورة مطلقة. وستستطيع -مع هذا النوع الجديد من الخرائط- أن تحصل على هذا التحديد المحلي كجزء من خصائصها، وهو أمر في غاية الأهمية؛ لأن النظام العالمي لتحديد المواقع GPS وحده لا يتمتع بدرجة كافية من الاستقرار أو إمكانية التنبؤ به".
وهناك شركات أخرى ناشئة في هذا المجال -مثل ديب ماب- تقوم أيضاً بإنشاء خرائط محلية، ولكنها تطلب من عملائها أن يجمعوا لها البيانات؛ نظراً لأن هذه الشركات لا تمتلك بيانات رسم الخرائط الخاصة بها، فإنها تميل إلى إنشاء خرائط فردية لنفس المنطقة من أجل كل عميل لديها.
يقول نايكال إن مقاربة الشركة الحالية لن يتم تطبيقها على نطاق واسع بمجرد أن تنتقل السيارات ذاتية التحكم من مرحلة التطوير إلى مرحلة الإنتاج ثم إلى مرحلة النشر في أنحاء العالم؛ إذ ليس من المعقول أن يتم إنشاء خريطة لشارع ماركت الرئيسي في سان فرانسيسكو عشرين مرة لعشرين عميل مختلف، في حين يمكنك أن تبيع خريطة واحدة لعدة عملاء، وتضمن بأن محتواها يعكس الوضع القائم دائماً.
وعلى الرغم من أن السيارات ذاتية القيادة لم تُوفِ بوعودها بإحداث ثورة في وسائل النقل بعد، إلا أن نايكال يأمل لعمله في تجميع الخرائط الرقمية أن يصبح قاعدة أساسية للابتكارات، حتى إنه يفكر في توفير الخرائط للمطوِّرين الأفراد والمهندسين، على غرار الطريقة التي يستخدم فيها مطورو تطبيقات الهواتف المحمولة معلومات المواقع الجغرافية من خرائط جوجل (ولكنه لم يقرِّر بعد ما إذا كانت مابر ستتقاضى مبالغ مالية مقابل الحصول على هذه المعلومات أم لا).
يقول نايكال: "ليس بإمكان 5 مطورين اليوم أن يجلسوا في أحد مقاهي ستاربكس ويبتكروا حلاً للسيارات ذاتية التحكم، ولكن الأمر يصبح ممكناً لو أزلنا العوائق وسمحنا للناس أن يحصلوا على ما يطلبونه من الخرائط التي يمكن قراءتها آلياً لأي منطقة في العالم".