أقيمت احتفالات كثيرة في أميركا الشهر قبل الماضي عندما كشفت وزارة الطاقة الأميركية عن أسرع حاسوب فائق في العالم، والذي يعرف باسم "سوميت"، ويحتدم السباق الآن لتحقيق الإنجاز المهم القادم في قوة المعالجة، وهو الحوسبة بمعالجة من مرتبة إكسا فلوب، واختصاراً "إكساسكيل" (1 إكسا فلوب = مليار مليار عملية حسابية في الثانية).
يتضمن هذا الإنجاز بناء آلة قادرة على القيام بمليار مليار عملية حسابية في الثانية الواحدة (أو واحد إكسا فلوب) في غضون السنوات القليلة المقبلة، مما يجعلها أسرع بخمس مرات من "سوميت" (انظر الرسم البياني أدناه)، ولمضاهاة ما يمكن أن تقوم به آلة من مرتبة الإكسا في لحظة واحدة سيتوجب على كل شخص على الأرض إجراء عملية حسابية كل ثانية من كل يوم، ولأكثر من أربع سنوات.
هذه القدرة الاستثنائية ستمكِّن الباحثين من إجراء عمليات محاكاة في غاية التعقيد، مما يدفع عجلة التقدم في العديد من المجالات؛ من علم المناخ إلى علم الجينوم، والطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي؛ يقول جاك دونجارا (خبير الحوسبة الفائقة في جامعة تينيسي): "إن أجهزة الحاسوب من مرتبة إكسا تعدُّ أدوات علمية قوية، وهي تشبه إلى حد بعيد مصادمات الجسيمات أو التلسكوبات العملاقة".
وستكون هذه الآلات مفيدة في القطاع الصناعي؛ حيث سيتم استخدامها لأشياء مثل تسريع مراحل تصميم المنتجات وتحديد مواد التصنيع الجديدة، كما ستحرص المؤسسات العسكرية والاستخباراتية على الحصول على هذه الأجهزة الحاسوبية أيضاً؛ وذلك من أجل استخدامها في تطبيقات الأمن القومي.
ويشكل السباق إلى إنجاز الإكساسكيل جزءاً من منافسة متزايدة نحو الريادة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة، (كما تعمل كل من اليابان وأوروبا على تطوير الأجهزة الحاسوبية الخاصة بها، ويأمل اليابانيون أن يكون لديهم آلة جاهزة للعمل في 2021، في حين يأمل الأوروبيون ذلك في عام 2023).
وفي العام 2015 كشفت الصين الستار عن خطة لإنتاج آلة إكساسكيل بحلول نهاية عام 2020، ونوَّهت تقارير متعددة خلال العام الماضي أو نحو ذلك على أن الصين في طريقها إلى تحقيق هدفها الطموح، ولكن في مقابلة مع مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو أوضحَ ديبي تشيان (وهو أستاذ في جامعة بيهانغ في بكين، والمساعد في إدارة مساعي البلاد لإنجاح مشروع إكساسكيل) أن هذا الإنجاز قد يتأخر عن الموعد المحدد؛ حيث يقول في هذا السياق: "لا أعلم إن كان لا يزال بوسعنا تحقيقه بحلول نهاية العام 2020"، ويتابع: "قد يكون هناك تأخير لسنة أو نصف السنة".
وتعمل الفرق المكلَّفة في الصين على إنجاز ثلاث نماذج أولية من آلات إكساسكيل؛ تستخدم اثنتان منها رقاقاتٍ محلية الصنع (والمتوافرة بفضل العمل على الحواسيب الفائقة الموجودة التي طوَّرتها البلاد محلياً)، في حين تستخدم الثالثة تقنية المعالجات المرخَّص باستخدامها على نطاق واسع. يقول تشيان إن الإيجابيات والسلبيات الخاصة بكل مقاربة منهما ما زالت قيد التقييم، وإنه قد تم التراجع عن الدعوة إلى تقديم مقترحات لبناء حاسوب إكساسكيل يعمل بكامل طاقته.
وقد تتعرض الجداول الزمنية بسهولة إلى الكثير من العثرات؛ وذلك نظراً إلى التحديات الهائلة التي ينطوي عليها تصنيع مثل هذا الحاسوب القوي، مما قد يفسح المجال أمام الولايات المتحدة؛ حيث إن الهدف الأولي للصين قد أجبر الحكومة الأميركية على تسريع خريطة الطريق الخاصة بها، والتعهد بتقديم أول حاسوب لها من عائلة إكساسكيل في العام 2021 (أي قبل عامين من هدفها الأصلي). ويتم تطوير الآلة الأميركية المسماة "أورورا" لصالح مختبر آرجون الوطني التابع لوزارة الطاقة في ولاية إيلينوي، وتقوم شركة "كراي" للحوسبة الفائقة ببناء نظام التشغيل الخاص بآرجون، في حين تقوم شركة إنتل بتصنيع الرقاقات الخاصة بالآلة.
