ترتفع مدخنتان إلى 152 متراً فوق محطة لتوليد الطاقة من الغاز الطبيعي قرب مرفأ موس لاندينج في كاليفورنيا، وتلقيان ظلاً صناعياً فوق البلدة البحرية الجميلة، وقد يصبح هذا المكان -إذا وافق المشرّعون في الولاية- موقعاً لأكبر مشروع بطاريات أيونات الليثيوم بحلول أواخر العام 2020، من أجل المساعدة على موازنة تذبذب طاقة الشمس والرياح على شبكة كهرباء كاليفورنيا.
وتشكل هذه المنشأة باستطاعة 300 ميجا واط جزءاً من مجموعة من أربعة مشاريع عملاقة لتخزين الطاقة ببطاريات أيونات الليثيوم، وهذه المشاريع تابعة لشركة باسيفيك للغاز والكهرباء (وهي الأكبر في كاليفورنيا)، وقد طُلبت الموافقة عليها في أواخر يونيو من هيئة الخدمات العامة في كاليفورنيا، وستضيف هذه المشاريع -مجتمعة- إلى الشبكة قدرة تخزين كافية لتزويد حوالي 2,700 منزل بالكهرباء لمدة شهر كامل، أو ما يكافئ تخزين 0.0009% من مجمل الطاقة الكهربائية التي تستهلكها الولاية سنوياً.
وتعتبر مشاريع كاليفورنيا جزءاً من جهود متنامية على مستوى العالم لبناء أنظمةٍ أكبر فأكبر لتخزين الكهرباء ببطاريات أيونات الليثيوم؛ مثل مجموعة بطاريات تسلا باستطاعة 100 ميجا واط في جنوب أستراليا. ويزداد التفاؤل بإمكانية الاعتماد على هذه البطاريات العملاقة مع انخفاض الأسعار، ومع تزايد توليد الكهرباء بالاعتماد على الطاقات المتجددة بفضل هذه المشاريع، وذلك لإحلال طاقة الشمس والرياح محل محطات التوليد بالوقود الأحفوري، والتي يتزايد عددها باستمرار.
ولكن هذا السيناريو الحالم لا يخلو في الواقع من المشاكل؛ حيث إن هذه البطاريات مكلفة للغاية ولا تدوم لفترة طويلة وكافية، مما يحدُّ من الدور الذي يمكن أن تلعبه في الشبكة وَفقاً للخبراء، وقد نكون معرضين لمخاطرة باهظة التكاليف إذا كنا نخطط للاعتماد عليها في تخزين كميات هائلة من الكهرباء مع تزايد التوليد بالطاقات المتجددة، بدلاً من الاتجاه نحو مجموعة من المصادر ذات الأثر الكربوني المنخفض؛ مثل الطاقة النووية والتوليد بالغاز الطبيعي مع تقنية احتجاز الكربون.
جرعات صغيرة
يمكن استثمار تقنية التخزين بالبطاريات بأفضل شكل ممكن إذا لعبت دوراً محدوداً، يقوم على العمل بدلاً من محطات التوليد للذروة، وذلك وفقاً لتحليل في 2016 من باحثين في إم آي تي ومختبر أرجون الوطني.
أما هذه المحطات فهي منشآت توليد أصغر استطاعة، يعتمد أغلبها حالياً على الغاز الطبيعي، ويمكن أن تعمل بشكل متقطع بحيث تُستخدم بشكل سريع وطارئ عند ارتفاع الأسعار وزيادة الطلب، ويمكن لبطاريات أيونات الليثيوم أن تتنافس مع محطات الذروة هذه من الناحية الاقتصادية خلال خمس سنوات، حيث يقول ماركو فيريرا (وهو مؤسس مشارك في فورم إينيرجي، التي تتبع لإم آي تي وتعمل على تطوير بطاريات التخزين للشبكات الكهربائية): "لقد اقترب استخدام محطات الذروة الغازية من نهايته، وتعتبر بطاريات أيونات الليثيوم بديلاً ممتازاً".
