بدعم من جامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، نظَّمت مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو مؤتمر إيمتيك مينا لعام 2018 بالشراكة مع مؤسسة هيكل ميديا ومؤسسة دبي للمستقبل، في دبي بتاريخ 23-24 سبتمبر. وقد كان أحد المواضيع الرئيسية التي نوقشت في هذا الحدث هو مفهوم "المدينة الواعية"، الذي يُشار له أيضاً باسم "المدينة الذكية"، وخلال جلسة أقيمت في أول أيام المؤتمر، قدَّم ثلاثة من خبراء التكنولوجيا والمديرين التنفيذيين وجهات نظرهم حول هذا المفهوم، بما في ذلك البروفسورة كارولاينا أوسوريو (الأستاذة المساعدة في الهندسة المدنية والبيئية في جامعة إم آي تي)، وميلوش ميليسافليفيتش (مؤسس شركة "ستروبيري إنيرجي" لصناعة الأثاث الذكي)، وأمباريش ميترا (المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لشركة بليبار التكنولوجية المتخصصة في مجال الواقع المعزز).
افتتحت البروفسورة كارولاينا أوسوريو الجلسة، وألقت خطاباً يستند إلى عرضها التقديمي الذي حمل عنوان "تحقيق المستوى الأمثل من التنقُّل واسع النطاق في المناطق الحضرية"، وكان يتمحور حول مشاكل النقل في البيئات الحضرية حول العالم، وقد أشارت إلى أن الجيل التالي من أنظمة التنقل ستعتمد بشكل كبير على أدوات البيانات الكبيرة، من أجل أن تعزز المعلومات الواردة من مختلف أجهزة الاستشعار المتصلة بكل من السيارات، والأجهزة، والبنية التحتية نفسها. كما أن قدرات اتصال السيارات فيما بينها "V2V" والاتصال المتبادل بين السيارات والبنية التحتية "V2I" سيشهدان نمواً أيضاً، مما يضمن الاستجابة الفورية والفعَّالة.
كما أن على أنظمة التنقل واسعة النطاق أن تنظر إلى الأفراد أنفسهم بعين الاعتبار، فهم قد يتأثرون بالبيانات التي تظهر في الزمن الحقيقي، وربما يغيرون سلوكياتهم وخططهم الأولية، وبالتالي يؤثرون على حركة المرور حتى يصبح التنبؤ الأوَّلي بها أقل أهمية، ويستدعي ما تسميه أوسوريو "معلومات عالية الدقة"، وهي تحليل واسع النطاق يهتم بكل الجوانب التي يمكن أن تؤثر على الحالة المرورية.
وقالت أوساريو إن أنظمة النقل الناجحة تعتمد على ثلاثة خواص أساسية؛ حيث ستتمحور حول المستخدم، وستكون مستدامة، وستكون سريعة التطوير، خصوصاً في وجود دعم من القطاع الخاص.
كما كشفت أوساريو عن إسهامها في عدة دراسات لحالاتٍ مختلفة حول العالم، وكانت هذه الدراسات تتعلق بتشارك السيارات، ونماذج الحركة، وغيرها من أنظمة النقل، وقد توصلت إلى الاستنتاج التالي:
"في مجال النقل -وبوجود كل هذه البيانات- أعتقد أن هناك فرصة كبيرة لابتكار خدمات جديدة في النقل قادرة على إحداث ثورة في هذا المجال، ولكن بالاعتماد بشكل خلَّاق على البِنى التحتية الموجودة لدينا، دون الاحتياج أو الاضطرار إلى الاستثمارات الكبيرة".
وقد استمرت الجلسة مع عرض تقديمي من ميلوش ميليسافليفيتش (المدير التنفيذي لشركة ستروبيري إنيرجي)، وقد تحدث عن تصوُّر شركته حول المدن الذكية في المستقبل، حيث يرى أن أحد أهم تحديات المناطق الحضرية في سعيها للتحول إلى مدن ذكية هي: البِنى التحتية اللاغية، وذلك مثل قمرات الهاتف والمقاعد العامة.
إذ إن الشركة تنتج وتوزِّع مقاعد ذكية تستخدم الألواح الشمسية لتوليد الطاقة، بل إن من الممكن تزويد هذه المقاعد الذكية بكافة أنواع المستشعرات، وذلك من أجل جمع بيانات في الزمن الحقيقي حول الحرارة، وجودة الهواء، والرطوبة، ومستوى ثنائي أكسيد الكربون، وغيرها من المسائل البيئية. كما يمكن تركيب هذه المقاعد في مناطق مختلفة حول العالم، مثل لندن التي تحتوي على شبكة كاملة منها.
أما المتحدث الأخير في الجلسة فكان أمباريش ميترا (الذي يدير شركةً تقنية تركز على الواقع المعزز وحلول الرؤية الحاسوبية)، وقد تمحور عرضه التقديمي حول أهمية الإدراك في الزمن الحقيقي والرؤية الحاسوبية في المناطق الحضرية، وتُقدِّم بليبر (الشركة التي ساهم ميترا في تأسيسها) حلولاً لهذه الحالات تعتمد على الواقع المعزز.
وهو يقول إن المدن الذكية المستقبلية ستسمح لسكانها برؤية المزيد من المعلومات في كل مكان، وذلك بفضل نظامها الإدراكي، حيث سيستطيعون -ببساطة- أن يشيروا بأجهزتهم الذكية نحو المباني والمواقع لرؤية المزيد من التفاصيل عنها، ويمكن -بمساعدة الواقع المعزز- أن يدعموا الواقع -حرفياً- بنماذج وبيانات افتراضية تتيح المزيد من الاستخدام الخلَّاق والمفيد لصناعات مختلفة.
وعند سؤال ميترا عما إذا كانت أنظمة الإدراك والرؤية الحاسوبية ستصبح من الأنظمة واسعة الاستخدام خلال عشر سنوات، أجاب بكل ثقة:
"لن تصبح واسعة الاستخدام فحسب، بل إني أقدِّم لكم الآن توقعاً أتحمل مسؤوليته شخصياً، وهو أنه بحلول العام 2025 سيتم الوصول إلى 50% من المعلومات على مستوى العالم باستخدام الرؤية والصوت، بدلاً من الكتابة والطباعة كما هو الوضع حالياً". وأضاف أيضاً أن الواقع المعزَّز سيصبح ظاهرة أكبر من الإنترنت نفسها.
وفي المحصلة فإن مدن المستقبل ستعتمد على أدوات البيانات الكبيرة لحل التحديات الموجودة وتحسين نوعية الحياة لسكانها، ومن الجدير بالذكر أن دبي نفسها تطمح للتحول إلى مدينة ذكية بعد بضع سنوات من الآن، فقد أطلقت الحكومة مكتبَ دبي الذكية من أجل قيادة هذا التحول.