إذا كانت الإنترنت هي التقنية الوحيدة التي كانت تحدث تحولات كبيرة في جميع نواحي حياتنا منذ بضعة عقود، فقد جلب لنا القرن الواحد والعشرون عدة تقنيات جديدة بتأثير مشابه في نفس الوقت، ورغم أهمية تقانة النانو والهندسة الحيوية إلا أن كلاً منهما ليس سوى جزء من مجموعة الابتكارات الحالية. وكانت التقنيتان موضع نقاش في مؤتمر إيمتيك مينا لعام 2018 الذي نظمته مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو بالشراكة مع مؤسسة هيكل ميديا ومؤسسة دبي للمستقبل، في دبي بتاريخ 23-24 سبتمبر.
ففي الجلسة الصباحية لليوم الثاني من الحدث، كانت تقانة النانو والهندسة الحيوية موضوع نقاش مفصَّل للبروفسور منير نايفة (الذي يدرِّس في جامعة إيلينوي)، والآنسة نور شاكر (المؤسسة المشاركة والمديرة التنفيذية لشركة جي تي إن المساهمة المحدودة، وهي شركة تهدف إلى تحويل الصناعات الصيدلانية عن طريق تقنيتها الحائزة على براءة اختراع، والمسماة بالشبكات التنسورية التوليدية).
افتتح البروفسور منير نايفة الجلسة، وركَّز في حديثه على تقانة النانو وتطبيقاتها الحيوية، وقال إن هذه التقنية تسمح لنا بنمذجة أشياء لا يمكن أن نعثر عليها في الطبيعة وتطويرها، بحيث تتيح لنا أن نتخيل ونواجه مشاكل صعبة، سواء أكانت تتعلق بالأمراض، أو الغذاء، أو الطاقة.
كما قال: "إن تقانة النانو تتميز بغنى كبير وبوجود العديد من التطبيقات لها، مثل صناعة الملابس، والمواد، والرياضة، والإلكترونيات، وشاشات العرض، والمسشعرات، والطاقة، والطب"، وأضاف أنه سيركز في عرضه التقديمي على التطبيقات الحيوية.
واستعرض البروفسور نايفة عدة مواد تم بناؤها باستخدام تقانة النانو، التي تم تطويرها على نطاق صغير للغاية. وهذه المواد يمكن لها أن تغير من خواصها إذا تم تطويرها بهذه الطريقة المبتكرة، وبهذا تستطيع أن تكون ناقلة، أو شفافة، أو تلعب دور حفاز كيميائي، أو قابلة للاشتعال، أو متفجرة، أو غير ذلك.
وقد ركَّز البروفسور على استخدام هذه التقنية في الطب، مشيراً إلى أن بعض المواد النانوية قادرة على قتل السرطان، ويمكن استخدامها أيضاً لبناء مقصات عالية الدقة للجراحة أو لتطوير أساليب أكثر أماناً لنقل الأدوية عبر الجسم.
كما قال إن أكثر العناصر الكيميائية المستخدمة في الهندسة النانوية هي الكربون، والسيليكون، والذهب، والكادميوم، على الرغم من إمكانية تشكيل أشياء نانوية من أية مادة.
ويمكن في الطب أن يتم استخدام التطبيقات النانوية لإيجاد وسائل أفضل لاستهداف مرض أو منطقة معينة في الجسم بالدواء، ولهذا فإن هذه التقنية قد تثبت نجاحها في التشخيص والعلاج والجراحة.
وبالنسبة للسرطان تحديداً، فمن الممكن استخدام تقانة النانو لجعل الأدوية ذكية، بحيث يتم توجيهها بدقة نحو الأورام. ومن المعروف أن العلاج الكيميائي -المستخدم على نطاق واسع لمواجهة السرطان- يؤدي إلى تدمير أجزاء سليمة وصحيحة من الجسم البشري وليس الأورام فقط، أم هذه التقنية المبتكرة فيمكنها تحريك نفس الأدوية المستخدمة في العلاج الكيميائي عبر الجسم بدون التأثير على أي من الأعضاء أو الخلايا السليمة، ومن ثم استهداف الأماكن المصابة بالسرطان فقط.
ولكن يجب على هذه التقنيات -حتى تصل إلى مرحلة الانتشار العام- أن تحظى بالقبول من المجتمع ككل، مع دعم كامل من الصناعة، والشركات، ومختصي الرعاية الصحية، والمستثمرين، والمسؤولين الحكوميين، والحكومة نفسها.
ثم استمرت الجلسة مع الآنسة نور شاكر، فقدَّمت شركتها (جي تي إن) وناقشت تطبيقات الهندسة الحيوية وتقانة النانو في اكتشاف الأدوية، حيث تؤمِّن جي تي إن منصةَ تعلم آلي كمومي من أجل اكتشاف الأدوية صغيرة الجزيئات.
ويعتبر التعلم الآلي الكمومي من الطرق الجديدة لتحليل سلوك الجزيئات الصغيرة والاستفادة منها، وهو تركيبة فريدة تجمع ما بين الفيزياء الكمومية والتعلم الآلي، وقد قررت جي تي إن أن تعتمد هذا الأسلوب بشكل كامل.
كما أن الشركة تحاول حل معضلة فهمنا للمواد الكيميائية وكيفية التعامل معها، نظراً لأن عملية اكتشاف الدواء تستغرق ما يفوق 15 سنة، وتكلِّف حوالي 3 مليار دولار لكل نوع، لكن الشركة تعتمد على التعلم الآلي لمحاكاة نماذج متقدمة للجزيئات الصغيرة بحيث تأخذ بعين الاعتبار جميع خواصها المعروفة، وبعد ذلك تحاول أدوات التعلم الآلي اكتشاف هذه النماذج في العالم الحقيقي. ويمكن استخدام هذه التقنية أيضاً لتوقُّع سلوك الجزيئات الصغيرة أو أجزاء منها، وتقدير درجة فائدتها.
وتحمل تقانة النانو الكثير من الاحتمالات الكامنة للصناعات الدوائية ومجال الرعاية الصحية، ولكننا ما زلنا في البدايات، بالإضافة إلى أن هناك العديد من المخاطر التي يجب أن نعمل على التخفيف منها، خصوصاً ما يتعلق بالتلاعب بالدنا. كما أن أمامنا طريقاً طويلة قبل أن تصبح الأدوية النانوية متوافرة للجميع، ولكن من المؤكد أننا في الاتجاه الصحيح.