وقد صممت أغلب مشاريع البطاريات الجديدة والمقبلة للعب هذا الدور بالضبط، حيث يستطيع مشروع التخزين في كاليفورنيا أن يحل محل ثلاثة منشآت للتوليد بالغاز الطبيعي في المنطقة، اثنتان منها محطات للذروة.
ولكن البطاريات تواجه مشاكل حقيقية عند تجاوز هذا الدور؛ فقد وجد مؤلفو الدراسة سابقة الذكر في 2016 أن إضافة الكثير من سعة التخزين إلى الشبكة تؤدي إلى تناقص العوائد بشكل حاد، واستنتجوا أن ربط التخزين بالبطاريات مع محطات الطاقات المتجددة يعتبر "بديلاً ضعيفاً" لمحطات التوليد الضخمة ذات الدورة المركبة، والتي تعمل بالفحم أو الغاز الطبيعي (الدورة المركبة تعني استخدام الفائض الحراري لتوليد المزيد من الكهرباء)، وهي محطات ذات أنظمة تشغيل مرنة، يمكن استخدامها في أي وقت، وتعمل باستمرار، ويمكن تغيير خَرْجها مع تغير الطلب خلال أوقات اليوم.
ولا تعتبر تقنية أيونات الليثيوم مكلفة بالنسبة لهذا الدور فقط، بل إن محدودية حياة البطارية تعني أنها غير ملائمة لتعويض النقص الحادث في الأيام أو الأسابيع -أو حتى الأشهر- التي يتوقف فيها توليد طاقة الرياح والشمس، وتظهر هذه المشكلة بوضوح في كاليفورنيا؛ حيث ينخفض إنتاج طاقتي الرياح والشمس بشكل حاد في أشهر الخريف والشتاء، كما يبدو في الأنماط الموسمية الموضحة في الشكل التالي:
يؤدي هذا إلى مشكلة حساسة؛ فعندما تشكل الطاقات المتجددة نسبة كبيرة على الشبكة ستظهر الحاجة إلى عدد كبير للغاية من المحطات الريحية والشمسية؛ وذلك لتوليد ما يكفي من الفائض في موسم ذروة طاقة الرياح والشمس، من أجل للمحافظة على عمل الشبكة في أثناء الانخفاضات الموسمية لهاتين الطاقتين، وذلك وفقاً لجيسي جينكينز (وهو مؤلف مشارك في الدراسة، وباحث في أنظمة الطاقة)؛ وهو ما يتطلب -بدوره- وجودَ عدد كبير من وحدات التخزين للبطاريات من أجل الاحتفاظ بهذا الفائض حتى وقت الحاجة، والنتيجة النهائية له هي تكاليف بأرقام فلكية.
أحلام كاليفورنيا
هناك مسائل لا تستطيع كاليفورنيا تجاهلها لوقت طويل؛ فقد بدأت في السعي إلى الاعتماد بنسبة 50% على المصادر النظيفة لتوليد الكهرباء بحلول العام 2020، كما أن المشرعين بدؤوا مرة أخرى في دراسة مشروع قانون يُلزم الولاية بالوصول إلى نسبة 100% بحلول العام 2045، وحتى تزداد الأمور تعقيداً فقد صوت المشرِّعون في يناير المنصرم على إغلاق آخر محطة توليد نووية في الولاية، وقد كانت تمثل مصدر كهرباء بدون أثر كربوني يؤمِّن حوالي 24% من طاقة شركة باسيفيك للغاز والكهرباء، وهو ما سيجبر كاليفورنيا على الاعتماد بشكل كبير على المصادر المتجددة لتلبية احتياجاتها.
وقد وجدت مؤخراً مجموعةُ الهواء النظيف (وهي مجموعة خبراء مختصين في سياسات الطاقة في بوسطن) أن تحقيق نسبة 80% للطاقات المتجددة في كاليفورنيا سيؤدي إلى فوائض توليد هائلة خلال أشهر الصيف، مما يتطلب تأمين سعة تخزين تساوي 9.6 مليون ميجا واط ساعي، أما تحقيق نسبة 100% فسوف يتطلب سعة تخزين تساوي 36.3 مليون ميجا واط ساعي.