ويستخدم المهندسون -العاملون على تطوير أنظمة إكساسكيل في جميع أنحاء العالم- الحوسبةَ المتوازية (التفرعية) من أجل تعزيز أداء الحواسيب الفائقة، وهذه الحوسبة تنطوي على رزم آلاف الرقاقات داخل الملايين من وحدات المعالجة المعروفة باسم النوى، لكن إيجاد أفضل طريقة لجعل كل ذلك يعمل بصورة متوافقة يتطلب تجارب تستغرق وقتاً طويلاً.
كما أن نقل البيانات بين المعالجات -ومن وحدات التخزين وإليها- يستهلك الكثير من الطاقة؛ مما يعني أن تكلفة تشغيل الآلة على مدى عمرها التشغيلي يمكن أن تتجاوز تكلفة تصنيعها، وقد حدَّدت وزارة الطاقة الأميركية حداً أقصى من الطاقة، وقدره 40 ميجا واط لحاسوب واحد من فئة إكساسكيل، والذي سيؤثر على ميزانية الكهرباء بسبب تخصيص مبلغ يقرب من 40 مليون دولار سنوياً.
ويوضح ستيف سكوت (رئيس قسم التكنولوجيا في كراي) أن المهندسين يضعون مُكدِّسات مصفوفية ثلاثية الأبعاد من رقاقات الذاكرة قريبةً قدر الإمكان من النوى التي تنفِّذ العمليات لتقليل المسافة التي يتعين على البيانات أن تقطعها؛ وذلك من أجل تخفيض استهلاك الطاقة، كما أنهم يزيدون من استخدام الذواكر الوميضية (فلاش)؛ حيث إنها تستخدم طاقة أقل من الأنظمة البديلة (مثل التخزين على الأقراص الصلبة). وإن تقليل هذه الاحتياجات من الطاقة يجعل تخزين البيانات في مواضع مختلفة خلال العملية الحسابية خياراً أقل كلفة، كما يمكن لتلك البيانات المخزنة أن تساعد آلة الإكساسكيل على استعادة حالتها بسرعة إذا حدث أي خلل.
وقد ساعدت مثل هذه التطورات فريق أورورا؛ حيث يقول سكوت: "نحن واثقون من قدرتنا على تقديمه في العام 2021".
وسيتم تصنيع المزيد من هذه الآلات لاحقاً في الولايات المتحدة؛ حيث أعلنت وزارة الطاقة في أبريل الماضي عن طلبٍ لتقديم مقترحات بقيمة تصل إلى 1.8 مليار دولار لتصنيع حاسوبين آخرين من فئة إكساسكيل، ليبدأا العمل ما بين عامي 2021 و2023، ومن المتوقع أن تبلغ كلفة الحاسوب الواحد من 400 مليون دولار إلى 600 مليون دولار، وسيتم استخدام الأموال المتبقية لترقية أورورا، أو حتى لتصنيع آلة أخرى لاحقاً.
هذا وتقوم كل من الصين وأميركا أيضاً بتمويل العمل على البرمجيات الخاصة بآلات إكساسكيل، ويقال إن الصين لديها فرق تعمل في 15 مجالاً تطبيقياً، بينما تعمل فرق الولايات المتحدة في 25 منها، بما في ذلك تطبيقات في مجالات مثل الفيزياء الفلكية وعلم المواد؛ تقول كاثرين ييليك (المديرة المساعدة للعلوم الحاسوبية في مختبر لورنس بيركلي الوطني، والتي تعتبر أحد أفراد فريق القيادة الذي ينسق المبادرة الأميركية): "إن هدفنا هو تحقيق أكبر عدد ممكن من الإنجازات".
وعلى الرغم من أن السباق إلى بلوغ مرتبة إكساسكيل ينطوي أولاً على الكثير من الاعتزاز الوطني، إلا أن العمل الذي تقوم به ييليك وغيرها من الباحثين هو التذكير بأن القدرة الفائقة للحوسبة من مرتبة إكساسكيل ليست الاختبار الحقيقي للنجاح هنا؛ ما يهم حقاً هو مدى تسخيرها بشكل جيد لحل عدد من أصعب المسائل في العالم.