حياة صياد الأخطاء البرمجية بين الصراع اليومي والدخل الضعيف

3 دقائق
مصدر الصورة: تقدمة من إيفان ريكافورت

يعمل إيفان ريكافورت البالغ من العمر 22 سنة بشكل مستقل دون أن يبرح مكانه؛ حيث يشغل مكتبه غرفة في منزل يشاطره مع عائلته قرب طريق سريع في الفلبين، وفيما يذهب والداه إلى العمل في متجر بقالة تمتلكه العائلة في بلدة إيبيل الجنوبية، يمضي هو ما يصل إلى 75 ساعة أسبوعياً داخل المنزل، وهو يعمل على حاسوبه الذي عدَّله لاحتياجاته خاصةً، وفي خضم كل هذا الضجيج من الدراجات النارية والكلاب النابحة والأطفال الباكين، قد يكون ريكافورت مشغولاً بإنقاذ بياناتك الشخصية.

يعمل ريكافورت صياداً للأخطاء البرمجية؛ وهو اسم يحمله نوع محدَّد من قراصنة المعلومات الأخلاقيين، والذين يبحثون عن نقاط الضعف في البرمجيات التي تبنيها وتمتلكها بعض أضخم الشركات التقنية في العالم قبل أن تُستغل لأهداف خبيثة، وبطبيعة الحال فإنهم لا يعملون مجاناً، حيث تدفع الكثير من الشركات الأموال (بكميات كبيرة في بعض الأحيان) للمساعدة على تحسين البرمجيات التي تعتمد أعمالها عليها. كما أن هناك كمية كبيرة من العمل، لدرجة أن صيد الأخطاء البرمجية أصبح مهنة ناشئة نوعاً ما.

غير أن ريكافورت لا يحمل شهادة احترافية في علوم الحاسوب أو البرمجة، لكن بعد أن بدأ ينشر أحدُ أصدقائه عن الجوائز المالية التي كان يفوز بها في صيد الأخطاء البرمجية، بدأ ريكافورت يجوب الإنترنت، ويقرأ مدونات باحثين آخرين في مجال الحماية الرقمية، ويشاهد العديد من مقاطع الفيديو بكل إصرار حتى يتعلم المهنة. ويقول إن أول جائزة فاز بها كانت "مجرد خمسين دولار من شركة ما"، ولكن إثارة العمل كانت كافية حتى يتعلق به، ثم تحول إلى العمل بدوام كامل في 2014.

في البداية لم يفهم أصدقاؤه وعائلته طبيعة العمل، ولكن بعد أن شرح لهم كل شيء، وبدأت الجوائز تتدفق عليه، أدركوا أخيراً أن هذا العمل يمثل خياراً مهنياً حقيقياً، وأنه ذو هدف فعلي أيضاً؛ يقول ريكافورت: "إن هذا العمل لا يعني مساعدة الشركة فقط، بل المجتمع بأكمله؛ أي المستخدمين والناس الذين يعتمدون على خدمات الشركة".

وقد اكتشف ريكافورت -على مدى السنوات الأربعة الماضية- نقاط ضعف في الكود البرمجي لأكثر من 200 شركة؛ بما فيها آبل، وجوجل، ومايكروسوفت، وبايبال، وياهو، وآي بي إم، وتويتش. وحقَّق في السنة الماضية أكبر دفعة مالية حصل عليها حتى الآن، وهي خمسة آلاف دولار دفعة واحدة (من شركة يقول إنه لا يستطيع أن يذكر اسمها)، ويقول: "لقد كانت هذه الدفعة المالية بمنزلة حدث غيَّرَ حياتي، لا يمكنني حتى أن أعبر عن مشاعري"، وكانت النتيجة أنه احتفل بعيد ميلاده كما يستحق أي فتى في الواحد والعشرين من العمر، فذهب في رحلة سياحية واشترى "لعبة" جديدة لنفسه، وهي دراجة بي إم إكس.

مصدر الصورة: تقدمة من إيفان ريكافورت

ولكن الخطأ البرمجي الذي يشتهر غالباً باكتشافه -والذي رفعه بكثير من الطرق إلى صفوف صيادي الأخطاء المَهَرة- لم يجلب له أي مبلغ مالي؛ فقد اكتشف ريكافورت في 2014 خطأً في جوجل نيست، يتيح للمهاجمين إمكانية الوصول إلى المعلومات الشخصية والمالية للمستخدمين، بما في ذلك المعلومات التعريفية، ومعلومات بطاقة الدفع، والنسخ الممسوحة من وثائق مثل جواز السفر وبطاقات الهوية، وقد أوصله هذا الاكتشاف إلى قاعة الشهرة لبرنامج جوائز نقاط الضعف من جوجل، ولكن فريق حماية جوجل قالوا له إن المشكلة كانت ناتجة عن مزود برمجيات خارجي، وبالتالي لم تحقق شروط الدفع (غير أن جوجل دفعت له لقاء أخطاء أخرى اكتشفها أيضاً).

مصدر الصورة: إيفان ريكافورت

ومن سوء الحظ أن هذا الامتناع عن الدفع ليس مجرد حادثة منفردة، فقد عرضت عليه شركات أخرى أشياء غريبة بدلاً من المال النقدي؛ بدءاً من الهدايا العينية، ووصولاً إلى جولة سياحية في العاصمة الأميركية، وعلى الرغم من أن ريكافورت يقول إنه يحب قميصه الذي أهدته له الحكومة الهولندية -والذي كتب عليه "لقد اخترقت الحكومة الهولندية ولم أحصل إلا على هذا القميص التَّعِس"- إلا أن هذا لا يساعده في تلبية متطلباته المعيشية.

وعلى كل حال يقول ريكافورت إنه يجني ما يكفيه لتدبر أمره، ويقدِّر مكسبه الشهري الوسطي بحوالي 10,000 بيزوس فلبيني؛ أي ما يساوي تقريباً 187 دولاراً، وهو ما يعادل راتباً متوسطاً في بلاده، على حين يمكن أن يصل المبلغ في بعض الأشهر التي يحالفه فيها الحظ إلى ما بين 20,000 و30,000 بيزوس؛ أي ما بين 374 و561 دولاراً.

وهذا ما يحدث عادةً بالنسبة للكثيرين من صيادي الأخطاء؛ تذبذبات كبيرة في المكسب، والاكتفاء بالعيش على أجور تعتبر واهية في أي بلد غربي ذات معيشة مكلفة، لكن هذا قد يبدأ يتغير؛ حيث ظهرت شركات مثل باج كراود وهاكر ون (وقد عمل ريكافورت مع كلتيهما)، وبدأت تسهِّل الأمور على صيادي الأخطاء؛ وذلك بعرض برامج تتيح لهم الحصول على دفعات أكثر انتظاماً، والاتصال بالشركات المستعدة للدفع (ويمكنك قراءة هذه المقالة لتطَّلع بشكل موسَّع على الشركات التي تساعد صيادي الأخطاء في الحصول على العقود).

وعلى أي حال يقول ريكافورت إنه يتمتع بالتأثير الذي يُحدثه عمله، وعلى الرغم من أنه مستعد للتفكير في وظيفة كاملة في الأمن السيبراني إذا كان العرض مناسباً، إلا أنه يشعر أنه قادر على إحداث أثر كبير في موقعه الحالي، وهو يحارب نقاط الضعف من خلف الكواليس، كما يقول: "أشعر بميل خاص إلى جوائز الأخطاء البرمجية".

المحتوى محمي