ويبلغ إجمالي سعة التخزين حالياً في الولاية 150,000 ميجا واط ساعي، وهي تتألف بشكل أساسي من التخزين الكهرمائي (أي استخدام الكهرباء الفائضة لضخ المياه إلى أماكن مرتفعة، بحيث تستخدم لاحقاً في توليد الكهرباء مرة أخرى عند الحاجة)، مع نسبة صغيرة من البطاريات.
إن الوصول إلى المستويات المطلوبة من التخزين والتوليد بالطاقات المتجددة لتحقيق أهداف الولاية سيزيد من التكاليف بشكل مضاعف؛ من 49 دولار لكل ميجا واط ساعي عند نسبة 50% إلى 1,612 دولار عند نسبة 100%، وذلك مع افتراض أن تكاليف بطاريات أيونات الليثيوم ستبلغ تقريباً ثلث قيمتها الحالية.
يقول ستيف بريك (وهو مستشار أساسي في مجموعة الهواء النظيف): "إن تكاليف التخزين ستهيمن على النظام بأكمله، ويصبح لديك آلة تخزين هائلة تملؤها بحلول منتصف العام، ومن ثم تكتفي بتفريغها؛ أي أنه استثمار يكافئ شبه تجميد لرأس مال هائل".
وستؤدي هذه العوامل إلى زيادة كبيرة في تكاليف الكهرباء للمستهلكين، يقول بريك: "يجب أن نسأل أنفسنا: هل هناك أي احتمال لأن يتقبل العامة هذا الأمر؟".
وقد نُشرت دراسة بشكل مشابه في وقت سابق من هذا العام في مجلة Energy & Environmental Science، ووجدت أن تحقيق 80% من احتياجات الكهرباء للولايات المتحدة بالاعتماد على طاقتي الرياح والشمس سيتطلب وجود أحد أمرين: إما نظام نقل عالي السرعة على مستوى البلاد بأسرها من أجل موازنة التوليد بالطاقات المتجددة على امتداد مئات الكيلومترات، أو إمكانية تخزين 12 ساعة من الكهرباء للنظام بأكمله، وإن نظام تخزينٍ بالبطاريات على هذا المستوى -ووفقاً للأسعار الحالية- سيكلف أكثر من 2.5 تريليون دولار.
أسعار مرعبة
لا شك أنه ما زال من الممكن بناء أنظمة تخزين أفضل وأرخص للشبكة، وقد بدأ الباحثون والشركات الناشئة في دراسة عدة خيارات محتملة؛ فقد تمكنت فورم إينيرجي -على سبيل المثال- مؤخراً من الحصول على تمويل من مؤسسة بريكثرو إينيرجي فينتشرز التابعة لبيل جيتس، وتعمل حالياً على تطوير بطاريات تعمل بتدفق الكبريت المائي، وهي تدوم لفترات أطول بكثير، وتكلف حوالي خُمس التكلفة التي قد تستقر عليها بطاريات أيونات الليثيوم، كما أن هذه البطارية -وَفقاً لنماذج فيريرا- قد تتيح إمكانية الاعتماد على الطاقات المتجددة بنسبة 90% في معظم الشبكات، مع ارتفاع هامشي للتكاليف مقارنة بالقيم الحالية.
غير أن الاعتماد على هذه الإنجازات في مجال البطاريات يظل مغامرة غير محسوبة، وحتى لو تمكنت فورم إينيرجي أو غيرها من تحقيق النجاح فسوف تزداد التكاليف بشكل مضاعف بعد عتبة 90%، وذلك كما يقول فيريرا.
ويقول جينكينز: "إن المخاطرة هنا هي في تزايد تكاليف التخلص من الكربون في قطاع الطاقة، ووصولها إلى درجة سيقتنع عندها العامة أن تكاليف التخلص من الكربون تجاوزت -ببساطة- حدود التحمل".